صدام فى عيون البعض !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 04:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-01-2007, 02:33 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صدام فى عيون البعض !

    Quote: إعدام صدام: براءة من بيان النقابة

    أكتب بعد صلاة فجر عيد الأضحى 10/12/1427 هـ، الموافق 30/12/2006، وقد صحوت على خبر تنفيذ حكم الإعدام شنقا حتى الموت في صدام حسين، إحقاقا لحق الشعب العراقي في أن يشفي الله صدره ويذهب غيظ قلبه، الذي تم كبته ما يزيد عن ربع قرن كامل.

    سجل جرائم صدام حسين تحت سمع وبصر العالم، ولسنا في حاجة إلى سرده، فهي جرائم من بشاعتها أنها لا تعد ولا تحصى، أكبرها هروبه يوم زحف قوات الغزو لاحتلال العراق، وعجزه عن مواجهتها ومقاومتها إلا بكلمات غثة فارغة كان بوقه فيها وزير إعلامه «الصحاف»، يهدد ويتوعد في دائرة من الخواء والخلاء أمام فضائيات ينتظر جمهور مشاهديها مقاومة ملموسة فعالة بقوات الجيش النظامي والشعبي والحزبي والعلني والمخفي، من دون أي جدوى، فالسيد الرئيس مشغول بما هو أهم من تحريك مقاومة «الأشاوس» المنتظرة والمأمولة، والتي كانت قد أبلت بلاءها الفاحش في سحق الشعب العراقي بنجاح ليس له أي نظير في تاريخ البشرية، سوى سجلات المتوحشين الذين، وإن سحقوا بشرا وخربوا ديارا، فهم من غير أهلهم وذويهم.

    كان صدام حسين والعراق يستذل بجنود الأعداء وبغداد تلتهم وتستباح بقوات الاحتلال الأمريكي والدولي، كان فخامته مشغولا بتبليغ رسائله إلى زوجته وبناته أن: «اهربوا»! ومشغول بسحب أرصدة الشعب العراقي من البنك المركزي ووضعها، ملايين الدولارات، في حاويات وقعت في أيدي قوات الاحتلال الأمريكي التي صارت تنفق منها جوائز لمن يسهل لهم القبض على صدام وأعوانه، تجسيدا للمثل المصري القائل: «من دقنه وافتل له».

    لم تكن هناك «خصومة» بين قيادة جنود الاحتلال الأمريكي وصدام وأعوانه، لكنها كانت «مخاصمة» بين حليفين فاجأ أحدهما الآخر بالتخلي عنه.

    هذا يوم يجب أن تعيد القنوات الفضائية المنصفة عرض أفلام صدام حسين التي تسجل، في جزء منها، مؤتمر غدره بزملائه يوليو 1979 وإعلانه عن خيانتهم وقراره إعدامهم من دون إحم أو دستور لأنه قرار «سياسي»، والتي تسجل لقطات إذلاله للشعب العراقي بالركل والرفس، والتي تسجل لقطات ترفه ولهوه هو وعائلته في قصوره ومزارعه وحدائقه، ومصافحاته مع دونالد رامسفيلد، وبقية أصدقائه من الأمريكيين، الذين زينوا له قتل جيرانه وتلويث النخل والضرع والنهرين حتى يجوع العراقي فلا يجد بلحا ولا سمكا ولا ماشية في مراعيه الفسيحة يمكن أن يشرب لبنها أطفاله ويأكل لحمها، ذلك لأنها مسمومة، بدلا من عرضه المخجل لأطفال العراق الجوعى والمرضى يتسول لهم الطعام والدواء، بدعوى مأزق «الحصار الدولي» على العراق، أنعشوا ذاكرة الأجيال العربية بجرائم هذا المأسوف عليه من عملائه ومرتزقته وكلاب صيده الذين تقاعسوا لحظة سقوط بغداد ويهددون اليوم بإسالة أنهار الدم بالعراق تنفيذا لتعليمات صدرت عن مقر قيادة المخابرات العراقية تقول: «في حالة سقوط الزعيم الحبيب صدام حسين ـ لا قدر الله ـ يتعين على كل خلية محلية من حزب البعث وكل فرقة خاصة من الفدائيين وكل عميل للمخابرات أن يقوموا بتصفية المتعاونين وأن يحرقوا المباني الحكومية والوثائق والقيام بأعمال السلب والنهب وكل ما يمكن أن يؤدي للفوضى العامة.... إن الأمر متروك لكل عضو مستقل بحزب البعث ليجد الوسيلة المناسبة لفتح بوابات الجحيم إذا ما سقطت حكومة صدام». ـ نقلا عن مجلة المصور المصرية 17/11/2006 ص 28.

    من حكمة الله عز وجل أن يعدم صدام حسين بمباركة أمريكية، فهكذا يهلك الله الظالمين بالظالمين والحمد لله رب العالمين.

    أنعشوا الذاكرة التي ترى لحظة إعدام السفاح فتتأسف وتدين ولا تستعيد لحظات الموت الجماعي للشعب العراقي الذي لم يجد في لحظات محنته من يتفهم وجعه ويمد له يد المساندة.

    والغريب أن تسارع نقابة الصحفيين المصريين في هذا الصباح المبكر في يوم إجازة العيد، ببث بيان يدين «إعدام صدام حسين» عبر قناة الجزيرة.

    متى اجتمعنا يا نقيب الصحفيين لكي نصوغ هذا البيان ونصوت عليه؟ كيف تتجرأ بتزوير إرادة الصحفيين المصريين، وأنا واحدة منهم، وتفرض عليهم انتماءك الناصري الموالي للجرائم الصدامية؟ كيف؟ وأين كانت إدانتك أنت وغيرك يوم كان العراق يذبح ويشنق ويعدم بالمئات والآلاف كل دقيقة على مدار ربع قرن؟

    اللهم يا شاهد غير غائب: أشهدك أني بريئة من هذا التزوير والخداع الذي يجب ألا يمر من دون حساب.

    صافيناز كاظم صحفية مصرية
                  

01-02-2007, 01:30 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صدام فى عيون البعض ! (Re: jini)

    Quote: إعدام صدام: نهاية طقوسية

    جاء توقيت تنفيذ حكم الإعدام لصدام حسين في صباح يوم عيد الأضحى صدمة لأصحاب الرؤى السياسية المعتدلة الذين لا يرضيهم هذا الأسلوب في الاستهانة بمشاعر الأمة الإسلامية، وما يمثله يوم الحج الأكبر من قيم تعبدية تمس ركنا من أركان دينهم، وما يحمله من دلالات رمزية في تكريم النفس الإنسانية، يجعل أي عبث بقدسية هذا اليوم وتوظيفه في الانتقام السياسي، واستحضار أبعاده وإشاراته التاريخية بالغ الخطورة على الداخل العراقي وخارجه في الحاضر والمستقبل. وتنفيذ حكم الإعدام في هذا التوقيت التاريخي من الحكومة العراقية كشف حجم المغامرة والتهور السياسي الذي لا تقدم عليه حكومات ودول عاقلة ومسؤولة عن مصالح شعوبها.

    هذا التوقيت المفاجئ للجميع وضع حدا لجميع الاعتراضات والتساؤلات والتفاصيل المطولة حول طبيعة المحاكمة وظروفها السياسية تحت الاحتلال ليكون الرأي العام العراقي والإقليمي والدولي أمام الأمر الواقع. لكن بدلا من أن يتم إنهاء هذا الملف الصعب لديكتاتور عربي بعقلانية سياسية وأسلوب حضاري، ليكون دلالة واقعية على رقي واعتدال سياسة من ائتمنهم الشعب العراقي على ترتيب أوضاعه وتوفير الأمن والاستقرار له، إذ يفاجأ الرأي العام العربي والإسلامي بعمل غير إنساني من هذه الحكومة باختيارها هذا التوقيت المثير للاشمئزاز وتستهجنه الطبائع السوية من خلال توظيف أزمنة ذات خصوصية دينية لا يسمح بالعبث بها، وما تخلقه من انطباعات عدائية، واسترجاع لصراعات تاريخية مليئة بالاختناقات الثقافية.

    يأتي هذا الاختيار المحير للعقلاء لتبدو هذه الحكومة متأثرة بالنهج والعقلية الزرقاوية التي تدعي أنها جاءت لتحاربه فترسخ بمثل هذا الأداء السياسي الغبي رؤى متطرفة، وتفكيرا عنفيا طائفيا لا يحترم القيم الإنسانية، ويتغذى على فكر انتقامي عبثي. لا يمكن القول إن هذا الاختيار جاء عفويا وبريئا من الحسابات الآيديولوجية والانتقام الشخصي الذي يعبر عن ثقافة محتقنة هشة في استلهام قيم الإسلام والفكر الإنساني المعاصر. هذا الفعل يشير إلى عقلية طقوسية تبحث عن إثارة أسطورية في سلوكها السياسي. في العالم العربي لا ينقصنا الوعي الخرافي المشحون بالألغاز والتفسيرات المؤامراتية في رؤية العالم وصراعاته، ويمثل لها هذا الفعل التاريخي مصدرا ملهما لبقاء الكثير من الخرافات في الوعي السياسي. هذا التوقيت العبثي لا يستطيع الكثيرون إدراك الهدف السياسي الذي يراد تحقيقه حيث لا توجد ضرورة في اختياره، فتقديمه أو تأخيره لأيام معدودة يحقق المطلوب دون تحميله بهذه الانطباعات الخطرة على المجتمع العراقي والعربي.

    إن أفضل مكافأة قدمتها الحكومة العراقية لصدام حسين وأنصاره في العراق وخارجه أن يأتي سيناريو الإعدام بهذه الطريقة والتوقيت الطقوسي، المصحوب بتصوير تلفزيوني يظهره بشجاعة تفوق شجاعة المنفذين للحكم وفي لحظات روحانية تشع مع إطلالة يوم النحر كانت كافية لخلق درجة من الأسطورية على حياة ونهاية هذا الرجل، وحتى يحافظ المشهد على أسطوريته المخصصة لشخص صدام دون أن تختلط معه شخصيات أخرى فقد تم تأجيل تنفيذ حكم الإعدام بحق برزان والبندر إلى ما بعد عيد الأضحى، وأرادت السلطات أن يكون هذا اليوم تاريخيا مخصصا للتخلص من صدام.

    هذه النهاية الطقوسية ستمهد لصعود جديد لخطاب ممزوج بروح قومية وإسلامية يلمع هذه الشخصية بصورة متزايدة دون خجل في ذاكرة الأجيال. فبعد السقوط المدوي لبغداد تحت الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 توارى هذا الخطاب وشعر بالخجل من تقديم أي مديح وشعارات قومية مسرفة بعد انهيار حزب البعث والتسبب في توريط العراق بهذه الكارثة. لكن مع بدايات تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وبدء ظهور صدام في محاكمات متلفزة، أخذ هذا الخطاب التمجيدي لصدام يعود للظهور وينمو بمرور الوقت للتذكير بالاستقرار والرخاء مع الحكومة الصدامية، وتزداد حالات الإعجاب بشخصيته من خلال متابعة مناقشاته مع القضاء. سيتطور هذا الخطاب من مقالات محدودة تحمل قدرا من التعقل في ابداء الإعجاب في مرحلة زعامته مع الإقرار بديكتاتوريته وطغيانه السياسي وانتهاكه للحريات وحقوق الإنسان إلى مرحلة تنسى معها أخطاؤه الكبرى وكونه سببا رئيسيا في الكارثة التي يعيشها العراق من احتلال وفقد للاستقرار.

    إن الحماقات المتكررة التي نشهدها من الحكومة العراقية ومن اميركا وإيران للعبث بمستقبل العراق لا يمكنها إخفاء جرائم صدام حسين التاريخية أو التسامح مع خطابات تحاول تلميعه، حتى شبهه البعض بعمر المختار. خطورة هذه الرؤى التي تمجد العهد الصدامي للتعبير عن سخطها من هذا الواقع الجديد بقدر كبير من المراوغات الخطابية، أنها تحاصر ذهنية الرأي العام العربي بثنائيات تقليدية للاختيار بين احتلال مرفوض أو عهد بائد كانت نتيجته هذه الأوضاع المأساوية. وبما أن وضع الكثير من الحكومات والزعامات العربية أفضل حالا من السياسة البعثية في عهد صدام، فإن انتشار هذه الرؤية التمجيدية المخاتلة ستؤثر على فعالية التغيير المنتظر في الدول العربية، لأن هذه المقارنات الغوغائية في تمجيد أزمنة ديكتاتورية ستكون سببا في تعطيل وعي الشعوب في أهمية الإصلاح والديمقراطية الداخلية، والانشغال بخصومات لا علاقة لها بمشكلاتنا الحضارية، وترسخ قناعات الدول الغربية الكبرى بعدم جدوى وأهلية مجتمعاتنا لأي إصلاحات سياسية، لتدعم أنظمة القبضة الحديدية التي تناسب هذه الشعوب.
                  

01-02-2007, 11:38 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صدام فى عيون البعض ! غسان الامام (Re: jini)

    Quote: إعدام الطاغية: انتقام في ثوب عدل

    عرفت صدام منذ أكثر من أربعين عاما. كان لاجئا إلى سورية، بعد اشتراكه في محاولة اغتيال الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم. كان صدام في ذلك الحين يدق باب الثلاثين من العمر. لا يميزه عن أقرانه سوى طوله، ولهجته العشيرية وبطء كلامه، ويديه المدموغتين بنقاط الوشم، وتصرفه في مجلسه مع رفاقه اللاجئين معه، بما يوحي بالمباهاة الضمنية بفعلته الدموية.

    بدا لي صدام شديد الاعتداد والثقة بالنفس، مع شيء من التعالي على الرفاق. كانت عيناه اللتان جحظتا لحظة إعدامه، زائغتي النظرات دائماً، لم يكن يثبتهما في عيون ووجوه الجالسين معه. وعلمتني مهنتي أن أتعرف على طَويّة السياسي من عينيه، لا من كلامه. لا أحب السياسي ذا النظرات الزائغة. يصبح عندي لغزا غامضا وكريها.

    لعل هذا هو السبب الذي حدا بي إلى الاكتفاء بمراقبة صدام عن كثب، من دون تحمل عناء التعرف عليه. لم أندم، لكن لم أكن أعرف أن شابا لا يوحي بالثقة سوف يحكم العراق بوحشية دموية لم يعرف العرب مثيلا لها في عصرهم الحديث.

    لم تطل إقامة صدام كثيرا في دمشق. هاجر الى مصر. كان معجبا بعبد الناصر، مقلدا لهيبته الزعامية، لكن شتان ما بين الشخصيتين والنفسيتين والثقافتين. عندما تمكن صدام من الحكم بالدموية التي اتبعها في العراق وبشراء الضمائر في العالم العربي، آليتُ على نفسي ألا أزور العراق وهو في السلطة.

    لم أُلَبِ دعوة طارق عزيز لقضاء أيام معه في الريف العراقي، لوضع كتاب عن «البعث» بقيادة صدام. هوى طارق في تقييمي له الى ما دون الصفر، منذ أن قال لي بجدية نفاقه المبرمج إن «الأستاذ صدام»، وليس عفلق، هو منظِّر ومفكر «البعث»!

    ويبدو أن ما تبقى من زيت في سراج العمر لن يوفر لي زيارة العراق الحبيب، وحكامه الجدد يحكمونه بدموية ووحشية فاقتا أساليب صدام. ولا أدري ما إذا كان السيستاني هو المرجع الديني صاحب الفتوى الشيعية بقتل صدام في وقفة عيد الأضحى عند الشيعة، وأول أيام العيد عند السنّة. كان إعدام الطاغية في الأيام السلمية الفضيلة انتقاما في ثوب عدل! وثوب العدل عادةً فضفاض يمتلئ بالثقوب، إذا لم تغلفه الرحمة.

    لست معنيا بسيرة صدام السياسية. فهي معروفة التفاصيل لدى كل عراقي وعربي معني بالسياسة. التوقف عندها نوع من التكرار الباعث على الملل. إنما أود أن أركز على الجانب الأصعب، على العامل النفسي والثقافي في تركيب النسيج الشخصاني لهذا المخلوق السياسي. كنت أتمنى لو أن صدام عُرض بعد اعتقاله على باحثين وأطباء نفسيين لدراسة شخصيته. ولا أدري ما إذا كان علم النفس والطب النفسي قد تطورا الى درجة تسمح بالاحتفاظ بدماغ المجرم بعد وفاته، لدراسة التلافيف والخلايا، وما اذا كان لها من أثر في تفكيره وميله الإجرامي، وسلوكه الدموي في التعامل مع الآخرين. المؤسف ان علم النفس، منذ فرويد ويونغ، لا يقدم دراسات بحثية عميقة ومفصلة في المجال النفسي السياسي والجماهيري. من هنا ليست لديَّ مقاييس ومعايير علمية لدراسة شخصية صدام، إنما أعتمد رؤية شخصية محايدة لسياساته وسلوكه، معتقدا اننا أمام حالة جنون نفسي وعقلي خطرة وفريدة، كانت تقتضي وضع صاحبها في مستشفى للأمراض العقلية، وليس على رأس دولة ونظام وحزب حاكم على مدى 35 عاما.

    اليتم والفقر لعبا دورهما في تشكيل مركَّب النقمة والغيرة لدى الطفل صدام. الأب يموت باكرا. الأم تحرمه من الحنان بالزواج ثانية. الخال يتكفل بتربيته تربية متقشفة مع أبنائه. هذه النقمة ما لبثت أن عبر عنها «الرئيس» صدام في تقريبه وإبعاده لإخوته من أمه ولأبناء خاله. نعم، تزوج حسب العرف العشيري من ابنة الخال، لكنه ما لبث أن تزوج عليها، وتسرى بخليلات غيرها، بل عمد الى قتل شقيقها عدنان بعدما عيّنه وزيرا لدفاعه، ولم يأنف من قتل زوج ابنته بعد عودته وتوبته.

    في حزب البعث، وجد الفتى صدام أسرته الحقيقية وفرحه الشخصي بالانتماء والارتباط. في الطابع الدموي لستينات الحياة السياسية العراقية، ادرك الشاب صدام بغريزته الحزبية أن الحزب يحتاج الى الشقي (الغانغستر) في الصراع على الشارع مع الشيوعيين الدمويين، أكثر من حاجته الى السياسي والمفكر والمثقف. من هنا، تقدم صدام وتأخر سعدون حمادي وطارق عزيز وعبد الخالق السامرائي...

    في الاستيلاء على الحكم والسلطة، تفجرت الغرائز والنزعات التسلطية الطموحة الكامنة في النفس الشقية. اختصر صدام العراق دولة ونظاما وشعبا واحزابا بشخصه. لا نصيحة. لا حوار. لا مشاركة. توارت العلاقة الحميمة بين الرفاق. تحولوا من متساوين ومستشارين الى أجراء مساعدين. في هواجس ووساوس الخوف الجنونية من المنافسة، بكى القائد وهو يسوق ما تبقى من الرفاق معه الى مشاركته في قتل الرفاق في حفلات الاعدام السادية.

    في التفرد الشخصي الموحش على قمة السلطة، اعتمد صدام فراسته الغريزية في توريط العراق والعرب في حروب ومواجهات فروسية عبثية مع الجيران والدول الكبرى. في اعتماد الغدر والمخاتلة، غزا صدام الكويت مبتلعا تعهده «القومي» بعدم احتلال الاشقاء. في دويِّ طبول المكابرة الاعلامية، تحولت الهزائم الى انتصارات مزعومة. في غباء ادارة السياسة وغيبة الشعور بالمسؤولية، اضاع صدام بلدا لم يعرف كيف يحافظ عليه كالرجال، ولم يعرف كيف ينهي حياته قبل ان يقع في قبضة اعدائه.

    هل للثقافة دور في صياغة وصقل الممارسة السياسية؟

    سبق لي أن قلت هنا إن الثقافة ليست شرطا معرفيا في السياسي. يكفيه الحد الأدنى من الثقافة السياسية والانسانية. الثقافة تهذب النفس. لا يمكن للمثقف الأصيل أن يكون رجل عنف وتهور ومغامرة. الثقافة الرفيعة تسمو بالممارسة الى آفاق من العدل والتسامح والرحمة في التعامل مع الآخرين.

    في كتابات صدام السياسية والتنظيرية، لا يبدو الرجل مثقفا او مفكرا. في جملته المفككة وعبارته الركيكة استيحاء ساذج ومبسط لا يتجاوز أفكار عفلق وبديهياته القومية. لو كان صدام مثقفا لعرف كيف يُعنى بتربية ولديه. كان ضعيفا أمامهما. تركهما لمحاكاته في عنفه، وفي فرض شرورهما ببلادة وبلاهة على الناس.

    ضعف ثقافة صدام حال دون تأهله فكريا ونفسيا لفهم واستيعاب التحولات الاجتماعية والسكانية الضخمة في العراق، فعالج الاشكاليتين المذهبية والعرقية بعنجهية القوة والعنف، وصولا الى استخدام سلاح الابادة الجماعية ضد جيرانه ومواطنيه المتمردين عليه، والى الارتداد بحلم البعث بمجتمع متقدم، الى كابوس مجتمع عشيري متخلف، تتحكم فيه نخبة فاسدة بلا ضمير أو خيال سياسي، نخبة ذليلة ممسوحة الشخصية ساهمت في فرض عبادة الشخصية الطاغية في أبشع صورها، إرضاء لغرور «القائد» ولنرجسيته في أنانيتها القاتلة.

    كانت العدالة تقضي بأن يُحاكم صدام أمام محكمة دولية على جرائمه بحق شعبه وأمته، لكن رئيسا آخر أخرق شاء، في رغبته الشخصية الجارفة في التنكيل بصدام، أن يُحاكم محاكمة عرقية وطائفية ضيقة، أمام محكمة عراقية هزيلة، درب الأميركيون قضاتها وسنوا قوانينها. بوش يتحمل مسؤولية شخصية. لولا موافقته الضمنية لما تجرأت دُمى الاحتلال على تنفيذ حكم بالقتل.

    عندما مات شيخ العشيرة النزق عودة بو تايه، صاح لورنس في الصحراء، «الآن انتهت القرون الوسطى العربية». لم يكن ذلك صحيحا. ما زلنا نعيش ظلامية القرون الوسطى العربية. لم ولن تنتهي بموت صدام. سوف تستمر بوجود حكام في العراق لا يقلون عنه ظلما وظلامية، ويحاكونه في غباء إدارة السياسة والعدالة، وترسيخ قاعدة الثأر والانتقام.
                  

01-02-2007, 11:49 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صدام فى عيون البعض ! غسان الامام (Re: jini)

    Quote: إعدام الطاغية: انتقام في ثوب عدل

    عرفت صدام منذ أكثر من أربعين عاما. كان لاجئا إلى سورية، بعد اشتراكه في محاولة اغتيال الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم. كان صدام في ذلك الحين يدق باب الثلاثين من العمر. لا يميزه عن أقرانه سوى طوله، ولهجته العشيرية وبطء كلامه، ويديه المدموغتين بنقاط الوشم، وتصرفه في مجلسه مع رفاقه اللاجئين معه، بما يوحي بالمباهاة الضمنية بفعلته الدموية.

    بدا لي صدام شديد الاعتداد والثقة بالنفس، مع شيء من التعالي على الرفاق. كانت عيناه اللتان جحظتا لحظة إعدامه، زائغتي النظرات دائماً، لم يكن يثبتهما في عيون ووجوه الجالسين معه. وعلمتني مهنتي أن أتعرف على طَويّة السياسي من عينيه، لا من كلامه. لا أحب السياسي ذا النظرات الزائغة. يصبح عندي لغزا غامضا وكريها.

    لعل هذا هو السبب الذي حدا بي إلى الاكتفاء بمراقبة صدام عن كثب، من دون تحمل عناء التعرف عليه. لم أندم، لكن لم أكن أعرف أن شابا لا يوحي بالثقة سوف يحكم العراق بوحشية دموية لم يعرف العرب مثيلا لها في عصرهم الحديث.

    لم تطل إقامة صدام كثيرا في دمشق. هاجر الى مصر. كان معجبا بعبد الناصر، مقلدا لهيبته الزعامية، لكن شتان ما بين الشخصيتين والنفسيتين والثقافتين. عندما تمكن صدام من الحكم بالدموية التي اتبعها في العراق وبشراء الضمائر في العالم العربي، آليتُ على نفسي ألا أزور العراق وهو في السلطة.

    لم أُلَبِ دعوة طارق عزيز لقضاء أيام معه في الريف العراقي، لوضع كتاب عن «البعث» بقيادة صدام. هوى طارق في تقييمي له الى ما دون الصفر، منذ أن قال لي بجدية نفاقه المبرمج إن «الأستاذ صدام»، وليس عفلق، هو منظِّر ومفكر «البعث»!

    ويبدو أن ما تبقى من زيت في سراج العمر لن يوفر لي زيارة العراق الحبيب، وحكامه الجدد يحكمونه بدموية ووحشية فاقتا أساليب صدام. ولا أدري ما إذا كان السيستاني هو المرجع الديني صاحب الفتوى الشيعية بقتل صدام في وقفة عيد الأضحى عند الشيعة، وأول أيام العيد عند السنّة. كان إعدام الطاغية في الأيام السلمية الفضيلة انتقاما في ثوب عدل! وثوب العدل عادةً فضفاض يمتلئ بالثقوب، إذا لم تغلفه الرحمة.

    لست معنيا بسيرة صدام السياسية. فهي معروفة التفاصيل لدى كل عراقي وعربي معني بالسياسة. التوقف عندها نوع من التكرار الباعث على الملل. إنما أود أن أركز على الجانب الأصعب، على العامل النفسي والثقافي في تركيب النسيج الشخصاني لهذا المخلوق السياسي. كنت أتمنى لو أن صدام عُرض بعد اعتقاله على باحثين وأطباء نفسيين لدراسة شخصيته. ولا أدري ما إذا كان علم النفس والطب النفسي قد تطورا الى درجة تسمح بالاحتفاظ بدماغ المجرم بعد وفاته، لدراسة التلافيف والخلايا، وما اذا كان لها من أثر في تفكيره وميله الإجرامي، وسلوكه الدموي في التعامل مع الآخرين. المؤسف ان علم النفس، منذ فرويد ويونغ، لا يقدم دراسات بحثية عميقة ومفصلة في المجال النفسي السياسي والجماهيري. من هنا ليست لديَّ مقاييس ومعايير علمية لدراسة شخصية صدام، إنما أعتمد رؤية شخصية محايدة لسياساته وسلوكه، معتقدا اننا أمام حالة جنون نفسي وعقلي خطرة وفريدة، كانت تقتضي وضع صاحبها في مستشفى للأمراض العقلية، وليس على رأس دولة ونظام وحزب حاكم على مدى 35 عاما.

    اليتم والفقر لعبا دورهما في تشكيل مركَّب النقمة والغيرة لدى الطفل صدام. الأب يموت باكرا. الأم تحرمه من الحنان بالزواج ثانية. الخال يتكفل بتربيته تربية متقشفة مع أبنائه. هذه النقمة ما لبثت أن عبر عنها «الرئيس» صدام في تقريبه وإبعاده لإخوته من أمه ولأبناء خاله. نعم، تزوج حسب العرف العشيري من ابنة الخال، لكنه ما لبث أن تزوج عليها، وتسرى بخليلات غيرها، بل عمد الى قتل شقيقها عدنان بعدما عيّنه وزيرا لدفاعه، ولم يأنف من قتل زوج ابنته بعد عودته وتوبته.

    في حزب البعث، وجد الفتى صدام أسرته الحقيقية وفرحه الشخصي بالانتماء والارتباط. في الطابع الدموي لستينات الحياة السياسية العراقية، ادرك الشاب صدام بغريزته الحزبية أن الحزب يحتاج الى الشقي (الغانغستر) في الصراع على الشارع مع الشيوعيين الدمويين، أكثر من حاجته الى السياسي والمفكر والمثقف. من هنا، تقدم صدام وتأخر سعدون حمادي وطارق عزيز وعبد الخالق السامرائي...

    في الاستيلاء على الحكم والسلطة، تفجرت الغرائز والنزعات التسلطية الطموحة الكامنة في النفس الشقية. اختصر صدام العراق دولة ونظاما وشعبا واحزابا بشخصه. لا نصيحة. لا حوار. لا مشاركة. توارت العلاقة الحميمة بين الرفاق. تحولوا من متساوين ومستشارين الى أجراء مساعدين. في هواجس ووساوس الخوف الجنونية من المنافسة، بكى القائد وهو يسوق ما تبقى من الرفاق معه الى مشاركته في قتل الرفاق في حفلات الاعدام السادية.

    في التفرد الشخصي الموحش على قمة السلطة، اعتمد صدام فراسته الغريزية في توريط العراق والعرب في حروب ومواجهات فروسية عبثية مع الجيران والدول الكبرى. في اعتماد الغدر والمخاتلة، غزا صدام الكويت مبتلعا تعهده «القومي» بعدم احتلال الاشقاء. في دويِّ طبول المكابرة الاعلامية، تحولت الهزائم الى انتصارات مزعومة. في غباء ادارة السياسة وغيبة الشعور بالمسؤولية، اضاع صدام بلدا لم يعرف كيف يحافظ عليه كالرجال، ولم يعرف كيف ينهي حياته قبل ان يقع في قبضة اعدائه.

    هل للثقافة دور في صياغة وصقل الممارسة السياسية؟

    سبق لي أن قلت هنا إن الثقافة ليست شرطا معرفيا في السياسي. يكفيه الحد الأدنى من الثقافة السياسية والانسانية. الثقافة تهذب النفس. لا يمكن للمثقف الأصيل أن يكون رجل عنف وتهور ومغامرة. الثقافة الرفيعة تسمو بالممارسة الى آفاق من العدل والتسامح والرحمة في التعامل مع الآخرين.

    في كتابات صدام السياسية والتنظيرية، لا يبدو الرجل مثقفا او مفكرا. في جملته المفككة وعبارته الركيكة استيحاء ساذج ومبسط لا يتجاوز أفكار عفلق وبديهياته القومية. لو كان صدام مثقفا لعرف كيف يُعنى بتربية ولديه. كان ضعيفا أمامهما. تركهما لمحاكاته في عنفه، وفي فرض شرورهما ببلادة وبلاهة على الناس.

    ضعف ثقافة صدام حال دون تأهله فكريا ونفسيا لفهم واستيعاب التحولات الاجتماعية والسكانية الضخمة في العراق، فعالج الاشكاليتين المذهبية والعرقية بعنجهية القوة والعنف، وصولا الى استخدام سلاح الابادة الجماعية ضد جيرانه ومواطنيه المتمردين عليه، والى الارتداد بحلم البعث بمجتمع متقدم، الى كابوس مجتمع عشيري متخلف، تتحكم فيه نخبة فاسدة بلا ضمير أو خيال سياسي، نخبة ذليلة ممسوحة الشخصية ساهمت في فرض عبادة الشخصية الطاغية في أبشع صورها، إرضاء لغرور «القائد» ولنرجسيته في أنانيتها القاتلة.

    كانت العدالة تقضي بأن يُحاكم صدام أمام محكمة دولية على جرائمه بحق شعبه وأمته، لكن رئيسا آخر أخرق شاء، في رغبته الشخصية الجارفة في التنكيل بصدام، أن يُحاكم محاكمة عرقية وطائفية ضيقة، أمام محكمة عراقية هزيلة، درب الأميركيون قضاتها وسنوا قوانينها. بوش يتحمل مسؤولية شخصية. لولا موافقته الضمنية لما تجرأت دُمى الاحتلال على تنفيذ حكم بالقتل.

    عندما مات شيخ العشيرة النزق عودة بو تايه، صاح لورنس في الصحراء، «الآن انتهت القرون الوسطى العربية». لم يكن ذلك صحيحا. ما زلنا نعيش ظلامية القرون الوسطى العربية. لم ولن تنتهي بموت صدام. سوف تستمر بوجود حكام في العراق لا يقلون عنه ظلما وظلامية، ويحاكونه في غباء إدارة السياسة والعدالة، وترسيخ قاعدة الثأر والانتقام.
                  

01-02-2007, 12:49 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صدام فى عيون البعض ! مشترى الزايدى (Re: jini)

    Quote: ليس من أجل صدام

    إعدام صدام حسين بهذه الطريقة المثيرة للشكوك في سرعتها وتوقيتها، سيؤدي الى تأجيج الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في العراق، رضي نوري المالكي وموفق الربيعي أم لم يرضيا، صرحا أم لم يصرحا، عن المصالحة الوطنية.

    هذا للأسف هو الذي جرى في محاكمة صدام حسين، خصوصا في فصولها الاخيرة، حيث تحول الرئيس المخلوع الى قضية مشكلة بحد ذاته، وأصبح مصيره ومحاكمته أمرين من شأنهما الاسهام في توجيه الحالة السياسية والامنية في العراق بين الاطراف المتصارعة، بينما كان من الممكن ان تصبح محاكمة صدام فرصة لفتح صفحة جديدة في العراق الجديد، صفحة يكتب حروفها كل العراقيين، لا أن تقتصر حروفها على الحرف الشيعي او الحرف الكردي. فصدام قتل وظلم كل العراقيين، لا طرفا واحدا منهم.

    الآن أعدم صدام، وما حصل حصل.

    أعدم، والحق يقال، وهو رابط الجأش، ثابت الجنان، مصرا على افكاره وأقواله الى النفس الاخير، قبل ان يتدلى جسده في فوهة الموت بقليل.

    والسؤال: وماذا بعد؟!

    وقبل ذلك، من هو المستفيد عمليا من إعدام صدام حسين بهذه الطريقة الغريبة والتوقيت الأغرب يوم عيد الاضحى؟!

    حينما صدر حكم الاعدام على صدام في نوفمبر الماضي، كتبت في هذه المساحة: «لو كان الامر بيدي لفضلت السجن الدائم لصدام على الموت».

    حتى يتعود العراق على اسلوب جديد حقا، ويفتح صفحة جديدة صدقا، لا كما يدعي المالكي او الربيعي، وليس ذلك من اجل الحفاظ على حياة صدام حسين، فهو ارتكب جرائم فظيعة، لكن من اجل الغاء مفردة القتل والقتل المضاد من حياتنا السياسية، فالسمو كل السمو، هو في التعالي على لغة الثأر والاحقاد التي لا تنتهي، وموفق الربيعي، مستشار الامن القومي، قال في مقابلة مع إحدى المحطات الفضائية الامريكية، إنه شخصيا تعرض للتعذيب والسجن في عهد صدام حسين! الأمر الذي يجعل حكومة المالكي التي صدقت الحكم، تبدو وكأنها معنية، وبشكل شخصي مباشر، بقتل صدام حسين، وهنا نصبح ازاء سلوك ثأر فردي او حزبي، اكثر من ان نكون إزاء تفكير عال ينبع من الحس السياسي المسؤول.

    نذكر هنا العراقيين الذين أعدموا صدام حسين، ونذكر من قال لنا إن إعدامه سيفتح صفحة جديدة في العراق، نذكرهم حديث التاريخ القريب والبعيد، فلم يكن الاعدام والقتل والثأر يوما ترياقا للامن، فصدام قتل رفاق الامس وخلع البكر وانقلب على عارف، وعارف انقلب على قاسم، وقاسم انقلب على الملكية.

    وهذا يذكرني بقصة من العراق قديمة / جديدة، حينما هزم مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الثقفي، واحتزت رأسه ووضعت بين يديه، كما وضع رأس عبيد الله بن زياد (قاتل الحسين بن على) بين يدي المختار، وكما وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد، وكما سيوضع رأس مصعب بن الزبير نفسه بين يدي عبد الملك بن مروان.. وهكذا دورة قتل على الجميع.

    الآن نقول: من المستفيد، وماذا بعد؟!

    بداية لا يوجد عاقل او عارف بما فعل صدام يدافع عنه وعن سلوكه، فالرجل ارتكب الكثير، وهو يستحق العقوبة، لكن المشكلة أن مسألة صدام تحولت الى سهم في بورصة الخلافات العراقية، فالسنة، ربما باستثناء القاعدة، يرون في صدام رمزا وحيدا لهم في ظل الاصطفافات الطائفية والعرقية في العراق، الكل يخيف هناك، ولديه ميليشيا «مشروعة» من الشيعة الى الاكراد، لكن السنة، لا رموز لديهم، وان كان لديهم رموز فهم اشخاص غير مقنعين أو صقور متشددون غير معترف بهم شرعيا، مثل حارث الضاري.

    إذن وفي ظل هذه المعطيات، أصبح صدام، ومع طول امد المحاكمة، وخطبه البلاغية، وتحديه للمحكمة، ومع تزايد العنف ضد الامريكان وحكومة المالكي من قبل البعثيين او مجاميع المقاومة السنية، أصبح هناك احتياج واضح لرمز قيادي، وهنا صار صدام، يشكل معقدا لآمال هؤلاء، ولذلك يبدو ان الاسراع باعدامه من قبل نوري المالكي والطبقة السياسية الشيعية، هو من اجل إلغاء اي تفكير قد يذهب باتجاه اعادة تأهيل صدام حسين، او تحويل مصيره والابقاء على حياته الى ورقة مساومة، يمكن ان تلعب مع اتباعه من المقاومة السنية والبعثية. هذا في جانب، وفي جانب آخر، فالطبقة السياسية الشيعية الحاكمة في العراق، تعتقد ان اعدام صدام والاقتصاص منه هو أمر «مصيري» وحلم من الاحلام التي تحرك ماكينة التحشيد الحزبي لدى القواعد الشيعية، بل ان رموز هذه الطبقة، مثل حسين الشهرستاني (لا بد من قراءة مذكراته عن سجنه في عهد صدام ) وايضا موفق الربيعي ونوري المالكي والجعفري وصولاغ ... الخ كلهم يمثل صدام بالنسبة لهم «شمر بن ذي الجوشن» الجديد او يزيد بن معاوية، وهم ايقونات الشر في خيال هؤلاء، وربما، نقول ربما، ان الامريكان سربوا الى هؤلاء ان هناك لغطا وحديثا حول مصير صدام، فسلموه لهم، وانتهز هؤلاء الفرصة، وبادروا الى اعدامه حتى يفرضوا واقعا عمليا.

    ولكن هل كان الايرانيون على علم بذلك؟ وهل استشار المالكي والطبقة الشيعية الحاكمة، راعيتهم ايران في هذا الصدد؟!

    الاكيد ان هؤلاء ما كانوا ليقطعوا امرا من دون اذن ايران، او اطلاعها على الاقل، فهي «العمق الاستراتيجي» لهم، ورجالات العراق الجديد مثل مسعود بارزاني يعرفون كيف كان الحكيم اثناء صياغة الدستور يخرج احيانا من الغرفة لاجراء مكالمة مع طهران، من اجل اخذ التعليمات!

    لكن ما هي مصلحة ايران من اثارة السنة واعدام صدام بهذه الطريقة وبهذا التوقيت؟!

    الجواب غامض، ولا ندري شيئا على وجه اليقين، هناك رأي يقول ان ايران تريد احراق العراق واشعاله تحت اقدام الامريكان وتصعيب المهمة على الدول الاقليمية، وعلى رأسها السعودية، من خلال تدشين حرب اهلية حقيقية، من اجل القول إننا نحن في ايران القادرون فقط على تهدئة الشيعة وتحييد عنفهم، فإما ان تقروا لنا، بالقدرة على التأثير في مجريات الامور، فنحن نملك مفتاح الجنة والنار في العراق، واما ان نخرب عليكم كل مشاريعكم، وفي النهاية ستأتون الينا، وأما الدافع السياسي الداخلي لايران في العراق فهو ان تظهر للشيعة انها هي التي تأخذ بثأرهم وتطبب جراحهم.

    وهناك رأي يقول، لا، ايران غير مستفيدة من اعدام صدام بهذه الطريقة، فصدام بالنسبة لها انتهى عمليا ولا يشكل خطرا منذ امد طويل، وهي تريد ان تظهر بشكل غير طائفي في العالم الاسلامي، وقتل صدام على يد جلادين يهتفون باسم مقتدى الصدر ومحمد باقر الصدر (رمز حزب الدعوة) من المؤكد انه سيثير حنق السنة، ليس في العراق فقط، بل في العالم كله ضد الشيعة، الامر الذي سيجعل ايران مجبرة على الدفاع عن الشيعة، فهي حاميتهم، وستجد نفسها، ليست قائدة للعالم الاسلامي، كما يأمل قادتها وملاليها، بل مجرد دولة طائفية تحمي مجاميع شيعية في الشرق والغرب، وربما هذا ما يفسر التعليق الغاضب لآية الله خامنئي الاخير حول ان من يقول بمقولة «الهلال الشيعي» يعتبر خائنا للامة الاسلامية.

    الايام المقبلة ستكشف عن طبيعة الاسهام الايراني في هذه القضية، ولكن المثير للغرابة حقا هو الدور الامريكي، فلماذا سلم الامريكيون صداما لحزب الدعوة، واتباع الصدر والحكيم، وهل كان الامريكان يجهلون ان اعدام صدام، في ظل هذه الاجواء الملبدة، سيفاقم الحرب الاهلية في العراق؟!

    هل هو خطأ آخر من سلسلة الاخطاء، التي ارتبكها الامريكيون في العراق، أم ان بوش في حالة «انيميا»، حادة وفقر واضح للانتصارات، فيريد باعدام صدام «هتلر الجديد» ان يبعث برسالة داخلية قوية في امريكا على بوابة الانتخابات من اجل القول انه يفعل شيئا عظيما هناك؟

    أم ان الامريكان يريدون توريط الايرانيين والشيعة في مواجهة التطرف السني، ويخرجون هم منها من خلال اسلوب الحرب بالوكالة؟!

    ايضا لا ندري... الأكيد ان اعدام صدام، في يوم الاضحى، رسالة بعض سطورها بين، واكثرها مكتوب بحبر لا يبين الا مع الايام.

    الشيء الاكيد الآخر ان حالة التواجه بين الطموح الايراني والمعسكر العربي، الذي تقوده السعودية، اصبحت حالة بارزة للعيان، والسعودية التي اصدرت بيانا سريعا يستهجن هذا الامر، الذي «بيت بليل»، وكذلك البيان المصري، سيجعل الفترة المقبلة فترة ساخنة في الصراع.

    والحق ان المرء يشعر بالقلق من تنامي الطائفية، ومن الخطر التوسعي الايراني والمقلق أكثر، ان الطائفية ستتنامى رغم انوفنا، وسيقع ضحايا كثيرون لهذا الغليان الرهيب...

    ويبدو ان هذا الغليان لن يهدأ حتى ترجع ايران الى حدودها الداخلية، وتتخلى عن طموحاتها في المنطقة.

    نحن على ميعاد جديد من التوتر والحروب والفتن، ومن كان يتوقع ان ما جرى في العراق هو الذروة، فهو واهم، هناك ذرى اعلى للفتن لم تسفر بعد عن رؤوسها!

    فتن ستأكل نارها كل شيء، الامن والسلام والتنمية... والتسامح الديني ايضا.

                  

01-02-2007, 04:36 PM

زياد جعفر عبدالله
<aزياد جعفر عبدالله
تاريخ التسجيل: 11-15-2005
مجموع المشاركات: 2348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صدام فى عيون البعض ! (Re: jini)

    الاستاذ جني
    شكرا على ايراد المقالات اعلاه
    لاحظت بعضها لم يرد اسم كاتبه او المصدر
    الرجاء محاولة ايرادهما
    لك الشكر والتحايا
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de