لم تجد مراسلة صحيفة الشرق الاوسط بالخرطوم " شذي مصطفي " مايعيب في ان تنسب حيثيات ورشة حول ادب الحرب بالسودان ، اقامها اتحاد الكتاب السودانيين بقاعة محمد عبد الحي بالمتحف الطبيعي مطلع مارس ، لم تجد ما يعيب ويتنافي وروح المهنية الصحفية ان تنسبها لنفسها ، فلقد قامت هذه الصحفية بنقل افكار ورؤي ومعلومات الورشة التي تشارك في تقديمها كل من عبد المنعم الكتيابي وديرك الفرد ومنصور الصويم وعصام ابو القاسم والحضور الذي كانت من بينه ،نقلها للصحيفةوكأنها من بنات افكارها ، دون ان تشير للاتحاد الذي بذل ما بذل من جهد حتي يفكر ويقيم هذه الفعالية .. لقد عملنا بالصحافة وبالنسبة لنا ما قامت به هذه الصحفية ليس فقط يفتقر للمهنية انما ايضا يمثل سرقة لجهد الغير .. طالع عزيزي القاري المقال ويمكنك ان تتصور لوحدك ..
ضحايا الحرب السودانية يثأرون لأنفسهم من قلب القبور
الخرطوم: شذى مصطفى
من الصعوبة إحصاء وتصنيف الأعمال الأدبية والفنية التي تناولت الحرب الأهلية بالسودان التي استمرت أكثر من عشرين عاما. فهناك الأدب التعبوي، مثلاً، الذي يهدف لإذكاء نار الحرب بشعر الحماسة وموسيقى الجيش وقصائد المقاومة لرفع معنويات الجنود ودفعهم بشبق إلى قبضة الموت. وهي أعمال كثيرة يغلب عليها الشعر والغناء الذي لا ينقصه الجمال أو الصدق. فكل طرف يؤمن بعدالة قضيته، ولكن ما نتناوله في رصدنا هنا هي الأعمال الأدبية والفنية التي تطرقت الى الجانب "المدني" أي التي تعنى بالإنسان ومعاناته وخطابه مع نفسه والآخرين، وسؤاله الملح عن جدوى القتال.
في أوائل الثمانينات نشرت قصيدة للشاعر صلاح أحمد إبراهيم بعنوان "فكر معي ملوال" نالت شهرة واسعة، كتبها بالحاسة السادسة المعروفة للشعراء، محذرا من تصاعد المناوشات بين الشمال والجنوب، قبل أن تغوص النفوس في وحل الدماء. ويرد فيها الشاعر كمواطن شمالي على تهمة المواطن الجنوبي "ملوال" له بـأنه عربي دخيل على السودان يستغل ثرواته ويضطهده، موضحا أن أي مواطن في الشمال نضجت مضغة أجداده في أرحام نساء زنجيات، وان اللون الداكن وذاك الشعر المفلفل والشفة الغليظة لإنسان الشمال دليل على ذلك، فكلنا إخوان. وكتب في قصيدته "كذاب الذي يقول في السـودان/ إنني الصريح/ إنني النقي العرق/ إنني المحض/ أجل كذاب/ فكر معي ملوال قبل أن تنتابنا قطيعة رعناء/ باسم عزة جوفاء أو باسم سداد دين/ يوغرها العدو الذي مرَّ به الآباء/ فلنقل براء نحن منها/ ننفض اليدين /فكر معي ملوال.."
لكن تلك القصائد التي جاءت في ديوانه "غضبة الهبباي"، لم تجد من يفكر فيها أو يعقلها، فوقعت القطيعة لعقدين من الزمان سقط خلالها أكثر من مليوني قتيل.
وإذا ما راجعنا الأعمال الأدبية التي تناولت الحرب. هناك مجموعة قصصية للأديب عبد العزيز بركة، خرجت الى النور عام 2005 بعنوان "امرأة من كمبوكديس" صورت مشاهد الحرب وأحداثها وانفعالاتها بدقة ولغة راقية. وإن لم يهاجم عبد العزيز الحرب في ذاتها، فقد رفض مبدأ صراع الشمال مع الجنوب، حيث اتخذت الحرب في عقدها الثاني طابعا دينيا. ففي إحدى قصص المجموعة قصة بعنوان "ضلالات" لا تجد الأرملة تبريرا منطقيا في أن يزف زوجها الجندي "الشهيد" الى حورية في الجنة تاركا لها الأبناء لتربيهم وحدها ودون أن يترك لها قرشا! كما ينتقد القاص الطريقة القسرية في جمع الشباب من الطرقات للمشاركة في الحرب دون اقتناع بل ودون إعطائهم فرصة لإخبار ذويهم، وما يتعلمه الجنود من أن وجودهم في الحياة لا يعدو رقما في الكتيبة، بل أرواحهم أرخص من السلاح الصغير. "البندقية أهم من الجندي، أترك بندقيتك عندنا واذهب الى الجحيم وحدك". هكذا يحذر القادة الجنود الصغار الذين يكتمون في صدورهم خططا للهروب. وفي قصة أخرى بعنوان "عاشق" يروي القاص عبد العزيز حكاية ضابط في الجيش يجد شبقا جامحا في قتل الأسرى الذين يقعون تحت قبضته ويعترف الضابط لأستاذه في خطاب له قبل تقديمه لمحكمة لاهاي كمجرم حرب أنه ومنذ صغره يحب تعذيب القطط والحيوانات الصغيرة ـ فأتاحت له العسكرية ممارسة هوايته ونزعته العدوانية على الآدميين! بينما في قصة أخرى مقابلة لتلك، بعنوان "حذاء ساخن" نجد الجندي المسالم، الذي التقط أو اختطف قسرا من الطريق ليشارك في الحرب، وكان قد جاء للعاصمة للبحث عن عمل لإعالة أسرته، يريد الخروج من هذا الجو القاتم فيهرب من قائده المتعجرف باحثا عن شيخ عجوز زاهد رآه يتجول في الصحراء وشهد له عدة كرامات، ليعيش خادما له ولكنه لا يجده، فيعود للمعسكر ثانية خفية في الليل لتستقبله رصاصات زملائه الجنود!
كما هناك أعمال الأديب منصور الصويم، الحائز جائزة الطيب صالح الأدبية لعام 2005 عن روايته "ذاكرة شرير" التي تناولت أحد إفرازات الحروب ألا وهي المشردين داخل العاصمة، كما وله عدد من القصص القصيرة ومنها "فضاء فسيح أخضر" تناول فيها التعذيب بعد الأسر، حيث يتم السلخ البطيء لخصية أحد الأسرى. وقد رفض النص كما يقول الكاتب من قبل الصفحات الثقافية في الصحف، بحجة البشاعة فنشره على موقع القصة السودانية الإنترنتي.
أما الأعمال الأخرى التي تعرضت للحرب، فمنها رواية "فلاش أخضر" لرانيا مأمون، "صهيل النهر" لبثينة خضر مكي وكذلك العديد من الأعمال التلفزيونية التوثيقية المشابهة.
الجنوبيون هم الطرف الأكثر تأثرا بالحرب، التي دارت في مناطقهم فتشرد مئات الآلاف منهم ونزحوا الى الدول المجاورة والى أمريكا وأوروبا وعانوا من التأقلم مع المكان الجديد الذي يختلف عما ألفوه، وكذلك خاضوا صراع "الانتماء" لمن أجبرتهم الحرب الى النزوح الى الشمال للعيش مع "أعدائهم" فيتقابلون ويتعاملون معهم في شؤون الحياة اليومية ويعملون عندهم بينما يتقاتل أبناؤهم مع أبناء هؤلاء على بعد مئات الأميال في الجنوب!
وكان من الطبيعي أن تركز تلك الأعمال الجنوبية، الفنية والأدبية، على اللاجئين. هناك مجموعة قصصية للأديبة إستيلا قايتانو "زهور ذابلة" تناولت معظمها آلام النازحين والطبقات اللاجئة المهمشة على أطراف العاصمة، وبقصة "كل شيء هنا يغلي" نرى كيف أن الأسرة التي كانت تعيش بوضع اجتماعي رفيع بالجنوب تضطر الى الهرب الى الشمال والعيش بأطراف العاصمة الخرطوم، في بيوت صغيرة مشيدة من الكرتون وتتعرض للذل والهوان على يد رجال الشرطة. كما هناك عمل أدبي للدكتور فرانسيس دينق باللغة الإنجليزية، بجانب أبحاثه ودراساته التاريخية الإجتماعية العديدة عن أسباب الحرب وتداعياتها، وهى رواية "Cry of Oal" التى خرجت في التسعينات وترجمت الى العربية بـ"طائر الشؤم"، وقد ألقت الحرب بظلالها على شخصيات الرواية الرئيسية.
وهناك رواية بعنوانwhat? is the What لكاتب أمريكي وهو ديف إيجر لقصة حقيقية عن لاجئ جنوبي "فالنتينو" هرب من معسكرات اللجوء الى الولايات المتحدة عام 2001، ويحكي البطل للكاتب كيف أنهم هربوا بعد حرق قريتهم الى أثيوبيا حيث تعرضوا لهجمات الأسود المتوحشة، وكيف عنفهم القرويون في القري التي مروا بها، فاضطروا للسير على الأقدام حتى وصلوا كينيا. ومنهم من مات غرقا في المستنقعات أو جوعا وعطشا، وحتى في ولاية أتلانتا حيث يقيم تعرض للسرقة والاختطاف، ويسأل فالنتينو بيأس "الى متى سأظل محتاجا الى مساعدة الآخرين؟"!
يقول الأستاذ ديريك ألفريد مدير مركز كواتو الثقافي بالخرطوم: "هناك أعمال كثيرة تناولت الحرب من عدد من الجوانب. فعن مشكلة اللاجئين الذين هاجروا الى أوروبا وأمريكا خرجت عدة أفلام سينمائية ووثائقية. فهناك فيلم بعنوان Sleeping Rough” " الذي أنتج في هولندا في عام 2003، تناولت أحداثه قصة لاجئ جنوبي شاب هاجر الى هولندا عانى الغربة واختلاف الثقافات وتعرض الفيلم لما يعرف بعقدة الماشية Cattle Complex لدى إنسان قبيلة الدينكا الجنوبية. فالأبقار تمثل عصب الحياة لأفراد القبيلة يأكلون منها ويشربون وتمثل بديلا للنقد في الغرامات والهدايا، ويقدمونها مهرا للزواج من حبيباتهم وتعويضا ومؤخرا عند الطلاق ويهيمون بالأبقار حبا ويكتبون لها الشعر والنثر! فبطل الفيلم اللاجئ الذي يفتقد أبقار قبيلته يدخل خلسة الى مزرعة صغيرة، هي ملك لرجل هولندي عجوز ويأخذ في التغني وقول الشعر لبقر "الفريزيان" المعروف هائما بها، فيعنفه العجوز ويطرده من المزرعة. إلا أن هذا يأتي مرة أخرى ويكرر ما فعل وبعدها تنشأ بين الرجلين صداقة فيعرف من الجنوبي الشاب أنه ضحية لحرب اهلية يفتقد فيها حياته وقبيلته وأبقاره ويعيش في عزلة في المجتمع الجديد، فيتفهمه الرجل العجوز الذي كان جنديا في الحرب بأندونيسيا في فترة شبابه ذاق مرارة الحروب ويكابد هو الآخر العزلة بعد ابتعاد أهله وأبنائه عنه لكبر سنه، وتنشأ صداقة بين الاثنين.
والملاحظ أن معظم الأعمال بمختلف أنواعها الفنية التي تناولت الحرب خرجت بمساعدة هيئات ومنظمات غربية بسبب أن الحرب الأهلية كانت توصف فى وسائل الإعلام الغربية على أنها بين العربي المسلم ضد الأفريقي المسيحي. ولذا وجد الجنوبيون تعاطفا كبيرا من قبل العديد من الهيئات والأفراد والفنانين الغربيين.
فهناك فيلم وثائقي بعنوان Lost Boys يتناول قصة لاجئين جنوبيين "بيتر وسانتينو". هاجرا الى الولايات المتحدة هربا من الحرب، ويصور الفيلم قصة انبهارهما بالعالم الجديد المختلف، وكيف تأقلما خطوة خطوة. وقد عرض الفيلم في عدة محطات ونال جوائز عدة، يذكر أن لقب "الأولاد الضائعين" صار يطلق على كل نازحي الحرب الأهلية واشتهروا به في أصقاع البلدان.
ويمضي أستاذ ديريك قائلا" في مجال الشعر هناك مجموعة شعرية شهيرة باللغة الإنجليزية بعنوان Pot of Tears لمؤلفها فكتور أوجل، يهدي المجموعة الى النساء الجنوبيات، كاتبا في المقدمة "إهداء للنساء الحزينات في جنوب السودان اللواتي وظيفتهن الرئيسية هي إنجاب الأطفال لتغذية الحرب"! وتتناول القصائد معاناة النساء في الحرب، فيحكي قصة امرأة فقدت زوجها الذي قتل في الحرب وترفض أن يرثها شقيق الزوج مع الممتلكات كما هي العادة عند قبيلتها، فيصبح أبناؤها ماسحي أحذية لرجال الجيش الذين تكرههم، وتقول في أسى" أنا امرأة وحيدة/رحل زوجي وتركني وحيدة للأبد/أرفض أن يرثني شقيق زوجي كالمتاع/وأرفض أن أكون خليلة للرجال المتزوجين الذين يتخذون النساء الوحيدات ملهاة/ سأظل أرملة لبقية الحياة/وسأطفئ شهوة جسدي بأن أسكب عليه الماء الحار".
كما هناك مسرحية عن قصة حقيقية حدثت لرجل كان يقدم مسرحا للدمى في طرقات مدينة جوبا، وكان يعاون المصابين بالجذام الذين تم عزلهم إبان فترة الحرب في منطقة نائية دون عون أو غذاء، فأصيب هو الآخر بالجذام ورغم ذلك كان يقوم بتلك الأعمال المسرحية ويمنح ريعها الى أولئك المرضى الى أن صدمته سيارة أدت الى وفاته وما زال أهل جوبا يتذكرونه باسم "أمونة كبسيه" اسم إحدى الدمى التي كان يحركها على مسرحه الصغير. وتم إنتاج المسرحية التي تناولت سيرة الرجل وقدمت بالمركز الفرنسي عام 2003. كما هناك أعمال لمغني الراب الشهير امانويل جال الذي يعيش بلندن حاليا، وكل أغانيه عن الحرب والتشرد وله ألبوم بعنوان ceasefire "وقف إطلاق النار" نال الألبوم رواجا كبيرا في أوروبا..
ونسأل ديرك الملاحظ أن معظم تلك الأعمال مما أنتج في الشمال أو الجنوب تناول الحرب من جانبها الإنساني ولم يكن هناك أي تطرق لأسبابها أو الهجوم القاسي على الطرف الآخر بما هو متوقع؟ فيعلّق قائلا: "نعم، الحرب بمثابة زلزال يضرب المجتمع بكل قيمه وثوابته وحياته اليومية وعلاقات الناس ببعضها البعض، ولذا تكون الأولوية في تلك الأعمال لمحاولة إعادة بناء وتشكيل ما سببته الحرب من دمار وقتل وتشرد وما أربكته في دواخلنا لنصالحها قبل أن نتجه الى الطرف الثاني".
Quote: ضحايا الحرب السودانية يثأرون لأنفسهم من قلب القبور
الخرطوم: شذى مصطفى
من الصعوبة إحصاء وتصنيف الأعمال الأدبية والفنية التي تناولت الحرب الأهلية بالسودان التي استمرت أكثر من عشرين عاما. فهناك الأدب التعبوي، مثلاً، الذي يهدف لإذكاء نار الحرب بشعر الحماسة وموسيقى الجيش وقصائد المقاومة لرفع معنويات الجنود ودفعهم بشبق إلى قبضة الموت. وهي أعمال كثيرة يغلب عليها الشعر والغناء الذي لا ينقصه الجمال أو الصدق. فكل طرف يؤمن بعدالة قضيته، ولكن ما نتناوله في رصدنا هنا هي الأعمال الأدبية والفنية التي تطرقت الى الجانب "المدني" أي التي تعنى بالإنسان ومعاناته وخطابه مع نفسه والآخرين، وسؤاله الملح عن جدوى القتال.
في أوائل الثمانينات نشرت قصيدة للشاعر صلاح أحمد إبراهيم بعنوان "فكر معي ملوال" نالت شهرة واسعة، كتبها بالحاسة السادسة المعروفة للشعراء، محذرا من تصاعد المناوشات بين الشمال والجنوب، قبل أن تغوص النفوس في وحل الدماء. ويرد فيها الشاعر كمواطن شمالي على تهمة المواطن الجنوبي "ملوال" له بـأنه عربي دخيل على السودان يستغل ثرواته ويضطهده، موضحا أن أي مواطن في الشمال نضجت مضغة أجداده في أرحام نساء زنجيات، وان اللون الداكن وذاك الشعر المفلفل والشفة الغليظة لإنسان الشمال دليل على ذلك، فكلنا إخوان. وكتب في قصيدته "كذاب الذي يقول في السـودان/ إنني الصريح/ إنني النقي العرق/ إنني المحض/ أجل كذاب/ فكر معي ملوال قبل أن تنتابنا قطيعة رعناء/ باسم عزة جوفاء أو باسم سداد دين/ يوغرها العدو الذي مرَّ به الآباء/ فلنقل براء نحن منها/ ننفض اليدين /فكر معي ملوال.."
لكن تلك القصائد التي جاءت في ديوانه "غضبة الهبباي"، لم تجد من يفكر فيها أو يعقلها، فوقعت القطيعة لعقدين من الزمان سقط خلالها أكثر من مليوني قتيل.
وإذا ما راجعنا الأعمال الأدبية التي تناولت الحرب. هناك مجموعة قصصية للأديب عبد العزيز بركة، خرجت الى النور عام 2005 بعنوان "امرأة من كمبوكديس" صورت مشاهد الحرب وأحداثها وانفعالاتها بدقة ولغة راقية. وإن لم يهاجم عبد العزيز الحرب في ذاتها، فقد رفض مبدأ صراع الشمال مع الجنوب، حيث اتخذت الحرب في عقدها الثاني طابعا دينيا. ففي إحدى قصص المجموعة قصة بعنوان "ضلالات" لا تجد الأرملة تبريرا منطقيا في أن يزف زوجها الجندي "الشهيد" الى حورية في الجنة تاركا لها الأبناء لتربيهم وحدها ودون أن يترك لها قرشا! كما ينتقد القاص الطريقة القسرية في جمع الشباب من الطرقات للمشاركة في الحرب دون اقتناع بل ودون إعطائهم فرصة لإخبار ذويهم، وما يتعلمه الجنود من أن وجودهم في الحياة لا يعدو رقما في الكتيبة، بل أرواحهم أرخص من السلاح الصغير. "البندقية أهم من الجندي، أترك بندقيتك عندنا واذهب الى الجحيم وحدك". هكذا يحذر القادة الجنود الصغار الذين يكتمون في صدورهم خططا للهروب. وفي قصة أخرى بعنوان "عاشق" يروي القاص عبد العزيز حكاية ضابط في الجيش يجد شبقا جامحا في قتل الأسرى الذين يقعون تحت قبضته ويعترف الضابط لأستاذه في خطاب له قبل تقديمه لمحكمة لاهاي كمجرم حرب أنه ومنذ صغره يحب تعذيب القطط والحيوانات الصغيرة ـ فأتاحت له العسكرية ممارسة هوايته ونزعته العدوانية على الآدميين! بينما في قصة أخرى مقابلة لتلك، بعنوان "حذاء ساخن" نجد الجندي المسالم، الذي التقط أو اختطف قسرا من الطريق ليشارك في الحرب، وكان قد جاء للعاصمة للبحث عن عمل لإعالة أسرته، يريد الخروج من هذا الجو القاتم فيهرب من قائده المتعجرف باحثا عن شيخ عجوز زاهد رآه يتجول في الصحراء وشهد له عدة كرامات، ليعيش خادما له ولكنه لا يجده، فيعود للمعسكر ثانية خفية في الليل لتستقبله رصاصات زملائه الجنود!
كما هناك أعمال الأديب منصور الصويم، الحائز جائزة الطيب صالح الأدبية لعام 2005 عن روايته "ذاكرة شرير" التي تناولت أحد إفرازات الحروب ألا وهي المشردين داخل العاصمة، كما وله عدد من القصص القصيرة ومنها "فضاء فسيح أخضر" تناول فيها التعذيب بعد الأسر، حيث يتم السلخ البطيء لخصية أحد الأسرى. وقد رفض النص كما يقول الكاتب من قبل الصفحات الثقافية في الصحف، بحجة البشاعة فنشره على موقع القصة السودانية الإنترنتي.
أما الأعمال الأخرى التي تعرضت للحرب، فمنها رواية "فلاش أخضر" لرانيا مأمون، "صهيل النهر" لبثينة خضر مكي وكذلك العديد من الأعمال التلفزيونية التوثيقية المشابهة.
الجنوبيون هم الطرف الأكثر تأثرا بالحرب، التي دارت في مناطقهم فتشرد مئات الآلاف منهم ونزحوا الى الدول المجاورة والى أمريكا وأوروبا وعانوا من التأقلم مع المكان الجديد الذي يختلف عما ألفوه، وكذلك خاضوا صراع "الانتماء" لمن أجبرتهم الحرب الى النزوح الى الشمال للعيش مع "أعدائهم" فيتقابلون ويتعاملون معهم في شؤون الحياة اليومية ويعملون عندهم بينما يتقاتل أبناؤهم مع أبناء هؤلاء على بعد مئات الأميال في الجنوب!
وكان من الطبيعي أن تركز تلك الأعمال الجنوبية، الفنية والأدبية، على اللاجئين. هناك مجموعة قصصية للأديبة إستيلا قايتانو "زهور ذابلة" تناولت معظمها آلام النازحين والطبقات اللاجئة المهمشة على أطراف العاصمة، وبقصة "كل شيء هنا يغلي" نرى كيف أن الأسرة التي كانت تعيش بوضع اجتماعي رفيع بالجنوب تضطر الى الهرب الى الشمال والعيش بأطراف العاصمة الخرطوم، في بيوت صغيرة مشيدة من الكرتون وتتعرض للذل والهوان على يد رجال الشرطة. كما هناك عمل أدبي للدكتور فرانسيس دينق باللغة الإنجليزية، بجانب أبحاثه ودراساته التاريخية الإجتماعية العديدة عن أسباب الحرب وتداعياتها، وهى رواية "Cry of Oal" التى خرجت في التسعينات وترجمت الى العربية بـ"طائر الشؤم"، وقد ألقت الحرب بظلالها على شخصيات الرواية الرئيسية.
وهناك رواية بعنوانwhat? is the What لكاتب أمريكي وهو ديف إيجر لقصة حقيقية عن لاجئ جنوبي "فالنتينو" هرب من معسكرات اللجوء الى الولايات المتحدة عام 2001، ويحكي البطل للكاتب كيف أنهم هربوا بعد حرق قريتهم الى أثيوبيا حيث تعرضوا لهجمات الأسود المتوحشة، وكيف عنفهم القرويون في القري التي مروا بها، فاضطروا للسير على الأقدام حتى وصلوا كينيا. ومنهم من مات غرقا في المستنقعات أو جوعا وعطشا، وحتى في ولاية أتلانتا حيث يقيم تعرض للسرقة والاختطاف، ويسأل فالنتينو بيأس "الى متى سأظل محتاجا الى مساعدة الآخرين؟"!
يقول الأستاذ ديريك ألفريد مدير مركز كواتو الثقافي بالخرطوم: "هناك أعمال كثيرة تناولت الحرب من عدد من الجوانب. فعن مشكلة اللاجئين الذين هاجروا الى أوروبا وأمريكا خرجت عدة أفلام سينمائية ووثائقية. فهناك فيلم بعنوان Sleeping Rough” " الذي أنتج في هولندا في عام 2003، تناولت أحداثه قصة لاجئ جنوبي شاب هاجر الى هولندا عانى الغربة واختلاف الثقافات وتعرض الفيلم لما يعرف بعقدة الماشية Cattle Complex لدى إنسان قبيلة الدينكا الجنوبية. فالأبقار تمثل عصب الحياة لأفراد القبيلة يأكلون منها ويشربون وتمثل بديلا للنقد في الغرامات والهدايا، ويقدمونها مهرا للزواج من حبيباتهم وتعويضا ومؤخرا عند الطلاق ويهيمون بالأبقار حبا ويكتبون لها الشعر والنثر! فبطل الفيلم اللاجئ الذي يفتقد أبقار قبيلته يدخل خلسة الى مزرعة صغيرة، هي ملك لرجل هولندي عجوز ويأخذ في التغني وقول الشعر لبقر "الفريزيان" المعروف هائما بها، فيعنفه العجوز ويطرده من المزرعة. إلا أن هذا يأتي مرة أخرى ويكرر ما فعل وبعدها تنشأ بين الرجلين صداقة فيعرف من الجنوبي الشاب أنه ضحية لحرب اهلية يفتقد فيها حياته وقبيلته وأبقاره ويعيش في عزلة في المجتمع الجديد، فيتفهمه الرجل العجوز الذي كان جنديا في الحرب بأندونيسيا في فترة شبابه ذاق مرارة الحروب ويكابد هو الآخر العزلة بعد ابتعاد أهله وأبنائه عنه لكبر سنه، وتنشأ صداقة بين الاثنين.
والملاحظ أن معظم الأعمال بمختلف أنواعها الفنية التي تناولت الحرب خرجت بمساعدة هيئات ومنظمات غربية بسبب أن الحرب الأهلية كانت توصف فى وسائل الإعلام الغربية على أنها بين العربي المسلم ضد الأفريقي المسيحي. ولذا وجد الجنوبيون تعاطفا كبيرا من قبل العديد من الهيئات والأفراد والفنانين الغربيين.
فهناك فيلم وثائقي بعنوان Lost Boys يتناول قصة لاجئين جنوبيين "بيتر وسانتينو". هاجرا الى الولايات المتحدة هربا من الحرب، ويصور الفيلم قصة انبهارهما بالعالم الجديد المختلف، وكيف تأقلما خطوة خطوة. وقد عرض الفيلم في عدة محطات ونال جوائز عدة، يذكر أن لقب "الأولاد الضائعين" صار يطلق على كل نازحي الحرب الأهلية واشتهروا به في أصقاع البلدان.
ويمضي أستاذ ديريك قائلا" في مجال الشعر هناك مجموعة شعرية شهيرة باللغة الإنجليزية بعنوان Pot of Tears لمؤلفها فكتور أوجل، يهدي المجموعة الى النساء الجنوبيات، كاتبا في المقدمة "إهداء للنساء الحزينات في جنوب السودان اللواتي وظيفتهن الرئيسية هي إنجاب الأطفال لتغذية الحرب"! وتتناول القصائد معاناة النساء في الحرب، فيحكي قصة امرأة فقدت زوجها الذي قتل في الحرب وترفض أن يرثها شقيق الزوج مع الممتلكات كما هي العادة عند قبيلتها، فيصبح أبناؤها ماسحي أحذية لرجال الجيش الذين تكرههم، وتقول في أسى" أنا امرأة وحيدة/رحل زوجي وتركني وحيدة للأبد/أرفض أن يرثني شقيق زوجي كالمتاع/وأرفض أن أكون خليلة للرجال المتزوجين الذين يتخذون النساء الوحيدات ملهاة/ سأظل أرملة لبقية الحياة/وسأطفئ شهوة جسدي بأن أسكب عليه الماء الحار".
كما هناك مسرحية عن قصة حقيقية حدثت لرجل كان يقدم مسرحا للدمى في طرقات مدينة جوبا، وكان يعاون المصابين بالجذام الذين تم عزلهم إبان فترة الحرب في منطقة نائية دون عون أو غذاء، فأصيب هو الآخر بالجذام ورغم ذلك كان يقوم بتلك الأعمال المسرحية ويمنح ريعها الى أولئك المرضى الى أن صدمته سيارة أدت الى وفاته وما زال أهل جوبا يتذكرونه باسم "أمونة كبسيه" اسم إحدى الدمى التي كان يحركها على مسرحه الصغير. وتم إنتاج المسرحية التي تناولت سيرة الرجل وقدمت بالمركز الفرنسي عام 2003. كما هناك أعمال لمغني الراب الشهير امانويل جال الذي يعيش بلندن حاليا، وكل أغانيه عن الحرب والتشرد وله ألبوم بعنوان ceasefire "وقف إطلاق النار" نال الألبوم رواجا كبيرا في أوروبا..
ونسأل ديرك الملاحظ أن معظم تلك الأعمال مما أنتج في الشمال أو الجنوب تناول الحرب من جانبها الإنساني ولم يكن هناك أي تطرق لأسبابها أو الهجوم القاسي على الطرف الآخر بما هو متوقع؟ فيعلّق قائلا: "نعم، الحرب بمثابة زلزال يضرب المجتمع بكل قيمه وثوابته وحياته اليومية وعلاقات الناس ببعضها البعض، ولذا تكون الأولوية في تلك الأعمال لمحاولة إعادة بناء وتشكيل ما سببته الحرب من دمار وقتل وتشرد وما أربكته في دواخلنا لنصالحها قبل أن نتجه الى الطرف الثاني".
ويختم ديرك حديثه بأنه "تم إنتاج العديد من الأعمال وننتظر المزيد من أناس ربما يقومون الآن بالكتابة والتأليف والإنتاج، ولكن ما نفتقده حقيقة هو إقامة متحف يحيي ذكرى هذه الحرب. يجب أن نستفيد من دروس وعبر هذا التاريخ الدامي".
04-06-2007, 12:32 PM
ابوعسل السيد احمد
ابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416
أخ عصام أبو القاسم سلام رب ضارة نافعة! هذا المقال ( بتجنيه ) دفع بك إلى ورود ماء المنبر الحر هنا من بعد أزمنة عديدة.
بالإشارة إلى هذا السلوك من الأخت الصحفية، في ظني أنها فقط تتنسم خطا الكثيرين في بلادنا لا سيما نسبتهم إنجازات غيرهم إلى أنفسهم دون أن يرف لهم طرف. المؤسف أن مثل هذا السلوك يصدر ممن يمتهن الصحافة، و هو الأجدر دون غيره أن يتحرى الصدق و الأمانة.
لكن تظل مسؤولية نشر مثل هذه الأشياء مشتركة بين الصحفي و الصحيفة نفسها، إذ يتعين أن تلزم الصحف منسوبيها بإتباع لائحة أخلاق المهنة.
المهم، يا سيدي، بركة الشفناك. تحياتي عبرك إلى صديقي الأديب منصور الصويم و الإخوة في الندوة و اتحاد الكتاب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة