|
أين كان سلاح الجو السوداني في ليلة معركة (المهندسين) ؟؟سارة عيسي
|
أين كان سلاح الجو السوداني في ليلة معركة (المهندسين) ؟؟ سارة عيسي [email protected] عادت الشهرة من الجديد لقذائف الآر.بي .جي ، أو كما يسمونها أحياناً بالقذائف الذاتية الدفع (ٌRocket Propelled grenade )) ، أول شهرة لهذا السلاح نالها في حرب أكتوبر 73 بين مصر وإسرائيل ، فهذا السلاح خُصص لاختراق الدروع ، وكلما كان الهدف قريباً ازدادت دقة الإصابة ، أما الاستخدام الثاني لهذا السلاح وبفعالية تامة هو ما نراه اليوم في حرب العراق ، عن طريقه تمكنت المجموعات المسلحة في العراق من إلحاق الأذى بمركبات الهمر والهمفي المصفحتين .
علينا أن نحبس أنفاسنا لأننا بصدد مناقشة التجربة الثالثة لهذا السلاح ، هذه المرة ليس الصراع بين الطرف المحتل والطرف المُقاوم كما تعودنا أن نشاهد ذلك في قناة ( الجزيرة ) ، هذه الصواريخ الفتاكة الآن في عهدة الشرطة وليست في مستودعات الجيش السوداني ، طوّرت الشرطة السودانية نفسها كثيراً في السنوات الأخيرة مستغلةً الأموال المتدفقة عليها من التحصيل والجبايات ومخالفات المرور ، وقد ورثت الجيش وأسلحته المتنوعة ، لم يعد الشرطي هو ذلك الإنسان الذي يتأبط عصا ويحمي نفسه بدرع مقاوم للرصاص ، الشرطي في عهد التمكين الرسالي يحمل مدفعاً رباعياً ويحتمي داخل مصفحة حصينة ، يطلق النار بكثافة من البعد فيقتل من يشاء ويحي من يشاء على طريقة النمرود بن كنعان ، حتى ولو قُتل الناس بالخطأ فهناك من يملك المال ويقوم بدفع التعويضات ، في غزوة المهندسين الأخيرة تمكنت الشرطة السودانية من استخدام قذائف الآر.بي .جي بمهارة ، فهم لم يعطبوا دبابات العدو بهذا السلاح كما حدث في العراق ، لكنهم تمكنوا من هدم منزل فوق رؤوس ساكنيه ، وعندما هرعت العربة التي أرسلها مساعد الرئيس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تمكنت المدفعية الثقيلة من إصابة هذه العربة في مقتل ، احترقت العربة الرئاسية بمن فيها ونحمد الله أن محاولة الاغتيال قد فشلت ، فالأخ مناوى لم يكن داخل السيارة ولو حدث ذلك لكنا الآن أمام اثنين أسود بحق وحقيقة ، أنتهت المعركة كالعادة بمنتصر ومهزوم فكان هذا أمامنا هذا المشهد :
منزل مُهدم بسبب القصف المدفعي وقد خرّ على الأرض ساقطاً وفي داخلة ثمانية أرواح بريئة قُتلت بلا ذنب
عربة تلتهمها النيران وفي داخل هيكلها المحترق يُمكنك رؤية خيال لشخصين تحولا إلي رماد بسبب الحريق
في الخارج يقف المئات من الجنود ، يطوقون المكان ، بعضهم قابع داخل المصفحات ، وبعضهم منتشرون في الشوارع وهم على أهبة الاستعداد ، هذا الموقف ذكرني بالمشاهد التي كنا نراها في حرب البوسنة ، رادوفان كراديتش لم يكن رجلاً عادياً ، فهو أيضاً بروفيسور في الطب النفسي ، لكن تمسكه بعقيدة الذات الجماعية وتشبثه بالقومية الصربية هي التي خلقت منه بطل حرب دخل التاريخ من بوابة الإبادة الجماعية ، الطغاة في كل العالم يتشابهون حتى وإن بعدت بينهم المسافات وتقطعت بهم السبل .
السلاح الوحيد الذي وقف محايداً في غزوة ( المهندسين ) الأخيرة هو سلاح الطيران ، المقاتلات لم تتحرك من قواعدها لمهاجمة العدو الغاشم ، ربما تكون هناك أسباب لوجستية منعت هذا التدخل ، مثل أن منزل ( الغزاة ) يقع في منطقة حساسة تُجاور بعض الأبنية الحكومية مثل السلاح الطبي وكلية القادة والأركان ، بناءً على تجربتنا مع السلاح الجوي السوداني في حرب دارفور أن نسبة الإصابة الدقيقة ، من مركز الهدف ، تحتاج إلي دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات مما يجعل مبنى المجلس الوطني يدخل في مستوى الهدف ، هناك أيضاً تخوف من عدو متربص يتحين الفرص ، وهو مكتب الأمم المتحدة (UNMIS) الواقع في قلب الخرطوم ، فالحماقة في الخرطوم تختلف عن مثيلاتها في دارفور ، الخوف الكبير أن يرصد خبراء الأمم المتحدة طلعات سلاح الجوي السوداني ، فبعد معاينة الأضرار وحجم الخسائر ربما يجنح هؤلاء الخبراء إلي إعداد ما يُعرف بلغة المال (ِAdverse Report) عن الدور الخطير الذي يلعبه هذا السلاح في حرب المدن ، لذلك توّلت قوات الشرطة قيادة هذه المعركة ، لكن القادة الذين أصدروا أوامر القتل والهدم يجمعون في ثيابهم مختلف التخصصات العسكرية ، فمن بينهم كان رجل الجيش السابق وقائد المليشيا والمُتحزّب والمجاهد ، هؤلاء كلهم ارتدوا زي الشرطة ومارسوا القتل والسحل في موقعة المهندسين ، فرحين الآن بانتصارهم ويعدوننا بليالٍ سوداء أخرى قادمة في الطريق .
سوف نواصل
سارة عيسى
|
|
|
|
|
|