|
رد الإعتبار للأخـر الدينى والثقافى رهانات للوحدة الوطنية.
|
...ألان فقط يمكن أن نقول أن السودان قد وصل إلى نهاية مغلقة بفعل السياسات الحمقاء والمرتجلة في ذات الوقت والتي ظلت تمارسها النخب المسيطرة بإستمرار على مقاليد الحكم مذ تشكيل الدولة السودانية,والتي أوصلت السودان إلي مفترق طرق وهددت بزواله من الخارطة الكونية ذاتها؛ وأصبحت أكثر الخيارات عقلانية تجاه الحالة السودانية هي الإنزلاق نحو النموذج (الصوعراقى).أو في أحسن الأحوال التحول إلى مجموعة دويلات جهويه وعرقيه؛ وهذا المصير المظلم الذي يحدق بالدولة السودانية لا يمكن إحالته إلا إلى السياسات اللاخلاقيه التي كانت تمارس بصوره ممنهجه تجاه الأقليات الدينية والعرقية والثقافية الموجودة في فضاء الدولة السودانية، وإتفاقية نيفاشا بتضمينها لحق تقرير المصير لأبناء جنوب السودان تكون قد وضعت الأطر القانونية والشرعية لانشطار أول دولة عن الدولة السودانية,وهى ستكون أول حلقه في نبوءات تفكيك الدولة السودانية,وهى بالضرورة إفراز طبيعي جدا ومنطقي للغاية لشكل الممارسات والقهر طويل المدى الذي كان يمارس بتلذذ ضد أبناء الهامش بصورة عامة, وأبناء جنوب السودان بصورة خاصة.ونحن حيال هذا لا نملك إلا أن نقف مع حق تقرير المصير لأبناء جنوب السودان, بل ونتجاوز كل ذلك لنقف مع حق تقرير مصير كل أقلية مهما كان نوعها وتركيبها تجد نفسها على رصيف التراتبية الإجتماعية في السودان,وهذا الموقف نستمده على الدوام من إتساق ضمائرنا والتي ترفض بشده تصنيف البشر إلى مقامات ودرجات.
قلنا إن إنفصال جنوب السودان سيضع الجاني والمجني عليه إن جاز لنا أن نستلف هذه العبارة من القاموس القانوني ، سيضع الإثنين أمام مسئوليه تاريخيه؛ سيضع الجاني (أنصار السودان القديم) أمام مسئوليه أخلاقيه بحسبان أنهم وحدهم من أجبر أبناء جنوب السودان على رفع شعار إلانفصال,وسيضع المجني عليه(شعب جنوب السودان) أمام تحدى إنجاح نموذج دولتهم والذي بالضرورة لو قدر له النجاح سيكون مرجعية وسابقة تاريخية يمكن أن تحاجج بها كل أقليه غير قادرة على التعايش في السودان بشكله الحالي. ولان فشل نموذج دولة جنوب السودان سيجعل المخاصيم لخيار الانفصال يجدون دفعة معنوية تجعلهم يمضون قدما في رفض أي أطروحة إنفصاليه . مما يعنى ضمنيا إعادة إنتاج ذات أزمة القهر والاستعلاء وبوتائر قد تكون بزخم أشد من ذي قبل؛ وعلى الرغم من وقوفنا مع حق تقرير المصير كخيار أخلاقي في ظل هذه المعطيات السياسية والإجتماعية , إلا أن هذا لا يمنعنا من أن نقول أن هنالك ثمة بصيص أمل ونفاج صغير جدا يمكن الر هان عليه لإعادة تشكيل الدولة السودانية وفق ركائز تتقاطع مع الركائز القديمة وتتخاصم بوضوح مع شكل الدولة السودانية بشكلها الكلاسيكي القديم القائم على الغبائن والإستعلاءات والقهر. نعم يمكن تشكيل الدولة السودانية من جديد وبشكل حديث للغاية , وإنه يمكن تحقيق معجزه أن نتعايش في فضاء دولة واحدة رغم التباينات الدينية والعرقية والثقافية ويمكن تحويل هذا التباين الصارخ الذي يتميز به السودان من نغمة لنعمة.لكن كل هذا يتطلب بالضرورة تقديم تنازلات وتضحيات , ويتطلب في المقام الأول إعادة إنتاج كثير من المفاهيم والرؤى لتصب كلها في خانة تخلق الدولة السودانية الحديثة , والتي أن كتب لها أن القيام ستعنى ضمنيا ترجيح خيار الوحدة الوطنية القائمة على إعادة ترتيب البيت السوداني وفق محددات تحيد أي أسباب يمكن التزرع بها للخروج من كنف الوحدة الوطنية ؛ وهذا يحتاج في المقام الأول لإعادة تعريف ماهية الدولة السودانية ذاتها بحيث يقر كل السودانيين بمختلف مشاربهم الدينية والعرقية والثقافية بأن السودان هو فضاء جغرافي يسكنه أناس متباينون في الدين والعرق والثقافة ؛ وان كل هذه المجموعات المتباينة قد أسهمت في تشكيل وإثراء الحضارة السودانية ، وأن لهذه المجموعات إرث وتأريخ وحاضر لا يمكن القفز فوقه ويجب أن يُصطحب بصوره لا لبث فيها, وأن يؤرخ له في الدولة السودانية الحديثة إن كتب لها أن تقوم , وأن التاريخ والحاضر والمصير المشترك هي محددات يجب البناء عليها لقيام الدولة السودانية بنسختها الحديثة. نعم يمكن أن يكون إعادة تعريف الدولة السودانية هو المدخل الرئيس لإعادة البناء وترجيح كفه خيار الوحدة كمحصله نهائيه.ومن بعد ذلك نقول أن هنالك رهانات لابد من أن تتحقق وهى رهانات جوهريه لا يمكن أن نتجاوزها إذا ما أردنا أن نؤسس لوحده راسخة وقويه ومتخاصمة مع النموذج اللاخلاقي لشكل الوحدة القديم.أولى هذه الرهانات رد الإعتبار للأخر الديني وثانيها رد الإعتبار للأخر الثقافي.
وفى ما يختص برد الإعتبار للأخر الديني وإعاده تقييمه إيجابيا ؛ لابد من الإقرار بدءا بأن السودان دولة ذات تباين ديني , وأن هذا التباين هو ميزه إيجابيه وليست مدعاة للضجر, وأن هذا التباين نفسه يمكن أن يكون مدخل للنهضة والتقدم,ويتبع ذلك الإقرار بأن أصحاب الديانات الأخرى لهم تاريخ ناصع لا يمكن تجاوزه على إلاطلاق ولهم إسهامات بارزه في تشكيل الحضارة السودانية ورفدها بالعديد من القيم,ولهذا يجب التعامل معهم على أنهم مكون أساسي ورئيسي من مكونات الدولة السودانية , وأن دياناتهم ومعتقداتهم لا تقل عن الدين الإسلامي شئ بل وتعتبر تاريخيا هي الأقدم في السودان . يجب في البداية تثبيت هذه الحقائق ومن بعد ذلك الشروع في إتباع سياسات تمييز إيجابي لتعويضهم سنيين القهر والقمع الديني الذي لحق بهم مذ دخول الإسلام للسودان, وكمدخل لإتباع سياسة التمييز الإيجابي يجب الإقرار بصوره واضحة جدا بالمظالم التاريخية التي حاكت بهم منذ تشكيل أول دوله دينيه إسلاميه في السودان حتى قيام آخر دوله دينيه إسلاميه؛ إبتداء من السلطنة الزرقاء والدولة المهدية , وذاك لان هذه الدول الدينية إلاسلامية هي أول من أسست لقهر الأخر الديني في السودان ووضعت اللبنات الأولى للبطش بهم وعلى ذات الخطى جاءت دولة الإنقاذ الدينية لتكمل سيناريو القهر الديني لغير المسلمين في السودان .إذا بالضرورة تقديم إعتذارات تاريخيه للأخر الديني في السودان لنبين قطيعتنا التامة مع الممارسات القمئيه, ونؤكد في ذات الوقت رغبتنا في تجاوز هذه الصفحة حالكة السواد من تأريخ التعايش الديني في السودان. ومن بعد ذلك تحت ذات العنوان, عنوان التمييز الإيجابي لابد من رد الإعتبار للتاريخ المسيحي في السودان ونفض غبار التجاهل عنه وتنقيحه من الصورة السالبة التي تقدم عنه والتي شكلت صوره سلبيه للمسيحي في الوعي المجمعي للمجتمع السوداني. وكأنه لا يقاسمنا الماضي والحاضر, ويكون رد الإعتبار للتأريخ المسيحي بإلزامية تدريسه في كل المراحل الدراسية جنبا إلى جنب مع التاريخ الاسلامى, بجانب تدريس الثقافة المسيحية على أن تكون دراستها شرط أساسي لدخول الجامعات, وهذا يمكن أن يساعد في نشر ثقافة قبول الأخر والذي يعنى ضمنيا الموافقة على التعايش مع الأخر تحت سقف دولة واحدة بدون الحاجة للأستعلاءات والرهان على الإمتيازات الدينية.
ويمكن المضي قدما في إتجاه تمييز المسيحيين إيجابيا بحيث يتم إفراد مساحات مقدره في وسائل الإعلام والميديا, بحيث يتم إنتاج مواد تلفزيونيه وإذاعيه تصب في خانه رد الإعتبار للمسيحيين, ويجب مع هذا السعي لتحجيم وتعرية الخطاب الإعلامي المضاد للتعايش الديني والذي يحول دون إنفاذ سياسيات التمييز الإيجابي ويعمل على تأليب المجتمع السوداني ضدها. وهذا لا يكون إلا من خلال إيقاف المواد الإعلامية (مسلسلات دينيه/مسرحيات/ندوات/...الخ) التي تضرب التعايش الديني وتؤسس للخطاب الذي يراهن على القهر الديني. ويجب كذلك أن يعاد الإعتبار والتقييم للمسيحيين في المواد التعليمية بحسبان أنها أولى مدرجات تكوين الإتجاهات السلبية حيالهم,إذ يجب عدم تدريس النصوص الدينية التي تدعو لقمعهم وتعاملهم ككفره ليس إلا, لا حقوق لهم ولا واجبات عليهم؛ نعم يجب أن يتم تجاوز هذه النصوص ولو إستنادا على فقه الضرورة أو حتى إعادة نسخها بنصوص تؤيد التعايش الديني لان مصلحة البشر هي بإستمرار لها السبق على النصوص الدينية. وكذلك على الدولة أن تلتزم وفى ذات سياق سياسة التمييز الإيجابى للمسيحيين بإعادة ترميم وتأهيل كل الكنائس الموجودة في السودان وهى قليلة جدا لا يكلف ترميمها أكثر من ثمن وليمة للمجاهديين,على ان تتوج سياسة التمييز الأيجابى لمعتنقى الدينى المسيحي في السودان بضرورة أن يكون الرئيس القادم للدولة السودانية سوى كان من أحزاب المعارضة أو المؤتمر الوطني هو بالضرورة مسيحي وذلك لبناء جسور الثقة وكمدخل لإنفاذ سياسات التمييز الإيجابي.
وفيما يختص بالرهان الثاني لإعادة تشكيل الدولة السودانية وفق أسس جديدة وحديثه في الآن نفسه. ثاني الرهانات هي رد الإعتبار للأخر الثقافي ولا يكون ذلك إلا بالتامين في البداية على إن السودان دولة متباينة ثقافيا وان كل هذه الثقافات المتباينة قد أسهمت في تشكيل الحقل الثقافي السوداني؛ أو يجب تسهم في ذلك وعلى الدولة أن تلتزم بتوفير المناخ الديمقراطي المعافى لكي تخوض هذه الثقافات ديالكتيك ثقافي على قاعدة من الإحترام المتبادل وحيده الدولة , وقد يسهم هذا الحوار الثقافي المشروط بحيدة الدولة في أنتاج نموذج ثقافي يمكن أن يلتف حوله كله السودانيين.والمدخل أيضا لرد الإعتبار للأخر الثقافي الذي لا يحمل بالضرورة ثقافة إسلامعروبيه؛ المدخل لرد الإعتبار لحمله هذه الثقافات يكون بتثبيت موقف أخلاقي تأريخي مفاده أن تمدد الثقافة العربية في فضاء الدولة السودانية لم يتم بصوره صحية ومعافى, وإنما كان على الدوام يتم تمدد هذا النموذج من خلال تواطئه مع الدولة أو بتواطؤ الدولة معه في أحايين كثيرة ولولا إتكاءه على الدولة والرهان عليها لما وصل لهذه المرحلة بحيث أصبحت معايره هي البداية والنهاية في مجمل الحراك الثقافي في السودان, هذا هو المدخل المنطقي كما أرى في الشروع لرد الإعتبار للأخر الثقافي والذي قد يخفف حالة الإحتقان المبرر لحمله الثقافات غير العربية في السودان, وبعد ذلك على الدولة أن توفر لهذه الثقافات فرصه التعبير عن نفسها وإثبات وجودها ولا يكون ذلك إلا بمضاعفه وجودها في الإعلام بحيث يتم تعويض سنيين الحجر والقهر الثقافي, بجانب إصدار قرار سياسي يلزم تدريس هذه الثقافة في المراحل الدراسية المختلفة دراسة علمية غير إختزالية وتنقب في تأريخ هذه الثقافات وتضع المشورة العلمية للنهوض بها, ويجب العمل على تدريس أصحاب هذه الثقافات بلغاتهم في المراحل الدراسية الإبتدائية بإعتبار أنها تشكل محددات ثقافية بالنسبه لهم. وعلى الدولة أن تبين قطيعتها مع الاستعلاء الثقافي من خلال الإعتراف بحقيقة إن الثقافة العربية ما هي إلا ثقافة من مجمل الثقافات الموجودة في السودان وإنها ليست حاله مركزية وان قدر لها أن تكون كذلك فلابد أن يكون ذلك بصورة أخلاقية و ديمقراطية , وان الثقافات الأخرى ليست براحات جرباء تحتاج لإعادة إستصلاح وقولبة ثقافية , بل هي ثقافات راسخة وعريقة وتحمل في داخلها قيم لا يمكن تجاوزها , بل ويمكن أن تحتل نفس المكانة التي تسيطر عليها الثقافة العربية وبوسائل إنسانية ومتحضرة جدا. عموما أكثر المتفائلين لن يجزم بن هذه المقترحات ستجد حظها من التداول والعصف والتنفيذ من قبل القائمين على الأمر والممسكين بمفاصل الدولة ؛ ولكن تظل هذه هي إسهاماتنا المتواضعة لتلافى شبح تفكيك الدولة السودانية وهذه هو حتما ما سنحاجج به إذا ما وقع الفأس في الرأس وتبعثرت الدولة السودانية.
|
|
|
|
|
|