لغة الحوار!

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 09:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة شول اشوانق دينق(شول اشوانق دينق)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2006, 05:35 AM

شول اشوانق دينق
<aشول اشوانق دينق
تاريخ التسجيل: 02-13-2006
مجموع المشاركات: 5332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لغة الحوار!

    Quote: مقتضيات التعايش السلمي ومجمع الفقه
    الفاضل علي كباشي
    ليعذرني د. الطيب زين العابدين في استفادتي من مقاله بصحيفة «الصحافة» 7 مايو 2006م، بأن قلبت عنوان مقاله ذلك وجعلته عنواناً لمقالي أو مداخلتي هذه، مما يدل على اتفاقي التام مع أطروحاته مع احتفاظي في الحق بإبداء بعض الملاحظات التي لن تضر بجوهر موضوع النقاش، وهو البحث في إمكانية التعايش السلمي الاجتماعي بين أتباع الديانتين السماويتين المسيحية والإسلام في السودان.
    والواقع أن د. الطيب زين العابدين واجه قوة لا يستهان بها وهي «مجمع الفقه الإسلامي» التابع لرئاسة الجمهورية الذي أصدر «بياناً» ضد مقال سابق للدكتور زين العابدين حول ذات الموضوع وهو التعايش الديني، كل ذلك جاء نتيجة للإضطراب الذي أحدثته محاضرة الشيخ حسن الترابي بجامعة الخرطوم أخيراً، التي انقسم فيها الرأي بين مدافع جسور ومعارض «تكفيري».
    صحيح أن القضايا الوطنية يجب أن تجد الأولوية، رغم ذلك أجد مأخذي على مقال د. زين العابدين في أنه حصر ذلك التعايش في السودان فقط مع إشارة عابرة لما يحدث في العراق ومصر. وحقيقة فإن المسألة أكبر من أن تعالج في إطار وطن واحد في ظل تهديدات «تصدير الثورات» و«تصدير الأفكار»، وما أسهل ذلك في عالم اليوم الذي أصبح تحت رحمة الانترنت وسهولة الإتصال عبره بصورة لم يكن يتخيلها الإمام الذي نادى بتصدير الثورة.
    هل يمكن أن يقدم السودان أنموذجاً لذلك النوع من التعايش الديني الذي يعقبه التعايش الاجتماعي والسياسي؟، هل يمكن لعلمائنا في مختلف الطوائف الاسلامية وعلمائنا في مختلف الطوائف المسيحية ان يجلسوا ويتفاكروا للخروج بالسودان إلى بر الامان وتقديم انموذج حضاري للبلدان التي تعيش في أزمات التخلف والصراع كي تحتذي هذا المثال؟ بعد السودان تجد ازمات التعايش الديني ماثلة بحدة في نيجيريا، ومصر، والجزائر، ولبنان، والصومال، والعراق، والفلبين، واندونيسيا، وتنزانيا... الخ، هنا تسود مأساة القتل والثأر على اسس الإنقسام الديني والاثني وحتى المناطقي.
    إن الاسئلة الصعبة والسهلة في نفس الوقت التي طرحها الدكتور بإمكانها فتح أعيننا جميعاً حتى لا تنظر بعين واحدة فتكون الصورة ذات بعد واحد.. وتلك هي بداية الكارثة. فمثلاً لا يمكن اعتبار أن الدين الواحد يعني السلام الاجتماعي المنشود الذي يمكن تحقيقه دوماً عبر الحوار والحوار وحده، فمثلاً نقاتل أتباع الكنيسة الواحدة في رواندا وبروندي على اساس اثني بصورة اقشعر لها بدن الإنسانية نهاية الثمانينات من القرن الماضي، منظمة امل الشيعية في لبنان تقاتلت بضراوة مع حزب الله وهو ايضاً منظمة شيعية، الصومال مثال حي ونظرية «هدم العش» ازهقت حتى ارواح الاطفال في قرى الجزائر، أليس في هذا تهديد لسيادة الشعوب وأمنها وتقدمها ورفاهها الاقتصادي؟
    إن أول المداميك هو ان نختار وعن وعي ما يقوي هشاشة أوضاع تعايشنا الديني والمدني وليس اختيار ما ينسف الاسس القوية الواضحة لذلك التعايش كما هو الحال في السودان!! مثال ذلك النقاط التي اوردها د. الطيب زين العابدين في صدر مقاله وردت في بيان مجمع الفقه وهو أنهم يودون تصحيح مقولات د. الترابي التي «تنكر» «كفر» اهل الكتاب! لقد تحدث د. الترابي طويلاً وتناول شتى الموضوعات لكن التركيز جاء ضد زواج الكتابي من المسلمة، هل هناك حادثة وقعت بالفعل أم أن المسألة افتراض في افتراض ثم الحسم على اساس ذلك الافتراض؟ وهل اهل الكتاب محتاجون لشهادة من احد ليحكم بكفرهم او ايمانهم؟ ألا يكفي ان الديانة المسيحية قدمت مائتي الف شهيد مضوا في سبيل الله دون ان يرفعوا يداً ضد القتلة، هنالك كتاب يوثق لحياة واستشهاد هؤلاء جميعاً فمنهم من حرق حياً بالنار ومنهم من قطعت رقابهم بالسيوف، ومنهم من بترت اعضاؤهم عضواً عضواً.
    اننا كبشر وهبنا الله ألسناً وعقولاً وليس أنياباً ومخالب حتى تتعايش افكارنا على اختلافها، إن إعمال العقل والعقلانية مهم لأنني لاحظت أن كثيرين الحقوا أو حاولوا أن يجمعوا بين «كفرانية» الشيخ الترابي و«كفرانية» أهل الكتاب مع الفارق الشاسع بين ما يدين به هذا واولائك.. إن الشيخ الترابي لو «كفِّر» فإن ذلك يعني مريديه أيضاً وهم كثر ليس في السودان وحده، وإنما في طول وعرض العالم الإسلامي، وهذه مسألة قد لا تحمد عواقبها لذا نحتاج للتعايش الفكري والديني والاجتماعي لأجل سلام وسلامة الجميع.
    جاء في النطقة الثالثة من البيان «أن الله يدعو المسلمين الى البر والقسط في معاملة غير المسلمين، ما داموا لا يعتدون على حقوق المسلمين ويدعوهم لمجادلتهم بالتي هي أحسن» «ولا تجادلوا اهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن».
    ما يلاحظ هنا وضوح الأمر في المجادلة بالحسنى وليس بقفل الباب بمقولات التكفير والتعالي واحتقار أديان الناس، ثم يأتي سؤال مشروع «من الذي يقسط ويبر الآخر في تاريخنا المعاصر؟»، من الذي بادر واغاث جوعى المجاعات في السودان واثيوبيا ومشروع فناني (Band Aid)؟ هل وضع المسيحيون اي شروط من قبيل عدم الأعداء على حقوق المسيحين قبل القسط والبر وتقديم الاغاثات؟ من الذي أغاث الجوعى في دارفور وكردفان في وقت انكرت فيه الدولة حقيقة المجاعة؟ لذا سمعنا مقولات من شاكلة «ريجان الله يدخله الجنة!!»، وللعلم فإن ريجان الذي دعي له بدخول الجنة هو الرئيس الاميركي المسيحي الذي ارسل الاغاثات لغرب السودان المسلم.
    عائلة سودانية عاشت في اميركا ثم انتقلت للكويت، وقعت الحرب ويفاجأ رب الاسرة بمن يطرق بابه ليلاً ليجد نفسه أمام جنود المازينز الاميركيين الذين اخبروه ان في (هذه الدار يقطن اميركي وجئنا لحمايته)، تلفت الرجل فليس هناك من «خواجة» ولا «زنجي» يشاطره داره، وعندما اعلن الاسم وجد الرجل ان المقصود هو احد ابنائه والمولود في اميركا وأخذ الجنسية الاميركية بالميلاد. السفارة الاميركية في الكويت وقتها لم تتحدث عن دين ذلك المواطن ولا لونه بل لم يطرحوا انفسهم بأنهم مسيحيون جاءوا «للقسط والبر»، وإنما كان ذلك واجب الدولة وحق المواطن. هذه هي اميركا العنصرية وجماعات «كوكلكس كلان» و«البينك بانثرز» في الاربعينات والخمسينات وحتى ستينات القرن. لقد تحولت بالحوار و«قدرة القادر الاحد» الى ما نراه اليوم. ولقد تحدث الشيخ الترابي في محاضرته عن هذه النقطة تحديداً وأفاض فيها ولكن الكثيرين لم يروا ولم يسمعوا من حديثه سوى «زواج الكتابي من المسلمة» وكأن الشيخ حرَّم وإلى الابد زواج المسلمة من المسلم وزواج المسيحية من المسيحي.
    رغم كل هذه الصورة القاتمة في ظاهرها إلا أنني وبعد غياب عن «العقل والسودان» أعود لأتلمس معالم التغيير على السودان فأجدها في الصحف على اختلافها. لذلك لا خوف على السودان طالما فيه رجال يعلمون المواطن السوداني أهمية الحوار والتفهم والتفاهم لأن ذلك مطلوب حتى بين أفراد الاسرة الواحدة. لو حدث ذلك لقلت كثيراً اعلانات «خرج ولم يعد حتى الآن بأوصافه المعروفة على مر السنين!!» وستقتصر المسألة على «مختل العقل» حتى يمنَّ الله عليهم بالشفاء كما حدث لي فعدت إلى عقلي ووطني.
    لا خوف على السودان طالما فيه كتاب ينضحون أمانة مثل الاستاذ حسن محمد صالح -راجع لو أمكن مقاله الرائع بصحيفة «رأي الشعب» الاحد 14 مايو 2006م. رجال قد تختلف معهم فكرياً لكنك لا تملك إلا أن تنحني إجلالاً لنزاهتهم القلمية.
    لا خوف على وحدتنا، وهناك كتَّاب آخرون امثال الاستاذ كمال عمر المحامي ـ بصحيفة «رأي الشعب» نفس العدد، ويبدو لي أن هؤلاء «اسلاميين» بمعنى أنهم ينتمون للحركة الاسلامية السودانية بمعناها الواسع. وكثيرون آخرون قالوا كلاماً جميلاً ليس خليقاً ولا جديراً بالمسيحيين أن يغضوا الطرف عنه ولا يرون سوى الجانب المعتم من الصورة.
    ومالي أنسى الاستاذ ابراهيم عبد القيوم الذي كتب في عموده «السلام عليكم» ـ اخبار اليوم 15 مايو 2006 يتحدث فيه وهو الشايقي المشلخ من الخرطوم حتى «كريمي» عن «الازمة التي تواجه اهلنا في دارفور». لكم هزتني هذه العبارة. ألا يحق لنا ان نتطلع مع الاستاذ عبد القيوم الى «سودان جديد موارده متوفرة والامن فيه مستقر». على حد تعبيره. شئ واحد فات على الاستاذ عند دعوته في ذات عموده المذكور الى الحوار وهو اي الحوار قد بدأ بالفعل، بل يجري ويتم ويتطور يومياً على صفحات الجرائد فأظهر ما كان مخفياً في الصدور وإلى الضوء اخرج ما كان بعيداً في أضابير الحكومات السابقة من خطط ضد جهات محددة في اطراف هذا السودان.
    لنقف ضد الاستاذ اندرو كريستو ونحاسبه لماذا يلوم المهندس الطيب مصطفى الذي ينادي بفصل الجنوب عن الشمال، فهذا رأي السيد المهندس وعلى من لم يعجبهم رأيه ان يردوا عليه بالحوار و«بالتي أحسن». وهل دعا د. الطيب زين العابدين لاكثر من هذا؟
    تقليد حميد ان تدعو صحف الخرطوم التي يملك أغلبها شماليون، ان تدعو اهل دارفور المتحاورين بالسلاح منذ حوالى عامين الى مقارها وتمهد لهم ارضية الحوار.. حولٌ مات فيه أبرياء من الجانبين. لا خوف على السودان ولا مكان لصومال جديد تحت سماء آفريكا طالما أعلينا قيم الحوار بيننا. لننظر إلى الصورة جيداً وبشئ من التجرد لو أمكن، وما أصعب التجرد والحياد، لكن بالصبر والمثابرة يمكن إدراكه. وبنفس القدر يمكن لذلك التجرد والحياد أن يفلتا ويحل محله لغة السلاح، كما حدث لاخوتنا الذين سبقونا حضارة وعروبة في الأيام القليلة الماضية.

                  

06-08-2006, 05:38 AM

شول اشوانق دينق
<aشول اشوانق دينق
تاريخ التسجيل: 02-13-2006
مجموع المشاركات: 5332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لغة الحوار! (Re: شول اشوانق دينق)

    Quote: مجمع الفقه ومقتضيات التعايش

    د. الطيب زين العابدين
    أصدر مجمع الفقه الاسلامي التابع لرئاسة الجمهورية بياناً بعنوان «عقيدة التوحيد تقوي التعايش الديني» (الصحافة 3/5/2006)، رداً على مقالي «مجمع الفقه والتعايش الديني» الذي نشر بصحيفة (الصحافة فى 22/4/2006)، جاء فى البيان المذكور:
    1- أن الفتوى ليس المقصود بها أصلاً أهل الكتاب بقدر ما هي تصحيح لمقولات الدكتور الترابي التي تنكر كفر أهل الكتاب. استشهد البيان على كفر أهل الكتاب بالآية الكريمة «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة...» (المائدة73).
    2- وأن القرآن يقر اختلاف العقائد بين الأديان «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة...».
    3- وأن الله يدعو المسلمين الى البر والقسط في معاملة غير المسلمين ما داموا لا يعتدون على حقوق المسلمين، ويدعوهم لمجادلتهم بالتي هي أحسن «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن...».
    4- وأن النصارى لهم معاملة أخص «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون» (المائدة 82).
    5- ويخلص الى أن بيان مجمع الفقه «الذى يكفر أهل الكتاب ويكفر من لا يكفرهم من أمثال الدكتور الترابي» يجئ بسبيل تقوية التعايش الديني لأنه يعطي الرؤية المتكاملة للاسلام كعقيدة ومعاملة، وذلك حتى لا يثير المساس بالعقيدة الاسلامية إزاء العقائد الأخرى الفتنة والبلبلة وهما اللتان تهددان هذا التعايش.
    ليس لدي اختلاف مع النقاط 2و3و4 من بيان مجمع الفقه الاسلامي، ولكن ينصب خلافي على النقطة الأولى والنتيجة التي خلص اليها البيان في النقطة الخامسة. ودعوني أبدأ بتحرير موضع النزاع بيني وبين بيان مجمع الفقه الاسلامي قبل أن أبدأ في مناقشة النقاط الأخرى المذكورة آنفاً. لقد قصدت في مقالي السابق أن افشاء تهمة التكفير فى المجتمع «بين طوائف المسلمين أو بينهم وبين غير المسلمين» مما يؤثر سلباً على التعايش الديني في البلاد خاصة اذا صدر هذا التكفير من مؤسسة رسمية تتبع لرئاسة الجمهورية. وقد شهدنا ما فعلته فتنة التكفير فى بلد عريق متماسك مثل مصر وما فعلته فى بعض أجزاء العاصمة السودانية منذ سنوات وما تفعله الآن في العراق، لقد استحلت بعض الجماعات الاسلامية دماء اخوانهم المسلمين الذين لا يتفقون معهم فى بعض الأحكام أو في المذهب واستحلوا دماء السواح والأجانب من غير المسلمين. لقد اعتمدت تلك الجماعات في تكفيرها للآخرين على بعض مقولات الأستاذ الشهيد سيد قطب وانتهت بها الى إباحة دماء العلماء مثل الشيخ الذهبى وتنفيذ ذلك عملياً، وكذلك فعل الخليفي في مسجد الثورة، وهكذا يفعل القتلة من السنة والشيعة فى مساجد العراق. ولا أحسب أن سيد قطب قصد ذلك، ولكن تخطف بعض الشباب المتزمتين من غير أولي العلم أقواله ليصلوا بها الى تلك النتيجة المأساوية، ويمكن أن يحدث ذلك أيضاً في السودان نتيجة لتفشي تهمة التكفير التي يقودها مجمع الفقه الاسلامي ويدافع عنها على صفحات الجرائد ولن ينفع حينها أن يقول لنا مجمع الفقه إنه لم يقصد الى ذلك. ولقد استشهدت في مقالي السابق أن الله سبحانه نهى المسلمين عن سب الأصنام التى يعبدها الكفار، وقد كانوا يفعلون ذلك، حتى لا يسب أولئك المشركون الله انتقاماً لآلهتهم «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم» (الأنعام 10، فقد جاء النهي تنزيهاً لله من القبائح وحفظاً للمجتمع من الفتنة والاقتتال وأملاً فى أن يهتدي بعض أولئك المشركين. وإن جازت تلك المعاملة الربانية الحكيمة في حق المشركين من عبدة الأصنام فأهل الكتاب الذين أمرنا بالبر إليهم والقسط معهم وجادلهم بالتي هي أحسن أولى بذلك.
    وأحسب أن معاملة الرسول «صلى الله عليه وسلم» للمنافقين كانت تهتدي بتلك الحكمة، فقد جاء تكفير المنافقين صريحاً فى القرآن الكريم «ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم...» «المنافقون 3»، «الأعراب أشد كفرا ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله» (التوبة 97)، «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله...» (التوبة 107)، «يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل...» (المنافقون ، ومع ذلك ما كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» يخاطب المنافقين بأنهم كفار، وما أقام على أحد منهم حد الردة من الدين بل أخذهم بظاهر دعواهم وترك بواطنهم لله رب العالمين، رغم أنهم سعوا بالفتنة داخل صفوف المسلمين وتحالفوا مع أعدائهم من اليهود والمشركين. وقال حين دعاه عمر بن الخطاب لقتل شيخ المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول الذى وصف المسلمين فى المدينة بأنهم أذلة وأنه سيخرجهم من المدينة عندما يرجعون إليها، قال له: كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لم يكتف الرسول العظيم بعدم تكفير ابن سلول وبحمايته من القتل بل سماه من «أصحابه». صلى الله عليك وملائكته يا رسول الله وصدق فيك قوله «وانك لعلى خلق عظيم» (القلم 4)، لقد أراد الرسول حفظ تماسك المجتمع الإسلامى الوليد من الانقسام والتفكك ومن أقاويل الأعداء الذين يتربصون به فكانت تلك الخطة الحكيمة التى تعامل بها مع المنافقين. ولماذا لا يقتدى مجمع الفقه بذلك؟
    ومن المعلوم أن أهل كل دين يرون غير المؤمنين بدينهم كفاراً، فإذا جاز لمجمع الفقه الاسلامي أن يصف أهل الكتاب بأنهم كفار من أجل اعطاء «الرؤية المتكاملة للاسلام كعقيدة ومعاملة»، فهل يعطي ذات الحق لأهل الكتاب في السودان أن يصفوا المسلمين بأنهم كفار وأن نبيهم ليس مرسلاً من عند الله وأن كتابهم ليس كلام الله؟! فإن أعطاهم ذلك الحق ليتصور شيوخ المجمع ماذا سيحدث في هذه البلاد من فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر، وإن لم يعطهم ذلك يكون قد غمطهم حقهم في توضيح «الرؤية المتكاملة لعقيدتهم» كما فعل لنفسه. فموضع النزاع بيننا ليس في توضيح الرؤية المتكاملة للعقيدة، ولكن في تداعيات ونتائج تفشي تهمة التكفير في المجتمع بين أهل الدين الواحد أو بين أتباع الأديان المختلفة، وذاك باب اذا فتح دخلت منه شياطين الانس والجن واتسع حتى يصبح كل خلاف في حكم ديني مهما صغر مدعاة للتكفير بين الناس. وسداً للذرائع فإنى أدعو لسن تشريع برلماني يمنع التكفير بتاتاً لكل من اعتلى منبراً في مسجد أو كتب في مطبوعة أو تحدث عبر وسيلة اعلامية أو أفتى من خلال هيئة دينية، وإن كان لا بد من الحكم في هذا الأمر فليترك ذلك لمحكمة مختصة تسمع الدعوى والبينة والدفاع قبل أن تدلي برأيها في الأمر، وقد سبق لمجمع الفقه أن أفتى بذلك في حالة رئيس تحرير صحيفة «الوفاق» فما باله تراجع عن ذلك في هذه المرة؟
    جاء في النقطة الأولى من البيان أن الفتوى ليس المقصود بها أصلاً أهل الكتاب بقدر ما هي تصحيح لمقولات الترابي التي تنكر كفر أهل الكتاب، وما شككت لحظة في أن المقصود فعلاً هو رقبة الدكتور الترابي التي استباحتها أجهزة الحكم في مستوياتها المختلفة، ولكنه عذر أقبح من الذنب، فمن أجل أن يصلوا الى رقبة الترابي وطئوا على رقاب كل أهل الكتاب دون أن يكون لأولئك ناقة ولا جمل في المعركة وصارت التهمة الرئيسة هي تكفير أهل الكتاب ثم تكفير من لا يكفرهم!
    ورغم أني لا أريد أن أخوض في حكم التكفير لأهل الكتاب إلا أنى أتحفظ كثيراً في اطلاق الحكم على كل أهل الكتاب لأن القرآن يربط التكفير بمقولات بعينها مما يعني أنها لا تمس الذين لا يقولون بذلك، مثل الآية التي استشهد بها بيان مجمع الفقه «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة...»، أو الآية «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا» (المائدة 17)، فالذين لا يقولون بتلك الأقاويل من أهل الكتاب أو يفسرونها تفسيراً مختلفاً عما يخطر بالذهن لا ينطبق عليهم ذلك الحكم. يقول القمص فيلوثاوس فرج فى كتابه «المسيحية فى عيون المسلمين»، «وحديث المسيحية عن بنوة المسيح هو حديث عن بنوة غير جسدية وغير تناسلية... والأبوة والبنوة والروح القدس هي صفات للإله الواحد، هي حركة روحية داخل الله وليست ضد وحدانية الله»، وربما كان هذا الفهم هو الذى حدا بالبابا شنودة الثالث، رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن يدعو أتباعه لافتتاح الكلام بينهم وبين المسلمين بالقول: باسم الإله الواحد الذى نعبده جميعاً، بدلاً من تعبير: باسم الرب والابن والروح القدس. وهذه فضيلة للبابا شنودة من أجل العيش المشترك في بلد واحد مع أهل ديانة تستنكر الاشارة للتثليث. وفي ذات السياق ورد في الحوار الاسلامي-المسيحي الذي عقده مجلس كنائس الشرق الأوسط مع بعض المفكرين المسلمين، ان «الايمان الابراهيمي هو ايمان التوحيد الخالص وهو إرث يشترك فيه جميع الموحدين...» أى المسيحيين والمسلمين. والقرآن يعضد ذلك المعنى «وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (العنكبوت 46)، والقرآن يتحدث عن بعض أهل الكتاب وكأنهم مسلمون «ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين» (آل عمران 113- 114)، «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة 62)، وقول بعض العلماء في تفسير هذه الآية ومنهم الدكتور أحمد علي الامام في كتابه القيم «مفاتح فهم القرآن» إن شرط ذلك هو الإيمان آخرا بمحمد «صلى الله عليه وسلم» ورسالته تأويل بعيد لأن من آمن بمحمد يسمى مسلماً ولا يسمى يهودياً أو نصرانياً أو صابئاً. ويقول القرآن بأن أتباع عيسى عليه السلام فى مكان رفيع الى يوم القيامة ويفرق بينهم وبين الذين كفروا «وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة» (آل عمران 55).
    وعلى كلٍّ فالحكم فى قضية الكفر والايمان شأن أخروي مرده الى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة «وقالت اليهود ليست النصارى على شئٍ وقالت النصارى ليست اليهود على شئٍ وهم يتلون الكتاب، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» (البقرة 113). إذن لماذا الخوض فى مسألة التكفير أصلاً؟
    أما النتيجة التى خلص اليها البيان فى النقطة الخامسة من أن بيان المجمع يجئ لتقوية التعايش لأنه يعطي الرؤية المتكاملة للاسلام كعقيدة ومعاملة حتى لا يثير المساس بالعقيدة الاسلامية إزاء العقائد الأخرى الفتنة والبلبلة وهما اللتان تهددان هذا التعايش فليست مقنعة. وماذا عن المساس بالعقائد الأخرى غير الاسلامية؟ ألا يسبب ذلك بلبلة وفتنة؟ وقد ذكرت في مقالي الأول ان الذي لفت انتباهي محتجاً على بيان مجمع الفقه الإسلامى هو أحد كبار القساوسة الأقباط. ولا أظن أن مجمع الفقه الإسلامي يستطيع أن يقنع واحداً من أهل الكتاب بأن تكفيرهم من هيئة دينية رسمية تابعة لرئاسة الجمهورية فى بيان منشور على الناس مما يقوى التعايش الديني في السودان. ولو جاءوني بشخص واحد فقط اقتنع بحجتهم تلك فإني مسلم لهم بما قالوا وإلا فإني أقول لهم كفوا لسانكم عن تقويض قيم التعايش الديني النبيلة في المجتمع السوداني وأنتم في عراككم السياسي لا تشعرون!
                  

06-16-2006, 10:24 PM

عصام أحمد

تاريخ التسجيل: 05-09-2006
مجموع المشاركات: 3848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لغة الحوار! (Re: شول اشوانق دينق)

    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de