|
وداعا الفنان محمد وردي (1932- 2012م) .. بقلم: تاج السر عثمان
|
رحل عن دنيانا الفنان محمد وردي مساء السبت: 18 / 2/2012م، بعد صراع طويل مع المرض، وعن عمر ناهز ال 80 عاما، وبرحيل محمد وردي توقف قلب كبير عن الخفقان و " شلال" دافق من الالحان، والذي ظل مستمرا في التدفق بعنفوان بكل ماهو جميل وانساني ووطني من أغاني وطرب شجي. وظل محمد وردي قابضا علي جمر العطاء والابداع، كالشمعة "تحترق لتضئ للاخرين"، وظل وفيا لرسالته وفنه، ومنتجا حتي الرمق الأخير، فلا غرو أن احتل عن جدارة لقب فنان افريقيا الأول. الفنان محمد وردي من الذين واصلوا تطوير الأغنية السودانية واسهم في البناء الذي ارساه الراحل خليل فرح وكرومة والكاشف وحسن عطية، واحمد المصطفي وعثمان حسين وابراهيم عوض..الخ ، والذين اهتموا بالتجويد والاصالة وتهذيب وجدان المجتمع السوداني بالمعاني السامية والراقية: من اجتماعية ووجدانية ووطنية وثقافية حتي بنوا للاغنية السودانية مجدا، واسهموا في الوحدة الثقافية والوجدانية للسودانيين، في ظروف كان يعاني فيها شعبنا من ظلام الجهل والتخلف حتي اصبحت الأغنية السودانية مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها تسهم في التغيير الاجتماعي وترقية البنية الثقافية والعلوية للمجتمع. تناول محمد وردي في اغانيه القضايا التي عكسها تطور المجتمع السوداني وعبرت عن احتياجاته من: سياسية واجتماعية ووجدانية ووطنية، حيث غني رائعة محمد الفيتوري ( اصبح الصبح..) في مناسبة استقلال السودان عام 1956م. وترنم بالاغاني التي عكست العلاقات الاجتماعية الجديدة بعد الاستقلال، ولثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة مارس – ابريل 1985م، والتي اكدت قيّم الحرية والديمقراطية. وظل قابضا علي جمر الدفاع عن الأغنية والعمل علي تطويرها في المنفي بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الهمجي الذي حاول أن يلغي كل التراث الفني والابداعي، واحلال التهريج وتدمير الذوق السوداني محله، وتدجين المبدعين وافسادهم ورشوتهم ليكونوا بوقا له وحتي يصبحوا خانعين للشمولية ومصادرة الديمقراطية التي تتعارض مع تطور الابداع والخلق الفني وترقية الذوق السليم والصدق الذي عبر عنه الراحل حمزة الملك طمبل بقوله " ياشعراء وادباء السودان اصدقوا وكفي..". وعندما فشل الانقلاب في محاربة الأغنية السودانية والمبدعين حاول احتواءاهم، ولكن شأن كل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية والقمعية منذ الاستعمار وديكتاتورية عبود والنميري فشلت في ترويض الفنانين والمبدعين السودانيين ، وظل مبدعونا امناء وأوفياء لديمقراطية وأهلية الحركة الفنية والابداعية والرياضية، مثلما فشلت الانقاذ في تدجين المرأة السودانية والعودة بها الي البيت والقرون الوسطي وعصر الحريم، وأمامنا مشوار طويل لمواصلة الصراع ضد الحركات السلفية الظلامية التي تكاثرت وتناسلت في عهد الانقاذ الشمولي والتي تهدف الي تكبيل حركة الابداع والفن السوداني وتدمير القباب والآثار الفنية والتاريخية للسودانيين والتي تعكس التسامح الديني والتنوع التاريخي والثقافي والروحي في ثقافتنا السودانية. كما اهتم محمد وردي مثل الراحل خليل فرح بالتجويد في العمل الفني والموسيقي والالتزام الصارم بقواعده ومناهجه السليمة، وعدم تقديم العمل حتي يصبح مقنعا له قبل أن يقدمه للمستمع. كما اهتم وردي باختيار الجيّاد من القصائد والكلمات ذات المعاني الراقية والجميلة والتي اصبحت من الأغنيات الخالدة من كلمات الشعراء أمثال: صالح عبد السيد( ابوصلاح)، ومحمد مفتاح الفيتوري، اسماعيل حسن، صلاح أحمد ابراهيم، محمد المكي ابراهيم، عمر الطيب الدوش، محجوب شريف، مبارك بشير،...الخ القائمة الطويلة من الأغنيات الرائعة التي قدمها الفنان محمد وردي. وثابر وردي من أجل تطوير موهبته الفنية بالدراسة والبحث الجاد والاطلاع الواسع، كما انعكست تجربته الفنية في حياته المتنوعه مثل: تجاوز مرارة فقد الوالدين في فترة مبكرة من حياته" اليتم" وحياة الاعتقال والسجن والمنفي بسبب مواقفه السياسية ضد نظامي مايو و30 يونيو 1989م، والتي حولها الي طاقة ابداعية ومنتجة، ومرارة تمزيق الوطن الذي كان في حدقات عيونه بانفصال الجنوب، وكذلك ارتباطه بحياة القرية النوبية منذ نعومة أظفاره في "صواردة" مسقط رأسه، وما تعج به من صوت الساقية ومواسم الزراعة والحصاد وجمال اشجار النخيل والحقول والجروف، وفيضان وانحسار النيل، وتغريد الطيور، واغاني "الطمنبور" ، والرقص الجماعي الذي يعكس ترابط وتماسك الثقافة النوبية وتاريخها العريق، والدراسة في الخلوة، وممارسة مهنة التعليم في مناطق السودان المتنوعة، والتفرغ لفن الغناء في ظروف صعبة كان يعتبر فيها المغني " صائعا"، والمثابرة علي اتقان العزف علي "الطنبور" والعود وتطوير موهبته. لقد كان عصاميا قهر الصعاب، وما لان ولا استكان حتي استطاع أن يطور الأغنية والموسيقي السودانية. كما ارتبط محمد وردي بثقافته النوبية باعتبارها احد مكونات وأعمدة الثقافة السودانية، بتاريخها وانجازتها الحضارية، حتي اصبح الدفاع عنها جزءا لايتحزأ من الدفاع عن شمول واتصال الثقافة السودانية وتنوعها الديني واللغوي والاثني، وأن هذا التنوع هو مصدر ثراء وغني وتخصيب لها. فكان له اغاني رائعة باللغة النوبية، في ربط ديالكتيكي بين العام والخاص والذي يعكس اصالة الفنان محمد وردي. لقد رحل الفنان محمد وردي له الرحمة والمغفرة بعد أن ترك وراءه ثراثا قيّما من الابداع والفن الجميل والأصيل، وستظل ذكراه عطرة وباقية وأغانيه تشدو بها الاجيال القادمة جيلا بعد جيل، وملهمة للشباب والمبدعين وهاديا لهم للاضافة والتجديد والابداع. وسيذكره السودانيون كلما جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. والعزاء لاسرته واصدقائه ولكل أهل الفن ولجماهيره التي احبت أغانيه.
http://www.sudaneseonline.com/2008-05-19-17-39-36/6...-1932-2012-----.html
|
|
|
|
|
|