دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 )

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 07:54 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-28-2010, 09:31 PM

amir jabir
<aamir jabir
تاريخ التسجيل: 01-12-2006
مجموع المشاركات: 5550

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 )

    بقلم/ آدم جمال أحمد – سدنى



    تهدف هذه الدراسة النقدية لتسليط الضوء على تطور الحركة السياسية فى جبال النوبة بتجاربها الهائلة ، ومتعرجاتها وتراكماتها وتجلياتها السياسية والاجتماعية .. مع إستعراض للتنظيمات والأحزاب ونشأتها .. ودور النخب والصفوة والحياة السياسية ، وكيف بإلتقائهم بدأت الأفكار تتلاقح وبرزت بموجبها قضية التحرر ضد الأوضاع الإدارية غير المقبولة والمطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية .. خاصة فى ظل عدم مشاركتهم فى الحكومات الوطنية ، والتى كانت عاملاً مؤثراً فى قيام الحركة السياسية بمنطقة جبال النوبة ، والتى تجسدت فى بحثهم المضنى دون وجل عن حيز زمانى ومكانى للتعبير عن ذاتهم .. وعن الديمقراطية الراسخة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم ، وكيف بدأت فكرة الشعور بالإقليمية فى أذهان أبناء النوبة منذ ذلك العهد يتصاعد تدريجياً ، الى أن تطور ذلك المفهوم فى دوائر النوبة داخل وخارج الإقليم حتى جاء إتحاد عام جبال النوبة مع إنتفاضة 1964م ، ونافس على مقاعد البرلمان .. فكانت بداية الصراع السياسى ضد الأوضاع الهامشية بجبال النوبة ، ثم كيف حدث الإنشقاق داخل الإتحاد .. الى أن جاءت ثورة مايو 1969 م ، والتى تقودنا الى التنظيمات السياسية التى قامت خلال تلك الفترة فى المنطقة بهدف خدمتها ، حتى يقف القارئ الكريم على اللحظات الشائكة والمعقدة من تاريخ أمتنا فى منطقة جبال النوبة عبر سياحة لفهم الواقع السياسى المعاش على أساس التفاعل بين العناصر التعددية لمكونات الحركة السياسية ومعطياتها وتداعيات الماضى والحاضر وتشكيل المستقبل السياسى ، ولا سيما نحن بصدد الحديث عن صفحات تاريخ جبال النوبة السياسى .. نتناول فيها بعض التفاصيل الدقيقة فى الممارسة التنظيمية والحزبية .. ومساهمتها فى قلب مسار بعض الأحداث المصيرية.

    نشأة التنظيمات السياسية فى جبال النوبة:

    ظلت قضية جبال النوبة تشكل إحدى الأجندة الحاضرة دوماً فى ملف السياسة السودانية ، وظلت مصطلحات ( النعرة العنصرية ، الأحزاب العنصرية ، الإنقلابات العنصرية … إلخ ) مرتبطة الى حد كبير بهذه القضية بإعتبارها تمثل مصدر قلق دائم فى كل العهود والأزمنة ، فهى تأخذ أشكالاً تنظيمية قبلية وإقليمية ( تنظيم الكتلة السوداء ، إتحاد عام جبال النوبة ، تنظيم كومولو ، الحزب القومى السودانى … إلخ ) ، ومنطقة جبال النوبة تشكل رقماً مهماً فى رصيد المقدرة القومية للدولة لموقعها الجغرافى فى قلب السودان.

    تطورت الحركة السياسية فى جبال النوبة بعد تسريح أبناء النوبة من قوة دفاع السودان الذين أتيحت لهم الفرصة لزيارة أغلب مدن شمال ووسط السودان وشمال أفريقيا ، فشاهدوا التطور الاجتماعى وعندما عادوا وجدوا المئات من أبناء النوبة قد تخرجوا من المدارس الأولية والوسطى ، وبإلتقائهم بدأت الأفكار تتلاقح وبرزت قضية التحرر والمطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية ، وكان فى مقدمة هذه المطالب إلغاء الدقنية والسخرة.

    وظهر جلياً الوعى الاجتماعى الذى تنامى وسط النوبة مما أصاب المستعمر بالهلع ، وقد كان يظن أنه فرض سيطرته عليهم بقانون المناطق المقفولة .. فلجأ المستعمر الى إعادة نظام الإدارة الأهلية وكسب ثقتهم بعد أن وضعت إعتبارات خاصة لهم ولأسرهم حتى لا يعيد التاريخ نفسه وتتكرر الثورات فى جبال النوبة ، وأطلقت يد رجال الإدارة الأهلية لمتابعة الصفوة المناوئين والبطش بهم وزجهم فى السجون ، ولكن رغم ذلك لم يتوقف النشاط خاصة بعد قيام مؤتمر جوبا فى عام 1947م وقيام الجمعية التشريعية ، إذ بدأت الاجتماعات تعقد داخل المنازل بأحياء المدن الكبيرة مثل الدلنج .. كادقلى .. تلودى .. الرشاد .. وكان النقاش يدور حول الظلم الاجتماعى والتحرر منه.

    وعندما قامت الأحزاب السودانية لم تستوعب طاقات أبناء النوبة ، فقد كان حزب الأمة يعتمد على ( البقارة ) ، بينما إعتمد الحزب الوطنى الاتحادى على فئة التجار الوافدين الى المنطقة ، بينما كان أبناء النوبة يتلقون التعليمات من هؤلاء نيابة عن أحزابهم ، مما جعل أبناء النوبة يتخذون مواقف متطرفة من هذه الأحزاب التى لا تضم فى عضويتها وقياداتها أفراداً فاعلين من بينهم.

    ومن خلال هذه التطورات وجد أبناء النوبة أنفسهم معزولين عن الحركة السياسية وهناك من يديرون شئونهم بالنيابة عنهم ، ولقد خلق هذا العزل شعوراً سيئاً فى أنفسهم ، بالرغم من أن حزب الأمة قد فاز فى أول إنتخابات بأغلبية المقاعد فى كل من دوائر لقاوة والمجلد والدلنج ودلامى وهيبان .. لأنه رفع شعار .. ( السودان للسودانيين ) الذى كان أقرب الى نفوس النوبة منه الى شعار الوحدة مع مصر ، مقابل مقعدين فقط للحزب الاتحادى عن دائرة كادقلى ورشاد .. فهى نفس تلك الشعارات التى رفعتها الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الفترة الأخيرة ، من أجل ( سودان جديد ) .. هى التى شجعت أبناء منطقة جبال النوبة للإنضمام إليها ، بهدف المساهمة فى حل مشاكل السودان المزمنة فى إطار الوحدة من نمولى الى حلفا ، ومن الجنينة الى بورتسودان ، وقد تبلورت رؤية الحركة الشعبية فى شعار مشروع السودان الجديد الذى ينادى بإزالة كل مؤسسات التخلف والتى تتمثل فى المؤسسة العسكرية والأحزاب الطائفية بإعتبارها تمثل دعامات أساسية للسودان القديم وفقدانها للحس الوطنى ، ولكن حينما حاولت الحركة الشعبية إختزال شعار السودان الجديد فى إطار حق تقرير المصير والانفصال ودولة الجنوب ، تراجع عنها أبناء النوبة وإنفض السامر وحاولوا فك الإرتباط بالحركة ، لأنهم مع إطار دولة السودان الموحدة.

    فى ظل تلك الأحداث ظهر على المسرح السياسى تنظيم الكتلة السوداء عام 1948م كأول تنظيم بالمنطقة يضم قبائل النوبة ، وكانت أفكاره تدور حول تطوير الخدمات وفتح آفاق التنمية فى منطقة جبال النوبة ، وكان على رأسه د. أدهم وأخرون ، ولم يلاقى التنظيم القبول لدى الرأى العام السودانى وبعض من أبناء النوبة.

    وفى أول حكومة وطنية خرج أبناء النوبة منها صفر اليدين ، مما زاد من خيبة أملهم فى الأحزاب السياسية أنذاك ، إضافة الى أنه لم يعين أحداً من أبناء النوبة عند سودنة الوظائف .. وفى منتصف عام 1955م وبعد إلحاح شديد من نواب الحزب الوطنى الاتحادى تم إستيعاب أثنين من أبناء النوبة بدورة تدريبية للضباط الإداريين إستثناءاً وهما المرحوم كودى الدومة والأستاذ جبريل تية عبدالقادر ، وفى نفس العام عاد من مصر السير المك الزاكى الفكى على الميراوى .. يحمل موافقة مصر على بعثة قوامها ثلاثون طالباً من أبناء النوبة لتلقى التعليم الثانوى والجامعى بمصر ، ولكن بسقوط حكومة الأزهرى ألغى عبدالله خليل تلك البعثة مما أشعر أبناء النوبة بالغبن الشديد .. فتخيل معى أخى القارئ إذا لم يلغى رئيس وزراء حكومة حزب الأمة عبد الله خليل هذه البعثة التعليمية المجانية لثلاثون طالباً من أبناء النوبة سنوياً لكانت أحدثت تغييراً جذرياً على مستوى منطقة جبال النوبة والسودان سياسياً وإدارياً.

    وبدأ الشعور بالإقليمية يتصاعد تدريجياً وكان عدم مشاركتهم فى الحكومة الوطنية عاملاً مؤثراً فى قيام حركة النوبة ، ففى رأيهم أن الحكومات الوطنية فشلت فى تحقيق الأهداف الوطنية والقومية لأنها إتبعت منهج الإستعمار فى التفكير السياسى ، مما جعل المثقف ( النوباوى ) يتحول تدريجياً بفكره الى خانة العداء السياسى للحكومات ، وبرز ذلك فى خطب محمود حسيب فى تلك الآيام حيث يقول ..( لقد كنا فى الماضى نضع ثقتنا فى أخواننا زعماء الأحزاب السياسية ولكن النتيجة فى هذا التجاهل وهذا التخلف الذى نشكو منه الآن ).

    بعد ثورة إكتوبر 1964م نشأ إتحاد عام جبال النوبة بالخرطوم وقد شارك فى تأسيسه الأستاذ عطرون عطية ، عثمان عبدالنبى ، عبدالله حامد ، محمد حماد كوة وترأسه المرحوم محمود حسيب ، ولقد كان الاتحاد يحمل هموم ومشاكل أبناء جبال النوبة ، وبعد تكوينه رفع شعارات تطالب بتمثيل جبال النوبة فى البرلمان وكانت خطوة متقدمة فى حركة تضامن أبناء النوبة ، وفى عام 1965م أُتخذ قراراً بأن ينافس اتحاد عام جبال النوبة فى مقاعد البرلمان فى الاقليم ، ووجه جميع قواه لتنضم الى معركة الإنتخابات العامة فى تنظيم مستقل ، وكانت الظروف مواتية لصالح اتحاد عام جبال النوبة نسبة لليأس فى وسط جماهير النوبة من الأحزاب التقليدية ، والاتحاد أصبح يعبر عن آمالهم وتطلعاتهم مما جعله يفوز بثمانية مقاعد من جملة أربعة عشر مقعداً لجنوب كردفان ، وكان هؤلاء الأعضاء جمعياً من مناطق تمركز النوبة بجنوب وشمال وغرب الجبال .. وكان على رأس الفائزين الأب فيليب عباس غبوش الذى فاز بالدائرة ( 207) الدلنج وترأس فيما بعد الهيئة البرلمانية للاتحاد داخل البرلمان.

    هذه النتائج جعلت الأحزاب التقليدية تفقد نفوذها فى المنطقة وبذلك قويت شوكة الاتحاد العام بإعتباره قوى جديدة فى الساحة السياسية ، ولقد ظل متكاملاً ذا قوة فعالة على المستويين القومى والمحلى معاً ، وإستمر الاتحاد فى المحافظة على الدعم والزخم الشعبى الذى أفرزته نتيجة الإنتخابات مما عمق الروابط ما بين الاتحاد وقواعده وظهر ذلك جلياً فى أول مؤتمر بكادقلى عام 1966م والذى حضره وفود كبيرة من أعضاء الاتحاد العام وطلاب جنوب كردفان بالجامعات والمعاهد العليا وعناصر قيادية من أبناء الاقاليم الجنوبية وكان هدف المؤتمر توعية المواطنين من خلال الأوراق التى قدمت ، أما المؤتمر الثانى للاتحاد فى مدينة الدلنج عام 1967م كان أقل شعبية وزخماً من المؤتمر الأول ، وذلك لنشوب الخلاف بين جناحى فيليب غبوش ومحمود حسيب ، كما إنسلخ ثلاثة من النواب التابعين للاتحاد وإنضموا الى حزب الأمة فى نفس ذلك العام.

    لقد قاد الاتحاد حركة نشطة لإنشاء جمعيات تعاونية فى الاقليم ولعب دوراً هاماً فى علاج قضايا الناس اليومية ، وبذلك إستطاع إقامة منهج جديد فى تعاطى السياسة المحلية على مستوى المنطقة لم تشهد مثل ذلك من قبل ، مما جعل الحكومة تبادر بدفع الأحزاب السياسية الى الدخول فى نشاطات مكثفة بجبال النوبة للتقليل من قوة وتأثير جهود اتحاد عام جبال النوبة.

    وفى مجال السياسة الوطنية فقد ظهر الاتحاد بجلاء ككتلة منسجمة من خلال نشاطات أعضائه داخل وخارج البرلمان لأنهم كانوا يتطلعون الى التمثيل الوزارى فى الحكومة ولكن الأمور لم تكن كذلك فأعلنوا إنضمامهم مباشرة الى المعارضة ، ومع ذلك فقد إستطاعوا إقناع المجلس بمعاملتهم كمجموعة متميزة إستطاعوا إظهار قضية جبال النوبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال المنابر التى تيسرت لهم وعبر الندوات والصحف وغيرها ، ولكن لنشوب الخلاف فى عدم الإتفاق فى الأيدولوجية بين قياداته المتمثلة فى محمود حسيب وبعض عناصر النوبة المستعربة الذين كانوا ينادون بتعريف هوية السودان كدولة عربية افريقية وجناح الأب فيليب غبوش بتبنى السودان ذى الهوية الأفريقية ، هذا الخلاف أدى الى تضاؤل الاتحاد تدريجياً حتى ظهر ضعفه بوضوح فى عام 1967م عندما فاز أعضاؤه بثلاثة مقاعد فقط فى الإنتخابات العامة فى ذلك العام.

    وعندما إستولت ثورة مايو على السلطة فى مايو 1969م خرج الأب فيليب غبوش مواصلاً المعارضة من خارج البلاد ، وظل يدعم خطه السياسى من الخارج حتى عام 1977م عندما دخل فى مصالحة وطنية مع نظام جعفر نميرى ضمن أحزاب المعارضة ، لكن نظام نميرى أوقف نشاط الأب فيليب السياسى أكثر من عامين وظلت تحركاته مرصودة من قبل أمن النظام حتى أعلن جهاز أمن الدولة عن تورطه فى محاولة إنقلابية عام 1984 وصفت بأنها ( عنصرية ) لإحتوائها على العناصر الزنجية ( السوداء ) من النوبة والجنوبيين ، وتم إعتقاله ومعه نائبه محمد حماد كوة ومن ثم العفو عنه فى المحاكمة الشهيرة ، أما الجناح الأخر الذى تزعمه محمود حسيب فقد لعب دوراً فى قيام ثورة مايو حيث ذكر أنه نقل الى قادة الإنقلاب مخطط الجناحين ( جناح الأب فيليب وجناح محمود ) للإستيلاء على السلطة فى البلاد مما جعل جعفر نميرى يستعجل تحركه ويسبق الجناحين ، فلذلك عين محمود حسيب وزيراً للمواصلات فى أول حكومة تم تشكيلها فى 1969م .. ( وهو أول منصب وزارى يناله النوبة ) ، ثم محافظاً لكردفان ومحافظاً لمديرية جنوب كردفان وأقيل لأسباب غامضة وصفت بأنها لأسباب صحية حتى تم إغتياله عام 1984م فى ظروف غامضة.

    والى اللقاء فى الحلقة القادمة والتى سوف نتناول فيها التحولات التى التى طرأت على الساحة السياسية النوبية ، نحاول فيها التطرق الى تنظيم ( الكومولو ) والذين ساهموا فى تأسيسه ومراحله السرية .. والنشاطات التى قام بها ومساهماته فى العمل السياسى ، وكيف حدثت التغيرات والتحولات فى منطقة جبال النوبة حينما إختار أعضاء من التنظيم الإنضمام الى الحركة الشعبية.



    سدنى – استراليا - 23 يونيو 2010 م
                  

06-28-2010, 09:33 PM

amir jabir
<aamir jabir
تاريخ التسجيل: 01-12-2006
مجموع المشاركات: 5550

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: amir jabir)

    دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!!

    (2 - 3 )

    بقلم/ آدم جمال أحمد – سدنى

    تحدثنا فى الحلقة السابقة عن تطور الحركة السياسية فى جبال النوبة وكيف نشأت بعض التنظيمات السياسية مثل تنظيم الكتلة السوداء وإتحاد عام جبال النوبة ، والتطورات السياسية والتغيرات التى حدثت فى المنطقة .. وما تعرض له قادة النوبة من خلافات فى الأيديولوجية أضعفت بالقضية النوبية ودورهم الريادى فى قيادة المنطقة وشعب جبال النوبة.

    وفى هذه الحلقة سوف نحاول التطرق الى تنظيم ( الكومولو ) من حيث التكوين والنشأة .. نتناول فيها سرية العمل لهذا التنظيم .. ومساهماته فى العمل السياسى ، وما أحدثه من تغيرات وتحولات فى واقع منطقة جبال النوبة .. وكيف إختار قادة التنظيم الإلتحاق بالحركة الشعبية ، حتى نصوب إهتمام عملنا فى البحث عن تطور الحركة السياسية بجبال النوبة ، وتاريخ الصراع فى المنطقة .. لإطلاع الرأى العام المحلى والإقليمى والعالمى .. من خلال سردنا للأحداث وتطور الحركة السياسية خلال هذه الدراسة النقدية ، نحاول فيها تسجيل الصراعات والإنجازات فى رحم المعانأة .. والملاحم السياسية التى دارت حتى لا تضيع .. ويطويها النسيان.

    تنظيم الكومولو :

    تكون تنظيم ( كومولو ) فى نوفمبر 1972م من خلية صغيرة ، بإسم رابطة أبناء جبال النوبة وسط طلاب مدرسة كادقلى الثانوية العليا ( تلو ) ، فلقد لعبت الظروف دوراً أساسياً فى قيام هذه الرابطة وتعود فكرة ونشأة قيام الرابطة الى نفر كريم من أبناء النوبة على رأسهم كوكو محمد جقدول كوكو .. الذى يعتبر العقل المفكر لهذا التنظيم وأول قائد تنظيمى للكومولو منذ تاسيسه ، وهو من أبناء قبيلة الغلفان – قرية دابرى جنوب مدينة الدلنج ، تخرج من كلية التربية جامعة الخرطوم عام 1981 م ، عمل فى قسم الأخبار الخارجية بوكالة السودان للأنباء ( سونا ) ، وهاجر بعدها الى السعودية .. وكان من أصدقاء يوسف كوة وقد تزاملا وعملا سوياً فى رابطة أبناء جنوب كردفان بجامعة الخرطوم ، إنضم الى الحركة الشعبية عام 1980 م وإلتحق بها من السعودية ، تخرج ضمن دفعة ( إنتصار ) 1990 م من أثيوبيا ، عمل فى عدة وظائف إدارية بالحركة الشعبية .. وعمل كمعلم للأطفال السودانيين اللاجئيين فى معسكر ( كاكوما ) فى شمال كينيا بعد أن وصلها من ناروس بعد دخول القوات المسلحة الى مدينة كبويتا ، وإختلف مع الحركة الشعبية ورفض الرجوع اليها أو العمل معها رغم كل المحاولات التى بذلها قادة الحركة ، ومنها هاجر الى كندا وإستقر بها .. حيث بدأت الفكرة عندما أتى أحد عمال الصحة للطالب كوكو محمد جقدول متوسلاً اليه بأن يكتب له طلباً الى مدير المدرسة لكى يتم تثبيته فى العمل كعامل صحة ليلى .. مما أثار حفيظة غضبه فلم يتمالك نفسه حينها .. فحكى ذلك لأصدقائه الطلاب الذين دخلوا فى حوارات وأتفقوا على عمل تنظيمى منظم يقوده الطلاب ، وأخيراً توصلوا الى فكرة قيام وإنشاء رابطة لأبناء النوبة فى مدرسة كادقلى الثانوية العليا لكى تلعب هذا الدور .. ولإيجاد حلول ناجعة للمشاكل المستعصية تجاه المنطقة ، وقد كانت للرابطة أهداف إجتماعية إصلاحية وخدمية واضحة.

    وبالرغم أن تنظيم ( كومولو ) نشأ وسط طلاب المدارس ، وكانت البداية ثقافية وبصورة سرية تامة ، إلا أنه تطور مع إزدياد الوعى وسط هؤلاء الطلاب بعد وصولهم وإنتقالهم للمراحل الجامعية ، حيث التقوا هناك بالطالب يوسف كوة فى جامعة الخرطوم فطرحوا له الفكرة فأيدها وأمن بها ، وكانت قناعتهم أن الحكومات المتعاقبة وأحزابها قد فشلت فى معالجة مشاكل المنطقة ، لذلك عمل التنظيم لتوحيد الصفوف وتجميع أبناء المنطقة الموثوق فيهم حوله ، وعندما إنتقل يوسف كوة للعمل كمعلم للغة الإنجليزية فى مدرسة كادقلى الثانوية وجد بعض الطلاب الذين تخرجوا من مدرسة كادقلى الثانوية قد نقلوا معهم فكرة رابطة طلاب أبناء النوبة الى الحياة العملية ، وكونوا تنظيماً سرياً سمى ب (تنظيم الكومولو) ، ولكن فى عام 1980م تم تطوير تنظيم الكومولو حيث أعيد بناء هياكله وأهدافه التنظيميه ولقد تم تعديل دستوره .. ليتوافق مع الحياة العملية العامة وأصبح الأستاذ عوض الكريم كوكو رئيساً له ، وبدأ التنظيم من حينها يعمل فى تجنيد وإستيعاب أبناء النوبة وتنظيمهم وحثهم وتشجيعهم لإزالة بعض العادات الضارة والظواهر السالبة وسط مجتمع الشباب النوبى بصفة خاصة والمجتمع النوبى بصفة عامة ، وعلى ضوء ذلك لقد إستطاع النوبة أن يتخلصوا على كثير من العادات الضارة فى مجتمعاتهم بفضل جهود هذا التنظيم.

    وعندما أصبح محمود حسيب محافظاً لجنوب كردفان فى عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد النميرى لقد أحدث حسيب نقلة وتغييراً نوعياً فى جبال النوبة حيث إستطاع أن يعالج مشكلة العرى وشيد الطرق ( طريق كادقلى – الدلنج – الأبيض ) وساهم فى حفر الأبار وتشييد المدارس .. خاصة مدارس البنات حيث لم تحظى كادقلى بمدرسة ثانوية عامة أو متوسطة إلا فى عام 1976م.

    لم يبرز تنظيم ( كومولو ) على الساحة السياسية النوبية .. لأنه كان يباشر عمله سرياً فى عهد مايو ، وإنحصر نشاطه فى منطقة جبال النوبة بل فى ريفى كادقلى تحت قيادة المرحوم يوسف كوة مكى ، وهو من أبناء قبيلة ميرى – قرية الأخوال بميرى – جنوب غرب كادقلى ، لكنه نشأ وترعرع بمدينة ملكال والخرطوم حيث كان يعمل والده ، وتلقى تعليمه الأولى بمدرسة ميرى الأولية والأوسط بمدرسة سنكات الوسطى وأكمل المرحلة الثانوية بالخرطوم التجارية وإلتحق بالكلية الحربية فى عام 1967 م ضمن الدفعة ( 21 ) ، ثم فصل من الكلية بقرار من لجنة طبية لتعرضه لحالة نفسية ، ثم عمل معلماً بالمدراس المتوسطة ( الثانوى العام ) بمنطقة الضعين بدارفور ، ثم إلتحق بجامعة الخرطوم كلية الإقتصاد والعلوم السياسية عام 1976م ، لقد واصل نشاطه السياسى فى الجامعة وترأس رابطة طلاب جنوب كردفان ، وبعد تخرجه فى عام 1980م عمل معلماً بمدرسة تلو الثانوية بمدينة كادقلى ، ومارس نشاطاً سياسياً ملحوظاً خلال فترة خدمته كمعلم أدى الى فوزه بتمثيل دائرة كادقلى فى مجلس الشعب الاقليمى بكردفان عام 1981 م ، إنضم الى الحركة الشعبية لتحرير السودان فى نوفمبر 1984 م ، أرسل فى بعثة دراسية الى كوبا لتلقى العلوم العسكرية فى سبتمبر 1986م ، وأصبح رئيساً لمجلس التحرير الوطنى للحركة الشعبية وحاكماً لإقليم كردفان فى أبريل1994 م ، وأخيراً تم تعينه مشرفاً عاماً على الشئون الإنسانية بالمجلس الوطنى التنفيذى للحركة الشعبية قبل رحلته الطويلة مع مرض السرطان الذى أدى الى وفاته.

    ونلاحظ أن تنظيم كومولو لقد تعددت مسمياته فى مراحله المختلفة .. لقد سمى بمنظمة الشباب .. رابطة جبال النوبة .. حزب العمل .. لسرية العمل وحساسية الموقف ، إلا أن أهدافه التى كانت محل جدل وخلاف واسع بين أعضائه لمواكبة المراحل التى مر بها التنظيم ، لم تتغير كثيراً كما وردت فى وثائق هذا التنظيم الذى أسسه عدد من أبناء النوبة ، وهو الذى قاد عملية التمرد فى جبال النوبة وقرر إختيار أعضاء من التنظيم للإنضمام الى الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وسوف نتطرق الى إثنين من أهدافه تتمثل فى الآتى:

    1- أن يكون العضو ( نوباوياً ) أباً وأماً وأن لا يكون منضوياً تحت أى تنظيم أخر.

    حسب المادة الأولى فى شروط العضوية بدستور رابطة ابناء جبال النوبة 1972 م – كادقلى ، وقد أحدثت هذه المادة جدلاً واسعاً وأزمة داخل التنظيم فيما بعد ، وذلك لإنتماء الشهيد عوض الكريم كوكو مسئول العمليات فى كتيبة البركان التى أدخلت التمرد بصورة واسعة لمنطقة جبال النوبة وشقيقه عزالدين كوكو عضو التنظيم الى العنصر العربى من جهة أمهما التى تنتمى الى قبيلة ( الشويحات ) ، وعوض الكريم كوكو من أبناء كادقلى كان مسئول التنظيم بالمنطقة قبل الإنضمام الى الحركة الشعبية بأمر التنظيم ، فيما بعد قاد تحركاً ضد يوسف كوة داخل الحركة الشعبية ، بإعتباره خالف أوامر تنظيم كومولو والتى بموجبها تم الإلتحاق بالحركة المسلحة ، والتى كانت تدعو بأن يكون لأبناء النوبة كيان منفصل فى شكل تحالف ذات أهداف وإستراتيجية واضحة .. هو التدريب والحصول الى السلاح من الحركة الشعبية .. لمقاتلة قوات الحكومة بمنطقة جبال النوبة وليس الدفاع عن الجنوبيين وتأديب القبائل الجنوبية المناوية للحركة ، مما جعل يوسف كوة الذى كان يخالفهم الرأى بأن يقوم بإعتقاله ومجموعة أخرى من خيرة الضباط ضمن قادة النوبة ، وتم إرسالهم الى بحر الغزال وهناك تم تصفيتهم.

    تمرحل التنظيم حسب الظروف السياسية والإجتماعية التى مر بها السودان عموماً وجبال النوبة بصفة خاصة ، فقرر خوض الإنتخابات البرلمانية لمجالس الشعب المحلية والإقليمية والقومية ، وكانت هذه بداية الإنخراط له فى العمل السياسى بصورة واضحة ، ونجده بذلك لقد أحدث تنظيم كومولو ثورة فكرية ونقلة فى عمله التنظيمى ، وذلك من خلال مشاركته فى تنظيمات الإتحاد الإشتراكى ، لإيمانه بأهمية دور العمل السياسى فى خلق كوادر سياسية فاعلة ومقتدرة لمواجهة الصعاب ، وبذلك تمت التعبئة والوقوف بترشيح أبناء النوبة الشباب فى الإنتخابات لمجالس الشعب القومى الإقليمى والمحلى لمحافظة ومحلية كادقلى .. فلذا لقد عمل أعضاء كومولو للفوز بهذه الإنتخابات فى عام 1981 م ، خلال عمل سرى دقيق ، رغم ضغوط أمن الدولة الموالية لحكومة جعفر النميرى.

    2- لا يمكن أن تتم وحدة وطنية بالسودان ما لم تتم وحدة دينية وعرقية:

    لا بد من تنظيم دقيق وإستراتيجية لتوحيد القبائل النوباوية مع الإستعانة بالقبائل الزنجية الأخرى للوقوف معهم ، والقيام بحملة واسعة لتوحيد النوبة ، أما مسألة الإنقسامات الدينية والعرقية فالتنظيم كفيل بحلها ، فلذلك ركز التنظيم على سرية العمل وعدم الإلتزام بإسم محدد.

    وعندما بدأت فكرة تنظيم كومولو تتبلور واجهتهم عدة إشكالات إنحصرت فى ثلاث تحديات تتمثل فى الآتى:

    - إن العنصر النوباوى يعتبر أقلية إذا ما قيس بالوجود القبلى العربى المحيط بهم فى جنوب كردفان.

    - إن البعض منهم مسلمون مما لا يسمح بالوحدة بينهم فى التوجهات.

    - قلة الإمكانات المادية ، لأن معظم النوبة فقراء ولا بد من التفكير فى الدعم المالى لإنجاح الفكرة.

    ظل تنظيم كومولو يعمل بصورة سرية مؤثراً فى مجريات الأحداث بالمنطقة ، ففى فترة مايو فاز بعدد من الدوائر فى إنتخابات مجلس الشعب الاقليمى ، حيث فاز يوسف كوة بدائرة كادقلى ليصبح عضواً بمجلس الشعب الاقليمى بكردفان عام 1981 م ، وفاز دانيال كودى بدائرة كادقلى وأريافها الأربعة ( البرام – أم دورين – هيبان – ريفى كادقلى ) ليصبح عضواً بمجلس الشعب القومى الرابع ونائباً لرئيس لجنة العلاقات الخارجية فى عهد الرئيس الأسبق النميرى .. ودانيال كودى من أبناء ربفى هيبان من قبيلة أبل ، خريج كمبونى الأبيض 1969م ، حيث عمل معلماً للتربية المسيحية بالمدارس الإبتدائية ، وكذلك معلماً للغة العربية بمناطق الجزيرة ، وهو مسيحى كاثوليكى حيث تلقى دراسات فى اللاهوت فى الفاتيكان ، وإتهم فى المؤامرة الإنقلابية التى دبرها الأب فيليب عباس غبوش عام 1984 م ، ومن أوائل الذين إنضموا الى الحركة الشعبية وعمل فى مكتب الحركة بأديس أبابا لمدة عامين ونصف العام ، وشارك فى مفاوضات الحركة والتجمع فى كوكادام ، وهو معلم المرحوم القائد جون قرنق الخاص للغة العربية .. كما فاز هارون إدريس كافى برئاسة الاتحاد الإشتراكى بمنطقة كادقلى ، وأحمد الحاج كافى برئاسة مجلس منطقة كادقلى وابراهيم محمد بلندية عضو التنظيم نائباً له ، كما سيطر التنظيم على نقابات المعلمين والمرأة والموظفين ، وهذا النجاح لقد تم بإشراف وتخطيط من اللجنة التنفيذية لتنظيم الكومولو.

    و بهذه الخطوات الجريئة لقد وضع تنظيم كومولو الأمور فى بداية طريقها الصحيح ، وكان ذلك مؤشراً خطيراً على الحياة السياسية فى جبال النوبة ، إذ إستطاع التنظيم بذلك أن يقلب ميزان السياسة بالمنطقة ، والتى أربكت كل الحسابات وقلبت كل الأمور على عقب .. وأجابت بذلك على أسئلة الشباب الذين وقتها كانوا يتساءلون أين أبناء منطقة جبال النوبة ، ولماذا لا يمثلون مناطقهم .. ولماذا يمثلهم الأخرون من الوافدين الذين لا مصلحة لهم بالمنطقة وأهلها .. والتى كانت تسيطر عليها سياسياً وإدارياً .. وهى عناصر ليست لها علاقة أو صلة بجبال النوبة .. لأن معظم العاملين فى المنطقة كانوا من الوافدين من خارج إطار المنطقة .. بالرغم من توفر الكفاءات من أبناء المنطقة .. ولقد وصفت الحكومة وعناصرها والجهات الأخرى هذه الثورة التصحيحية بالعنصرية وما الى ذلك ، وأصبحت الأجهزة الأمنية تطارد الشباب من أبناء النوبة ، وإستجوبت الكثيرين منهم وزجت بمعظمهم فى السجون والمعتقلات الى أن سقطت حكومة النميرى ، وجاءت من بعدها الإنتفاضة والحكومة الإنتقالية برئاسة المشير عبدالرحمن سوار الذهب ورئيس الوزراء الجزولى دفع الله .. ثم حكومة الصادق المهدى فى عهد الديمقراطية الثالثة ، ولكن جميعها لم تعير جبال النوبة أى إهتمام أو تحاول التصدى لحل مشاكل المنطقة وأهلها ، مما أدى الى الإنفلاتات الأمنية وتدهور الأوضاع ، والتى صارت من أسوأ الى أسوأ فى جبال النوبة ، مما تسببت فى إلتحاق عدد كبير منهم بصفوف الحركة الشعبية.

    أسباب إلتحاق النوبة بالحركة الشعبية :

    إن تنظيم كومولو لم يكن يوماً من الآيام يفكر فى الكفاح المسلح منذ نشأته ، إنما كان تنظيماً إجتماعياً وإصلاحياً ، إلا أن الظروف قد ساعدت ولعبت دوراً فى ذلك مما جعلته يتكيف معها .. وتعود أسباب إلتحاق أعضاء تنظيم كومولو بالحركة الشعبية للأسباب التالية:

    إبان وجود يوسف كوة مكى بمجلس الشعب الإقليمى بكردفان برزت خصومات حادة بين النائب البرلمانى يوسف كوة .. والفاتح بشارة حاكم الإقليم آنذاك ، وتعود الأسباب لنتائج إنتخابات المرشح الأخير حاكماً لإقليم كردفان وقتها فى أبريل 1983 ، حينما وقف الأستاذ يوسف كوة مسانداً القائمة الأولى لأبناء كردفان الشرفاء والتى كانت تضم بكرى أحمد عديل ومحمود حسيب والطيب المرضى والدكتور التجانى حسن الأمين ضد القائمة الثانية التى كانت تضم ممثلى الحكومة وهم الفاتح بشارة والمحامى دلدوم الختيم أشقر ومحمد أحمد أبوكلابسش ، وبالرغم أن يوسف كوة كان عضواً بالبرلمان ونائباً لرئيس هيئة مجلس الشعب الاقليمى ، كان من واجبه أن يقف مع قائمة الحكومة .. ولكن كان قرار المكتب التنفيذى لتنظيم الكومولو وتكلفيه ليوسف كوة بأن يقف فى صف قائمة أبناء كردفان الشرفاء.

    ولكن بالرغم من فوز قائمة أبناء كردفان الشرفاء ، إلا أن إعلان نتيجة الإنتخابات تأخرت الى منتصف الليل ، وأثناء عملية الفرز والإنتظار لقد أرسل الرئيس جعفر النميرى الدكتور عون الشريف قاسم وزير الشئون الدينية والأوقاف مندوباً له ، لإستكشاف حقيقة الموقف .. حتى أعلنها الرئيس بنفسه مؤكداً فوز الفاتح بشير بشارة ، مما يدل على عملية تزوير نتيجة الإنتخابات .. والتى كانت سبباً أساسياً فى تداعيات توتر الخصومة بين الفاتح بشارة ويوسف كوة وصلت حداً تم فيها تجريد يوسف كوة من الحصانة البرلمانية وعزله من منصبه وطرده من المنزل الحكومى .. الذى كان يقطنه بغية محاكمته بتهمة الخيانة ، ولكن قبل أن يتم ذلك كان يوسف كوة قد إستشار المكتب التنفيذى لتنظيم الكومولو فى الإلتحاق بحركة جون قرنق ، فقام تنظيم الكومولو بالدعوة لإجتماع عاجل حضره ممثلين ومندوبين من الخرطوم والأبيض ، ودخلوا فى جلسة إجتماع مغلقة إستمرت لأكثر من سبعة عشر ساعة متواصلة ، ناقش فيها المجتمعون منفستو الحركة الشعبية ، وتداعيات المواقف الأخيرة المستجدة ، وتوصل المجتمعون بالإجماع أخيراً الى قرار الكفاح المسلح لأن فى رأيهم الكفاح السلمى أصبح ليس ذات جدوى ، ثم وافق التنظيم على سفر الأستاذ يوسف كوة مكى وكلفه بالذهاب الى إثيوبيا لمقابلة زعيم الحركة الشعبية جون قرنق وتبليغه برغبة أبناء النوبة بالإنضمام الى حركته للتدريب والحصول على السلاح لمحاربة قوات الحكومة فى جبال النوبة والتحالف معه ، وقبل سفره التنظيم إشترط على الأستاذ يوسف كوة بأن يعمل دراسة كافية أثناء وجوده هناك لتقييم الوضع وحدد له أسماء أشخاص بأعينهم عليه الإتصال بهم وتبليغهم بكل شئ نيابة عن التنظيم ، حتى يتمكن التنظيم من دراستها وتقييمها ، ولكن للأسف لم يفعل يوسف كوة ذلك ، بل خالف تعليمات التنظيم وأصبح إتصاله بأعضاء أخرين .. وإختار أعضاء بأسمائهم وقع عليهم الإختيار من جانبه للإلتحاق بالحركة الشعبية وهم:

    1- عوض الكريم كوكو

    2- يوسف كرة هارون

    3- تلفون كوكو جلحة

    4- صالح إلياس ( لم تكتمل إجراءات سفره )

    5- وأخرون

    وكانت هذه أولى مخالفات يوسف كوة لتكليف وأوامر تنظيم الكومولو ، ولقد إختلف بعض أبناء النوبة الذين إلتحقوا فيما بعد بالحركة الشعبية فى فهم التكليف ، ولقد حاول عوض الكريم كوكو ومجموعة من خيرة ضباط أبناء النوبة بالحركة الشعبية مناقشة القائد يوسف كوة فى ذلك وتذكيره بأمر التكليف ، وعن الوضع السئ لأبناء النوبة بالحركة ، وما فقدته من زخم ثورى الذى كان طابع المرحلة الأولى ، فلم يحقق المقاتلون أهدافهم الكلية ، لكن للأسف رفض القائد يوسف كوة الإنصياع لرأى الأغلبية أو الإستماع إليهم .. أو حتى الى مشورتهم ، بحجة ( إذا تركنا الحركة الشعبية الى أين نذهب ) .. مما جعل الأمل يخبو فى النفوس ، لأن الخلافات بدأت تدب فى أوساط صفوف قادة النوبة الذين أسسوا الحركة الشعبية بالمنطقة ، وذلك حينما وصلوا معه الى طريق مسدود طرح له سؤال عن نوعية وكيفية شكل العلاقة مع حركة القائد جون قرنق ، والتهميش والظلم والإضطهاد الذى يمارسه أبناء الدينكا ضد أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية الأم ، ونتيجة لتفاقم الخلافات قام القائد المرحوم يوسف كوة مكى بإعتقال عدد من خيرة قيادات النوبة الذين أسسوا معه الحركة بجبال النوبة ، وسجن مجموعة كبيرة منهم لمدة تصل الى إحدى عشر شهراً فى عام 1991 م ، ثم رحلوا فيما بعد الى قيادة دانيال أويد أكون ببحر الغزال ، وكان على رأسهم القائدان المناوبان عوض الكريم كوكو ويونس أبوصدر منزول والنقيب طارق كودى أبوراسين وأخرون ، وأخيراً تمت تصفيتهم .. إلا أن تلك التصفية لخيرة قيادات أبناء النوبة خلقت نوع من التذمر وأوجدت فراغاً قيادياً فى منطقة جبال النوبة ، وتركت المنطقة مرتعاً لضباط صغار يحاربون بلا قضية ولا هوادة .. وليس معهم هناك من يخطط أو يفكر لهم أو يبصرهم بمخاطر طريق ( التحرير ) ، لقد شكل إعدام أولئك القادة المؤسسين أو نفيهم أو تغييبهم صدمة قاسية لأبناء جبال النوبة الذين إنضموا الى الحركة من أجل ( التغيير والتحرر والبناء القومى ) .. فلذلك إنكمش دور أبناء النوبة داخل الحركة الشعبية وقل عطاؤهم ، مما حدا بمحمد هارون كافى ومجموعته التى إنشقت عن الحركة ووقعت فيما بعد على ميثاق السلام مع الحكومة ، لقد تضمنت الفقرة الخامسة من بيانها الذى أعلنت فيه إنفصالها عن الحركة الأم هذه النقطة: ( تعذيب وإعتقال وسجن وتصفية قيادى جبال النوبة بجانب إبعادهم عن الجبال الى الجنوب .. ) .. وتعتبر هذه واحدة من الأسباب التى دعتهم الى الإنشقاق عن الحركة الأم ، إضافة الى الصراعات التى نشبت بين أبناء النوبة داخل صفوف الحركة الشعبية .. بين أبناء جنوب الجبال وشمال الجبال ، حيث يعتقد أبناء جنوب الجبال أنهم أحق بقيادة الحركة ، لأنهم الأغلبية فى صفوف قواعد الحركة ، بالإضافة الى الصراعات التى ظهرت بين المسيحيين والمسلمين حول من هو أحق بقيادة الحركة الشعبية فى جبال النوبة ، حيث كان يعتقد دانيال كودى أنه أحق من يوسف كوة بالقيادة لأن المسيحيين أكثر من المسلمين فى قواعد عضوية الحركة ، إضافة الى أن أبناء هيبان وجنوب الجبال حيث يمثلون جلهم التيار المسيحى هم الأغلبية .. هذه الصراعات الخفية لم تصل الى مرحلة الإنشقاق وتكوين فصائل مختلفة ، إلا أنها حالت دون أن يستطيع أبناء النوبة توحيد كلمتهم داخل الحركة الأم ، لذلك إستفاد جون قرنق وحركته من هذا التناقض والوضع الذى لا يحسد عليه أبناء النوبة ، فجعل الكل يحتاج اليه .. الى أن وصل الأمر بمجموعة محمد هارون كافى أن تشق عصا الطاعة وتأتى الى السلام منفردة .. فكانت تلك بداية رحلة الضياع من الظلم والتهميش لأبناء النوبة فى صفوف الحركة الشعبية وأسباب الفشل فى جبال النوبة.

    وإنشاء الله سوف نتحدث فى هذه الحلقة القادمة .. والتى نختم بها حلقات الدراسة النقدية لتطور الحركة السياسية فى جبال النوبة والمستقبل السياسى عن الحزب القومى السودانى ، وتأسيسه ودوره فى الحياة السياسية فى جبال النوبة والسودان ، وكيف كانت محاولاته واضحة وصريحة للخروج بأبناء النوبة من القضايا المحلية الى التصدى لقضايا السودان بإعتبار أنهم السكان الأصليون فيه ، وكيف فتحت عضوية الحزب لكل أبناء السودان.

    ونواصل .......



    سدنى – استراليا - 28 يونيو 2010 م
                  

06-29-2010, 00:12 AM

ناصر الاحيمر
<aناصر الاحيمر
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1250

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: amir jabir)

    اخي ادم جمال

    نشكرك كثيرا علي تحليلك القيم
    ونتمني التواصل وتوثيق
                  

06-29-2010, 00:52 AM

amir jabir
<aamir jabir
تاريخ التسجيل: 01-12-2006
مجموع المشاركات: 5550

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: ناصر الاحيمر)

    قراءات فى الأزمة السودانية .. وسياسة الآحادية الثقافية !! .

    بقلم / آدم جمال أحمد – سدنى – استراليا


    تبدوا الحياة السياسية فى السودان بتجاربها الهائلة ومتعرجاتها الحرجة وتراكماتها وتجلياتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، التى تمتد خلال العصور والحقب تكمن وراء قدرة الباحث على كشف حقيقة الماضى وتداعيات الحاضر ، وتحد من إمكانية إستشراقها للمستقبل لأنها تتجاوزه لتجنح بخياله نحو اللامعقول ، وتمده بالتشبيهات المتناقضة والإنطباعات المحيرة والصور المركبة ، ولكنها أيضاً تبسط بأريحة مدهشة أمام المراقب الملتزم لمصالح أهلها الإستراتيجية .. وآفاق أمنهم القومى ودروب سعادتهم الأبدية .. والتى تتجسد حول مركز إهتمامات تنطوى عبر تضحيات أهله الجسام ومعاناتهم التى فاقت كل إدراك وتصور فى بحثهم المضنى دون وجل عن السلام العادل .. وعن الديمقراطية الراسخة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم ، وهى محاور لا بد أن يرتكز عليها أى مشروع للإستقرار السياسى والتقدم الإقتصادى والتغيير الإجتماعى فى السودان.
    لا بد أن نعلم بأن الأنظمة تتغير وتزول بهذه الطريقة أو تلك .. ولكن الأوطان وحدها تبقى ، وإن إستمرار سعير الحروب الأهلية والصراعات فى السودان يصبح جريمة ، فالحروب التى نعيشها لم ولن تكن فى مصلحة عموم أهل السودان ، بل هى لمصلحة بعض السودانيين وبعض دول الجوار الطامعة فيه أو الخائفة من إرثه الحضارى وتقاليده الديمقراطية الراسخة ، بالإضافة الى تلك التى تطمح للسيطرة على إمكاناته وتخشى قدرة أهله على التكيف وإحتواء الأنواء وعلى الإستيعاب والتقدم.
    لقد ورث سودان اليوم ما كان فى سودان الأمس القريب والبعيد من خصوصيات سياسية وإثنية ولغوية ودينية وثقافية بحيث أصبح لكل منها خصوصية إجتماعية تبحث عن حيز زمانى ومكانى للتعبير عن ذاتها ، ولعل التحدى الحقيقى هنا يكمن فى أن فهمنا لواقع السودان المعاش هو على اساس التفاعل الجدولى بين عناصر تعددية لمكونات البلاد ومعطياتها وتداعيات الحاضر وتشكيل المستقبل ، ولعل ذلك هو عنصر القوة .. فهى تجسد الحياكة المتينة للنسيج السودانى بمكوناته وألوانه المختلفة عرقياً وسياسياً ودينياً وثقافياً وإجتماعياً ، والذى لازم البلاد كعنصر قوة وإن كان البعض يريده عنصر ضعف.
    لقد عجزت القوى السياسية بعد تأديتها مهمة طرد المستعمر فى وضع إستراتيجية لدولة سودانية عبر رؤى وأفكار لتصبح منارة وقبلة جاذبة لكل أطراف الشعب السودانى يكون فيها ( معيار المفاضلة ) بينهم " المواطنة " حتى تتضح طبيعتها وملامحها من خلال التعايش السلمى والدينى بينهم دون أى فوارق طبقية أو إجتماعية ، وهذا يحتاج منا الى رسم أبعاد ذات إتجاه جديد فى تناول القضايا السودانية الشائكة ، وما تمر به البلاد من أزمات تتراوح على جميع الأصعدة ، خاصة فى ظل التأرجح التى تعيشها القوى السياسية وما يلازمها من إنكسار وتقطيع لأوصال جسد الدولة السودانية وتأجيج بؤر الصراعات المختلفة وتعالى الأصوات المطلبية نتيجة لفرض سياسة الآحادية الثقافية ، التى ظلت تتعامل بها كل الحكومات سواء كانت عسكرية أم ديمقراطية مع الطرف الأخر لقطاعات كبيرة من جموع الشعب السودانى نتيجة لإحساسه بمرارة الظلم والتهميش وفق ميكانيزمات القهر وإعادة الإنتاج والإستتباع للثقافات الأخرى بقية إنتاجها وصهرها وإختزالها .. وهذا نفسه ما أورثناه لحالة الفشل العقمى للنخبة والقيادات السودانية من أقصى يمينها الى أقصى يسارها ، لأنها فشلت جمعيها فى إرساء أسس وقواعد ، فلذلك كانت النتيجة لقد ساهمت بقدر كبير فى تفاقم المحنة ، لأن هذه الأحزاب الحديثة منها والتقليدية وقياداتها يفتقرون الى ممارسة الديمقراطية داخل منظومتهم الحزبية ووسط قواعدهم ، نتيجة لإشكالية ( كارزما ) سرطان الفشل الذى يلازمها أين ما حلت فى تجلياتها ، بالإضافة الى الأخطاء الفادحة فى ممارسة سياساتها ، والتى أرادت بها أن تجتث بها الشجرة السودانية وما تتميز به من عادات وتقاليد وثقافة وإرث حضارى ولغات مختلفة .. بدءاً من أوراقها وإنتهاءاً بجذعها ، والسعى لتحويل كل الشعب السودانى الى صراعات وتجاذبات وخلافات حادة بين الإنتماء الى أصول عربية ذات ثقافة عربية أم الإنتماء الى أصول أفريقية ذات ثقافة إفريقية ، ونحن جمعياً فى تناسى تام بأننا جميعاً سودانيين نتمى لدولة إسمها السودان .. بلد متعدد الثقافات واللغات والعادات والتقاليد وجسر للتواصل بين الثقافة الأفريقية والعربية التى تشكل وجدان الشعب السودانى.
    فالمتتبع لمسيرة العمل السياسى السودانى يجده على الدوام يقوم على تقديم تجارب سياسية مدنية لم تكتمل حلقات بناها المدنى والديمقراطى بالشكل المكتمل مع طموحات وآفاق المطالب الجماهيرية فى التنمية والتقدم والتطور مما يؤطر نفس هذه القوى المدنية لقطع الفترة الديمقراطية بإنقلاب عسكرى ( مكتمل النمو الديمقراطى ) بالزرائع الديمقراطية أى أنهم فشلوا فى إدارة الدولة ديمقراطياً فعلينا حكمها ديكتاتورياً ( الديكتاتور العادل ) فى عقلية المواطن السودانى ، لذا نراه يفضل الحكم العسكرى على المدنى .. لأن الحكم المدنى مرتبط لديه بالفوضى والثراء الذاتى والنفعى لقوى السلطة المدنية ، وهذا هو ما كرست له قوانا المدنية فى ظل حكوماتها السابقة ، إذ أنها لم تهتم فى بناها الداخلى بالواقع السودانى ومؤشراته المرضية حتى تجد لها الدواء والحلول السليمة ، بل إكتفت بأنها هى من ورثت أرض أجدادها وأهلها وظلت تحكم طوال تاريخها من خلال تلك الظرفية التاريخية متناسية أن العالم والواقع متحرك وما بعد اليوم صواب ربما يصبح غداً أعظم خطأ ، ومن هنا ظلت قوانا جميعها تتراوح داخل الأزمة بما فيها القوى الجديدة ( التقدمية ) ، والتى جاء خطابها مغترب بصورة مخجلة عن واقعنا المعاش .. برغم هذا كله ما زالت قواها السياسية تعمل داخل الحقل السودانى ونحن لا نقدح فى أمانتها أو وطنيتها ، لكن بالضرورة نقدح فى أدواتها التى تنتج بها برامجها ورؤاها لتشريح الواقع السودانى لقيادته بالصورة المطلوبة ، لبر السلام والعدالة والمساواة وكفالة الحريات.
    وبكل هذه الخطوات المضطربة فى مسيرة العمل السياسى المدنى أدخلتنا قوانا السياسية فى ساحة من الصعوبة بمكان الخروج منها ما لم تهتم هى فى نفسها بضرورة التغيير فى أدواتها ، وخصوصاً أن المعركة الآن وصلت مفصلاً هاماً ويعد دائماً هو الخطاب الذى ظلت تحصد به بعض القوى مقاعد السلطة وهذا هو مفصل الآحادية الثقافية ، التى ظلت متحكمة فى السودان عبر تاريخه السياسى منذ عام 1956 م والى اليوم كشكل حكومات مرت على مقاعد السلطة فى الدولة ، حيث صارت الدولة السودانية تعبر عن تطلعاتها وآمالها بالنهوض والنماء وفق لسان وعقل أيديولوجى يتضارب مع المزاج السودانى البسيط ، بمعنى أن الأيديولوجيا العربية صارت متبناة داخل السودان بتصوراتها الزمانية والمكانية للجزيرة العربية وبكافة تراثها ، رغم أن الثقافة العربية "دون تزمت منا" هى نفسها تعانى من إشكالات جمة تحبط من مسيرة نهضتها ويمكن أن نجمل هذه الإشكالات فى مسألة الوحدة السودانية كمشروع تعنى به الأيديولوجيا العربية فى خطاب عربى يعبر عن مصالح الشعوب العربية جمعيها ، والمسألة الثانية هى مسالة الحرية التى ظلت متراجعة بصورة مخيفة بل لم تتقدم خطوة واحدة منذ عصور بعيدة الى اليوم ، ويظهر هذا التراجع من خلال نماذج الحكومات فى الدول العربية والتى ظلت عبر سنين عديدة حكراً للملوك والعساكر ، وعجزت كافة الدول العربية من كفالة حقوق الإنسان بتقديم تجربة ديمقراطية حتى ولو كانت هذه التجربة بها كثير من التذبذب ، ويضاف لهذه الإشكالات إشكال اللغة العربية فى نفسها إذ نجدها عجزت عن تطوير نفسها لتصبح جزءاً من إنتاج المعرفة العلمية والمصطلحية للوصول للتطور التكنولوجى والمجالات الإقتصادية المنعتقة من التبعية لدول العالم الأول ولتقديم تجربة عربية متكاملة ومترسخة بمشروع مرتبط بالثقافة العربية بإعتبار أن الثقافة هى الكل المركب من عادات وتقاليد وسلوك وأنماط تفكير .. و..و ..إلخ ، أيضاً ظل مشروع الأيديولوجيا العربية وعلى مستوى الإنسان العربى يعانى من كبت وقهر الأنسان مع إمتهان شبه كامل لإنسانيته وحقوقه بفشل محكم لهذا المشروع مع نظرة شمولية بأن لا يخرج منها الإنسان العربى مقيداً فيها بأحكام.
    رغم كل الفشل المصاحب للمشروع الأيديولوجى العربى نجد أن قوانا السياسية السودانية تنظر وتنتج أدوات عملها داخل الواقع السودانى بمنظار عربى أيديولوجى مجتهدة بتأطير السودان وتبعيته للدول العربية ، ويظهر هذا كمشروع مؤسس صاحب الدولة السودانية منذ مملكة سنار والى اليوم ، إذ أن التاريخ السودانى تم تدوينه وكتابته وفق هذه الرؤية الأيديولوجية الموغلة فى الإقصاء لواقع ليس مظهرياً بل هو واقع يومى ومعاش هو واقع التعدد والإختلاف داخل الظرفية السودانية ، رغم أن هذا التاريخ نفسه وبعد دولة سنار تم إخراج كثير منه لأنه يفضح تعميم الأيديولوجيا العربية للواقع السودانى بأنه واقع عربى لذا لزم إبعاده أو تصويره بصورة توافق المزاج العربى ، وأيضاً تظهر الأيديولوجيا العربية داخل المشروع التعليمى لوزارات التربية والتعليم المتعاقبة إذ أنها ظلت تكرس للأيديولوجيا العربية عبر مناهج التعليم العربية ، والتى ( تجر ) العقل السودانى ( جراً ) للتماهى مع الواقع العربى الذى ظل هو الواقع الحلم لكافة قوانا السياسية لذا نراها دشنت له بآليات عديدة مستخدمة مقاعد الحكم بشكل كبير لبسط المد الأيديولوجى العربى ، يعزى السبب الرئيسى فى هذا الإرتباط أيديولوجيا الثقافة العربية بالدين الإسلامى وإرتباط جزء كبير من السودان بالإسلام من دون فصل ما بين الأيديولوجيا اللغوية بموروثاتها الذاتية والأيديولوجية الدينية الغيبية الإعتقادية ، لذا جاء التنظير العربى فى السودان من باب الدين كشعور محرك يستقطب الكل السودانى داخل حقله مع إعطاء الأفضلية لبعض الثقافات التى يظن أنها تمثل رصيداً حقيقياً لأيديولوجيا الجزيرة العربية لغوياً وعرقياً ، هذه الآحادية الثقافية تظهر جلية للعيان فى المشروع المنتج للقوى السياسية فهى عندما تتحدث عن السودان تعم م خطابها للجميع بلسان حالة الدولة وسياستها مما يجعل السودانى البسيط فى حيرة من أمره ، إذ أنه يواجه بخطاب من دولته لا يعبر عن حقيقة أوضاعه ولا يمثل طموحاته وأهدافه ، وتنطلق هذه الآحادية على كافة قوانا السياسية يمينها ويسارها طائفتها وتقدميتها ، لأن كل اليمين السودانى والطائفى كذلك لم يأتى خطابها السياسى للدولة إلا من خلال داخل الخطاب التبشيرى الدينى الدعوى وتجسيد ونقل الدين بكامل مقوماته بما فيها الرصيد التراثى للغة العربية قبل الإسلام ، وهذه القوى لا تختلف البتة فى آليات الخطاب بل تختلف فى أليات طرق الوصول للسلطة ، أما القوى التقدمية فهى كذلك رصيد حقيقى للآحادية الثقافية ( نقصد القوميين العرب ) إذ أنهم تم تكوينهم من داخل نص السقوط العربى ولحضارته التى إزدهرت فى عهود مضت .. ولبعث العروبة كمشروع يحمل أحلام وآمال العرب جمعيهم يعتمد على تراث إنسانه ولغته ، وللجميع الحلم والإعتقاد لكن ليس لهم الحق فى فرض أحلامهم على غيرهم ، أخيراً يظهر التقدميون الذين يتفقون مع السابقين فى الآحادية الثقافية وهم الشيوعيين ( الماركسيين ) فنجد أن ظهورهم فى السودان وفى الوطن العربى إرتبط بدرء المد الإسلامى وتقليصه ، وبما أن واقع الدول العربية تلك واقع يتمثله الدين الإسلامى بصورة شبه كاملة أما فى السودان الوضع مختلف نوعاً ما ، فلذلك نجد أن الماركسيين هم فى نفس الوقت يمثلون إمتداد للآحادية الثقافية إذ أنهم ماركسيين بلسان الثقافة العربية بنية نظرية الماركسيين السودانيين من خلال اللسان والتراجم العربية .. فلم تبنى على أساس الثقافة السودانية البسيطة والمعاشة.
    فلذا نجد أن الإستقطابات فى السودان تقوم على الأسلمة والإستعراب من جانب ، ثم الأفرقة من الطرف الآخر ، تتوسطها دعاوى التوازن القومى والثقافى والتى تحاول التوافق بينهما ، ولكن أيديولوجيا الأسلمة والإستعراب تعتمد على الإستيعاب والذى بدوره يقوم على ميكانيزمات إعادة إنتاج الهامش والأطراف فى المركز .. وقد إستصحبت هذه العملية معها كل جراحات ومرارات القهر والإضطهاد التى بلغت قمتها فى الفوارق الطبقية ، واليوم لا يجوز التعجب والإستغراب من أن هذه الفوارق الإجتماعية لا تزال ناشطة فعلياً ، وذلك لأن التمييز العرقى لم يفارق وجدان ثقافة المركز.
    ومن الجانب الأخر تعتمد الأيديولوجيا الأفريقية على الأثنية والجهوية والنزوع نحو الإنفصالية ، فهى بذلك تصدر من إحساس متنام بأنه لا حق لها أو حظ أن تمارسه فى هذا السودان ، وهى تيارات قد ظهرت بوادرها فى الجنوب .. وجبال النوبة .. والأنقسنا .. ودارفور .. والشرق بين البجا .. وإكتملت حلقات الدائرة بإشتداد وتائر الحراك الإثنى بين النوبيين فى الشمال ، فلذلك يمكن أن ننظر الى النزوع نحو الإنفصال على أنه شكل من أشكال اليأس من عدم جدوى النضال نحو وضع قومى متوازن.
    كل هذا يمثل حالة واضحة من حالة عدم الإلمام والمعرفة بماهية السودان وشكل الخطاب الرسمى الذى يجب أن يتمثله ، فلذلك ظهر هذا التناقض المريع بين خطاب الدولة وبين إنسان الدولة نفسه ، مما أوصل الحال الى الحرج السياسى الذى يقبع الآن فيه من ظهور رافضين لسياسة الدولة منذ عهد تأسيسها الى اليوم ، مع الوضع فى الإعتبار إن هؤلاء الرافضين يمثلون ثقافات تختلف بشكل كامل عن ثقافة الحكومات ( الدولة ) ولم يصبح هذا الرفض بالشكل السلمى الديمقراطى بل صار متبنى بآليات السلاح والقوة الشئ الذى أجهد بناء الدولة السودانية ولن ينتهى هذا الإشكال بأية صورة من الترضيات أو صورة من إقصاء وتجاوز الأخر العربى أو الأفريقى ، لأنه لو تمت لأى واحد من الأثنين سوف يظل الإشكال قائم وبشكل أفظع وأكبر ، ولإنهاء هذا النزاع ووقف نزيف الحرب فى السودان يجب الدعوة الى قيام دولة مؤسسات وفق ديمقراطية تعددية تستند أساساً على واقع التعدد الثقافى .. والمسارعة بعقد مؤتمر دستورى جامع لكافة قوى السودان السياسية لوضع دستور يتضمن المواطنة على أساس الحقوق والواجبات وفصل الدين عن الدولة ، على أن يبدأ هذا المشروع بالخطوات التنفيذية لإيقاف سياسة الآحادية الثقافية التى تمارسها مؤسسة الدولة فى السودان منذ الإستقلال مروراً بجميع الأنظمة والحكومات ، وأن يكون هناك تمييز إيجابى لكافة المناطق التى تفجرت فيها النزاعات وإشتعلت فيها الحروب وأن يكون هناك توزيع عادل فى السلطة والثروة يتفق عليه الجميع فى المؤتمر الدستورى وتنمية كل مناطق السودان ومعالجة بواطن الخلل فيه وإقامة ديمقراطية حقيقية يكفل للجميع حق المشاركة كحق ديمقراطى .. مع الوضع فى الإعتبار بأن مؤسسة الدولة مسئولة عن تحريك ماكينة القهر والإضطهاد الثقافى جراء عدم إعترافها بمسئولياتها تجاه الثقافات الأخرى غير العربية فى السودان ، وإن هذا الأمر يقتضى مراجعة التعليم لغة ومضموناً ، وكذلك النشاظ الفكرى والثقافى .. فضلاً عن الإعلام وما يتبع كل ذلك من سياسات إقتصادية وقومية !!. ولنا عودة ,,,,,,


    7 يونيو 2010 م - سدنى – استراليا
                  

06-29-2010, 02:27 AM

ناصر الاحيمر
<aناصر الاحيمر
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1250

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: amir jabir)

    شكرا اخي عامر
    علي هذا التوثيق
    لاخ ادم جمال
    نتمني التواصل
                  

06-29-2010, 05:49 AM

ناصر الاحيمر
<aناصر الاحيمر
تاريخ التسجيل: 04-18-2008
مجموع المشاركات: 1250

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: ناصر الاحيمر)

    up
                  

06-29-2010, 06:35 AM

الصادق عوض
<aالصادق عوض
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 657

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: ناصر الاحيمر)

    شكرا amir jabir
    هناك نقاط كثيره مر عليها الكاتب سريعا ...خاصه المجموعات الانقلابيه قبل مايو وخلال مايو واهدافها ....

    علاقه الكمولو بالاب فيليب ....

    معادات الكمولو لمثقفي النوبه ....

    أين "أنا كادقلي" من هذه المعادله ....

    لماذا التفكير في إغتيال نميري والمجموعات الكانت وراء الفكره "الحلو واحد منهم " .....

    أتمني أن يكون الكاتب صريح في مناقشه أكبر مشكله ألان "الصراع بين أكبر مجموعتين في النوبه "


    متابعين
                  

06-29-2010, 07:34 AM

amir jabir
<aamir jabir
تاريخ التسجيل: 01-12-2006
مجموع المشاركات: 5550

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية لتطور الحركة السياسية .. والمستقبل السياسى فى جبال النوبة!! ( 1 - 3 ) (Re: الصادق عوض)

    الصادق سلامات جديثك يدل ان لديك معلومات مهمه جداا

    ننتظر مشاركتك بفاعلية فى البوست وتابع البوست

    تحياتى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de