|
يا جــارة الــوادي
|
ما فعله الأمن اللبناني بالسودانيين كان لا إنسانيا بكل المقاييس . كان يمكن الاعتراض على إقامة الحفل في حالة تأكيد عدم ىترخيصه ، كان يمكن إيقاف الحفل لنفس السبب . كان يمكن أن يطلب من المحتفلين أن يتفرقوا في هدوء .. التعامل العنصري والألفاظ العنصرية لا محل لها في أي تعامل إنساني كريم ، ولا يتلفظ بمثل هذه الألفاظ إلا الذين انحدروا إلى الدرجات الدنيا من السلّم الإنساني. ويترفع عنها كل من استمسك بانسانيته واحترم نفسه ، واستجاب لأمر الله بتكريم بني آدم . الشعوب الراقية خرجت عن تاريخها وإرثها العنصري وتسامت فوق كل ما هو عنصري إلى كل ما هو إإنساني . ونحن هجر العنصرية وأصبح واحدا من أكرم وأنبل شعوب المنطقة . وهذه ليست رؤيتنا حول أنفسنا لكنها رؤية الشعوب التي عشنا بينها ومعها في ديارها منذ الخمسينات . ولا ننفي العنصرية في تاريخنا ، فقد مارس السابقون العنصرية ضد ( الأبيض ) ، ووصفوه بالحلبي ويقصدون بها الغجري أو النوري ، وكانوا يقصدون بذلك أنه شخص بلا أصل ، متجول ، لا وطن له ولا انتماء ، وكثيرا ما يعيّرون قيم هؤلاء الموسومين بهذه الصفة . ثم جاءنا المثل الشهير ( الحُمرة الأباها المهدي ) أي أنه في حربه ضد المستعمرين حارب كل البيض حتى لو كانوا مسلمين . نحن - هذا الشعب السوداني في دولة السودان التي استقلت عن البريطانيين في العام 1952 - هجرنا العنصرية وتعايشنا مع الآخر بروح إنسانية متسامحة ، وبنفس كريمة وبعزة نفس لم تتوفر لكثير من الشعوب . وساندنا اخوتنا الذين كانوا يسعون للخروج من إسار العنصرية ، وأؤلئك الذين سعوا للانعتاق من الاستعمار باعتباره أسوأ أنواع الاستعباد .. وقفنا مساندين لقضايا أمتنا العربية والإفريقية ، وأخرجنا للعرب لأءات الخرطوم ، وخضنا معهم معاركهم ، وتبنينا القضية الفلسطينية كأنها قضيتنا نحن دون سوانا . وكنا أشقاء كنياتا ونيريري ولوممبا وساندنا نضال جنوب إفريقيا وزيمبابوي، وكنا سندا لثورة الجزائر وبلاد المغرب العربي كافة حتى خرج الاستعمار منها صاغرا . نحن لا نستجدي أحدا ، فمن نظر إلينا بدونبة في العلن أو أهاننا سنقهره بكل الوسائل ، ومن دسّها في نفسه فلن يجد منّا إلا التعامل الذكي الذي يفضحه ، ويجعل أمره مكشوفا ، فنكشف حاله ، وليتهم يعرفون معنى كشف الحال في لسان بني السودان . ومن يبادلنا الاحترم فقد اشترى احترام نفسه ، فحريّ بنا أن نحترمه ونقدره حق قدره . وقد قالها شوقي : يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراكِ ولم يقل شوقي جارة مصر ، بل هي جارة الوادي ، والوادي نحن أصله وفصله .
|
|
|
|
|
|