وفاة الدكتور بشير البكري شيخ السفراء

Quote: الدبلوماسية ليست محصورة في وزارة الخارجية أرجو أن نهتم بالدبلوماسية التقنية الإقامة الثقافية للدبلوماسية أحب إليّ من البداوة لمحته عن بعد في وزارة الخارجية يترأس اجتماعا لجمعية الأمم المتحدة السودانية بإحدى القاعات التي تتبع لهم، وبعد انتهاء الاجتماع أحاطه عدد من الناس باهتمام شديد وكانوا يتجاذبون الحديث معه إلى أن أوصلوه سيارته.. تكرر هذا المشهد عدة مرات.. فحدثت زميلي بالصحيفة برغبتي في إجراء حوار معه، فقال لي طلبت منه قبلك إلا أنه لم يحبذ الفكرة.. سألته عن السبب, فقال: كنت أرغب في إجراء حوار معه حول شخصيته ووطنيته ونشاطاته الاجتماعية، باعتباره أحد الرموز الوطنية إلا أن المحاور لم ترق له.. وبعد أسبوع وهو ينزل من سيارته وقفت أمامه وبعد أن تبادلنا التحايا طلبت منه إجراء حوار فسألني عن محاوره؟ فأجبت (عن الجنائية والدبلوماسية، حوار سياسي فقط يا سعادة السفير). فرد قائلا: (ما عندك مشكلة). السفير السوداني بشير البكري، تخرج في كلية القانون بجامعة القاهرة، وحصل على الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة السربون ثم على دبلوم العلوم السياسية من باريس، غادر بعدها إلى أكسفورد وحصل على دبلوم الاقتصاد الزراعي.. عمل في مجال المحاماة في مصر ثم ترأس أول مجلة سودانية في القاهرة.. عمل سكرتيرا للجنة مؤتمر الخريجين، وكان مستشارا في أفريقيا و أوروبا.. أنشأ أول مكتب للقطن في وزارة المالية بالسودان.. التحق بوزارة الخارجية منذ نشأتها وعين أول سفير للسودان في فرنسا ومن باريس كان يمثل جزءا مهما من أوروبا مثل (هولندا، بلجيكا، سويسرا، البرتغال، أسبانيا والفاتيكان) عمل سفيرا للسودان في باريس مرة أخرى عام 1978، وكان من باريس أول ممثل للسودان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. اختارته اليونسكو ليكون مديرا لمركز سرس الليان للبلاد العربية عام 1970 وبقي هناك لمدة ست سنوات، ثم التحق باليونسكو في باريس وعمل مستشارا لمديرها العام في البلاد العربية، بعدها عين عضوا في مجلس إدارة جامعة الأمم المتحدة بطوكيو، ونائبا فيما بعد لرئيس مجلس إدارتها، كان لثمان سنوات رئيسا لصندوق التنمية القضائية، عين سفيرا في نيجيريا وممثلا معتمدا في عدد من البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية، مثل السودان في مؤتمر توقيف ديون السودان في نادي باريس، وبدأ بعلاقة وثيقة مع رئيس صندوق النقد الدولي كامبيرو الذي طلب منه المشاركة في كثير من اجتماعات الصندوق بواشنطن. اشترك في كثير المؤتمرات الاقتصادية والتربوية والاجتماعية... وليس آخرا فإنه يشغل حاليا منصب رئيس جمعية الأمم المتحدة السودانية. هذا فقط بعض من سيرته الذاتية. * هل يمكن أن تسهم الجهود الدبلوماسية في حل أزمة الجنائية أو دارفور؟ الجهود الدبلوماسية جهود تقوم بها الدولة ممثلة في وزرائها وسفرائها، بل ممثلة حتى في الشعبيين، الأدباء، المفكرين والرياضيين. أي أن الدبلوماسية ليست محسوبة في وزارة الخارجية ولو أنها أصلا نشأت من تلك الوزارة، ذلك لأنها توسعت وأصبحت نسيجا شعبيا.. إنها وظيفة من وظائف الدولة وليست الحكومة, والفرق بينهما أن وزارة الخارجية جزء من الحكومة, لكن الدولة أوسع مفهوما من وزارة الخارجية، فالدبلوماسية بالمعنى الواسع لابد أن تلعب أدوارا كبيرة في حل كثير من المشاكل. * هل الدبلوماسية السودانية مؤهلة للعب دور قوي من حيث الإمكانيات والصلاحيات مثلا؟ ربما يكون في هذا السؤال نوع من أنواع الحياء للحديث عنه باعتباري جزءا من الدبلوماسية السودانية, وأحب أن أقول كلمة حق باسم التاريخ وليس باعتباري دبلوماسيا سودانيا إنما لأني رأيت الدبلوماسية الأخرى غير السودانية. في الحقيقة لم أشعر بمركب نقص في أي اجتماع دبلوماسي حضرته ممثلا في أكبر الدول أو أن الدبلوماسية السودانية أقل من أي مستوى عالٍ، ولا أحب أن أبالغ بأن دبلوماسيتنا السودانية التي تجاوزت الآن سن الخمسين سنة، أدت مهام دولية كثيرة وأكبر من عمرها بكثير. * تمثيل السودان في الخارج ضعيف، إن تمت الإشارة أن له ما يقارب 70 سفارة.. هل أثر ذلك على علاقة السودان بالعالم والمجتمع الدولي؟ المسألة ليست العدد إنما النوع مهم أكثر من الكمية، أي لا تقاس الدبلوماسية بعددها سواء بالسفارات أو الأفراد إنما من المريح أن يتخصص العمل الدبلوماسي ويتفرع. نحن محتاجون لدبلوماسية في العمل الزراعي، لأننا مقبلون على نهضة زراعية ونعتقد أنها قد تخدم نهضة العالم الزراعية.. نحن مقبلون أيضا على أزمة مالية, ونعتقد أن النظام المصرفي قد يلعب دورا مهما، وهنا لا أشير لخواء الدبلوماسية أو السفارات في الخارج من ممثلين زراعيين، اقتصاديين، أو ثقافيين، إلا أنه من المصلحة أن تكون الدبلوماسية متخصصة، ومن الناحية الأخرى، أنا أتحدث كثيرا عن الدبلوماسية التقنية وأضرب مثلا بموضوع تغير المناخ، فما يقال عن الغازات مثلا، أشياء فنية والذي يجب أن يلم بها هو الدبلوماسي التقني، فأصبحت التقنية صفة من صفات الدبلوماسية وأنا أدعو إليها وأرجو أن نهتم بها (الدبلوماسية التقنية). * اختيار السفراء يتم بمركزية معينة، بمعنى أن السفير الذي ينتدب في إحدى الدول الأوروبية يعاد انتدابه مرة أخرى لأوروبا ومثله الذي ينتدب لأفريقيا، ما سبب ذلك؟ يمكن أن نقول بأن هناك نوعا من وجهات النظر المختلفة، فمن المدارس الدبلوماسية من يعتقد أن الدبلوماسي إذا أبقيته في مساحة معينة لسنوات كثيرة، سيكون من المصلحة أن يتقن تاريخيا وجغرافيا هذه المناطق, لكن هناك وجهة نظر أخرى، بأن لا يبقى الدبلوماسي في منطقة معينة حتى لا ينسى بلده ويتقمص السياسات الموجودة في هذه تلك المنطقة، حتى أكون واضحا.. إذا جئنا بدبلوماسي وأبقيناه مثلا في جنوب وشرق آسيا، فأنه سيخدم المنطقة وبلده ثقافيا لحدوث نوع من التمازج بينه وبين تلك المنطقة، وبات يفهم القرارات التي تصدر، لكن الاعتبار الثقافي في الدبلوماسية مهم جدا، لذلك أنا أنادي بالدبلوماسية المقيمة في جهة من الجهات وليس الدبلوماسية الواقفة.. أنا أحب الإقامة الثقافية للدبلوماسية أكثر من التجوال أو البداوة. * إلى أي حد يمكن أن يفعل ويحسن الدبلوماسي علاقات بلده في الخارج, أي الدولة المنتدب إليها؟ هذه مهمته الأولى، مهمة الدبلوماسي أن يمثل السودان حتى في بلد علاقته ليست جيدة مع بلاده، صحيح أن مهمته تكون ضرورية عندما يوجد في بلد علاقته جيدة مع السودان، إلا أنني أعتقد أن الدبلوماسي عندما يكون في بلد لا تربطها علاقة إيجابية مع بلاده يكون أجزم من وجوده في بلد تربطها معه علاقة إيجابية. * مقارنة بين الدبلوماسي (زمان والآن) هل حدث فرق في المهام والاختصاصات؟ الفرق بين دبلوماسي الماضي والحاضر، أن الأخير مطلوب منه النظرة المستقبلية أكثر من دبلوماسي الماضي، لأن وسائل الاتصال بالدبلوماسي اليوم وسائل منتشرة سواء كانت الانترنت أو الاتصالات الفضائية، الدبلوماسي الآن مدجج بنوعية من الوسائل أكثر مما كان متاحا له في الماضي. * وزمان؟ الدبلوماسي زمان كانت وسائله أقل وحركته أكثر بطئا وردود فعله لم تكن سريعة، طبيعة التغير الموجودة في العالم الآن هي العولمة التي نعيشها.. وطبيعة التغير موجودة في العالم, فدبلوماسي الحاضر تكون ردة فعله أسرع من الماضي. * كان هناك في فترة من الفترات شعار اسمه دبلوماسية من أجل التنمية.. هل يمكن تطبيق هذا الشعار؟ أكثر من أي وقت مضى، دبلوماسية التنمية هي دبلوماسية من نوع خاص، لكن الآن أصبحت التنمية نفسها منطبقة بالبيئة، لم تكن كذلك في الماضي، وبالعكس أنا أعتقد أن الأبعاد التنموية في الدبلوماسية الآن أكثر اتساعا وعمقا مما كانت عليه في الماضي والدبلوماسي الآن لا يطلب منه فقط أن يكون دبلوماسي منطقة معينة. فإذا أنت موجود في بلد وتنتمي للشرق الأوسط يتطلب ذلك منك موجبات أكثر من الماضي. * السودان لدية محيط عربي، إسلامي وأفريقي، إلى أي مدى استطاع السودان تحقيق جهود مؤثرة؟ أنا بتحفظ على هذه الدوائر التي ترصد دائما، باعتبار أن لدينا سياسية أفريقية، عربية، عالمية وإقليمية، فالتقسيم فيه كثير من التجاوز الزمني. الدبلوماسية الآن هي مجموعة انفعالات قد تكون عربية أو أفريقية أو عالمية لكن من الصعب استخدام الحصرية في الدبلوماسية.. صعبة، لأن للدبلوماسية معنى أوسع من الحصري. * إلى أي مدى استطاعت الدبلوماسية أن تلعب دورا فاعلا في جعل الوحدة جاذبة بين الشمال والجنوب؟ في الواقع أعتقد أن الوضع القانوني أو الاتفاقية الموجودة تعمل باتجاه الوحدة، هذا الوصف بين الشمال والجنوب، أنا أعتقد أن الدبلوماسي الموجود في الشمال أو الجنوب يجب أن يعمل على الوحدة بأطرافها ودوائرها المختلفة وليس فقط باتجاهات جغرافية أو سياسية معينة. * يلاحظ أن المنظمات الدولية أصبحت مؤخرا تستعين بعدد من الدبلوماسيين من دول عربية أفريقية ولا تتم الاستعانة بدبلوماسيين سودانيين؟ هذا ليس صحيحا.. المنظمات الدولية استعانت بسودانيين كثر، المنظمات الدولية استعانت بعثمان ياسين، كما استعانت المنظمات المصرفية بمأمون بحيري، وفي الأمم المتحدة مكي عباس، لدينا أسماء كبيرة ولامعة في منظمات اليونيسكو.. ما عايز أقول أنا كنت واحد من منهم، أيضا كنت مستشارا لليونسكو في وظيفة دولية. وكذلك أخوانا في منظمة الصحة العالمية د. التيجاني الماحي، د. طه بعشر وصلاح قنديل، كما كان في الفاو شوقي محمد عبد الله النور ومكي عباس نفسه. الآن فقط صعوبة السياسات السودانية الخارجية قد توحي أن السوداني الدبلوماسي أقل حظا لكن ما زالت لدينا أسماء سودانية، والآن تم اختيار السوداني أمير عبد الله خليل، ليكون نائب رئيس برنامج الغذاء العالمي. مهمة الدبلوماسي هي التي تفرض المقدرة على الوظيفة.. غالبا لا يعين الدبلوماسي لوظيفة دولية لأنه ينتمي لبلد أو لا، إنما مقدرته في الغالب هي المعيار لتعيينه. * كنت سفيرا لدى فرنسا وعملت فيها لفترة ولديك خبرة طويلة، والحكومة تتهم دائما فرنسا بمواقفها المتذبذبة وغير الواضحة، فلماذا برأيك تتهمها الحكومة وماذا يمكن أن تفعل الحكومة لتغيير اتجاه فرنسا؟ يجيب ضاحكا: هذا سؤال غير دبلوماسي، لأن فرنسا لا تحدد سياسة السودان الخارجية كما لا يحدد السودان سياسة فرنسا الخارجية، للسودان وفرنسا سياسة خارجية مستقلة ويحدث التقارب أو التباعد وفقا لأهداف كل سياسة من هذه السياسات، أنا لا أستطيع أن أحكم على بلد في سياسته الخارجية لأني لا أريد من هذا البلد أن يحكم على بلدي في سياسته الخارجية. * إذن ألا تعتقد أن فرنسا هي العقبة في قضية الجنائية؟ لا أعتقد أنها العقبة الوحيدة، قد تكون ضمن العقبات وقد تكون سياسة أوروبية قديمة وليست حديثة، ونعتقد أن فرنسا لها بقايا من مبادئ الثورة الفرنسية ومهما طال الزمن على هذه الثورة، نرجو أن تعود هذه الأيام, أيام الحرية والمساواة والعدالة لفرنسا. * سؤال أخير أحب أن توضح لنا علاقة الدبلوماسية بالنظام العسكري؟ لا توجد علاقة بين الدبلوماسية والنظام العسكري لأن الدبلوماسي إذا أصبح عسكريا لم يعد دبلوماسيا وإذا أصبح العسكري دبلوماسيا لم يعد عسكريا.

Quote: هذا الخبر لم يرد إلا في سودانيزأونلاين .. وربنا يطول عمر السفير الدكتور بشير البكري.. نرجو التأكد من صحته!!؟ وربنا يرحمنا جميعا