|
خـــــــــــــــطى أمّ تينا
|
كان الليل يتلمّس طريقه نحو الفجر ، وكان الفجر يغتسل بنور وجهك حتى يخرج للدنيا زاهياً ، صافياً ، كسريرتك . وكنت أنام إلى جوارك مغموراً بعطر أنفاسك ، وحين صحوت من نومي في لحظتي تلك ، وجدتك تطوقينني بذراعك عند المنتصف . ارتعشتُ في صمت وأنا أخشى أن أفسدَ عليك كأساً من المودة ساقكِ إليه عقلٌ باطنيٌ ظل يبذلُ العشق بلا هوادة . حينها تجمّعتِ الذكريات ، وانسابت فيضاً من ابتساماتٍ ودموع . غمرتني الغبطة وامتلأ الصدر سعادةً وحبوراً . مددت إحدى ذراعيّ تلقائيا فأحطتُ به وسطك ، وجعلت ذراعي الأخرى وسادة لك ، ثم استسلمت لصمتي . كنت قاب قوسين أو أدنى من حالة الاندثار والحلول حين داهمتني فجأة ذكرى تلك الأمسية التي كانت سببا في تكوين تينا حين علقت في رحم أمها نطفة ، فنمت تلك النطفة تحت سقف الحب والمودة ، ودارتها الأم عن فضول البشر كلهم حتى خرجت للدنيا بشرا يعرف العشق ويسعى بالمودة وينثر بذور الحب في كل الدروب ، ويعرف كيف ينام الليل في حضن الحبيب . قالت أم تينا ، بكل صفائها وشفافيتها ، أن العشق قد استبد بها غاية الاستبداد ، وبلغ سيلها الزبى ، وفاضت روحها إلى عاشقها ، فمنحته خيطا من نعيمٍ ، وأسكنته جنّتها ، فتاب إليها وعاش هناك زمانا لا يمكن حسابه بوحدات الزمن ، بل بشحنات العشق وزفرات الغرام . كانت أم تينا آنذاك بنتا بكرا تحتفي بعفتها وتكتفي من العشق بعذب الحديث والابتسامة وتجعل القبلة غاية تتكسر عندها الأمنيات . لكن العشق في تلك الأمسية كان سيد الموقف ، والصدق في نبرة مجيد كانت تسوقها إلى عوالم الجمال فلا عودة عن الجمال والروعة . وكان هو يردد قوله : الأيام دائما تظلمني ولا أنتظر أن تأتيني بخير . غاب مجيد بعد أن غرس النبتة في أعلى الجنان ، غاب عنّا وكأنه قد اندثر فجأة ليفني روحه فيمن يحب . لم يعد ممكناً أن يتولى مجيد رعاية هذه النبتة ، لكن أم تينا كانت وفيةً للعاشق الذي مضى ، مخلصة لذكراه ، ولذكرى تلك الليلة حين كانت تحتفل بعيد ميلادها على طريقتها الخاصة ، بعيداً عن أعين الناس عند الشاطئ الغربي للنهر ، وكان مجيد هو الوحيد الذي تلقّى منها دعوة لمشاركتها احتفالها . وفي لحظة من لحظات التسامي تلاقت قمم الاشتهاء عندها ومجيد ، فتكونت نطفة كانت هي تينا . تينا نفسها التي تنام الآن في حضني وتمد ذراعها حول وسطي في لحظات تقع بين هدوء الليل وصفاء الفجر . هكذا خرجت تينا كحلمٍ خفيفٍ اخضرت ألوانه وصفت مياهه وجرت محمّلة بجينات العشق وعبقه . اتخذت تينا العشق ديناً ، وهمّاً ، وملاذاً ، جاءت إلى الدنيا وكأنها نسمة من نسمات النهر . ذلك النهر الذي كان شاهدا على عقد قران أمها وأبيها . لذا كانت تينا قطرة من ماء النهر ، عذبة عذوبة النهر ، رقيقة كأرقّ ما تكون كائنات النهر . وحين التقيتها كانت كسرابٍ بعيدٍ تحوّل إلى حقيقة. كانت تبحث عني في صحوها وأحلامها ، وكنت أنا أيضا أبحث عنها . لم نلتقي من قبل ، لكن كنا مثل آدم وحواء بعد نزولهما من الجنة ، نبحث ونلهث حتى التقينا ، وحين تعرّف كلٍ منّا على الآخر عرفنا أن الحبّ مقيم فينا ، متمكن منّا ، يسكن بين جوانحننا منذ الأزل ، فتلاومنا على زمن أضعناه ، واتفقنا أن لا نبدد المزيد من الزمن ، فتزوجنا في ليلتنا ذاتها . قالت أم تينا أنّ ما قمنا به كان مطابقا تماما لما حدث بينها وبين والد تينا ، والفرق الوحيد أننا ، أنا وتينا ، خضعنا لمعايير رسمية . وفي كل يوم تلتقي قمم الاشتهاء لدينا ، ننام في أحضاننا ، تتوسدني وأتوسدها ، ونهيم ببعضنا هياما ما له حدود . وما دمنا على خطى أم تينا ، وأبوها ، سنعيش العمر قصيرا ، لكنه عمر كثيف . ويوما ما سنفنى أنا وتينا في بعضنا ، وسيغيب أحدنا ليعيش داخل الآخر ، تماما كما فعل أبوها الذي فني في ذات أمّها وخرجت تينا خليطا من روحه وروحها ، فكانت تينا بذرة حبّ جديد جاءت إلى هذه الدنيا لتمسح أزمنة الجدب والجفاف العاطـفي ، وكنت أنا الفلاح الذي يرعى هذه البذرة حتى تصبح نبتة قوية العود فتثمر.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: خـــــــــــــــطى أمّ تينا (Re: إدريس محمد إبراهيم)
|
الأديب الأريب إدريس تحيات وأشواق .. ياخي والله كتّر خيرك ، هكذا هم الأدباء والشعراء ، يدفعون بالناس إلى الأمام ، ويثقون في أن الناس يمكن أن يتقدموا نحو تحقيق الإنسانية الكاملة عبر الكلم الجميل. فقط نحن نجد أنفسنا أسرى للتعقيدات اليومية ، ولا نتعمّد التقصير . كل التحايا والوداد لكم وللاخوة في رياض الخير .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خـــــــــــــــطى أمّ تينا (Re: أبو ساندرا)
|
والله يا خال مما رجعت السودان ما كتبت كلام جميل زي دا كنت خفت عليك من تكاثر الكتاحة في روحك فتنبهم ولكن مع كل هذا وتكبت مثل هذا فهنيئا فربما أن السودان ليس بكل ذلك السؤ وربما أن جذوة الجمال في دواخلك أقوي من كل مطافئ الأرض
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خـــــــــــــــطى أمّ تينا (Re: العوض المسلمي)
|
العوض المسلمي تحيات زاكيات أولا الشكر أجزله لك وأنت تقرأنا .. أحييك وأحيي نشاطك هنا في المنبر وسعيك الدؤوب للتواصل الاجتماعي مع الزملاء . وليتنا نسهم كبورداب في تنشيط الأداء الأدبي لبورداب الخرطوم بإتاحة الفرصة لهم بتقديم أعمالهم شعرية كانت أم نثرية عبر أمسيات أدبية ، ويمكن التعاون مع جهات كثيرة منها المراكز الثقافية والمسارح والمنتديات المنتشرة بالعاصمة..كتبت لك هذا لثقتي في أمكانية قيامك بشئ ما معتقدا أن ذلك سيكون مفيدا في هذا الجانب وحتى نتعرف أكثر على الزملاء في جوانبهم المتعددة . لك شكري والأمنيات .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خـــــــــــــــطى أمّ تينا (Re: Nasr)
|
ود عباس يا سيد الناس عندما ينشغل الناس بتقسيم السلطة والثروة يمكن لغير الطامعين ، أمثالي وأمثالك ، أن يختلسوا بضع ثوان يستعيدون فيها صفاء أنفسهم . ومن وقت لآخر نواصل التمارين في الحب والكتابة والنقّة . تحيات وأشواق كثيفة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خـــــــــــــــطى أمّ تينا (Re: أبو ساندرا)
|
أبوساندرا جعل الله كل ( خمايسك ) مترعة بالمعتة . تعرف يا يا صديقي المتعة دي ذاتها دايرة البيحس بيها وبيعرفها .. في ناس تستمتع بملء الكرش ، لكني أعرف أن تذوقك للحياة مختلف .. وعليك بالحب ، تمسّك به حتى وإن جار الأحبة ، فطعم الحب فوق كل قسوة ..
| |
|
|
|
|
|
|
|