|
|
 أطباء السودان صرخة في وادي الصمت .....د.الفرذدق حسن عبدالجبار
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ حديثي بأجل عبارات السلام والامتنان لقيادات الأطباء الشرفاء القابعين في سجون الحرية والكرامة.
لا لشئ الا لأنهم صدعوا بالحق في وجه من ظن أنه ملك العباد .
وسبحانه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء فنسأله تعالي أن ينزع الملك نزعا من الظالمين وان يحفظ أخوتنا في سجونهم ويردهم الينا سالمين
!!!
المتابع لقضية الأطباء المطلبية يستطيع بدون أدني عناء التأكد من عدالة مطالب الأطباء وملامستها لواقع حالهم المزري في السودان ولواقع الخدمات الطبية المتدنية. والتي تصبح يوما بعد يوما أبعد من متناول يد المواطن البسيط والمغلوب علي أمره. فقد أصابت الرأي العام صعقة الدهشة بعد معرفته برواتب الأطباء سواء أكانوا اختصاصيين, نواب , عموميين أو أطباء امتياز وأصبح باد للعيان ما يتلقاه أطباء السودان من حشف وسؤ كيلة.
.
كما يتضح جليا للمراقب الطريقة النقابية المهنية الرفيعة التي يديرون بها حركتهم المطلبية محافظين فيها علي خط سير لا ينحرف. كي لا تصبح القضية كما يصورها الاعلام الحكومي بسذاجة كأنها قضية سياسية لتصفية حسابات مع الحزب الحاكم. وهنا نقطة يجدر بي الاشارة اليها الا وهي (أن الانتماء السياسي او الفكري لأي من قادة هذه الحركة المطلبية لا يمنعه من ممارسة العمل النقابي بشفافية ولا يصبغ القضية بصبغة سياسية تحرفها عن مسارها المطلبي).
وهم رجال وبنات أبناء وبنات رجال عاشرناهم منذ سنين الدراسة ونعلم أي صدق هم عليه وبأية حلة من الأخلاق يتحلّون. ومن صدقهم في تجنيب قضية الأطباء لخدمة أية أجندة أخري أننا أصبحنا نمل ترديدهم لأن صراعنا دوما مع وزارة الصحة وهي التي استدعت الآلة القمعية وهي التي تتآمر علي الأطباء كأنما يحكم السودان حزب اسمه وزارة الصحة يتحكم في قراره الأعلي وفي شرطته وأمنه وماله وكل شئ فيه
!!!
نعلم جميعا بأن لجنة أطباء السودان ظلت تفاوض الوزارة لأكثر من عامين دون جدوي حتي أعيتها سبل الحوار والضغط لتحقيق المطالب فلجأت الي خيار الاضراب كحق كفله دستور السودان لتحقيق مرادها من تحسين لبيئة العمل وتوسيع رقعة العلاج المجاني ولتحسين شروط خدمة الأطباء و بقية العاملين بالحقل الصحي. وقد أبدي الأطباء حسن نية تمليه عليهم طبيعة المهنة وأخلاقهم وحبهم للوطن والمواطن .فكان الأضراب الأول متدرجا في سحب نواب الاختصاصيين ثم العموميين فأطباء الامتياز مع تغطية أقسام الطوارئ .وبجهود الوسطاء تم التوصل الي اتفاق لم يقنع كافة القواعد الا أنّهم آثروا المصلحة العامة علي مصالحهم الشخصية. الا أن الاتفاق لم يجد طريقه الي التنفيذ وغني عن الذكر قدرة الوزارة علي الالتفاف علي أي اتفاق توقعه مع كائنا من كان. الا ان الأطباء لم يتعودوا علي مثل هذه الأساليب الملتوية في نقض العهود . وشعروا بأن من وقع معهم وقع فقط حتي تجري الانتخابات بسلام ويريد أن يقول لهم أننا من نعطي ما نريد وليس بامكانكم أخذ شئ لا نوافق عليه وقد وقعنا عليه تحت ضغط الاضراب.
تبين جليا للأطباء عدم صدق الوزارة من أول شهر مايو اذ لم تتغير رواتب الأطباء كما وعدوا .ولم تصدر قرارات بشأن تحسين بيئة العمل أو تطوير التدريب أو التوسع في مجانية العلاج باختصار وجدوا أنهم لم يبارحوا الواقع الذي أضربوا لأجله!! حينها علت الأصوات وسط الاطباء بالعودة للأضراب بأعجل ما يكون الا أن حكمة قيادتهم التي توصف بتوظيف القضية لخدمة أجندة سياسية رأت هذه القيادة الحكيمة التأني والتروي لشهر آخر حتي يوم 2 يونيو تتلقي خلال هذا الشهر الاقتراحات من أوساط الأطباء ومن خارجهم(الوساطات) لمعالجة الأمر. وقد تحدد يوم الثاني من يونيو موعدا لعقد جمعية عمومية لتقرر بشأن حنث الوزارة لعهدها معهم. والمعروف أنها أي الجمعية العمومية ما كانت لتقرر بغير اضراب تدريجي كسابقه مع تغطية الطوارئ لافساح فرصة للتفاوض وممارسة ضغط متصاعد لتحقيق المطالب
.
الا أن مثل هذه السبل المحترمة للعمل النقابي التي تميز بها الأطباء لا تروق للكثيرين من دهاقنة وصقور الوزارة. ووجب هنا التنبيه لتحذير الأطباء للسلطات من أي استخدام للعنف أو الاعتقالات في وجه المجتمعين الذين يمارسون حقا دستوريا أصيلا واوضّح الأطباء أن أي عمل مقيد للحريات سيواجه باضراب مفتوح في كافة أرجاء السودان بدون تغطية الطوارئ.
وهنا تهللت أسارير صناع الأزمات .
فوجهوا ببداية المواجهة في الأول من يونيو اذ بدأوا بمحاصرة ميز الأطباء وتم اعتقال ثلاثة من أعضاء لجنة الاضراب من بينهم رئيس اللجنة وربان سفينتها الدكتور أحمد الأبوابي ومعه الشرفاء د.ولاء الدين ود. الهادي بخيت في تهديد صريح وتلويح بعدم امكانية عقد الجمعية العمومية. وللمرة الثانية لم يتسرع بقية أعضاء اللجنة لاتخاذ قرار الاضراب المفتوح حتي قيام الجمعية العمومية ظهر اليوم الثاني لكنهم أعلنوا اضرابا لست ساعات احتجاجا علي الاعتداء الذي طال أعضاء اللجنة من منسوبي جهاز الأمن واعتقالهم لدكتور الابوابي و د. الهادي
.
في ظهر الثاني من يونيو وهو اليوم الذي سيبقي أبدا في سجل تاريخ مهنة الطب بالسودان واجهت السلطات الأطباء بأسوأ أنواع البطش وبدون مقدمات ومن غير داع لاستخدام القوة المفرطة في مواجهة أطباء عزل فسالت دماء عزيزة وكسرت أيادي لم تمتهن غير تطبيب الأوجاع. لا لشئ الا لأن المتغطرسين جن جنونهم بصلابة الأطباء ووحدتهم وعدالة قضيتهم ولاستعدادهم أن يقدموا كل شئ في سبيل تحقيق مطالبهم المشروعة. ولشموخهم وكبريائهم الذي مكنهم من قول لا بالصوت العالي في وجه التهديد والوعيد.وبالرغم من أقصي درجات التعسف والتصعيد تمكن الأطباء بنجاح من عقد جمعيتهم العمومية التي قضت بهذا الاضراب المفتوح الذي يدخل يومه الثامن بدون تغطية الطوارئ حتي يخرج المعتقلين سالمين وبعدها يمكن للاضراب أن يستثني الطوارئ لحين الاستجابة للمطالب التي شهد بعدالتها الداني والقاصي من أهل السودان والكرة الأرضية الا القوم
.
ان استمرار استخدام الآلة الأمنية القمعية المتعسفة في وجه أطباء السودان الشرفاء واستمرار الاعتقالات التي طالت حتي الان د. أشرف و د.احمد عبدالله
و د. عبدالعزيز نائب رئيس اللجنة ومطاردة الطبيبة أخت الأخوان د. ناهد محمد الحسن ومداهمة منزلها والاعتداء علي حارسته وبعثرة أثاثه أمام مرأي من أطفالها ا لصغار وترويعهم اضافة للطريقة العنيفة في التعامل مع الطبيب الجسور د. الهادي بخيت والتي عرضت حياته للخطر وكتمت أنفاس كل السودانيين داخل وخارج البلاد قلقا علي مصيره ومصير رفقائه بالمعتقل واستمرار تكميم الصحافة الحرة وتوجيه الصحافة ال(....) واستخدام التلفزيون الحكومي من قبل الوزارة لتضليل الرأي العام كل هذه الأساليب تكشف بوضوح حجم القوة لأطباء السودان المتحدين خلف قضيتهم المنتصرة باذن الله.
وتكشف وجه القبح الحقيقي للقائمين على امر الصحة في بلادناوعدم انتمائهم للأخلاق السمحة التي عرف بها أهل السودان في مشارق الأرض ومغاربها.
لذلك فاننا لانمل ترديد تساؤل الأديب الطيب صالح عليه رحمة الله
(من أين أتي هؤلاء؟؟؟) أليست لهم أمهات سودانيات؟
؟؟؟
صغت هذه الأمثلة فقط لأدلل بأن العقلية التي قامت بالتصعيد معروفة ومعروف عنها حبها للتصعيد. وليس الأطباء هم من أرادوا ايصال الأمر لهذا الحد. و في اعتقادي أن هذه الأزمة لا تنفصل عن مجمل الأزمات المؤسفة والحرجة التي تمر بها بلادنا. الأطباء أعلنوها واضحة لا تراجع لا تقهقر لا مزايدات باخلاق لا يعرف المتحدثون بها أبسط أبجدياتها. وانا اعذر القوم لأنهم لم يصطدموا بالأطباء ولا يعرفون مدي كرامتهم وقدرتهم علي تقديم الغالي والنفيس لنصرة قضيتهم ولارجاع مجد مهنتهم لها .
فالتحية لأطباء بلادي وهم يقدمون درسا لفئات شعبنا الفتية عن كيف تنتزع الحقوق من هؤلاء.
وسيظل موج هذه الحركة المطلبية هادرا يجرف كل من وقف في مجراه من متعسفين ومتخاذلين وغيرهم حتي بلوغه الغايات المرجوة منه.والمصيبة أنهم لا يتعلمون من تجاربهم التي لا تحصي والتي يستخدمون فيها ما درج علي تسميته بسياسة حافة الهاوية الا أن الأطباء لن يكترثوا هذه المرة للهاوية وليتراجع من بيده الحل.
جموع أطباء بلادي الحبيبة الشرفاء لقد صبرتم طويلا علي هذا القمع الذي لم يراع فيكم يا أبناء وبنات السودان الّا ولا ذمة. وان النصر لآت آت فاصبروا وتعاضدوا ولا تلتفتوا للقلة المتخاذلة التي ان كانت فيكم ما زادتكم الا خبالا. وطالما أن وزارة الصحة مصرّة علي عدم تأثر خدماتها بالاضراب فلنواصل اضرابنا .
فهم يتحملون وزر تصريحاتهم ويتحملون أمام الله المسئولية الأخلاقية وأمام المجتمع المسئولية الجنائية.
أخوتي ان تتخاذلوا وحاشاكم التخاذل فلن تقوم لمهنة الطب في السودان قائمة.
أنتم أمل السودان الوحيد في اثبات أن الحقوق تنتزع انتزاعا فبثوا الأمل في نفوس الناس بثباتكم وقوتكم في ملحمتكم التي سطر التاريخ فصولا مشرفة فيها وستكتمل بقية الفصول قريبا باذن الله. فطريق النصر قد لاح والقوم قد فقدوا البوصلة تماما وهاهم يتخبطون في القرارات والتصريحات كعادتهم حين تلم بهم الملمات.
لم يأت وقت الشكر بعد لكن لابد من الاشادة بالمواقف الداعمة للأطباء من كثير من أبناء وبنات السودان ومن مؤسسات المجتمع المدني وبعض الصحفيين والمحامين الشرفاء ومن طلاب الطب قادة المستقبل ولأساتذة كلية الطب بجامعة الخرطوم وقفة اجلال واحترام وهم يضمون صوتهم الي جانب ابنائهم .
فهم في كل مرة يثبتون لنا بأن هذه الجامعة لا تفقد بوصلتها أبدا مهما هبت عليها الرياح فالفخر كل الفخر أساتذة جامعة الخرطوم والتاريخ لن ينسي لكم هذه المواقف الأصيلة.
أخيرا:
الظلم ظلمات وانكم لا محالة أمام الله واقفون ومساءلون فانتصروا للحق والحق أبلج.
ونداء الي المجتمع المدني بمؤسساته واحزابه ولرجالات الطرق الصوفية والي جميع كبارنا أصحاب الرأي أن تدخّلوا ولا تدعوا أبناءكم يظلمون امام اعينكم.
اليس من العار أن تلوذ طبيبة سودانية بالأمم المتحدة هربا من البطش ؟؟
فما فائدة العمم اذا!!؟؟؟؟؟
د.الفرذدق حسن عبد الجبار
طبيب سوداني
|
|
 
|
|
|
|
معاذ الهادي
الفاتح سليمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست