فــــــن الــبــانــتــومــيــم..التمثيل الصامت

Quote: التمثيل الصامت إبتسام عبد المحسن / بغداد التمثيل الصامت أو البانتوميم ذلك الشكل المسرحي الذي يكتسب فيه الممثل صفة التأليف للشخصيات المتوالدة من خلقه وابتكاره ، ويعبر عنها بحركات وإيماءات الجسم والأيدي وتعبيرات الوجه والأوضاع الجسدية المختلفة دونما حاجة إلى الكلام . البانتوميم كلمة مشتقة من الذي يقلد كل شيء وكان هذا اللفظ يطلق على الممثل عند الرومان ، وقد انتشر هذا التمثيل عند الرومان باسم المسرح الصامت حيث يكون من الأيسر على المشاهد أن يرى من أن يسمع ، وكان الممثل الصامت يضع قناعاً ويعتمد بصفة خاصة على الأيدي والأصابع . إستطاع الممثل الصامت أن يكون عنصراً حيوياً وجذاباً في فن الممثل المعاصر ، والذي أصبح ينظر إليه على أنه ثقافة جسد الممثل وقدرته التعبيرية ، والتي لا تقل شأناً عن أهمية الكلمة . تنتظم فاعلية البانتوميم عند الممثل حينما يصور لنا بواسطته تلك المظاهر المتعددة في حياة الأنسان والتي لا تحس في المسرحية ، ربما لأنه لا توجد الكلمات التي تنقل إلينا نقلاً صادقاً ومعاناة الابتسامة أو الألم تلك الظلال الدقيقة من السلوك الإنساني والتي هي بمثابة الأنغام الدقيقة في سلم العواطف الإنسانية ، ولذا فالممثل الصامت خير معبر عن تلك الصور التي تميز حركات الانسان وتعبيره في مختلف حالاته وواسطة آمنة لذلك التبادل الروحي بين الممثل والمتلقي حينما يلامس تلك الظلال في الأحاسيس وفي السلوك ، وكما يقول الممثل والمخرج الفرنسي (جان لوي باور): " إذا كانت اللغة تنقسم إلى ثلاثة عناصر رئيسية الفعل والفاعل والمفعول به فأن الجسد يشتمل بالطبع على هذه اللحظات الرئيسية الثلاث الوقفة والحركة والإشارة ". ويجد المخرج الروسي (مايرخولد) ضرورة البدء بالبانتوميم الذي يكشف للمخرجين والممثلين مكامن قوة العناصر الآولية للمسرح (القناع-الاشارة-الحركة-المكيدة) والقناع هو وجه الممثل بتعبيراته المتنوعة وليس القناع المصنوع .. وتعبيرات الوجه تكون فرح أو حزن أو ألم أو شقاء أو سعادة أو غضب .. الخ . إن البانتوميم يمنح الممثل إمكانية التفرد في تجسيد الشخصية ، وكلما كان الممثل ذا تركيز شديد وأذان موسيقية تحفظ الإيقاع بدقة تصاحبها مخيلة مجتهدة فانه سوف يمنح حركاته وإيماءاته وصمته وتوقفاته أشكالاً فنية تقترب بإيقاعها التعبيري من إيقاع موسيقي الشعر .. ويدل على ذلك حكاية ذلك الممثل الإيمائي الذي أنتزع إعجاب الفيلسوف (شيشرون) الذي كان يراقبه وهو يؤدي صامتاً بمصاحبة الآلات الموسيقية والأصوات والديكور حينما عزا الفيلسوف نجاح الممثل لتك المؤثرات ولكن عندما رد عليه الممثل قائلاً : أنظر اليّ وأنا آمثل بمفردي وبعد ذلك قل عن فني ما تشاء ..! وحينما فعل ، صاح الفيلسوف وقد تملكه الأعجاب : أنا لا آراك حسب ..! .. بل أسمعك ايضاً .. أنك تحدثني بيديك.. إنه في الوقت الذي ينظر إلى فن البانتوميم كشكل تعبيري قائم بذاته من أشكال التمثيل المسرحي له ممثلون متخصصون متفردون بقوة كبيرة بالتحكم في حركة الجسم والقدرة التخيلية والتصويرية ، نقول بأن الممثل بشكل عام بأمس الحاجة للتدريب على متطلبات التمثيل الصامت وذلك لكي يثري حركته على خشبة المسرح ، مثلما يثري الحياة المتغلغلة في سطور المسرحية ، فكثيراً ما يترك الكاتب الدرامي المجال لنفاذ هذا الفن الجميل في حياة المسرحية سواء كان تعبيراً أو بدونه ، فعلى الممثل أن ينتبه لهذا المجال ويملأ بتعبيراته الأيمائية هذا المجال والتي تدلل على صدقه وإيمانه بالتجسيد . ويبقى غياب التمثيل الصامت ملحوظاً عندما يصف لنا الممثل عبر الشخصية حالة من الحالات الأنسانية أو طريقة تعامله مع قضية سابقة يريد الاخبار عنها أو تقليده لاحدى الشخصيات للنيل منها والهزء بها أو وصفة لحركة الكائنات كالطيور والحيوانات والفراشات الخ ، أذا لم يكن الممثل ذا تدريب متميز غي هذا المجال . يعتمد العمل الدرامي المجسد على المسرح إضافة إلى ذلك على ثلاث عناصر أساسية لها علاقة بالمتفرج وهي العنصر البصري والسمعي والحركي ، وأذا كان السمعي يعتمد على الآلقاء والمؤثرات الصوتية فأن العنصرين الآخرين يعتمدان على التعبير الصامت أو الحركة الصامتة التي لا يصاحبها آي صوت . إن ضرورة التدريب على متطلبات البانتوميم تفرضها عدة أمور متوزعة في مهنة الممثل من حيث اكتساب الممثل مرونة جسدية تمنحه القدرة على التعبير بمهارة تامة خصوصاً أولئك الممثلين الذين يعتمدون على التعبير الصوتي فقط ، كما أن ممثل البانتوميم يحصل على إسترخاء عضلي يحرر حركته من معوقاتها ، بالإضافة إلى اقتصاد الممثل بالحركة والإيماءة وإعطائها شكلاً ومعنى من خلال إبراز صورتهما فكثيراً ما يهمل الممثلون قضية رد الفعل الحركي أزاء مؤثر طبيعي أو بشري فأننا نستمع لصوت مؤثر الريح ولا نرى إنعكاس تلك الريح على جسد الممثل أوصوت مطر أو صرخة مدوية من مكان مجهول أو في حالات العراك المسرحي . إن تمارين البانتوميم تقضي بمنح الممثل إمكانية السيطرة على تعبيرات الوجه في تدريب عضلة من عضلات الوجه وتحركيها بعدة حالات في دوران الرأس واللفتات وحركة العيون وإستدارتها وتقطيب الجبين وعملهما وإستجابات الأنف وإبراز حاسة الشم وتقلصات وانبساط الشفتين وزمهما.. الخ . ويعتمد العمل الصامت على عوامل منها مرونة الجسم فالممثل يجب أن يحصل على سيطرة تامة على كل جزء من أجزاء جسمه بمعزل عن الأجزاء الأخرى وعن الجسم ككل فيمكن للرأس أن يتحرك بمعزل عن الأكتاف ويمكن لليد أن تتحرك بمعزل عن الذراع .. إن العضو المتحرك يمكن أن يتوتر أثناء الحركة ولكن العضو الذي لا يعمل يجب أن يبقى مسترخياً وعلى الممثل أن يكمل الإيماءة التي يقوم بها قبل بداية الإيماءة التالية آي عليه أن يضع حدود واضحة لإيماءاته وحركاته وعليه أن يكبر إيماءاته وحركاته ويجعلها اكبر من حجمها الطبيعي لكي تكون مؤثرة . وكذلك من العوامل التي يعتمد عليها العمل الصامت هو الإيهام من خلال إيهام المتفرج بالمحسوسات والأشياء ، فالممثل مثلاًَ يوهم المتفرج بأنه يصعد سلم في حين آنه يبقى في مكانه ..، ويوهم المتفرج بآنه يلمس جدار زجاجي في حين آنه لا وجود لمثل ذلك الجدار ، والممثل الصامت لا يستعمل الأدوات وإنما يوهمنا بوجود تلك الأدوات . والتمثيل الصامت يعتمد على قابلية الممثل على التذكر وإستعادة الذكرى ، فعلى الممثل أن يتذكر ما هي المادة الحقيقية التي تظهر في قصة ، وعليه أن يعيد خلقها كما لو كانت حقيقية وقد يمارس الممثل الصامت كثيراً من الصفات الحيوانية ، فعليه أن يتذكر تلك الصفات ويستعيد صورها في ذاكرته . وبالنسبة للكلمات فحين يرافق التمثيل الصامت رواية للحدث فيجب على الممثل أن لا يطابق العمل للكلمة .. وإنما يؤدي حركات تفوق معنى الكلمة ، ويرينا الإحتمالات التي قد تعبر عنها الكلمة ووجهات النظر التي لا تحتويها الكلمة ، فإذا قال الراوية مثلاً (أعتقد أنني سأذهب) فعلى الممثل الصامت أن لا يذهب لفتح الباب مباشرة وإنما عليه أن يخلق التعبير الصامت الذي يلي فتح الباب ، الممثل الصامت يستعمل جسمه كآداة ، ويستعمل مخيلته كمحرك ، وموهبة كوقود لحركته ليخلق عالم متكامل من الشخصيات والمشاهد على مسرح عاري .