|
سلسلة المبدعون في بلادي -يحيى فضل الله
|
في الحلقة السابقة كتبت عن المبدع مصطفى سند، اليوم يشرفني أن اكتب عن يحيى فضل الله وهو علم من علوم ألروية السودانية ، الذين حاولوا كتابة القصه يعرفوا مدى صعوبة الابحار في مدارات الحكايه كي يشعر القاري
أنه في دخل ألقصه، يشعر أنه في عالم أخر، لا يحتاج الأستاذ يحيى لتعريف ، لذلك أترككم مع هذا العمل القصصي الجميل ، وكعادة الأستاذ يحيى فهو يعالج مواضيع كثيرا من خلال هذا العمل
ارتباكات التفاصيل المحرجة ـــــــــ يحيي فضل الله ــــــــــــــ ارتباكات التفاصيل المحرجة ـــــــــــــــــــــــــــ لا كثر من شهر لم يكن الوالد يستطيع النظر في عيني الابن. لاكثر من شهر لم يكن الابن يستطيع النظر في عيني الوالد . لاكثر من شهر كان الوالد حين يدخل البيت يخرج منه الابن. لاكثر من شهر كان الابن حين يدخل البيت يخرج منه الوالد. لاكثر من شهر كان الوالد يتحاشي الابن و الابن يتحاشي الوالد. لاكثر من شهر كان يحدث ما يحدث بين قسم السيد النعيم المهندس الميكانيكي بالمحلج التابع لمؤسسة جبال النوبة الزراعية وبين ابنه عطا الطالب في الصف الثاني في مدرسة كادقلي الثانوية العليا ـ تلو ـ لاكثرمن شهر كان كل منهما يهرب من الاخر. لاحظت علوية زوجة قسم السيد ووالدة عطا هذه الهروبية الواضحة وهذا التفادي المعلن الي درجة انها افتقدت نوع من ذلك الاحساس بالسعادة حين كان قسم السيد يحكي لابنه حكايات متفرقات متنوعات عن طفولته وصباه في الصعيد ،كان ذلك يحدث دائما وهما يرتشفان شاي ما بعد الغداء. لاحظت علوية ولاكثر من شهر ان صينية الغداء قد فشلت تماما في ان تجمع بين الوالد والابن ، وجبة الغداء هي الوجبة الوحيدة التي تجتمع فيها الاسرة وحين تساءلت ذات غداء ابنتها زلفي عن حالة كون عطا غائب دائما عن وجبة الغداء لاحظت علوية ارتباك قسم السيد وذلك حين ارتجفت يده وسقطت منه اللقمة ليتسخ جلبابه الابيض بلزوجة ملاح الورق الاخضر فكان ان هرب من المائدة و عرفت علوية ان قسم السيد قد هرب من تساؤل زلفي التي لاحظت ايضا ارتباك والدها فهمست لامها ـ يمه هو في شنو؟ ـ فردت علوية وهي تتابع هروب قسم السيد بحيرة واضحة في عينيها ـ يخربني يا بتي كان عارفا حاجه ـ المرة الوحيدة التي كان فيها عطا حاضرا وجبة الغداء في البيت ـ هكذا لاحظت علوية ـ حين كان والده مدعو لغداء خاج البيت . تاكدت علوية تماما من هنالك امر خطير بين ابنها و زوجها و ذلك حين تصادفا امام باب الحوش ، كان قسم السيد خارجا وعطا كان داخلاوبين هذا الخروج وذاك الدخول حدث ذلك التدافع الهروبي بينهما فالتحما متصادمين فتخلي باب الصفيح عن مكانه وسقط علي الارض بدوي ارتجفت له علوية التي كانت وقتهاتغسل الملابس تحت شجرة النيم الكبيرة فلاحظت ان الاب استمر مهرولا الي الخارج والابن استمرمهرولا الي الداخل و لم ينشغل اي منهما بامر الباب المنكفي علي الارض مما جعل علوية تترك مكانها امام طشت الغسيل لانها اصبحت مكشوفة امام الغاشي والماشي علي الشارع. بينما كان قسم السيد يحاول ان يعيد الباب الي مكانه مر به جاره سليمان الشيخ فساله ـ الرمي الباب شنو يا قسم ؟ ـ فرد عليه قسمالسيد ـ تصور ضربتو صاعقة ياود الشيخ ـ فهز سليمان رأسه متعجبا من تلك الصاعقة التي هي خارج سياق الطقس لم يترك قسم السيد الحال كماهو عليه بعد الذي كان قد حدث بينه وبين ابنه عطا ، حاول ان يتخلص من هذا التوتر الهروبي كان يحس بان الامر لايستحق كل الذي يحدث ، كان يفكر في مواجهة ابنه و حين مرحلة الفعل يتردد و من ثم يتراجع عن المواجهة. داهم مرة غرفة ابنه في الصباح و كان صباحا فيه من ملامح الشتاء بداياته ، دخل قسم السيد غرفة عطا مقررا ان يوقظه من النوم ويساوي معه الامر قبل ان تصحو علوية التي ادمنت ارهاقه بملاحظاتهاالمتسائلة و قد كلفه هذا القرار الكثيف من الارق ، وقف قسم السيد بقرب سريرعطا و لكنه تراجع فجأة عن ما كان ينوي فعله وخرج من الغرفة و لكنه حين عاد الي الغرفة محرضا قراره بسجارة الصباح وجدعطا قد هرب و حين كان خارجا للعمل صادفه عطا و هو راجع الي البيت و لكن ما ان لمحه سرعان ما تواري عطاعن انظاره بحركة مفاجئة. في ذلك الصباح حين داهم والده الغرفة كان عطا قد احس بدخوله و حين كان قسم السيد يقف بالقربمن سريره بذلك التردد كان عطا قد تصبب منه غزير العرق ،كان يعرف تماما انه لا يستطيع مواجهة والده بعد ذلك الذي حدث فكان ان هب عطا من سريره و فرهاربا الي الخارج. حكي قسم السيد لصديقه و زميله في العمل جبرئيل التوم ماحدث بينه وبين ابنه و كيف انه حاول التخلص من تلك الحالة الهروبية ، اوصاه صديقه بان يكتب مذكرة ويدسها تحت مخدة ابنه ربما حين يقرأ ابنه تلك المذكرة تكون بمثابة خطوة اولي للمواجهة و لم ينس جبرئيل التوم ان يعلق علي الحدث قائلا ـ بعدين يا قسم بصراحة كده، انت دنيء ـ . حاول عطا ان يؤسس لذلك الهروب فقابل مدير المدرسة كي يتم قبوله للسكن بالداخلية الا ان مدير المدرسة رفض طلبه متعللا بان اسرته تقيم في المدينة ولكن اصبح عطا ضفا مؤقتا علي منزل صديقه كودي بحي الرديف ، اصبح يقضي الليل هناك خوفا من ان يكرر والده مداهمته الصباحية ويأتي الي البيت في اوقات يتاكد فيها تماما ان والده خارج البيت. كانت تلك المذكرة التي كتبها قسم السيد لابنه قد اتعبته كثيرا , كتبها عدة مرات لانه كان مرتبكا و لايدري بجدوي ما يكتب فكان ان كتب و مزق كثيرا حتي استقر اخيرا علي صياغة اعتبرها مناسبة وفي غياب عطا وضع قسم السيد المذكرة تحت المخدة وحرص ان يظهرجانب منها حتي يراها عطا ولكنه اكتشف في اليوم التالي ان المذكرة كانت في مكانها لان عطا قد تمادي في هروبه الي درجة عدم المبيت في البيت و حمد الله ان المذكرة لم تقع علوية او زلفي ، وفي الصباح مر علي جاره سليمان الشيخ ليعطي ابنه الشيخ الذي يزامل في المدرسة الثانوية تلك المذكرة ليوصلها لابنه بعد ان سجنها داخل مظروف ابيض. سافرت علوية الي قرية ـ البرداب ـ شمال كادقلي لمقابلة فكي موسي كي يخلص بيتها من ذلك الارتباك في التفاصيل وتلك الجفوة بين الزوج والابن الذي خافت ان تفقده وهو متمادي في هروبه اولا من والده واخيرا من البيت ، لجأت علوية الي ذلك الحل بعد ان فشلت تماما في حل ذلك الاشكال وبل في معرفة السبب وراء الذي يحدث ، اعطاها فكي موسي بخرات و محاية وحجاب اوصاها بان يعلق علي مكان في وسط البيت و في اتجاه القبلة . قبل اكثرمن شهرين ونصف و في ليلة ساهرة بحي السوق ، حفل زواج ، وحين كان يغني المغني وثيردباك فريق الهلال الفنان ـ آدم علي انقاطو ـ في اغنية امانة عليك يا تايه الخصل كانت نوال تشعل دواخل عطا بنظراتها الملغزة ، كان عطا علي جانب الحائط من حيث كانت نوال تجلس علي كرسي ملتصق بذلك الحائط وحينترجع برأسها الي الوراء ـ رأسها المتفي بذنب حصان ـ و تدير وجهها ناحية اليمين وترسل نظراتها وابتساماتها نحو عطا وهكذاحتي لمح عطا اشارة خفية من نوال بعدان وقفت وهمت بالتحرك بين الكراسي و اكدت نوال اشارتها لعطا ودخلت بباب يؤدي الي اقرب بيت من حيث مكان جلوس البنات في الحفل
تردد عطا في ان يلحق بنوال ولكنه هزم تردده ودخل وراءها ليجدها تقف امام راكوبة امام مطبخ البيت واشتبكت بينهما التفاصيل وعرف انها من بنات ـ ابو كرشوله ـ وانها طالبة تقيم بالداخلية في مدرسة كادقلي الثانوية للبنات الواقعة بين حي الرديف وحي الموظفين حيث يسكن عطاوانها جاءت الي هذا الحفل بدعوة من صديقتها التي تسكن حي السوق واشتبكت بينهما حمي التفاصيل وافترقاعلي موعد هو يوم الخميس اليوم المتاح لخروج طالبات الداخلية وبعد تكررت وتراكمت بينهما اللقاءات وتنوعت بينهما خطابات و مذكرات والكتب المتبادلة , قبل اكثرمن شهر و في مساء يقترب كثيرامن تفاصيل الليل تعطر عطا بعطر واضح الرجولة و خرج ليلتقي بنوال بالقرب من دروة ضرب نار خلف مصلحة الاشغال ، هكذا كانت لقاءتهما مختلفة الاماكن حسب خروج نوال من الداخلية مع صديقة كل خميس و هذه المة لانهاخرجت مع صديقة لها تسكن حي الموظفين فكان الاتفاق علي اللقاء في هذا المكان ـ دروة ضرب نار حيث يتدرب الجيش علي النيشان ـ وكان علي نوال ان تنتظره خلف مصلحة الاشغال . حين اقترب عطا من حيث يجب ان تنتظره نوال في ذلك الشارع المظلم خلف مصلحة الاشغال ، لاحظ عطا ان نوال ليست وحدها ، كان هنالك شخص يتحدث معها ، احس عطا بان هنالك مشكة ، وهو يقترب سمع نوال تقول بحدة لذلك الشخص ـ لو سمحت انا ما بعرفك ـ طيب مالو ما ممكن نتعارف هسه رد ذلك الشخص بينما عطا قرر ان يقترب اكثر ويحسم الامر وحين اقترب اكثر قالت نوال لذلك الشخص ـ لو سمحت ما عايزين مشاكل اهو اخوي جاء وداهم عطا ذلك الشخص ليجد ان ذلك الشخص الملحاح ما هو الا قسم السيد النعيم ، والده الذي كان في طريقه الي استراحة الزراعة القريبة من موقع المشكلة حيث يجب ان ينضم الي شلة انسه لقعدة الخميس المعتادة . نظر قسم السيد الي نوال ونظر الي ابنه عطا قائلا باستنكار الواثق ـ ده اخوك ؛؛؛؟ وخرج عطا مضطرا من هامد ارتباكه و بتحدي اجاب علي سؤال والده الواثق جدا ـ ايوه اخوها عندك شك ؟؟ نظر قسم السيد الي نوال ونظر الي ابنه عطا وقذف بجملة تعلن عن هزيمة معلنة ـ لا ابدا ما عندي شك ، ماعندي شك مطلقا و ترك قسم السيد ابنه عطامع نوال واتجه نحو استراحة الزراعة . و هكذا لاكثر من شهركان الاب يتفادي الابن و كان الابن يتفادي الاب . في الظهيرة التي كانت فيها علوية تبخر البيت بعد ان علقت الحجاب علي سقف الراكوبة في ناحية اختارها لانها في اتجاه القبلة ، في تلك الظهيرة سلم الشيخ سليمان الشيخ عطا المظروف الذي بداخله المذكرة التي كتبها قم السيد الي ابنه. فض عطا المظروف ليجد ورقة صغيرة مكتوب عليها الاتي ـ ابني عطا انا فخور لانك حسمتني وبعدين انت عزال و بدون حرج ارجع البيت ياود يا فتك والدك قسم السيد ـ و فجر عطا ضحكة صاخبة و ممتدة .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سلسلة المبدعون في بلادي -يحيى فضل الله (Re: Khalid Osman)
|
عميري يضمد في اخر الصيد جرح الغزال ـــــــــــــــــــــــــــــــــ اكون كضاب لو اترددت شان استقبلك جواي و لو قاومت حد السيف بريقو يلخبط الهداي صحيح قبلك شراع الدهشة ما صفق و لا كان العرق وداي دي حتي الاغنيات قبلك حروف ابياتا كانت ساي عبد العزيز عبد الرحمن العميري ـ ذلك العصفور المسمي مجازا العميري ـ كما قال الشاعر ازهري الحاج ، طاقة فنية متعددة الجوانب ،قلق دائم يبحث عن جناحين يحلق بهما في سماء الحرية بين شفافية الروح و حصار الراهن اليومي ، ممثل متمرد علي الثوابت ، علي الاكلشيهات ، شاعر صاحب ذائقة خاصة ، ضجة من الصور الشعرية ، ضجة تعرف كيف تتقمص الدور في نواصي الليل نشدتك اقصي حته من السكون الاحد الخامس و العشرون من يونيو العام التاسع و الثمانين من القرن المنصرم ، الاحد الذي سبق موته ، كان العميري يتجول داخل الاستديو ، استديو التلفزيون ، ليسجل اول حلقة في برنامج جديد و كان قد نجح يومها ان يسجن ثنائي النغم داخل الاستديو بعد غيبة غنائية طويلة ، تري كيف خطرت ببالك تلك الفكرة ايها المشاكس ؟ ، فكرة ان تجمع الثنائيات الغنائية ، تعطل التسجيل و تم تأجيله الي الاحد القادم ـ لكن ـ كان العميري قد ذهب الي حيث لا رجعة مودعا صناعة الافكار الجميلة في مايو من العام الثالث و التسعين ، امام شجرة اللبخ التي تجمل مدخل المسرح القومي سلطنا كاميرا التلفزيون علي خضرتها الداكنة من اعلي و تحركت الكاميرا الي شجرة لبخ اخري كانت قد تعرت من خضرتها و اعلنت يباسها فبدت عجفاء لا توحي بغير الموت ، عندها بدأت حديثي عن العميري في برنامجي المخصص لذكراه ، تحدثت نادية احمد بابكر ، حسبو محمد عبد الله ، خالد جاه الرسول صاحب بوفيه المسرح القومي هرب من الكاميرا من حزنه العميق تجاه هذا الفقد ، اوقفنا عدد من المارة في شارع النيل ، سألناهم عن عميري كنت احلم بتقديم سهرة تلفزيونية عن العميري ، كنت احلم داخل استديو اسماعيل الازهري بالاذاعة او استديو ـ الف ـ ، دارت اشرطة التسجيل داخل المكنات ، التقطنا مسامع درامية فيها ذلك الصوت العميق ، التقطت الكاميرا دوران الاشرطة ، ومن داخل الاستديو كان خطاب حسن احمد يحاول ان يحرض ذاكرته و بحزن خاص ، محمد عبد الرحيم قرني يتحدث عن العميري و متأكد ، متأكد تماما من وجوده الحي الخواطر الجميلة ، في الغناء العذب ، في بحث عن نكتة ،في اشهار الامكانيات الجمالية ضد القبح و اعلن قرني اعجابه الشديد بروح العميري الساخرة و المتأملة ، محمد السني دفع الله يتحدث عن ـ شريط كراب الاخير ـ تلك المسرحية التي تخرج بها العميري في المعهد العالي للموسيقي و المسرح من تاليف الكاتب العالمي صموئيل بيكيت ، هكذا دائما العميري يميل الي حيث التضاد ، لم ينس السني ان يتحدث و بعذوبة عن عشق العميري للمدن ، مصطفي احمد الخليفة اقتحم الاستديو و نثر تلقائيته المميزة علي الجميع ، كانت محطة التلفزيون الاهلية قد اعلنت عن ملامح كوميديا جديدة فجرها ذلك الجيل ، من داخل الاستديو كان معتصم فضل يتحدث عن العميري ، خارج الاستديو صلاح الدين الفاضل يتداعي الي درجة البكاء امام الكاميرا ، تذكرت ان محمد نعيم سعد لم يحضر و ان الرشيد احمد عيسي متوقع حضوره ، حرضت الكاميرا علي النيل ، قذفنا علي موج النيل بعض الحجارة بحثا عن تلك الدوائر المائية التي تكثف معني الزمن في استديو التلفزيون تحدث فاروق سليمان عن العميري ، تحدث عصام الصائغ ، في ابروف كانت اميرة عبد الرحمن العميري ـ شقيقته ـ تعجز امام الكاميرا ، تعجز عن ان تحكي من نكات عميري ، في الحتانه ابو عركي البخيت تتجاذبه الذكريات و عفاف الصادق لا تستطيع الحديث عن عميري ، و نحن نتاكد من التسجيل داخل الاستديو ، احسست بفقد حقيقي حين غني عركي هذا المطلع من اشعار عميري فصلي التيبان مرايل لي طفل قاسي العيون و ابقي قدر الدمعة دي و نوحي في الجنب الحنون حين كان معي شكرالله خلف الله داخل مكتبة التلفزيون نحاول ان نجمع ارقام الشرائط التي تحوي روح العميري داخلها كان هنالك همس حول هذه السهرة ، تحول الهمس الي وسواس و اتفق علي مشاهدة مواد هذه السهرة و يبدو ان الاتفاق كان سريا للغاية و حين بدأنا نجهز للمونتاج فقدنا بعض الاشرطة التي كنا قد اودعناها المكتبة ، في بحثي عن الحقيقة تلك التي دائما تكون في التلفزيون بين القيل و القال عرفت ان شخصية مهمة في التلفزيون قد اخذ هذه الاشرطة و انكر ذلك ، هكذا اخطبوط من العراقيل ، متاريس للقبح ، كنت اتحدث في هذه السهرة المعتدي عليها عن ان العميري هو تلك الحيوية ، حيوية الروح ، انه ذلك الشفاف ، وجود في الذاكرة ، حضور في الوجدان و في ختام السهرة قرأت هذا المقطع من شعر العميري اديني سمعك في الاخير انا عمري ما فاضل كتير شالوهو مني الامنيات الضايعة في الوهم الكبير و الدنيا ما تمت هناء لسه فاضل ناس تعاشر وناس تضوق طعم الهناء بكرة اجمل من ظروفنا و لسه جايات المني كنت اتحدث عن هذا التفاؤل المعترف بالموت ، تفاؤل يصر علي ان الحياة لا تتوقف كما ان الموت لايتوقف ، سمعت بعد ذلك ان السبب الاساسي في اعدام هذه السهرة هو هذه الجملة الشعرية بكرة اجمل من ظروفنا العميري يعرف كيف تكون السخرية عميقة ، يبحث دائما عن الضحكة و حين لا يجدها يتعب و لكنه لايعدم حيلة في ان يخترعها ، يعرف كيف يمارس الحياة ، ممارسة الحياة تحتاج الي بصيرة نافذة تعرف كيف تنسجم مع التناقضات ، كتلة من النشاط و الحيوية ، لايعرف فراغ الذهن ، يملأ كل الاماكن بظله المتمرد دوما علي الاصل ، قلق جدا و لكن رغم ذلك يدمن التأمل ، كنا نناقش مفهوم الحبيبة في الشعر الغنائي ، الحبيبة التي تداخلت في النسيج اليومي للحياة و حين نقول ـ اليومي ـ سرعان ما يفكر اولئك المتشاعرون و النقاد اصحاب الذائقة المرتبكة و اللغة المطلسمة انه حين يكون اليومي حاضرا في نسق القصيدة يكون الشعر غائب و تكون الشاعرية ضعيفة و لكن العميري وحده الذي يستطيع ان يرد علي ذلك ليكي مليون حق تخافي ما جبت ليكي شبط هدية و انا طول الدنيا حافي من الابيض ـ حي القبة ـ حيث ولد العميري بعث لي شقيقه احمد العميري رسالة تضج بحزن التساؤلات ـ لقد ذهب و لكن من للصغار الذين يطيرو كالنحل فوق التلال؟ من للعذاري اللواتي جعلن القلوب قوارير عطر تحفظ رائحة البرتقال ؟ من يسقي الخيل عندما يجف في رئتيها الصهيل ؟ من يضمد في اخر الصيد جرح الغزال ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ كلما احتفل الزبديون بتراكم عام في نسيج هذا الخراب ساتذكر ان عميري وثق برحيله المتزامن جدامع انتهاكهم ، وثق العميري برحيله ذلك التضاد الجميل مع اخطبوط القبح و الظلام ارتعشت مني الاطراف و انا اتسامر مع عوالم خليل فرح في ديوانه المحقق من قبل الراحل المقيم و الوناس العذب علي المك و ذلك لاني اكتشف ان خليل فرح قد رحل عن هذا الدني في يوم ثلاثين يونيو من العام الثاني و الثلاثين من القرن المنصرم ، هل تراني اصطاد المصادفات كي اؤكد تشاؤمي بهذا اليوم ؟؟؟؟؟؟ ان الحزن علي العميري ، حزن يرفض الخصوصية ، انه حزن عام ، حزن رمزي جدا ، ان نحزن بفرح و نفرح بحزن هي خاصية يملكها العميري كما يملك الطفل لعبته و ده كلو من السواحل ديك و من ظلم المعدية انا البعت الفرح لليل و غشوني المراكبية عميري يضمد في اخر الصيد جرح الغزال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سلسلة المبدعون في بلادي -يحيى فضل الله (Re: Khalid Osman)
|
ـــــ تداخلات ــــــــ يحيي فضل الله ـــــــــــــــــــ في عينيه ركضت هواجس ، معالم لا تحد ، خربشات عميقة بين الذاكرة والرؤية ، حدق في كل الناس ، التف بهم ، تداخل مع نبضاتهم ، امتص معهم لحظات الانتظار ، اختنق مثلهم بضوضاء المحطة و لم يقل شيئا لمن داس علي اصابع رجليه بنعلين ثقيلين ، كان واقعيا ، ليس هناك مفر من ان تكون رجلاه جزء لايتجزء من ارضية ممر الدرجة الثانية الممتازة ، حاول ان يجلس انها الممتازة ، عدل عن الفكرة لان تكوينه الجسماني لا يسمح له بالجلوس ، حاول ان يمتص انفعالاته بان يقرأ شيئا من الشعر ، رن جرس المحطة . ـ انت يا خي القطر ده حقك ـ ـ ما قلنا مافي طريقة ، الله ـ ـ الطريقة بعرفا براي ، بس انت اتحرك من الباب ـ ـ والله ما في طريقة ، شوف العربية التانية ـ ـ ما في زمن ، انت ما سامع الجرس ؟ ـ ـ ....................... ـ ـ احسن تتحرك من الباب بالحسنة ـ ـ ......................... ـ ـ خلي عندك دم في وشك ـ ـ يعني داير تعمل شنو ؟ ـ اختلطت الاجساد علي الباب ، غابت الاسلحة البيضاء ودخلت السن في اللحم ، عراك في مساحة ضيقة ، تدخل المطيباتية وانتصر القادم الجديد بينما الآخر يصدر انينا ويصرخ ـ راجل كبير تعضي بي سنونك ـ رن الجرس للمرة الثانية . ـ ـ ـ ـ الدرجة الثانية ............... العرق علي كل جبين ، صرخات الباعة ، ضجيج المزدحمين داخل العربة ، اقدام تبحث عن موضع بين العفش المتناثر في كل مكان. ـ يا اخوانا الناس القاعدين في الشباك ما يرحمونا شوية ـ ـ هبوبك يا الله ـ والكل في انتظار نسمة تهب عند تحرك القطار . سقطت شنطة حديدية ثقيلة علي عجوز كانت تقف بقرب احد المقاعد آملة في فعل المروءة ، صرخت وانفجرت ثائرة ـ الله يلعن سفر الزمن ده ويلعن ناس الزمن ده ، ناس ما فيها رحمة ، لا يعاينو لي صغير ولا لي كبير ، غير الكترة ما عندهم شئ ، ناس مسافرة ، ناس راجعه ، ناس مسافرة ـ و تنفست الصعداء وقالت ـ الله يهون القواسي ـ ـ معليش يا حبوبه ـ قالها شاب كان يجلس وعلي فخذيه جهاز تسجيل ، تحسست هي أثار سقوط الشنطة علي يدها و انفعلت ـ احسن تمسك شنطتك عليك وتمسك لسانك كمان ، عندك نفس تقول لي حبوبه والله مساخر ، ما تعاين لي والله اقوم عليك الا اخليك تتململ فوق جمرا حي ، عليكم الله شوفوا محن الزمن ده ـ آثر الشاب السلامة بعد ان رأي في عينيها عنفا يرغب ان يضع لنفسه موضعا . ـ ما تتكلم تاني ، افتح خشمك تاني عشان احشي ليك تراب ، يا خايب الرجال يا ما مربي ـ التفت الشاب الي الناحية الاخري و تحدث الي جاره . ــ ــ ــ ــ رن الجرس للمرة الثانية انها السابعة ، لاشئ سوي الضجةالمختلطة بالسكون المميت ، السابعة مساء ، كانت هذه اللحظة حتي البارحة القريبة مليئة بالعبق ، لحظة لها انسيابها دون ادني متاعب سوي ذلك العبء الحميم الذي يتسرب بين الانفاس المخترقة لاضواء النيون الخافتة ،حركة الكافتيريا تنبض بالحياة ، يكون هو قد فرغ من احتساء الشاي بتمهل مفتعل رغبة منه في سجن الزمن داخل نشوته و داخل تلك التفاصيل التي تعامل بها ـ رحاب ـ اناملها ، لابد ان الانامل لهاالقدرة علي الحديث ، بل حتي علي الصراخ من خلال اللون الذي طليت به الاظافر ـ ،، ايديك ما محتاجة لي منكير ايديك محتاجة لي ايديا ،، ـ ,, انت ليه مصر علي القصيدة دي بالذات ؟ ،، ـ ,, بس اللون الاحمر ، اسمعي البيت ده بس ، بس ، لاحظي بس دي اعتراضية كيف ، بس اللون الاحمر ، لون حارتنا وكل بيوتا ،، ـ ,, انا افتكر ده اعتراض علي الزينة عند المرأة ،، ـ ,, لا ، ده اصرار علي الزينة ، لكن ياتو زينة ، اسمحي لي اسميهاالزينة التلقائية مش الارتفشيل ،، ـ ,, يعني هسه انت معترض علي المنكير العاملة انا ؟ ,, ـ ,, معترض شنو ؟ انا منحاز لي اللون ده بالذات ,, ـ ,, انا بفتكر انو صارخ ,, ـ ,, ميزتو انو صارخ ، درجات البنفسجي كلها جميلة ,, ـ ,, هيي ، الساعة سبعة و ربع ، انا ماشة الداخلية ,, ـ ماشة تنومي يعني ؟ ، ما نقعد شوية ,, ـ انت ناسي ولاشنو ؟ ، مفروض احضر لي سمنار بكره و ما عملت حاجة غير جمع المعلومات ,, ـ ,, لا ،كده معليش ,, ـ ,, عندك حق الفول ,, ـ ,, لا ، ماخلاص حاتعشي في الداخلية ,, ـ ,, خلاص ، هاك اشتري سيجاير ,, ـ,, ياخوانا ، التوليت ما بختوا فيهو عفش ,, ارتدت خيالاته ، اختناق ، عدل وضع رجليه ، اليسري تنملت ، احس بانه مجبر علي سفر لم يحن اوانه بعد ، يرغب في التدخين ، تحسس السيجارة التي قبعت داخل جيبه ، تلفت حوله ، لكز احدهم في رجله ، نظر الاخر اليه من فوق ، ـ,, سفه ، ممكن سفه ؟ ,, ـ ,, ابدا ما بستعمل يا ظريف ,, ........... دوت صفارة القطار صليل الحديد حين يحتك بالحديد ، الحركة لها فعلها في الناس فالارتياح دب في النفوس ، بدأ اهتزاز القطار يتزايد بينما اختلطت اصوات الناس و افكارهم بايقاع منسجم مع سيمفونية المعادن الناتجة من حركة القطار ، التقت عينان لاحت فيهما معالم مدينة يتناثر فيها الخلق من احياء يصطخبون واموات يمشون عليها من زمن يأتي و لا يأتي ، مدينة تغلغلت فيها مدارات الانتباه المزمن وارتحالات القلق المميت و جرثومة النزلات المعوية ،التقت هذه العينان بعينين جنح فيهما الهدوء و لونت الرغبة فيهما الدفءوالخصوبة ، اصلحت هي ثوبها ، لاحظ هو تنفسها حين نظر الي صدرها الناهد ، ابتسم ، شكل عينيه بحديث مذاب ، حرك فمه بحركة تقول بدون صوت ـ ،، نازلين وين يا سكره ،، احس بكف ثقيلة علي كتفه ، رجل ناهز العقد الرابع ، نظر اليه بخبث و قال ـ ،، ذوقك جميل ،، ـ ، دهش ،ماتت علي لسانه الكلمات ، احس بالخوف ـ ،، الحلوين نازلين كوستي ،، ـ ، ضحك الرجل امتد الحديث بينها ، كان الرجل ثرثارا لايخلو من ظرافة و طرافة ، حكي عن مغامراته ، دون كيشوت في عقلية دون جوان ، اخرج الرجل من جيبه مجموعة من الصور لفتيات اينع الحسن فيهن واختلف و كانت هناك صورة عليها ختم لشفائف حمراء . ............ تك .. تك .. تك ضربات حادة و متقطعة ـ ،، التذاكر يا جماعة ،، ـ تململ الركاب ، حاول بعضهم الهروب فنجح و فشل البعض فتكاثرت علي جيب الكمساري النقود و قلت علي ايدي الركاب الايصالات الصفراء ـ ايصالات الغرامة ـ ـ ،، انتي يا حاجه تذكرتك ،، ـ ـ ،، تذكرة شنو ؟ ،، ـ ـ ،، الله يا حاجه ، انتـي مش راكبه في القطر ده ؟ ،، ـ ،، آجي يا اخواتي ، هسه انت شايفني قاعده في مقعد ؟،، ـ ـ ،، في مقعد ، في الواطه ، طايره ،ياحاجه المهم تذكرتك ، تذكرتك ،، ـ ـ ،، هـي ، كدي ،، ـ ـ، ماشه وين حاجه ؟ ،، ـ،، ودعشانا ،، ـ ـ ،، طيب ودعشانا ، تدفعي حكاية ...... ،، ـ ـ ،، لا بتدفع و ما عندي ،، ـ ـ ،، ده كلام شنو يا حاجه ؟،، ـ ـ ،، ياهو كلامي و ما بزح من هنا شبر ،، ـ صمت الكمساري هنيهة ، نظر اليها بيأس ثم تحرك للأخرين متخطيا غابة السيقان علي الممر . .......... الحصاحيصا أرق لا تمتصه الا الحركة ، عاد الاختناق بتوقف القطار ، تبدو الوقفة ابدية ، احتراس ،هكذا يقولون ، فكر في الخروج واستخدم الشباك كباب رغم ضخامة جسمه ، لامست قدماه الارض ، رغبة عنيفة ان يطلق ساقيه للريح ، تجول في انحناءالمحطة ، دار حول القطار بالجهتين ، احساس بالكأبة يشوبه ارتياح جسماني حيث تحرر الجسم من عقاله و قوقعته داخل الممر ، تمـدد علي التراب ، حدق في السماء ، تململ علي جنبه الايمن ، وخزة حادة ، انه الخنجر ، لازال في مكانه مثبتا علي حزام البنطال ، لابدمن التسلح داخل فناء الجامعة ، احداث العنف الاخيرة تبعها هوس التسلح ، يتذكر الان ،كان يقلب في كتاب ـ تقويم السودان للعام 1945 م ـ ، كان ممتنا للجهد الذي بذله ـ الريح العيدروس ـ في تقديمه لمعلومات اراد ان يستعين بهافي بحثه عن العلاقات المصرية السودانية آنذاك ، كان يقرأ بالتحديد عن اتفاقية 1899م ـ ،، ولما كان السودان جزءا لا ينفصل عن مصر فان وجود الجنود البريطانيين في السودان يقوم علي نفس الاساس الذي يقوم عليه وجود جنود بريطانيين في مصر نفسها و علي ذلك فان الحكم علي وجود الجنود البريطانيين في السودان كحكم وجود الجنود البريطانيين في مصر ، هذا والخلاف بين الطرفين المصري والبريطاني بشأن السودان قد وصل الي عقدة يقدر كل المراقبين السياسيين بانها لا تحل بالمفاوضات والرأي المصري ..... ،،ـ خبط علي الباب ، ترك الكتابة ، فتح الباب ، ادفع ـ قدوره ـ يلهث متعبا ـ ،، جاطت ، خبط تقيل ، النور و عبيد في المستشفي ،،ـ ـ ،،المستشفي ؟؟ ،،ـ ـ ،، النور مطعون ، حالتو خطره ، عبيد مفلوق ،نزف شديد ،،ـ ـ ،، وين الكلام ده ؟ ،، ـ ـ ،، قدام صناديق الاقتراع ، كدي هسه قوم ،، ـ ـ ،، مؤسف ،نمشي وين ؟ ،، ـ ـ ،، اجتماع لازم نستعد ،، ـ ـ ،، حتكون حرابه يعني ؟ ،، ـ ـ ،، ما معروف ، لازم كلو زول يحمي نفسو ،،ـ اتفق الاجتماع علي ضرورة التسلح الفردي ، لم يقتنع بالفكرة تماما ، لم يكن ميالا الي العنف ،لكن ـ رحاب ـ اجبرته علي التسلح و اشترت خنجرين ، اعطته واحدا و علي عينيها جسارة و تمرد . ـ ،، انتي ما محتاجة لي خنجر يا رحاب ،، ـ ـ ،، برضو ؟ ، زي المنكير ،، ـ ـ ،، عندك سلاح اقوي من كده ،، ـ ـ ،، لا عليك الله اقنعني لامن اروح في شربة مويه ،، ـ ـ ،، عيونك يا رحاب ، عيونك اخطر من القاذفات ،، ـ ـ ،، اولا ، دي رده ، لانو ناس الحقيبة قالوها قبلك ،، ـ ،، عارف ،جوز عيونو مدافع السواحل ،، ـ ـ ،، ثانيا ، دي رومانسية ثورية ساكت ،، ـ لا زال الخنجر في مكانه ، ربما لانه من رحاب ، البحث عن طوطم متعلق بها ، سفر اجباري ، هي الي بورتسودان وانا الي الابيض وبين شرق و غرب انهزم الزمن العاطفي امام الزمن السياسي ، لم يبق الا التفلسف ، الجامعة تقفل ابوابها ولاجل غير مسمي ، اخذ نفسا عميقا ، جلس ، تفحص ارجاء المحطة بنظرة لا مبالية ،هب واقفا ، دوت صفارة القطار ، هرول الركاب ، حصل علي ـ سفه ـ من احدهم ، كورها علي راحة كفه ، وضعها علي لثة شفته العليا وبصق مفكرا في امكانية الصعود الي مكانه . .......... السطوح ......... كان مكتظا بالركاب ،منهم من تعود علي معانقة النسمات علي السطح و منهم من ضاقت به ذات اليد فلاذ بالسطح هربا من عيون الكمساري وبديلا عن مطاردات الشرطة و منهم من جعل التسطيح هواية له هربا من الزحمة في الداخل فاذا السطح يضيق و تتلاصق عليه الاجساد. انتفض احدهم هاربا لانه حظي بنظرة قاسية من الشرطي الذي كان يهم الصعود ، ركض مسرعا ليتخطي العربة التي داهمها البوليس ، تجمد فجأة بعد ان قابل شرطيا آخر علي جانب العربة العربة الثاني ، حوصر سطح العربة شرطيين ، اخرج احدهم مسدسه و ضخم صوته ـ ،، يا سلام ، يا سلام علي النسيم العليل ، يا الله اتحركوا انزلوا علي الحراسة وبدون فوضي ،، . اقترب احد الركاب من الشرطي وبعد ممانعات وصلت حد الدلال والغنج ، همس له الشرطي واتحه الراكب الي بقية الركاب الذين صاروا حجارة صامتة الا ان دواخلهم كانت تفكر في المصير ، قابل لسان الراكب اذن بقية الركاب ـ ،، شوفوا ليهم حاجة ياجماعة وارتاحوا ،، دأت النقود تتوافد علي يد الراكب ، جمعها ، ناولها للشرطي الذي جال بنظره علي الركاب ، حولهم سريعا الي ارقام ونظر الي النقود قائلا ـ ،، خلصت منهم كلهم ؟ ،، ـ ،، كلهم ، كلهم يا جنابو ،، ـ،، بس دي بسيطة ،، ـ ،، معليش ، قدر الحال ،، ـ ،، وانت متأكد انو كلهم دفعوا ،، ـ ،، طبعا ، متأكدة ،، ـ ،، لا ، معليش ، نسيت ،، و ادخل الراكب يدا مرتجفة في جيبه و ناول الشرطي ورقة من فئة الخمسة جنيهات وارتاح الركاب علي السطح و تعالي شخير بعضهم طاغيا علي احاديث البعض . .......... سنار ـ التقاطع ................. صراخ حاد ، ولولة مكثفة ، هرول بعدها الناس الي عربةمن عربات النوم ، استطاع احد الاذكياء ان يسرق شنطتين عادت بهما ـ ست النفر ـ من القاهرة انها ـ شيلة ابنها حسن الذي اهتدي اخيرا الي الزواج بعد ان اقترب من الاربعين ، تفرق الناس مع صفارة القطار ، الكل يجري الي مكانه خوفا من ان يضيع . ........... عربة البوفيه .............. انزل عمامته علي فخذه وخلع نظارته و مسح علي رأسه ثم نظر الي عبدالقيوم قائلا ـ ،، شوف يا عبدالقيوم هي المسألة هي المسألة كلها ما محتاجة غير انك تكون متابع ، لانو المتابعة للامور البتحصل في السوق بتخليك تضبط استخدام السلعة التجارية ، يعني ياتو السلعة ممكن تفكها هسه وياتو صنف ممكن تخزن دلوكت وبعدين تفهم حاجة مهمة انو ما كل سلعة قابلة للتخزين ، يعني في سلع ما ممكن تتخزن اكثر من شهرين وسلعة تانية تستحمل تتخزن لمدة سنة يعني لابد من فهم قوانين التخزين الخاصة بالسلع ، انا هسه المخزن بتاعي تقريبا شوالات العيش حوالي عشرة الاف ،، ـ ،، فتريتة ،، ـ ،، لا ، ابدا ، مايو و حانتظر انتاج هبيلا باذن الله ،، ـ ،، والله هسه انا مفكر في الزيت ،، ـ ،، ما انا متكل علي كوتات التموين ،ده طبعا بمساعدة عباس ,, ـ ،،عباس الرسمي ، باللاهي ، ده راجل مفيد،، واحضر الساعي عشاء فاخر ، وضع عبدالقيوم مسبحته الصغيرة ذات الحبيبات المزركشة اللامعة في جيبه و شمر كم جلابيته السكروتة بعد ان وضع مرفق اليد اليسري علي التربيزة ، مصطفي يعلو نفسه حين يأكل مصدرا اصواتا نهمة ، قال و فمه ملئ بثلاثة لحمات و خمشة من الجرير ـ ،، بعد ما اشوف ارباح السنة دي، بعد الجرد طوالي حاكون عريس ،، ـ ،، يا راجل ، بعد ده انت عندك نية عرس ؟ ،، ـ ،، هو البعرس غيرنا منو ؟ ، نحن بس الممكن نعرس و بعدين القروش اصلها ضايعة فاحسن الواحد فينا يستمتع بزينة الحياة الدنيا ، ولاشنو ؟ ،، ـ ،، والعروس ؟ ، نقيتا ؟ ،، وتغير صوت مصطفي الي همس مشحون ـ ،، نازك ، نازك بت حسنين ، يا دوبك كده في كادوقلي العامة ،، ـ ،، في الثانوية العامة بنات ؟ ،، ـ،، يعني حتكون في العامة بنين ؟ ،، وانتشر في عربة البوفيه ضحك متخم و صفيق .
ــــــــ كوستي ......... اختلط ضجيج الباعة و المسافرين ، كوستي تلك المدينة ذات الحيوية العالية ، كان قد تمدد علي الارض مدة ارتاحت فيه عضلاته من التقلص ، بعدها اخذ يتجول بين ارجاء المحطة ، احس بانتعاش بعد ان شرب كوبين من الشاي علي التوالي ، الرغبة في المشي ازدادت ،تابع خطواته دون هدف ، اصوات البوابير من الورشة تختلط برائحة الزيوت القديمة التي تمتزج برائحة السمك ، هربت خطواته من الضجة والرائحة بحثا عن نسمة عليلة ، ادخل يده في جيبه ، اخرج سيجارة من العلبة التي اشتراها في المحطة ، اتجه صوب شجرة نيم ظليلة تقابل شارع الاسفلت المجاور للمحطة ، جلس تحتها واشعل سيجارته ، اخذ نفسا عميقا وهو يتابع عربات الكارو واللواري والعربات الصغيرة و عربات التاكسي البيضاء و هي تخرج او تتوغل داخل المدينة ، احس بوخز الخنجر علي جنبه ، قفزت الي ذهنه الهراوات والدماء التي سالت ، عدل من وضع الخنجر ، انها رحاب تلك المتمردة الجميلة ، انها تتجلي لي ن خلال هذا الخنجر ، تتعمق صورا في داخلي ، كلما احس بالخنجر اشك في انني اصبحت طوطميا ، تري هل كانت محقة حين اشترته لي ؟ ـ ،، الخنجر معاك ؟ ،، ـ ،، خليتو في الداخلية ،، ـ ،، ليه يعني ؟ ، تقيل ؟ ، ما بتقدر تشيلو معاك ؟ ،، ـ ،، رحاب ،ما ضروري كل يوم الواحد يشيل معاهو خنجر ، يعني بس .... ،، ـ ،، بطل التنظير الكثير و حقو ترجع لداخلية تجيبو ،، ـ،، رحاب ، ما ضروري ،، ـ ،، شنو الماضروري ، ممكن تحصل اي كعة ،، ـ ،، نحن وين؟ ، في تكساس ؟ ،، ـ ،، في تكساس ، في الفسطاط ، المهم لازم تكون مسلح ،، ـ ، رحاب ، انتي ايفة علي ؟ ،، ـ ،، عليك الله بطل الرومانسية بتاعتك دي وارجع الداخلية ،، ـ ،، انت مدياني فرصة اكون رومانسي ؟ ،، ـ ،، يا ود خليك قدر الموقف ،، ـ ،، طيب ، القاك وين ؟ ،، ـ ،، في الكافتيريا ، طبعا ،، لا ادري كيف اصبح الخنجر مألوفا لدي ؟ ، رحاب لديها القدرة علي جعل كل الاشياء تبدو اليفة و منسجمة ، حتي السلاح ، قدرة متميزة في التعامل مع الاشياء ، كل الاشياء ، انا مصر علي انها تستطيع ان تكون مركزا لكل الكون ، يبدو انني اعطيها مميزات خارقة ، طبعا انه الحب ، الحب يفعل العجائب . صفارة طويلة ، ركض مسرعا نحو القطار . .......... الغبشه ......... تناثر الركاب علي الارض ، رمال ناعمة و مغرية للنوم خاصة ان كثرة الامطار في المحطات القادمة اوقفت القطار. ـ ،، اطعن بي هنا ،، تجمع بعضهم يلعبون ـ الضالة ـ ،، خلي يطعن هنا وانت اطعن هناك ،، ـ ،،انت راجل راك ، هنا ،، و جاءت صرخة جميلة ـ ،، ايــوه الشاي الشاي السخن يا ،، وتحول الصوت الي غناء مبحوح ـ،، الشاي جميل هبهانو تقيل و مويتو من النيل ،، و دوت صفارة القطار فاهتزت جوانب بائع الشاي و بصق ـ السفه ـ بعد ان وضع براده علي الارض ـ،، الله يلعنك يا الشؤم ،، داعبه احد الركاب و هو يركض ـ ،، معليش يا عمو المره الجايه ،، .......... الدرجة الثانية الممتازة ......................... كانت هناك علي الممر الذي هو فيه يدان تعبثان بنهدين لم يتذوقا اللمس بعد ، وتضايقت الصبية و قالت بصوت احتواه الأنين ـ ،، يمه ، يمه ، القاعد معاك فوق الكرتونه منو ؟ ،، ـ ،، يا مني مالك ؟ ،، ، ردت الوالدة التي كانت قرب التوليت ـ ،، الحته دي ضيقة يمه ،، ـ قالت مني و الأنين لا زال في صوتها ، قام صاحب اليدين العابثتين من شنطته التي شاركته فيها الصبية الجلوس و قال بصوت مرتبك ـ ،، طيب ، ارتاحي كويس ،، ـ ،، لا ، لا ،، قالت مني بغضب . و من بعد بعيد قالت والدة مني ـ ،، يامني مالك يابت ، يا حماد ، شوف اختك مالا ،، ـ ،، اقعدي خلاص ،، قال صاحب اليدين العابثتين وانفجرت مني ـ ،، ما تتكلم معاي يا وسخ يا صعلوك ،، وتدخل حماد بعد ان فهم من عيون اخته ما الذي حدث و صفع صاحب اليدين العابثتين واشتبكا حتي ان المسافة الضيقة في الممر صارت اوسع علي بقية الركاب ،عاد هو من افكاره المتشعبة ليراقب الموقف الذي يحدث الان ، صرخة حادة من احد المشتبكين وارتطم جسمه بارضية الممر بينما وقف حماد و في يده سكين تسيل منها الدماء ، تلتخطت ارضية الممر بالدماء وتجمهر الركاب واحس هو بالغثيان والدوار ،انتابته رغبة عنيفة للانفلات من هذا المكان ، تجمدت افكاره علي شئ واحد هو الخنجر ، تحسسه جيدا ، اخرجه من مكانه ، الاشتباكات امام صناديق الاقتراع ، السكين في يد حماد ، عصي من السيخ ، عيون رحاب المتمردة ،الخنجر في يده ، شعارات انتخابات الجامعة ، الدماء علي الممر ، القطار يبطئ السرعة ، الخنجر في يده ، اخرج رأسه من الشباك ، بدأت ملامح المحطة تبدو ، الغثيان ، الدوار ، ضجة الركاب ، الدماء علي الممر ، القطار يبطئ السرعة ، شعارات الانتخابات ، ضحكة رحاب الساخرة ، الخنجر في يده ، رأسه يطل من الشباك ، الرمال بدأت تنمو عليها الخضرة ، صبية و اطفال يركضون ، يسألون القطار خبزا ، غثيان ، دوار ، قذف بالخنجر ، انغرز علي الرمال التي بدأت الخضرة تنمو عليها ، تسابق الاطفال نحو الخنجر يحسبونه خبزا واستطاعت صبية ان تفوز به لكبر سنها ولخفتها ، اخذت الخنجر واتجهت نحو القرية و هي تصرخ ـ ,, يـمه ، يـمه البشاره البشاره يـمه البشاره ،، وابتسم هو من خلال دموعه .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: سلسلة المبدعون في بلادي -يحيى فضل الله (Re: Khalid Osman)
|
الاخ خالد عثمان ، تحياتى ، أشكرك جدا على هذه الاضاءة الجميلة عن هذا المبدع الرائع يحيى فضل الله، فهو من الكتاب المميزين وفنان متعدد الهويات ، قاص وشاعر ومسرحى عملاق، ورجل محدث لبق يملك صوتا جهورا بليغا، يعرف كيف يفكر عن دواخله، لكننى أفتقده فى المنبر فهو عضو فى البورد ولكن لانشاهد له نشاط، نأمل ان نسعد بمشاركاته، مودتى .
| |
|
|
|
|
|
|
|