|
Re: نداء من خارج البورد : لصالح من تم قتل ريف مدينة الدويم " توجد صور " (Re: جعفر محي الدين)
|
Quote: الأخ / جعفر محي الدين تحية طيبة وتقدير . كنت قد راسلتك من قبل حول موضوع عن مدرسة النيل الأبيض الثانوية بالدويم , وها أنا أراسلك مرةً أخرى مذكراً إياك وقراء المنبر بحال مدينة تحتضر وريف قد مات . أعلم طيب معدنك وأحسب أن صدرك يتسع لأن أكتب من خلالك ما يعن لي في هذا المنبر الجميل , لكن إن نجحت – عبرك - في الحصول على باسويرد من الأخ بكري أبو بكر , هذا يجعلني أكثر تواصلاً بمواضيعي وبمداخلاتي بينكم , وها أنا أحملك والقراء هذا الطلب إليه راجياً أن يستجيب , والشكر على كلٍ لكم وله مقدماً . دعني أدلف إلى موضوعي عن مدينة الدويم التي غابت عنها أيدي التنمية لسنواتٍ طويلة , فلم تعد إلا شبحاً بعد ذهاب رونقها ونصف روحها , وأصبحت تغط في نومٍ عميق بعد جرعاتٍ ضخمة من فاليوم الإهمال . المدينة غابت عنها التنمية تماماً وهجرها كل أهلها إلى الخرطوم , حتى الصدى ربما لن يجبك من تلك المنازل المهجورة ضارباً بقوانين الفيزياء عرض تلك الحوائط المهملة , وعموماً حالها لا يسر عدوٌ ولا صديق , أما ريفها فيدخل الشفقة في قلب العدو قبل الصديق , ولا صديق . ماتت مشاريع الإعاشة ومعها ماتت الماشية , فهاجر كل الشباب وبعض الشيوخ للعمل في رعي الأغنام بضواحي جدة , وصحراء الربع الخالي , وهناك يقضون الشطر الأكبر من حياتهم بعيداً عن أهليهم وقومهم تحت الجبال وزرائبٍ من حديدٍ صدي , لا يملكون سوى الحسرة والعمر الذي تفر أيامه في بقعةٍ لولا شظف العيش ما بقي فيها أحدهم لساعة , لكنهم يعلمون ألا وسيلة أخرى أمام أحدهم لترك هذا المكان إلا أن تأتي ساعته بغتةً , فقد استيأسوا ولا يملكون إلا الابتهال أن يمكن لهم الله في أرضهم بين أهليهم وأن يلم شملهم قبل الموت , رغم أنهم لا يرون إلا سبع بقراتٍ عجاف تأكلهن سبع أكثر عجفاً . خدمات الكهرباء في ذاك الريف الشاسع حتى حدود كردفان , هذا شيء لا يخطر بحلم أحد , أما التعليم فالحمد لله الذي سخر منظمة بلان العالمية التي أعادت تشييد عدد من الفصول ببعض المدارس ولولاها لتوقفت التعليم بريف مدينة هي رائدة التعليم , علماً أن المدارس مكتملة الفصول في كل تلك المساحة التي تفوق مساحة دولة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة , وبعضها منذ خروج الإنجليز لم يشهد صيانة أو إضافة طوبة واحدة رغم تعديل سنوات الدراسة , فضلاً عن عشرات القرى التي تخلو من المدارس تماماً حيث لم يتلقى أبناءها تعليماً في حياتهم البتة على مر الأجيال . أما المياه فنسبة 100% من المواطنين يتناولونها بذات الطريقة التي كانت سائدة في عهد سيدنا يوسف الصديق ( عليه السلام ). وكل عام تبتلع غيابات الجب أكثر من يوسف , لكأن كل بئرٍ في عد العود وأبو خشيم وأم جداد وود البديو والشويح ما هي إلا مريء لذئبٍ ضخم لا نراه يبتلع أطفالنا . وكل عام مقابل كل يوسف يبتلعه الجب , يعمى يعقوب , ثم لا مستشفى ولا قميص نبي يرد البصر . إذا أتيحت لك رؤية بيوت الطين هناك فالضر لم يمسهم فحسب , بل أستطعمهم , إذا مررت صباحاً أو عشاءاً قد تسمع أو قد لا تسمع بكاء أم يوسف على يوسف الذي أبتلعه الجب أو استعبده الكفيل بثمنٍ بخس دراهم معدودة , بجبال جدة أو صحراء الربع الخالي , لكنك حتماً سترى رأي العين الوحشة والكآبة والفقر والإيمان . لا أحد يسأل عن هؤلاء , أهل الجنوب قادوا حرباً أمنت لهم نصيبهم من السلطة والثورة , وأهل دارفور هاهم أوقدوها شعواء والوفود تترى إليهم متوسلةً إياهم مجرد التفاوض , وأهل الشرق لهم نسبة مخصصة من ميزانية الدولة للتنمية , ولهم في الحكم نصيب , كل هذا بعض حربٍ خاضوها لسنوات , أما الشمال فقد غطته خدمات المياه والكهرباء والطرق بفضل سد مروي من أقصاه لأقصاه . أما هؤلاء إن اقترحوا مليار وسيلة لجلب التنمية , لن يكون بينها حمل السلاح , فمن لهم يا ترى وهم يعيشون في صمت ويموتون في صمت , والجاني لا يكلف نقسه حتى دمٍ كذب على قميص يوسف الخَلِق الممزق . هذا هو الحال وأحسب أن الموت ليس أكثر منه قسوة , نتمنى من الوالي الجديد يوسف الشنبلي ألا ينسيه الشيطان ذكر يوسف وأهله عند ربه وولي نعمتك البشير , فهؤلاء البسطاء أنتم مساءلون عنهم أمام الله , فالأمر أكبر بكثير من بغلة تسير في طريقٍ غير ممهد , فهناك بشر يموتون جهلاً ومرضاً وجوعاً وعطشاً , كل هذا في الظلام .
كلمة شكراً في حقك جوفاء . أخوك / محمد
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نداء من خارج البورد : لصالح من تم قتل ريف مدينة الدويم " توجد صور " (Re: جعفر محي الدين)
|
Quote: المدينة غابت عنها التنمية تماماً وهجرها كل أهلها إلى الخرطوم , حتى الصدى ربما لن يجبك من تلك المنازل المهجورة ضارباً بقوانين الفيزياء عرض تلك الحوائط المهملة , وعموماً حالها لا يسر عدوٌ ولا صديق , أما ريفها فيدخل الشفقة في قلب العدو قبل الصديق , ولا صديق . ماتت مشاريع الإعاشة ومعها ماتت الماشية , فهاجر كل الشباب وبعض الشيوخ للعمل في رعي الأغنام بضواحي جدة , وصحراء الربع الخالي , وهناك يقضون الشطر الأكبر من حياتهم بعيداً عن أهليهم وقومهم تحت الجبال وزرائبٍ من حديدٍ صدي , لا يملكون سوى الحسرة والعمر الذي تفر أيامه في بقعةٍ لولا شظف العيش ما بقي فيها أحدهم لساعة , لكنهم يعلمون ألا وسيلة أخرى أمام أحدهم لترك هذا المكان إلا أن تأتي ساعته بغتةً , فقد استيأسوا ولا يملكون إلا الابتهال أن يمكن لهم الله في أرضهم بين أهليهم وأن يلم شملهم قبل الموت , رغم أنهم لا يرون إلا سبع بقراتٍ عجاف تأكلهن سبع أكثر عجفاً . |
هذا أبلغ تعبير عن حال مدينة الدويم وريفها وحال إنسانها فهل من أذن واعية !
| |
|
|
|
|
|
|
|