يـاهــــو دا الســــودان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-15-2010, 08:56 PM

يسرى معتصم
<aيسرى معتصم
تاريخ التسجيل: 12-25-2006
مجموع المشاركات: 4033

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يـاهــــو دا الســــودان

    يخاطبه رئيس المؤتمر:
    حدثنا عن السودان يا شافيز. بس بدون قلة حيا.
    يقول: من أين أبدأ سيدي الرئيس؟.. بالله قل لي بصراحه، بصراحه. من أين أبدأ.. بالخرطوم؟.. وما أدراك ما الخرطوم!...
    فهي العاصمة الأجمل في العالم. فمن غيرها يلتقي عنده أنهارٌ ثلاثة على جزيرة. يسمرون ويستريحون من وعثاء السفر. جزيرةٌ لو أُبدِلنا بترابها ذهباً لما رضينا. وأي أنهار!.. إنها النيل وابناه الأبيض والأزرق، وثلة من الأحفاد.
    حدثني جدي. قال، عندما هبطنا من الجنة، طلبنا من المولى أن يمنحنا ما يذكرنا بالجنة، فننصلح ونتوب. فوهبنا الكوثر. قلنا، ليته النيل. فكان. يسميه بعضنا سليل الفراديس. أما أنا فأسميه منبع الفراديس. هنا، عندما يُغضِبُ الرجل زوجته، تشكوه إلى النيل، فيعود إليها معتذراً. قالوا للأنهار، اختاري أميراً. فاختارت النيل.. وقالوا للنيل ، اترغب في أميره؟.. قال الخرطوم..
    ولا أجمل من الخرطوم إلا الجنوب.
    تخيل مساحةً تُعادل عشر دول، يظللها الغمام الماطر، وتغطيها الغابات، وتجري من تحتها أنهارٌ لا نعرف أسماءها لكثرتها، تعج بالأفيال، والجاموس، والزراف، وحيوان آخر له قرن واحد، لا نذكره خوفاً عليه من أصحابنا. أما الثمار، فقطوفها دانية لا مقطوعة ولا ممنوعة. والعسل!.. من يشتري العسل؟!.
    كان لنا بيت في واو، جوار سوق الجو، يُسمى ميز المنقا. وكانت لنا شجرة منقا صغيرة. تغطي البيت، والمدرسة، وتطل على الجيران. وكنا في عراكٍ دائمٍ معهم. يأتوننا محتجين، يرموننا بالثمار، فنرشقهم بالثمر. وذلك، لأن شجرتنا، ودون أن نهز منها الجزع. تُساقِط الثمرَ عليهم جنيا. فيصاب الأطفال، وتتسخ البيوت، ومن لذتها تجلب الذباب.
    وجارتنا حبوبة انجلينا. والتي كانت تصلي لها ولنا في كنيسةٍ معبد، ونصلي لنا ولها في مسجدٍ معبد. وفي إفطار رمضان تأتينا بالبليلة والعسل، وبشيءٍ أبيض في حلةٍ يُشرب. تقول لنا اشربوا يا أولادي. نقول لها، رمضان يا حبوبة انجلينا. تقول اشربوا. فنشرب. من يرد هدايا حبوية انجلينا؟.. من ردّ هداياها، وكسر بخاطرها، وإن صلى وصام، فذي لا ترضي الرب، وصام صيام الضب.
    إن رأيت في منامك أنك تسير وسط غابة يظللها غمام ماطر، وتجري من تحتها الأنهار، والثمار قطوفها دانية لا مقطوعة ولا ممنوعة، والأزهار من حولك الشذى يفوح، والنسيم عليل، وللعصافير ضجة، والفراشات نشوى. تتجول بقربك أفراس البحر، والأفيال، وإن أردت أن تتغدى، فالجاموس أمامك، وإلا فالغزال، قل اللهم اجعله خير. فأنت في جنوب السودان. نحن الضيوفُ، وأنت ربُ المنزل.
    ولا أجمل من الجنوب إلا الغرب.
    "دارفور، وكردفان". دارفور!. وما أدراك ما دارفور!..
    سلوا بلبل.. قولوا يا بلبل، ما بال فتيتك حين غنوا " قل للمليحة في الخمار الأسود" في ذاك اليوم من الخريف، والسحاب ماطر، والنسائم سكرى، وأنت ما ودعت موجاً، إلا وجاءك موج.. لن يخبركم. فالأمر سر، وهو لا يفشي الأسرار.. من له وادٍ كواديناغيرنا، ومن له فتية كفتيته غيره.
    وهنا جبل مرّة. عندما ترغب فتاتنا في الزواج، تزره. فيصطف الفتيان خاضعين، فتنتقي فتاها.
    كانت لنا جارةٌ حورية، مع أن أهلها من الناس. زارته وكنت في غفلة. فسألتها. قلت، يا جارة، من فتاك؟.. قالت، أسمر، طويل، وعيناه سود. فأدركت أنها تعنيني، وأنها فتاتي، وأنا فتاها.
    ومن مساويء الجبل، أن القمح، والبطاطس، والطماطم، تزرع بالمطر، والفواكه لا تجد من يأكلها.
    ومن مساويء دارفور وأهلها، أنهم يحسبونك فقيراً، إن كنت لا تمتلك من الماشية إلا مائة. فبعضهم يمتلكون ألفاً.
    ومن مساوئها ـ اللهم لا شماتة ـ أنك لا تأكل وحدك. في مرة، دخلت مطعماً, وأنا منها. وإن كنت لا أبوح بذلك مخافة العين. دخلت مطعماً، فقال لي النادل، انتظر حتى يأتي أحدهم فتأكلان معاً، وإلا فعيك بمطعم النساء.
    ومن المساويء هنا، أن عدد الخيول العربية الأصيلة يفوق عدد السكان.
    أما المحاسن فقليلة. أبرزها أن أهلها لا عرب هم ولا أفارقة. فهم بين ذلك قواما. وكلهم، وقيل جميعهم مسلمون.
    إما كردفان، فما أقول في كردفان وفيها جبال النوبة، وعاصمةٌ رمالها ذهب. "أبو قبه فحل الديوم".
    وأم روابة. امتلأت فراديس الجنة ففاضت هنا. ولو لا ذاك، لكان ماء أم روابه أحلى، ولكان ماء الفراديس غير أحلى.. وأبو دكنه، مسكين ما سكنه. إن كنت تخاف على إصبعك، فلا تقرب ثمار الرهد. أما شيكان، فهنا الأغصان فرسان، والفرسان أغصان، والخندق واحد، والعدو واحد.
    ولا أجمل من الغرب، إلا الشرق.
    سواكن درة البحر الأحمر وعروسه بضفتيه قبل أن تتقاعد. بقصرها الأثري بغرفه التي تزيد عن أيام السنة بغرفة.
    وبورتسودان. ما أفشى البحر أسراره إلا لها، ولا صنع الناس السفن إلا من أجلها. تزورها كل البحار ليلاً. وفي الصباح، كأن شيئاً لم يكن.
    وحلايب.؟.!.. يا حلايب، لو أني بحر، لأقمت جسور الورد، ليعبر كل غريب مثلك يبحث عن وطنه.
    ومدينتا كسلا والقضارف. وهما مدينتان يمنيتان. وإن كانتا لا تخلوان من بعض السودانيين. قالوا لنا، يا زول، والله أنتم تغنون كثيراً... قلنا،" هيا كان خاطركم".
    وبها القاش وتوتيل. ومن شرب من ماء توتيل عاد إليها وإن بعد حين. قابلت أحد الإخوة في المطار، وكانت وجهته الشرق. فسألته، ما معك؟.. قال، شربت من ماء توتيل. قلت، أعانك الله.
    أما القضارف، فحكايتها حكاية. وإن كانت لا تتجرأ على التباهي على أخواتها، إلا أنها تنتج من الحبوب والغلال، ما يكفي العرب، والأفارقة، وهندوراس، وعاد، وثمود، وياجوج، وماجوج.
    وهنا، رفاعة " أبو سن ". الحردلو أمير أمراء شعراء السودان، وقاموس لهجتنا. فارسٌ، وشاعرٌ، وأمير. هنا يعرف الضامر الفارس.
    ولا أجمل من الشرق، إلا الشمال..
    هنا، ينساب النيل هادئاً رزيناً مطمئناً، يعبر مملكة مروي القديمة، يحيي فرعونها "ترهاقا". تلوّح له الأهرامات منتصبة بخشوع، وهو يتجه شمالاً يحمل تحيات الملك لأحفاده فراعنة مصر، وعلى الشط حدائق النخيل باسقة، وعبير الرياض يفوح، وعروس النيل تسأل. يا ضفاف النيل، ويا خُضر الروابي، هل رأيتن على الشط فتىً غض الإهاب؟
    أما الوسط، فما أقول عن الوسط، وهو واسطة هذا العقد النضيد.
    وهنا حلقة شيخٍ يرجحن.. يضربُ النوبةَ ضرباً فتئنُ.. وترنُ.. ثم ترفضُّ هديراً أو تجنُ.. وحواليها طبولٌ صارخاتٌ في الغبارِ.. حولها الحلقةُ ماجت في مدارِ.. نقزت ملء الليالي.. تحت راياتٍ طوال.. كسفينٍ ذي سوار.. في عبابٍ كالجبال.. وفتاة لونها الأسمر من ظل الحجاب.. تتهادى في شبابٍ وارتياب.. قد تحييك وتدعوك بأطرافِ الثياب.. وهي قيدٌ وانطلاق.. واضطرابٌ واتساق.. إن نأت عنا وأخفتها الديار.. فعروسُ المولدِ الحلوة جلاها التجار.. لبست ألوانها شتى أميره.. ما أحيلاها صغيره.. وقفت في كرنفال.. فوقَ عرشٍ دونه الحلو كنوزٌ ولألي.. من أساطيرِ الخيال.
    سادتنا الصوفيه. حكمة الحياد، وسلامة الفطرة.. ما قالوا تعال. وإن جئت علموك. وإن قلت معي؟.. قالوا، الله يولي من يصلح..
    وهنا كوستي. أميرة المدائن. ما جلس منا اثنان يسمران، إلا وكان الغناء ثالثهما.. قلنا كوستي، وربك، وأبا؟!.. يا جماعه "دا كتير".. قال النيل، لا عليكم. فتوسط. وسنار، هنا كانت لنا حضارة لأجدادنا العنج، ثم لجدينا دنقس وجماع. ومن ذاك اليوم، وحتى اليوم، ما انكسر في السودان مسمار، إلا وفي سنار صلحه العمال.
    ومدني. هنا يعجز الوصف ويستحي الكلام ويأبى. سيدة شواطيء النيل. قال النيل لن آتي. قلنا معنا مدني فجاء.
    والدويم. أم الديوم السودانية. قالت دلعوني يا أولادي. قلنا الدويم. فكافأتنا ببخت الرضا.. هنا تنبت الأقلام، ويزهر الورق.. قبلة التعليم في أفريقيا والشرق.. قال معلمونا، شح الإمكانيات حجة العاجزين. فطفقنا نتخذ من الأشجار فصولا، ومن فحمها طبشورا، ومن سيقانها ألواحاً، ومن أوراقها وسائلاً، فأنجبنا معها أطباء، ومهندسين، وأدباء، ومفكرين، فسبقنا العالمين.
    إن وضعتَ كل هذا الجمال في سلةٍ واحدة، وطفت الكون شرقاً وغربا، فلن تجد له اسماً غير السودان.
    وما أدراك ما السودان!.. ما أدراك ما السودان!..
    قلب أفريقيا والعرب، وزاد العالم. ومن للأفارقة والعرب غير السودان؟.. ومن للعالم بكنز كالسودان. هذا المارد النائم يغفو؟
    يوم حطّ المجدُ في الأرضِ دروبه
    عزم ترهاقـــا وإيمـــان العروبــــــه
    عربــــاً نحن حملنـــــاها ونوبــــــــه
    لأفريقيـــــا نمـــــد الأيــــــدي أيــــــدي ســــلام صـــادق ونبيــــل

    ولما ينادي الوطـــن العربـــي نموت فيــــه موت علــى كل دخيــل
    من غنى لأفريقيا والعرب كما غنينا؟
    سألني أحد الأصدقاء، وهم كثر. مع أنه من النادر الجمع بين كثرة الأصدقاء وقلة المال. سألني، ما سر حبك للسودان؟.. قلت في نفسي،" ليت حبي ما انكشف". وأجبته تواضعاً، قلت، ذاك لأن أهل الجنة سودانيون لهم سودان، ونحن السودانيون ولنا السودان. قال، هذه واحدة بواحدة. قلت، وأنا أكثر تواضعاً، غير أننا شعب طيبٌ، قويٌ، أمين، وسوداننا كبيرٌ، غنيٌ، جميل. فصمت. ولو سألني، لأفشيت سراً.
    إن لم تكن منهم، فلا يقنط من رحمة الله.. أحسن عملك. فقد يكون مثواك جنة السودان، يوم لا ظل إلا ظله.
    كانت لنا في السماءِ جنةٌ أضعناها، ولا زلنا نحِنُ إليها. ونخشى أن يضيع علينا سودان الجنة، فنحنُ إليه. أخشى ما أخشى، أن يسألوا التاريخ يوماً، ما الهلافيت يا تاريخ؟.. فيمسح شاربه، ويتلفت في حذر، علّنايخاطبه رئيس المؤتمر:
    حدثنا عن السودان يا شافيز. بس بدون قلة حيا.
    يقول: من أين أبدأ سيدي الرئيس؟.. بالله قل لي بصراحه، بصراحه. من أين أبدأ.. بالخرطوم؟.. وما أدراك ما الخرطوم!...
    فهي العاصمة الأجمل في العالم. فمن غيرها يلتقي عنده أنهارٌ ثلاثة على جزيرة. يسمرون ويستريحون من وعثاء السفر. جزيرةٌ لو أُبدِلنا بترابها ذهباً لما رضينا. وأي أنهار!.. إنها النيل وابناه الأبيض والأزرق، وثلة من الأحفاد.
    حدثني جدي. قال، عندما هبطنا من الجنة، طلبنا من المولى أن يمنحنا ما يذكرنا بالجنة، فننصلح ونتوب. فوهبنا الكوثر. قلنا، ليته النيل. فكان. يسميه بعضنا سليل الفراديس. أما أنا فأسميه منبع الفراديس. هنا، عندما يُغضِبُ الرجل زوجته، تشكوه إلى النيل، فيعود إليها معتذراً. قالوا للأنهار، اختاري أميراً. فاختارت النيل.. وقالوا للنيل ، اترغب في أميره؟.. قال الخرطوم..
    ولا أجمل من الخرطوم إلا الجنوب.
    تخيل مساحةً تُعادل عشر دول، يظللها الغمام الماطر، وتغطيها الغابات، وتجري من تحتها أنهارٌ لا نعرف أسماءها لكثرتها، تعج بالأفيال، والجاموس، والزراف، وحيوان آخر له قرن واحد، لا نذكره خوفاً عليه من أصحابنا. أما الثمار، فقطوفها دانية لا مقطوعة ولا ممنوعة. والعسل!.. من يشتري العسل؟!.
    كان لنا بيت في واو، جوار سوق الجو، يُسمى ميز المنقا. وكانت لنا شجرة منقا صغيرة. تغطي البيت، والمدرسة، وتطل على الجيران. وكنا في عراكٍ دائمٍ معهم. يأتوننا محتجين، يرموننا بالثمار، فنرشقهم بالثمر. وذلك، لأن شجرتنا، ودون أن نهز منها الجزع. تُساقِط الثمرَ عليهم جنيا. فيصاب الأطفال، وتتسخ البيوت، ومن لذتها تجلب الذباب.
    وجارتنا حبوبة انجلينا. والتي كانت تصلي لها ولنا في كنيسةٍ معبد، ونصلي لنا ولها في مسجدٍ معبد. وفي إفطار رمضان تأتينا بالبليلة والعسل، وبشيءٍ أبيض في حلةٍ يُشرب. تقول لنا اشربوا يا أولادي. نقول لها، رمضان يا حبوبة انجلينا. تقول اشربوا. فنشرب. من يرد هدايا حبوية انجلينا؟.. من ردّ هداياها، وكسر بخاطرها، وإن صلى وصام، فذي لا ترضي الرب، وصام صيام الضب.
    إن رأيت في منامك أنك تسير وسط غابة يظللها غمام ماطر، وتجري من تحتها الأنهار، والثمار قطوفها دانية لا مقطوعة ولا ممنوعة، والأزهار من حولك الشذى يفوح، والنسيم عليل، وللعصافير ضجة، والفراشات نشوى. تتجول بقربك أفراس البحر، والأفيال، وإن أردت أن تتغدى، فالجاموس أمامك، وإلا فالغزال، قل اللهم اجعله خير. فأنت في جنوب السودان. نحن الضيوفُ، وأنت ربُ المنزل.
    ولا أجمل من الجنوب إلا الغرب.
    "دارفور، وكردفان". دارفور!. وما أدراك ما دارفور!..
    سلوا بلبل.. قولوا يا بلبل، ما بال فتيتك حين غنوا " قل للمليحة في الخمار الأسود" في ذاك اليوم من الخريف، والسحاب ماطر، والنسائم سكرى، وأنت ما ودعت موجاً، إلا وجاءك موج.. لن يخبركم. فالأمر سر، وهو لا يفشي الأسرار.. من له وادٍ كواديناغيرنا، ومن له فتية كفتيته غيره.
    وهنا جبل مرّة. عندما ترغب فتاتنا في الزواج، تزره. فيصطف الفتيان خاضعين، فتنتقي فتاها.
    كانت لنا جارةٌ حورية، مع أن أهلها من الناس. زارته وكنت في غفلة. فسألتها. قلت، يا جارة، من فتاك؟.. قالت، أسمر، طويل، وعيناه سود. فأدركت أنها تعنيني، وأنها فتاتي، وأنا فتاها.
    ومن مساويء الجبل، أن القمح، والبطاطس، والطماطم، تزرع بالمطر، والفواكه لا تجد من يأكلها.
    ومن مساويء دارفور وأهلها، أنهم يحسبونك فقيراً، إن كنت لا تمتلك من الماشية إلا مائة. فبعضهم يمتلكون ألفاً.
    ومن مساوئها ـ اللهم لا شماتة ـ أنك لا تأكل وحدك. في مرة، دخلت مطعماً, وأنا منها. وإن كنت لا أبوح بذلك مخافة العين. دخلت مطعماً، فقال لي النادل، انتظر حتى يأتي أحدهم فتأكلان معاً، وإلا فعيك بمطعم النساء.
    ومن المساويء هنا، أن عدد الخيول العربية الأصيلة يفوق عدد السكان.
    أما المحاسن فقليلة. أبرزها أن أهلها لا عرب هم ولا أفارقة. فهم بين ذلك قواما. وكلهم، وقيل جميعهم مسلمون.
    إما كردفان، فما أقول في كردفان وفيها جبال النوبة، وعاصمةٌ رمالها ذهب. "أبو قبه فحل الديوم".
    وأم روابة. امتلأت فراديس الجنة ففاضت هنا. ولو لا ذاك، لكان ماء أم روابه أحلى، ولكان ماء الفراديس غير أحلى.. وأبو دكنه، مسكين ما سكنه. إن كنت تخاف على إصبعك، فلا تقرب ثمار الرهد. أما شيكان، فهنا الأغصان فرسان، والفرسان أغصان، والخندق واحد، والعدو واحد.
    ولا أجمل من الغرب، إلا الشرق.
    سواكن درة البحر الأحمر وعروسه بضفتيه قبل أن تتقاعد. بقصرها الأثري بغرفه التي تزيد عن أيام السنة بغرفة.
    وبورتسودان. ما أفشى البحر أسراره إلا لها، ولا صنع الناس السفن إلا من أجلها. تزورها كل البحار ليلاً. وفي الصباح، كأن شيئاً لم يكن.
    وحلايب.؟.!.. يا حلايب، لو أني بحر، لأقمت جسور الورد، ليعبر كل غريب مثلك يبحث عن وطنه.
    ومدينتا كسلا والقضارف. وهما مدينتان يمنيتان. وإن كانتا لا تخلوان من بعض السودانيين. قالوا لنا، يا زول، والله أنتم تغنون كثيراً... قلنا،" هيا كان خاطركم".
    وبها القاش وتوتيل. ومن شرب من ماء توتيل عاد إليها وإن بعد حين. قابلت أحد الإخوة في المطار، وكانت وجهته الشرق. فسألته، ما معك؟.. قال، شربت من ماء توتيل. قلت، أعانك الله.
    أما القضارف، فحكايتها حكاية. وإن كانت لا تتجرأ على التباهي على أخواتها، إلا أنها تنتج من الحبوب والغلال، ما يكفي العرب، والأفارقة، وهندوراس، وعاد، وثمود، وياجوج، وماجوج.
    وهنا، رفاعة " أبو سن ". الحردلو أمير أمراء شعراء السودان، وقاموس لهجتنا. فارسٌ، وشاعرٌ، وأمير. هنا يعرف الضامر الفارس.
    ولا أجمل من الشرق، إلا الشمال..
    هنا، ينساب النيل هادئاً رزيناً مطمئناً، يعبر مملكة مروي القديمة، يحيي فرعونها "ترهاقا". تلوّح له الأهرامات منتصبة بخشوع، وهو يتجه شمالاً يحمل تحيات الملك لأحفاده فراعنة مصر، وعلى الشط حدائق النخيل باسقة، وعبير الرياض يفوح، وعروس النيل تسأل. يا ضفاف النيل، ويا خُضر الروابي، هل رأيتن على الشط فتىً غض الإهاب؟
    أما الوسط، فما أقول عن الوسط، وهو واسطة هذا العقد النضيد.
    وهنا حلقة شيخٍ يرجحن.. يضربُ النوبةَ ضرباً فتئنُ.. وترنُ.. ثم ترفضُّ هديراً أو تجنُ.. وحواليها طبولٌ صارخاتٌ في الغبارِ.. حولها الحلقةُ ماجت في مدارِ.. نقزت ملء الليالي.. تحت راياتٍ طوال.. كسفينٍ ذي سوار.. في عبابٍ كالجبال.. وفتاة لونها الأسمر من ظل الحجاب.. تتهادى في شبابٍ وارتياب.. قد تحييك وتدعوك بأطرافِ الثياب.. وهي قيدٌ وانطلاق.. واضطرابٌ واتساق.. إن نأت عنا وأخفتها الديار.. فعروسُ المولدِ الحلوة جلاها التجار.. لبست ألوانها شتى أميره.. ما أحيلاها صغيره.. وقفت في كرنفال.. فوقَ عرشٍ دونه الحلو كنوزٌ ولألي.. من أساطيرِ الخيال.
    سادتنا الصوفيه. حكمة الحياد، وسلامة الفطرة.. ما قالوا تعال. وإن جئت علموك. وإن قلت معي؟.. قالوا، الله يولي من يصلح..
    وهنا كوستي. أميرة المدائن. ما جلس منا اثنان يسمران، إلا وكان الغناء ثالثهما.. قلنا كوستي، وربك، وأبا؟!.. يا جماعه "دا كتير".. قال النيل، لا عليكم. فتوسط. وسنار، هنا كانت لنا حضارة لأجدادنا العنج، ثم لجدينا دنقس وجماع. ومن ذاك اليوم، وحتى اليوم، ما انكسر في السودان مسمار، إلا وفي سنار صلحه العمال.
    ومدني. هنا يعجز الوصف ويستحي الكلام ويأبى. سيدة شواطيء النيل. قال النيل لن آتي. قلنا معنا مدني فجاء.
    والدويم. أم الديوم السودانية. قالت دلعوني يا أولادي. قلنا الدويم. فكافأتنا ببخت الرضا.. هنا تنبت الأقلام، ويزهر الورق.. قبلة التعليم في أفريقيا والشرق.. قال معلمونا، شح الإمكانيات حجة العاجزين. فطفقنا نتخذ من الأشجار فصولا، ومن فحمها طبشورا، ومن سيقانها ألواحاً، ومن أوراقها وسائلاً، فأنجبنا معها أطباء، ومهندسين، وأدباء، ومفكرين، فسبقنا العالمين.
    إن وضعتَ كل هذا الجمال في سلةٍ واحدة، وطفت الكون شرقاً وغربا، فلن تجد له اسماً غير السودان.
    وما أدراك ما السودان!.. ما أدراك ما السودان!..
    قلب أفريقيا والعرب، وزاد العالم. ومن للأفارقة والعرب غير السودان؟.. ومن للعالم بكنز كالسودان. هذا المارد النائم يغفو؟
    يوم حطّ المجدُ في الأرضِ دروبه
    عزم ترهاقـــا وإيمـــان العروبــــــه
    عربــــاً نحن حملنـــــاها ونوبــــــــه
    لأفريقيـــــا نمـــــد الأيــــــدي أيــــــدي ســــلام صـــادق ونبيــــل

    ولما ينادي الوطـــن العربـــي نموت فيــــه موت علــى كل دخيــل
    من غنى لأفريقيا والعرب كما غنينا؟
    سألني أحد الأصدقاء، وهم كثر. مع أنه من النادر الجمع بين كثرة الأصدقاء وقلة المال. سألني، ما سر حبك للسودان؟.. قلت في نفسي،" ليت حبي ما انكشف". وأجبته تواضعاً، قلت، ذاك لأن أهل الجنة سودانيون لهم سودان، ونحن السودانيون ولنا السودان. قال، هذه واحدة بواحدة. قلت، وأنا أكثر تواضعاً، غير أننا شعب طيبٌ، قويٌ، أمين، وسوداننا كبيرٌ، غنيٌ، جميل. فصمت.
    _________________
                  

04-15-2010, 10:02 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يـاهــــو دا الســــودان (Re: يسرى معتصم)

    كتابة حلوة و جميلة يا يسري... تسرح بالواحد في الخيال بعيدا عن واقع السودان الأليم و أخشى ما أخشاه أن يكون ختامنا كما قال الكاتب:
    Quote: أخشى ما أخشى أن يسألوا التاريخ يوما: ما الهلافيت يا تاريخ؟.. فيمسح شاربه و يتلفت في حذر علّنا. و يقول: الهلافيت يا أولادي هم أناس لئام، ابتلى الله بهم السودان في قديم الأيام، ما بين عامي ستة وخمسين و ألفين و تسعة. شكلهم شين، و عمايلهم بشعة. يحبون السُّلطة و يكررون الغلطة. يشربون المريسة و يسمون القط كديسة. سلط الله عليهم العسكر و كل من تعنتر و سفهاء الأحزاب فأذاقوهم سوء العذاب فماتوا. فيقول السائل: في ستين داهية.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de