دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
من حكاوي الأرض
|
الحكاية الأولى: أكل الواطة
كثيراً ما كنت اسمع عبارة "تاكل الواطة"، و غالباً ما كانت تأتي إثر غضبة تعقب مسألة تتعلق بالأكل في معظم إن لم أقل كل الأوقات التي سمعتها فيها. مثلاً، أم حانقة على طفل مشاكس تلهّى عن تناول طعامه بلعبة لا ترى فيها الأم ما يشغل عن الطعام: يا ولد ما تجي تاكل، تاكل الواطة. أو أب يحاول تمرين ابنه البِكِرْ المراهق على تأدية إلتزاماته الإجتماعية المرتقبة: - يا ولد ما قُتلك أرح بسراع نلحق دافنة ناس حاج حسين دي،السترة و الفضيحة متباريات - يابا ما يتبارن كان متباريات، خليني الناكل لي لقمة بعدين نمش - يا ولد تاكل الواطة ، الناس ديل ماشين يرجوك لامن تحشي بطنك المغلباك دي؟
سمعتها كثيراً من أهلي في شمال السودان أو قل بعضاً منهم هرباً من التعميم، كنت آخذها كذا على علاتها دون هواجس تُذْكَر لتشريح العبارة أو محاولة التفكير في ما يمكن أن تنطوي عليه من بلاغة إلا أن التقيتُ واحداً من أعمامي غير المباشرين و هم كُثْر، أحمد الشّرِقْ. إسمه أحمد حسن علوب، لقب بأحمد الشّرِقْ لأنه كان يعبر البحر(نهر النيل) يومياً ليعمل في قرية تقع في جهته الشرقية. شرق النيل يمتد علي امتداد نهر النيل ولكن أهل القرية التي يقطنها أحمد الشّرِقْ في ذلك الجزء الشمالي من البلاد، عرَّفوا شرق تلك المنطقة بالألف و اللام وكأنه الشرق الأوحد. زارنا عم أحمد لأيام خلال شهر رمضان. كانت الأجساد التي ابتلت عروقها للتو تتمدد منهكة على بروش السعف الخشنة بعد الإفطار و تتحلق حولها الحكايات. بجانب حبه للحكي، لاحظت إن عمي أحمد يحب الشاي السادة و التمباك بصورة لافتة للانتباه، إستمتعت جداً بحكاياته في تلك الأيام. كان يكشح سفة تمباك كبيرة من حقته النحاسية و يسجنها في فمه لمدة تفوق كثيراً متوسط الزمن الذي عادةً ما تسكنه السفة في الفم قبل أن يقرر صاحبها التخلص منها. في واحدة من حكاياته الشيقة تلك، جاءت العبارة! تاكل الواطة، قالها أحمد الشّرِقْ وكأنه هو الذي صكها، مما جعلني أسأل عن ما الذي تعنيه هذه السبة بالضبط. فاجأ السؤال عمي أحمد فسكت برهة قبل أن يستجمع وجهه التعابير التي تصاحب جل حكاياته مجدداً ثم استرسل باسماً: الواطة يا ابن ابن عمتي -هكذا كان يحب ان يناديني- ما بملحوها و يدوك ياها في صحن فشان تاكلا، لكن تتابكك المشاكل لامن تبيع واطاتك، تاكل قروشا وبعداك تبقا حايم في الحلة زي اُم روباً عفن* أردف أحمد الشّرِقْ هذا الشرح بحكاية ليدلل بها على صحة تعريفه وأيضاً كيف أن إمتلاك جزء من الأرض و لو صغير لشخص متعسر في معيشته، يجعل هذا الشخص يشعر بأنه أفضل من آخر ميسور الحال و لكنه في الأصل بلا أرض يملكها.
___________________________ *لـ"اُم روباً عفن" حكاية أيضاً لكنها لا تمت لحكايات الأرض بصلة
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: من حكاوي الأرض (Re: Showgi Omer)
|
واصل عمي حكايته الداعمة لشرحه ذاك بأن قال: مرة ود النعيرة جا داير بت ناس قسم السيد، ود النعيرة دا أهلو من عرب التلال و أبوهو كان عندو مركب يصيد بها السمك، من مهنته تلك، تراكمت في يدهم كأسرة ثروة جعلتهم يتوسعون في التجارة و ظهرت عليهم علامات الدّعة، ولكن لعنة أنهم في الأصل ليسوا بأصحاب طين لازمتهم بلا رحمة. المهم عمك قسم السيد رفض ان يزوج بنته لود النعيرة و تعنت تعنتاً لاترجى بعده موافقة، الأجاويد جاءوا بطيبهتم و دعاويهم المنطقية وفضولهم ليقنعوه بأن لا يقف في طريق الحلال: - الراجل ما فيهو ما يعيب يا قسم السيد يا أخي - هوي يا ناس انا ما عندي بتاً للعرس، أدوهو انتو المرة، كلكم عندكم البنات البقن للعرس - ما لاكين ما جانا وقال دايرلو واحدة من بناتنا و... قاطعهم قسم السيد: - يا ناس ابيييت، والله ياهو الفضل، أدي بتي لي ود خجاج البحر اللا عارفلّو أصل لا فصل دا. قيل مؤخراً أن مصاباً جللاً ألم بقسم السيد فقرر أن يبيع أرضه، الشئ الذي سوف يضعه مع ود النعيرة في مركب واحدة. كان متنازعاً جدا و تأكله الهموم يوماً بعد يوم في انتظار شارٍ مناسب لمجده المزعوم. الأرض كانت تباع بالشبحة و الناس مختلفة سيقانها. عبد الحي بلول الذي له صلة دم بقسم السيد قرر ان يشتري الأرض باعتبار أنه أولى من الغريب، بلول معروف بشجعه و مكره الشديدين، له ولد إسمه عوض كان يعرف بأبي طويلة وسط أقرانه لطول قامته. أخبره أبوه بأنهما ذاهبان ليشتريا أرض قسم السيد و أنه هو الذي سيقوم بعملية قياس الأرض، ثم أوصاه من بعد ذلك مربتاً على كتفه الذي وصلت إليه يد عبد الحي بلول بشئ من الصعوبة: - جا اليوم البنستفيد فيهو من طولك دا، إنكرب وكبر ختوتك قدر ما تقدر وأوعاك تمشي تتخايب لي تكتر علينا سعر الخرابة دي. جاء بلول بصحبة إبنه أبي طويلة لأرضهم الموعودة ليجد قسم السيد و معه شهود عيان في انتظارهما لإتمام البيع. بعد إجراء كافة الترتيبات و موافقة قسم السيد على مضض بأن يكون أبو طويلة هو من سيقوم بقياس الأرض، بدأ أبو طويلة يشبح بطريقة تفوق تصورات و الده الجشعة لعملية الشبح تلك. غشت قلب قسم السيد غمّة كثيفة بعد الخطوة الرابعة وتيقن كلياً من أن هذه البيعة خاسرة مادياً و معنوياً فصاح غاضبًاً: - يا عبد الحي بلول هوي، انا بيع واطاتي وقفتو، دحين وقف ولدك الطويل عنقوق دا ما يشرط الليلتو
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من حكاوي الأرض (Re: Showgi Omer)
|
رائع يا ابو الشوق لماذا لا تواصل ..فى الانتظار ..هات فقط بعضا مما تقوله لى عبر الهاتف فما احوجنا اليوم لحكاوى الارض وكل ما يربطنا بها(الضمير عائد الى الارض)تحياتى لك ولكل#### بطرفكم. بالجنبه ؛ الشطب دا منى انا ما من بكرى. هل من رابط بين بين من يوصف بأنه اكل الواطه وبين من يوصف فى الغرب بأنه He sold the silver of the family .
| |
|
|
|
|
|
|
|