|
(السوداني) تخرج د. تيسير محمد أحمد من (دائرة الصمت):
|
ماهر ابوجوخ - داليا أحمد
الحلقة الأولى
علاقتي بالحركة الشعبية فكرية مبدئية وأكبر من أحذية الوظائف والمواقع الدعم الامريكي الاوربي لمركزنا ليس استثناء ويشمل حتي الحكومة السودانية ما قيل عن عدم رضائي بالوحدة مع الحركة في اكتوبر 2005م "غير صحيح" ما حدث بالتحالف في عام 2004م هو خلاف بين من يقف مع رأي المؤسسة ومن يعمل ضدها المصالح الحزبية والشخصية وتغليبها حطمت المنبر النوبي بجبهة الشرق الحلقة الأولى يعد د. تيسير محمد أحمد علي من الشخصيات السياسية والاكاديمية السودانية ذات الاثر الكبير، فهو من المساهمين الرئيسين من خلال عمله في نقابة اساتذة جامعة الخرطوم في انتصار انتفاضة مارس/ ابريل 1985م الشعبية، كما اسهم في اتصالات التجمع النقابي السياسية التي اجريت مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بعدها، وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي لمع اسمه داخل قوات التحالف السودانية وكيان المعارضة السودانية التجمع الوطني الديمقراطي، قبل أن تعصف الانقسامات بالتحالف في عام 2004م، بالاضافة لذلك فهو من الشخصيات الاكاديمية السودانية المرموقة والملمة بتفاصيل الاوضاع بمنطقة القرن الإفريقي. ومنذ العام 2005م اختفى د. تيسير من الساحة السياسية والاعلامية بصورة غامضة، الشيء الذى دفع (السوداني) للبحث عن تيسير لتطرح عليه العديد من التساؤلات حول مختلف القضايا، عبر الانترنت وكانت الحصيلة هذا الحوار. د. تيسير دعنا نستهل حوارنا معك بسؤالك حول أسباب انقطاعك وغيابك عن المسرح السياسي السوداني خلال الآونة الاخيرة رغم وجودك الفاعل والمؤثر داخل التجمع الوطني الديمقراطي ابان تسعينيات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي؟ شكراً لكم. إن كنتما تعنيان بالإنقطاع والغياب، البعد عن الممارسة السياسية المباشرة، كالعمل من خلال مؤسسة سياسية بعينها فهذا صحيح وله أسبابه، وأظنكما تتفقان معي أن الإسهام والعطاء في العمل الوطني تتعدد منافذه، ولا يتوقف على مشروطية العمل من خلال المؤسسات السياسية بشكلها الراهن، وهناك فضاءات أكثر رحابة. كما لا اتفق معكما ان وجودي داخل التجمع الوطني (سواء كان ذلك في موديله الاول 1985 او الثاني 1989) كان مؤثرا ولو كان ذلك حقيقة لا اختلف الحال، فالعبرة بالنتائج وبفشل التجربة البيّن. فقد تكلّس التجمع وهو في المهد، وبالتالي لم يتمكن من تحقيق اهدافة المعلنة لأن القيادات غرقت تماماً في "التكتيكات على حساب الالتزام بالرؤية الاستراتيجية للقضية الوطنية"، وبالطبع هذا الامر لا ينفصل من الفشل الذريع لذات النخب الحاكمة منذ الاستقلال في الوصول الى مشروع وطني يعبر عن المصالح الحقيقية للجماهير ويسعي لتحقيق طموحاتها في السلام والتنمية والعيش الكريم. والدليل على ذلك التهتك الذي أصاب النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن. ولو كان التجمع الوطني لإنقاذ البلاد في 1985 أو موديل 1989 حقق جزءا من مشروعه الوطني (حسب المواثيق المعلنة) ربما لما كانت الأوضاع قد تفجرت في دارفور والشرق وكجبار، ولما كانت اتفاقية نيفاشا قد "تحولت" الى خريطة لبداية تفتت السودان، بدلاً عن كونها أداة للتحول الديمقراطي. ولعل الذاكرة تسعف بعض الشباب من طلبة جامعة الخرطوم أيام 1986-1988 عن تكراري لهم في ندوات المجموعات الطلابية والاكاديمية بضرورة انخراط الجميع وبقوة في مساعي انهاء الحرب الاهلية في الجنوب. وقد كان الناس بالخرطوم لا يحسون بالحرب وكأنها تدور في كوكب آخر، وكأنما الذي يتمزق جسم غير سوداني، وكنت اتساءل "لماذا تريدون الانتظار حتى تدخل الحرب غرف الجلوس في منازلكم؟". ويبدو اننا لم نستطع أن نسمع بعضنا البعض بالامس ولا نريد ذلك حتى اليوم. إذاً ما هي جدوى العودة الان، اللهم الا اذا كان ذلك من باب المجاملة و"القعاد في بيت البكا". على كل، انا لست ببعيد عن المشهد الوطني الذي تتضاعف فجيعته يومياً، فانا لا أقيم في نيويورك أو لندن، وإنما في أسمرا على مرمي حجر من كسلا. وكما هو الحال في هذه المنطقة من تداخل وتواصل ثقافي واثني واقتصادي، ارى انها تشكلت من بلاد هي امتداد طبيعي لبعضها البعض، وبالتالي لا أحس بغربة على الاطلاق، إنما أحمد الله أنني في مكان وبيئة تحفز على التفكير والعمل ومتابعة أحوال كافة مناطق القرن بدقة بما في ذلك السودان. * رغم وجود متغيرات عديدة بالساحة السياسية السودانية، لكن الأمر الواضح للعيان أنك زاهد عن ممارسة نشاطك السياسي داخل السودان وتلجأ لممارسته خارج السودان، فبماذا نعزوا هذا الموقف؟ المتغيرات هي سمة العمل السياسي، والمحك ليس في وجودها، وإنما مآلاتها، وعندما ندقق في المشهد السياسي السوداني بصورة عامة، فإن المستقبل قاتم للغاية. وعلى كل حال أنا الان ليس لدي نشاط سياسي عبر أية مؤسسة حزبية في الخارج او أي مكان آخر، لكن، العمل العام متعدد الاشكال ولا يتوقف على قالب معين. ووجودي خارج السودان فقد إقتضته ظروف معروفة لا أعتقد أنها قد تغيرت حتى الآن. * بصراحة هناك لغط دائر حول حقيقة وضعك داخل الحركة الشعبية فالبعض يقول إنك معترض على توقيع إعلان الوحدة الذي تم مع الحركة الشعبية في اكتوبر 2005م بالخرطوم، فما هي حقيقة وضعك داخل الحركة الشعبية؟ علاقتي بالحركة الشعبية تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما تم تفويضي من قبل التجمع النقابي في ذلك الوقت للإتصال بقيادة الحركة في إطار مساعي السلام الجارية آنذاك. وإستمرت هذه العلاقة عبر حوارات مطولة ومنابر مختلفة حول ضرورة التغيير، كقضية مركزية للسلام والإستقرار والتنمية في السودان. وبالتالي المسألة ليست بتكييف لوضع تيسير محمد أحمد داخل الحركة أو عدم قبوله بهذا أو ذاك. أما القول بأنني غير راضي بالتوقيع على إعلان الوحدة الذي تم مع الحركة الشعبية في أكتوبر 2005 بقاعة الشارقة بالخرطوم هو غير صحيح، فقد شاركت في صياغته مع آخرين، وهذا الإعلان لم يكن إلا عملية تكميلية وإمتداد لما بدأناه في 28 فبراير 2002 بأسمرا كمؤسسة، وبالتالي الاعلان هو تحصيل حاصل ولم يغير من الأسس والمبادئ التي تم الإتفاق عليها من قبل. أما وضعي داخل الحركة، أنتم تنظرون للأمر من زاوية العائد/المصلحة المباشرة، وأنا لي وجهة نظر مغايرة، وهي كما قلت، علاقة فكرية مبدئية معنية بقضايا التغيير، وبالتالي أكبر من أحذية الوظائف والمواقع. وكنت أتمنى للشباب أمثالكم أن لا ينظروا بذات منظور نخب السودان القديم التي تربط بين العمل الوطني والتطلعات الذاتية، ومقدار النجاح لديهم مرتبط بالوظيفة والمكاسب المادية. سؤالكم يذكرني بآخر إجتماع حضرته لهيئة قيادة التجمع بالقاهرة أيام إستعدادهم للتفاوض مع المؤتمر الوطني آنذاك، حيث قرأت مذكرة مختصرة بإنسحاب تنظيمنا إعتراضاً على تغييب قيادات الشرق ودارفور من الإجتماعات الجارية. وكان رد أحد أبرز قياديي التجمع هو: "شنو يا دكتور إنتو عشان ضمنتو وزاراتكم مع الحركة ما دايرننا نلقي فرصة"(!)، وكان ردي: "إن رأيتني يوماً أو اي من زملائي في مواقع رسمية (تف في وشنا)". ولعل هذه فرصة لتهنئة القيادي المعني بتحقيق حلمه الوزاري. * هل تشعر بالرضا من تجربتك السياسية الحزبية عموماً وبالتحالف على وجه الخصوص وكيف تنظر وتقيم حصيلة تلك التجارب؟ الشعور بالرضا تقييم ذاتي خاضع لنتائج التجربة، وما تراه اليوم مرضياً، قد يفرز البحث النقدي إنه لم يكن كذلك، ما أحاول توصيله هو أنني أعيد قراءة تجاربي ونقدها بإستمرار، وحتى الآن أرى أن المواقف التي إتخذتها في السابق صحيحة لأنها قامت على قاعدة مبدئية، ومن ضمنها تجربتي في التحالف. ولكني لا اعرف ما تقصدونه بالرضاء، لأن العمل العام هو اجتهاد لخدمة قضايا ومبادئ واهداف وطنية لا طموحات شخصية. واعتقد ان عددا بسيطا جداً من العاملين في الحقل العام ممكن ان يحسوا بالرضا، واذا ما تأملتم حال السودان ككل وليس في دارفور او الشرق وانما كذلك في الشمالية وباقي الهامش السوداني، اذا فعلتم ذلك بموضوعية وامانة وحكمتم ضميركم، من الصعب جداً ان تشعروا بغير الحزن والاسي وكثير من الخجل لحال الغالبية العظمي من المواطنات والمواطنين. اذكر ايام المجاعة بغرب السودان عام 1984 كان زميلي د. سليمان بلدو (رد الله غربته) يأخذني بعربته لمعسكر المويلح للنازحين في أم درمان والذي لم يكن يبعد اكثر من 10 دقائق فقط من فندق هيلتون الخرطوم، بصراحة ذلك التمايز الخرافي بعد حوالي 25 عاما تضاعف بدلاً من ان يتقلص. ويتواصل نهج افقار الاغلبية واستئثار اقلية بالثروة. فكيف يمكن لاحد منا، مهما تضاءلت مشاركته النضالية ان يعفي نفسه من المسئولية؟ وكيف يمكن ان يكون هناك اي قدر من الرضا؟ * بصراحة، ابدى البعض استغرابه واندهاشه من الانتقادات القاسية والعنيفة التي وجهتها لزملائك بالتحالف عقب الازمة الداخلية في عام 2004م والتي وردت في حوار اجرته معك احدى الصحف المحلية في عام 2004م، هل لهذه اللغة الحادة ارتباط باجواء الصراع والخلاف مع الفرقاء وقتها داخل التحالف؟ كثيرون ينظرون لما حدث بالتحالف في 2004 كأزمة داخلية، نتجت من تعارض مصالح بين طرفين، بينما في واقع الأمر القضية هي بين من يقف مع رأي المؤسسة ومن يعمل ضدها. وعندما تقرر مؤسساتك شيئاً وتتفق أنت معها فيجب عليك حينها الإلتزام به مهما كان رأيك كفرد داخل هذه المؤسسة، وإلا فلا معني للتنظيم السياسي من أساسه، ولا معنى لشعارات التغيير والحداثة التي نتكلم عنها. وهذا هو ما حدث بالضبط، وتثبته الوثائق الموجودة. وبالتالي لا أرى معنى للإستغراب والدهشة في الموضوع، وحقيقة هذه أزمة الممارسة السياسية في السودان بشكل عام، تجد التنظيمات السياسية تقرر شيئاً عبر هيئاتها، وعندما تتضارب هذه القرارات مع رغبات القادة، يعملون على تقويض المؤسسات التي بنوها بأيديهم. ولن ينصلح حال الممارسة السياسية في السودان، ما لم تكن هناك قناعة راسخة بضرورة إحترام قرارات المؤسسات. بجملة مقتضبة... إحترام ديمقراطية القرار داخل التنظيم. وبالتالي موضوع الأزمة التي أشرت إليها هي في جوهرها أزمة خاصة بالبعض في فهمهم لمعنى الديمقراطية داخل المؤسسة الحزبية ودرجة إحترامهم لها. * سمعنا عن انشائك لمركز لبناء السلام لمنطقة القرن الإفريقي بأسمرا فما هي أنشطة هذا المركز؟ مركز القرن الإفريقي لبناء السلام، هو فكرة ليست بالجديدة، وهناك الكثير من المراكز تعمل في نفس المجال كمراكز دراسات وإستشارات وغيرها. الاختلاف الاساسي عن الآخرين هو اننا لا نجري دراسات أكاديمية أو إستثمارية وإنما نهتم بورش عمل لتطوير القدرات بكافة أشكالها الفنية والتنظيمية والفكرية والتشبيك وعقد حلقات نقاش بالتعاون مع خبراء مختصين حول قضايا تهم القرن الإفريقي، مع التركيز على فض النزاعات وبناء السلام. فكرتنا قائمة على حقيقة تشابه دول المنطقة في تكويناتها (الإجتماعية والإقتصادية والسياسية)، ومشاكلها أيضاً. وبالتالي فإن الحلول لهذه المشاكل والأزمات ستكون بالضرورة متشابهة ومتداخلة. ونحن نرى أن تجاوز الازمات الكارثية أمر ممكن في المستقبل، لذلك نعمل من الآن لذلك، ونركّز على رفع قدرات منظمات المجتمع المدني ـ كعناصر فاعلة في التأثير على مجتمعاتها ـ في كيفية تنظيم نفسها للتعامل مع قضايا قواعدها الجماهيرية التي تخدمها بكفاءة أفضل، أي أننا نرتبط بالقاعدة الجماهيرية وتقديم خبراتنا لها أكثر من كوننا مؤسسة إستشارية. * لكن البعض يوجه اتهامات للمركز بتلقي تمويل امريكي واوربي، فما هو تعليقك على تلك الاتهامات؟ المركز مؤسسة طوعية غير ربحية، أنشئ اولاً بتمويل ذاتي من مجموعة مهنيين من السودان، الصومال واريتريا. ومعروف إن دخل المنظمات غير الربحية يعتمد أصلاً على التمويل من جهات مانحة سواءاً كانوا مؤسسات أم دول لأنها ـ أي المنظمات ـ لا تمتلك مؤسسات إقتصادية تدر عليها عائدا تمارس بواسطته أنشطتها. وهذه مسألة لا غبار عليها وتقر بها كل القوانين في كل أنحاء العالم بما في ذلك السودان. لكن عندما يقال أن المؤسسة الفلانية تتلقى دعماً من أمريكا أو أوروبا، هذا يسمي "التفكير بعقلية المؤامرة"، ومحاولة إبتزاز بأساليب عفا عليها الزمن. فأمريكا وأوروبا اللتين تدعمان المركز، تدعمان مؤسسات ومنظمات شبيهة كثيرة في العالم وفي السودان بما فيها الحكومة نفسها. وحقيقة لم أكن أتوقع من الجيل الصاعد أن يرى الأمور بنفس العقلية البالية التي ترى خلف كل فكرة جديدة مؤامرة. * دعنا نطرح عليك تساؤلا آخر، مرتبط بالمنبر النوبي الذي تم تأسيسه بجبهة الشرق، والذي اختفى بعد توقيع اتفاق سلام شرق السودان، فلماذا ظهر هذا المنبر فجأة على الساحة واختفى بذات السرعة؟ لم يكن هناك منبر نوبي بشكل مؤسسي ـ على حد علمي ـ وإنما تناقش عدد من المهنيين النوبيات والنوبيون المهمومون بتهميش المنطقة والظلم الذي وقع على أهلها، وأصدروا عددا من النداءات لتوحيد الموقف النوبي قبل تفاوض الحكومة مع جبهة شرق السودان وتوافقوا حول ضرورة تمثيل الرؤى النوبية من داخل جبهة الشرق، وذلك لمساندة موقف الطرفين والاستقواء ببعضهم البعض ودعم الموقف التفاوضي للجبهة بالمآسي الإقتصادية والتنموية والخدمية التي واكبت منطقة حلفا الجديدة منذ الهجرة حتى يومنا هذا. إتسعت الإتصالات عبر مشاورات داخل مناطق النوبيين وأماكن وجودهم في الشرق وباقي أنحاء السودان، ونتيجة لذلك تم الإتفاق على تمثيل للنوبيين داخل جبهة الشرق وكان ذلك إنجازاً لم يستفد منه لتحطم هذا الجهد بسبب المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وتغليبها على النظرة الداعية لتوحيد العمل النوبي مع نضال أبناء شرق السودان بكافة تكويناتهم السياسية والإجتماعية ومنظماتهم المدنية.
|
|
|
|
|
|