|
ماذا حدث للجنة تقصى الحقائق بدارفور؟
|
فى يوم الجمعة 7/مايو/2004 شكلت الحكومة السودانية لجنة تقصي حقائق للتحقيق في الانتهاكات المزعومة بدارفور "كما ورد فى الخبر الذى صاغته أجهزة الاعلام الحكومية" برئاسة دفع الله الحاج يوسف،* غازي سليمان المحامي * د. فاطمة عبد المحمود، والناظر محمد سرور رملي والفريق شرطة «م» حسن احمد صديق والناظر عبد القادر منعم منصور وآخرون. وإحتفلت بها أجهزة الاعلام المحلية وفرح بها سدنة النظام المحترفين.
وبدأت طوابير المتفائليين بالنجاح للجنة تقصى الحقائق تتوافد وتنتظم ومنهم د. الطيب زين العابدين حيث كتب فى الرأى العام " حسنا فعلت الحكومة بتكوين لجنة تقصى حقائق برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف رئيس القضاء الأسبق لتجمع الحقائق والمعلومات حول كافة الادعاءات المنسوبة للمجموعات المسلحة بدارفور من انتهاكات لحقوق الانسان وما نجم عنها من أضرار على الأنفس والممتلكات ومعرفة الأسباب التى أدت لتلك الانتهاكات"
وحتى الميدان صحيفة الحزب الشيوعى السودانى المعارض أنضمت على حياء الى صفوف المتفائلين بحياد واستقلالية اللجنة حيث كتب الأستاذ/ سليمان حامد الحاج " لااعتراض لنا على رئيس اللجنة او اعضائها طالما بقيت محايدة وعملت وفق قانون 1954 الذي يمنحها الاستقلالية وحرية الحركة" لكنه أستدرك سريعا خطورة تفاؤله الغير مبرر كاتبا " ومع ذلك فإن القضية تطورت لتصبح اكثر تعقيداً من ان تقوم بها لجنة قانونية مهما بلغت درجة حيدتها ونزاهتها خاصة والطرف والأساسي في المأساة هو الحكومة نفسها والذي اصدر رئيسها مرسوماً جمهورياً رئاسياً بتكوينها، مما يجعل عمل اللجنة عسيراً وعصياً ان لم يكن مستحيلاً في الوصول الى الحقائق من الذين وقع عليهم الضرر من المسحوقين من اهلنا في دارفور، الى جانب ان من ستتعاون معهم في ولايات الاقليم الثلاث من ولاة ومعتمدين ومحافظين وغيرهم يحيط بمعظمهم الكثير من الريبة والشك خاصة من قبل اهالي دارفور."
حيث إن اهداف اللجنة مبهمة ومعاييرها غامضة لابد لاسراب المهرجين أن يملئوا الفراغ، و لا يوجد خير من غازى سليمان و عبدالرحيم حسين من فك طلاسم أهداف اللجنة بعد أكثر من شهر من تكوينها، حيث صرح غازي سليمان رئيس المجموعة السودانية لحقوق الانسان وعضو لجنة تقصي الحقائق في دارفور لصحيفة الرأى العام فى أواخر شهر يونيو الماضى مادحا زميله فى التهريج عبدالرحيم و قال "إن فرص نجاح اللواء عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية وممثل رئيس الجمهورية في تحقيق الاستقرار بدارفور «كبيرة» . وعزا ذلك إلى ان طبيعة المهمة تنسيقية" ثم " نفي سليمان - بشدة - ان يكون هناك تطهير عرقي في دارفور وقال هذا امر مبالغ فيه ووصف ما يجري هناك بانه نتاج طبيعي لحرب اهلية في دولة نامية" ونسى المهرج إن من بديهيات مبادئ العدالة وخصوصا لعضو فى لجنة تسمى لجنة تحقيق أن ينتظر نهاية التحقيق ثم يصدر أحكامه النهائية، لكن غازى كشف كل اللعبة و الاستهبال واستغفال العقول وأدلى بما تهدف اليه لجنة التحقيق قبل أن يبدأ التحقيق.
وبعد مرور أكثر من شهرين من تكوين اللجنة، ومن مقره فى الخرطوم بتاريخ 19/7/2004 صرح لنا السيد رئيس اللجنة دفع الله الحاج يوسف "بأن لجنة تقصي الحقائق فرغت من جمع وتصنيف المعلومات التى وردت اليها من جهات داخلية وخارجية وانها ستتوجه الي دارفور نهاية الاسبوع القادم" حيث لم ترى اللجنة طيلة هذه الفترة مكان الجريمة المزعومة فى دارفور، وشرح دفع الله الحاج يوسف في اللقاء الذي تم مع المجلس القومى للصحافة والمطبوعات بحضور وزير الاعلام والاتصالات " مهام اللجنة واختصاصها والاتصالات التي اجرتها . ان اللجنة تتابع يومياً ما ينشر عن الاحداث سواءً فى الاجهزة الاعلامية الخارجية او الداخلية مؤكداً ان اللجنة ستعمل على الالتقاء بالوسط الصحفى بالبلاد فى اقرب فرصة ممكنة مؤمناً على اهمية المعالجة الموضوعية للمشكلة " كأنما هدف اللجنة النهائية حسب توضيحات رئيسها أعلاميا وليس تحقيقا فى جرائم ضد الانسانية، مع ملاحظة إنه لازال يشرح أهداف وإختصاصات اللجنة بعد أكثر من شهرين من تكوينها.
لكن مسرحية اللجنة السودانية تتواصل وفى يوم 27/7/2004 خرج علينا دفع الله الحاج يوسف رئيس اللجنة يالتصريح التالى فيما يخص موضوع الاغتصاب حيث قال" وصلت الى علم اللجنة ادعاءات تتعلق بارتكاب جرائم اغتصاب بواسطة المليشيات المسلحة الجنجويد والحركات المسلحة الاخرى اكدت تلك الادعاءات ان الحركات المسلحة بدارفور بعد اعتداءاتها على الانفس ارتكبت جرائم اغتصاب، واضاف تم رصد هذه الادعاءات وستقوم اللجنة حينما تذهب الى دارفور خلال اليومين القادمين في التحقيق في كل هذه الادعاءات" لكن يبدو إن لجنة تقصى حقائق واحدة لا تكفى للتحقيق فى جرائم الاغتصاب بدارفور. وبالفعل أنبثقت لجنة من اللجنة الاولى، حيث شكل علي يسن وزير العدل لجنة من قاض ومستشار قانوني وضابط شرطة من العنصر النسائي فقط. ومهمة هذه اللجنة هو التحقيق في بلاغات محددة حول الاغتصاب شأنها شأن اية جرائم اخرى ارتكبت. واوضح رئيس لجنة التحقيق "انهم يحققون في الادعاءات باعتبارها انتهاكات لحقوق الانسان. واكد ان اختيارهم لقاضيات تم لان بعض المنظمات الاجنبية ابدت تخوفها من عدم معرفتها للثقافة السودانية وحياء المرأة من التحدث في مثل هذه الامور خاصة انناء في مجتمع مسلم"
وبعد فترة خرجت لنا هند علي حمو رئيسة اللجنة المنبثقة من اللجنة، وهي قاضية في محكمة الاستئناف بأم درمان تقول إن «وزير العدل أصدر قرارا بتشكيل اللجان الثلاث في أعقاب توقيع الحكومة اتفاقيتها مع الأمم المتحدة (في 3 يوليو/تموز الماضي)» وأخير أتضح إنها ثلاث لجان وليس لجنة واحدة!!! وتواصل هند موضحة "أن شريكتيها في اللجنة هما المستشارة نبيلة عبد الكريم وأفراح أحمد يوسف وهي ضابط شرطة برتبة رائد" وأول ملاحظة لهذه اللجنة الفرعية المختصة بقضايا الاغتصاب لم يتقدم إليها أحد بفتح بلاغ أو شكوى حسب تصريحات رئيستها، لأن نساء دارفور وخصوصا ضحايا جرائم الاغتصاب لايثقون فى الحكومة أو لجانها.
لكن عند مقارنة هذه المهزلة بقرار الأمين العام للامم المتحدة كوفي عنان بتكوين لجنة خماسية فى الاسبوع الماضى بتاريخ 9/10/2004 للتحقيق فيما إذا كان إقليم دارفور بالسودان قد شهد أعمال إبادة جماعية، ويرأس اللجنة البروفيسور الإيطالي أنطونيو كاسيس، والذي كان أول رئيس للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وتضم في عضويتها كلا من دييغو غارسيا سايان وزير الخارجية ووزير العدل السابق في بيرو، ومحمد فايق وزير الإعلام المصري السابق والأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حاليا، والباكستاني هينا جيلاني الممثل الخاص للأمين العام للمدافعين عن حقوق الإنسان، وستريغنر سكوت رئيس اللجنة الغانية لإصلاح القانون. ومن المنتظر أن تتوجه اللجنة إلى المنطقة الأسبوع القادم، على أن تقدم تقريرها إلى الأمين العام بعد ثلاثة أشهر من بدء مهمتها. ويتضح لنا أن التباين صارخا والإختلاف كبير حيث تصعب المقارنة مع لجنة سودانية تكونت فى السودان ولم تذهب الى الاقليم المعنى إلا بعد مرور مايقارب الثلاثة أشهرمن تكوينها، والاختلاف الأخلاقى الكبير فى تركيب وتكوين عضوية اللجنتين، ويتضح فى ضوح رؤية لجنة الامم المتحدة عن ماهو موضوع التحقيق؟ و بتحديد تقديم تقريرها الى الامين العام للامم المتحدة بعد ثلاثة أشهر فقط من تكوينها.
وحتى الان مضت 5 شهور و سبعة ايام منذ تكوين اللجنة، وبعد إنحسار الضجيج والمهرجان الاعلامى المصاحب لتكوينها، لا يوجد أى خبر عن هذه اللجنة و ماذا فعلت؟ وماذا وجدت فى دارفور؟ ومازل الشعب السودانى وشعب دارفور فى الانتظار .!!!!
---------------------------------------------------------------------------------
* دفع الله الحج يوسف: رئيس القضاء أثناء تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية ابان حكم الرئيس الاسبق جعفر نميري التي عرفت بقوانين سبتمبر من مؤسسى تنظيم الاخوان المسلمين فى السودان.
* د. فاطمة عبد المحمود التى تقلدت مناصب وزارية مختلفة خلال فترات الحكم السابقة وكانت أمينة المرأة فى الاتحاد الاشتراكى وسكرتير اتحاد نساء السودان والآن عضو مجلس شورى اتحاد المرأة السودانية ورئيسة شعبة العلاقات الاوروبية والامريكية بالمجلس الوطنى . *المجموعة السودانية لحقوق الانسان فى 25 أكتوبر 2003م أعلنت عن عزمها على إرسال فريق إلى دارفور للتقصي حول إنتهاكات حقوق الإنسان التي أُرتكبت إبَّان الأحداث التي شهدتها المنطقة، وأعلن رئيس المجموعة المحامى غازي سليمان في مؤتمر صحافي أنَّ المجموعة سترسل لجنة حقوق إنسان برئاسة ذو النون التجاني أحمد وعضوية آخرين للتقصي حول الأحداث الدائرة في دارفور، حيث رفعت تقريرها الختامى يوم 15/11/2003. والذى لم يشير من قريب أو بعيد الى الانتهاكات الفظيعة التى تحدث فى الاقليم.
|
|
|
|
|
|