|
ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة
|
هذا نص معدل قليلا عن نص شهادة مايكل ألبرت التى عرضها أمام المنتدى الاجتماعى العالمى فى بورتو اليجرى بالبرازيل عام 2002.)
فى البداية أود أن اشكر منظمي المنتدى على دعوتي هنا لتقديم شهادتي الشخصية, واشكرهم أيضا على أنهم فكروا فى صنع هذا الحدث الهائل, وعلى تنظيمهم له.
لقد شاركت من قبل فى تجمعات لعشرات ولمئات بل وحتى لبضعة آلاف من البشر فى وقت من الأوقات, ولكن هذا الحدث المتمثل أمامي هنا, فى "بورتو اليجرى", هو فى الحقيقة أمر غير مسبوق بالنسبة لي.
إننا جميعا ندين بالشكر لمنظمي هذا الحدث, ونتعهد لهم بالدعم المستمر, أما بالنسبة لي - عندما أفكر فى أنني حضرت هنا والتقيت بهذا الجمع الباهر من الناس واستفادتي منهم, وحتى محاولتي إبداء تعليقات مفيدة لكل هذا الحشد - يستبد بي كلا من التواضع والإلهام.
لذلك أشكركم جميعا.
عندما كنت اصغر كثيرا فى السن, كانت كلمات أغاني المغنى الامريكى "بوب ديلان" تحرك مشاعري كثيرا, ولا زالت تحركها كثيرا حتى الآن. تسمى أغنية من أغنياته التى أحبها على وجه خاص باسم "عندما ترسو السفينة". إنها تجسيد جميل لفكرة انك تربح عالما جديدا عندما ترسو سفينتك على شاطئ جديد.
وبعد هذا الوقت بمدة, الفت على حب موسيقى المناضل الشاعر "لينارد كوهين", وبالذات أغنية اسمها "الولايات المتحدة الأمريكية سوف تأتيها الديموقراطية حالا". إنها أيضا عن بعض من تداعيات الظفر بعالم جديد.
والخلاصة, أنني وصلت إلى وضع عنوان لشهادتي من تلك الكلمات الملهمة لهذين الشاعرين المناضلين.... "عندما ترسو السفينة, سوف تأتى الديموقراطية للولايات المتحدة الأمريكية حالا".
أصبحت سياسيا لأول مرة أثناء الكفاح ضد "حرب فيتنام". أتذكر فى البواكير الأولى, عند تفتح وعيي, أنني كنت ذاهبا إلى كنيسة أثرية جميلة فى وسط البلدة, فى "بوسطن", لإنهاء إجراءات استدعاء الخدمة العسكرية. أتذكر انه ربما حدث هذا فى عام 1966. كنت وقتها, واقفا فى الشرفة.
رأيت طلابا وأناس آخرين يتقدمون إلى الأمام ويدوسون بطاقات استدعاء الخدمة العسكرية بالأقدام, كنوع من الاحتجاج. هللت مصفقا لهم, مثلما فعل كثير من المتفرجين الآخرين.
عندما غادرت مكان الحدث راجعا إلى بيتي تملكتني تلك اللحظات, التى نبتهج لها كلنا حين تحدث من حين لآخر, وهى لحظة انكشاف حقيقة ما, أو استلهام لبصيرة ما. أدركت أنني صفقت مهللا لأناس بسبب إقدامهم على فعل أستطيع أنا فعله, ولكنني لا افعله الآن, ولا يوجد ما يغريني بغض الطرف عنه ولكن كل ما هو هنالك هو أنني لم استغرق فيه بعد.
قررت أن أسمو فوق هذه الحالة فى المستقبل. لقد قررت ألا اصفق أبدا كمتفرج على ما أستطيع صنعه بنفسي ولا يوجد سبب مقبول للدرجة التى تمنعي من الإقدام على فعله. قلت لنفسي, "إذا ما أثار إعجابي فعلا ما, ووجدتني قادرا على صنعه, وإذا ما انتفى وجود سبب معقول يمنعني عن ذلك, وإذا لم يكن على جدول ما هو أفضل أخلاقيا - فعلى أن أقدم على فعله".
كانت فكرة فى غاية البساطة. ومن بعدها أصبحت نشيطا سياسيا.
بعد ذلك بفترة وجيزة عند التحاقي بالجامعة, أتذكر أنني حاولت مرارا بلورة خطاب يدعم حركتنا المناهضة لحرب فيتنام ولكنني كنت أقابل معارضة غريبة لما اطرحه فى كل مرة.
لقد وصفت دوافع الحرب ومآسيها ولكنني كنت أتلقى فى المقابل سؤالا:
"وما الذى تريده أنت؟" "أي وجهه نبتغيها حتى تذهب الحرب بعيدا عنا؟" "ولماذا ترى فى الصراع ضد الحرب شيئا مهما أو ذا مغزى, وأنت تعلم أن الحرب وكل الأهوال الأخرى المرتبطة بها أمرا لا يمكن تجنبه فى حياتنا هذه؟"
كنت أظن وقتها أن هذه الأسئلة أسئلة سخيفة. لقد كانت تزعجني. كانت تبدو كما لو كانت تملصا من تحمل المسئولية, وكنت أرد على سائليها بفظاظة.
كان ردى هو.... لزاما علينا أن ننهى حرب فيتنام, وكررت وأكدت.... فيما بعد سوف يكون الزمان الذى ننهى فيه كل الحروب وإلى الأبد, ننهى فيه كل الأهوال التى نحياها فى حياتنا هذه.
وحقيقة أنني وكل المنظمين للحركة المناهضة لحرب فيتنام لم يكن لدينا إجابات صالحة ترد على كيفية إعادة هيكلة كل المجتمع للقضاء على أسباب الحرب والآلام الأخرى, رغم أن ذلك لم يكن سببا وجيها للنكوص عن مناهضة الحرب, هذا ما كنت اشعر به.
بالطبع, كانت حجتي وجيهة على هذا الجانب وفى ذلك الوقت, ولكني اليوم اعتقد كمناضل أنني كنت مخطئا وبفظاعة.
اعتبار مشاعر أو شكوك من هم على وشك الانضمام إلى صفوفنا على أنها مشاعر أو شكوك غير مقبولة أو غير منطقية كان درسا آخر من أفضل الدروس. فلم يكن من الأمثل أن نساوى بين الرد على شكوك الناس بخطاب مستقبلي عالي المستوى يمنحهم الأمل ويوجه الدفة فى الاتجاه الصحيح وبين الإجابة عليهم بنفس المنطق الذى يتكلمون به.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
ومرت ثلاثون سنة منذ ذلك الحين.
لو كان باستطاعتنا أن نصنع كومة من كل الخطب والأحاديث والمناقشات والكتب والمقالات التى صدرت خلال الثلاثين سنة الأخيرة عن كيف تؤذى الرأسمالية البشر - ولو كان باستطاعتنا أن نصنع كومة أخرى من كل الخطب والأحاديث والمناقشات والكتب والمقالات التى صدرت خلال الثلاثين سنة الأخيرة عن بدائل الرأسمالية وكيف يمكن لهذه البدائل أن تفيد البشر........ سوف ترتفع الكومة التى تصف شقاء البشر إلى السماء, بل قل قد تصل برأسها إلى القمر, أما كومة البديل الفاضل فلن ترتفع فوق سطح الأرض إلا قيد أنملة. قضية ما الذى نود أن نكون عليه مازالت قائمة. هذا السؤال يسأله الناس طول الوقت. إلا أننا ما زلنا نعطى لهذا السؤال العميق والملح والمنطقي الحد الأدنى من اهتمامنا.
يا الهول!!
اعتقد أننا فى حاجة لإعادة صياغة أوجه التعاون بين طاقاتنا وبصائرنا فى هاتين القضيتين, باحثين فى ما هى العلة وما هو مصدرها, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى نطرح رؤيتنا لما هى مطالبنا والمنطق الذى يحكم هذه المطالب وكل ما يتعلق بها. إننا نحتاج لفعل الكثير فى الناحية الثانية.
لكن, لماذا نهتم بإجابة سؤال "ماذا نريد؟" إلى الدرجة التى تلزمنا بان نكرس لها المزيد والمزيد من طاقتنا ووقتنا؟
تخيل أنني القي خطبة بليغة مؤثرة باهرة عن متاعب الشيخوخة. وأنني أخذت اعدد كيف تقلص الشيخوخة الخيارات المطروحة أمامنا, وتكبتها...... وفى النهاية تقتلنا. وأنني عرضت وثائق دقيقة تحرك المشاعر لهذه الآلام والمعاناة. حقائق لا تقبل الشك. وكانت الحقيقة التى عرضتها فظيعة بشكل لا يمكن إنكاره. فى النهاية, تكبل الشيخوخة كل امرئ منا, وتقريبا تقتل كل منا.
انتهى من هذا الحديث الدقيق والوجداني وأقول, حسنا, التحقوا بي فى حركة ضد هذه الشيخوخة القاتلة الظالمة الفظيعة. من الواضح الجلي انه لن يلتحق بى احد... فى الحقيقة, سوف يظن كل منكم أنني مجنون. يدرك الناس ومعهم الحق أن تنظيم حركة ضد مالا يمكن تداركه, ضد الذى ولى هو الجنون بعينه.
والناس يدركون, أيضا, أن الشروح البليغة الدقيقة لمتاعب الشيخوخة لن تحملهم على تغيير موقفهم من تجاهل النداءات التى تدعوهم إلى الانتظام فى حركة ضد الشيخوخة. من السخف الانضمام إلى حركة اجتماعية ضد حقائق الحياة التى لا يمكن تداركها.
ما نحتاج لإدراكه, بالتأكيد فى الولايات المتحدة الأمريكية, بل اشك أن فى معظم الأماكن تحتاج أيضا إلى إدراك, انه بالنسبة إلى عشرات الملايين من البشر الذين نحاول دعوتهم – تبدو الخطب والتجمعات والدورات التدريبية والأحاديث والكتب التى نقدمها عن الفقر, والمهانة, والحرب, والتعصب الجنسي, والعنصري, وإلى حدود اقل عن عبودية العمل لقاء اجر, يشبه بالضبط الحديث عن الشيخوخة.
الحديث عن المتاعب والآلام قد يبدو بليغا, للحد الذى تسفح من اجله الدموع وينفجر الغضب, ولكن كدافع لاختيار أسلوب حياتنا, لا يرقى مثل هذا الحديث إلى هذه المرتبة.
يشعر الناس انه لا يوجد بديل لعالم تسوده هذه الظروف الظالمة. انهم يشعرون أن محاربة أشكال الظلم مثل محاربة الشيخوخة: لا جدوى منها. حتى لو حققنا بعض المكاسب سوف يتم سحقها سريعا بواسطة ضغوط لا قبل لنا بها تعيد تأسيس كل العفن القديم
وهكذا يشعر الناس أن تجميع كل روشتات الآلام التى تتسبب فيها الرأسمالية, تلك الآلام التى يعرفها غالبيتهم بأنفسهم من خلال خبرتهم الخاصة, لا تجلب سوى القشعريرة لأبدانهم....... وهى بالتأكيد لن تثمر شيئا. والمسألة هى, طالما لا يعتقد الناس انه يوجد شيئا أفضل يمكن الحصول عليه, فعملية شرح شرور الرأسمالية والعنصرية والاضطهاد على أساس الجنس تصل إلى أسماعهم كما لو كانت عملية شرح لآلام الشيخوخة: انك تغرس شوكة فى جنوبهم يعيشون بها.
وهم يخبروننا بذلك. "هات حياة اخرى", انهم يقولون لنا ذلك فى الولايات المتحدة, على سبيل المثال.
تعطل لنا كمبيوتر مؤخرا فى مكاتبنا فى "z", حيث اعمل, وأيضا حيث أعيش. وجاء رجل ليقوم بإصلاحه, شاب ابيض صاحب شركة إصلاح صغيرة. وتجاذبنا أطراف الحديث عن ضرب أفغانستان أثناء قيامه بالإصلاح, ولمدة ساعتين بعد انتهاءه من العمل.
وكان كلامي هو أن دوافع رد فعل الولايات المتحدة استهدفت نزع شرعية القانون الدولى, والاحتفاظ بمصداقيتنا كفتوة قادر على تدمير هؤلاء الذين يقدمون على التحدي, وبدء حرب على الإرهاب كذريعة لإعادة توزيع الثروة على الأغنياء فى الأعالي, وكتدابير قمعية شيطانية للفقراء, فى الأسفل.
ولم يكن لديه أي مشكلة فى أن يتفهم ذلك كله, وان يرى ويشعر بفظائع تدمير بلد ما بكل هذه الأسلحة التى تفتك بشكل يشبه السلاح النووي بأرواح ملايين البشر الذين طحنتهم المجاعة إلا أنها ليست نووية. غير انه قال, "من الضروري, يا مايكل, أن تفهمني وتفهم أمثالي من الناس. إننا لا نرغب فى سماع ذلك. ولا نريدك أن تقول لنا ذلك. ولا نرحب بوقوفنا أمام هذه الحقيقة المرة بعد الأخرى".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
فقلت له, " أيضا, أنت لا ترغب أن أحكى لك عن تفاصيل المعاناة التى يخلفها وراءه زلزال؟"
أجابني, "بالضبط!. مثل هذه الأمور لا يمكن تفاديها. فلا حيلة لمثلي ولا لأي شخص اعرفه فى هذا الأمر. أنني أود أن أرعى عائلتي وارغب فى تحسين أحوالهم. ما تريده أنت منى هو مضيعة لوقتي. معك الحق فيما تقوله من أمور, ولكنه أمر يؤلم أسماعي. ليس فى مقدرتي التأثير فى ذلك. ولن يستطيع أي شخص ذلك".
بالنسبة لفني إصلاح الكمبيوتر الشاب هذا ولملايين وملايين آخرين هم مثله تماما, ومثلهم الطلاب الذين كنت أحاول الوصول اليهم منذ ثلاثين عاما مضت, واليوم أعداد أكثر كثيرا مثلهم بالضبط, العقبة الكبيرة أمام تحولهم للنشاط السياسى الايجابي هى الشك فى أي ناتج أفضل يمكن الحصول عليه واستمراره.
لكي نبني حركات واسعة نحتاج لرؤية ما, حتى يحدث ذلك.
نحتاج لرؤية تتغلب على الريب والشكوك.
نحتاج لرؤية تتغلب على فكرة عدم وجود بديل.
نحتاج لرؤية تمنح الأمل الذى يكفل استمرار الانتماء, حتى بالنسبة لأنفسنا.
نحتاج لرؤية تبعث فينا منهجا ايجابيا وملهما بدلا من أن تجعلنا صوت الضمير الحي الذى يعذب الآخرين, أو معارضين من اجل الرغبة فى المعارضة فقط.
و نحتاج لرؤية تدلنا على الدرب الذى نود أن نسلكه حتى تدفع جهودنا بطموحاتنا للامام بدلا من أن تدفع بها إلى الدوامة, أو إلى ما هو أسوأ, أن تقودنا إلى نهاية نكرهها, كما حدث مرارا فى الماضى.
والآن, اليوم, بعد هذه المقدمة العاطفية الطويلة, أريد التحدث عن رؤية, اقتصادية على الأقل, أتبناها وأروج لها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
الباريكون·
هذه الرؤية الجديدة اسمها... اقتصاد المشاركة أو للاختصار "البار- إيكون"
ويقوم بنيان الباريكون على خمسة قيم محورية, اقصد أن من خلال هذه القيم الخمسة, قد تم حرفيا وضع تصور وتصميم للباريكون حتى يوفى بتحقيق هذه القيم التى نخلص لها. ما هى إذا تلك القيم؟
القيمة الأولى, قيمة لا يمكن الاختلاف عليها...وهى التضامن (Solidarity)
يطبع أي اقتصاد بطابعه علاقات البشر بعضهم ببعض بشكل لا يمكن تفاديه. فما هو الطابع الذى نريد أن نطبع به العلاقات التى سوف تنشأ فيما بيننا؟
بالتأكيد نحن لا نرغب فى جعل الناس عدوانيين اجتماعيا وفى تضاد بين احدهم والآخر.
نريد ألا نتسبب فى أن يتجاهل البشر إنسانية الآخر وان يستبيحها من اجل بقاؤه هو أو من اجل رفاهيته هو.
القيمة التى نثمنها غاليا, كبديل, هى التضامن.
إننا نريد من الاقتصاد أن يجعل الناس تهتم بالآخر وتراعى وجوده, وتجعلهم مهمومين بالبحث عن سبل رفاهيتهم ورفاهية الآخرين معا وتحسين أحوال معيشتهم ككل, إننا نريد من الاقتصاد أن يجعل من فضيلة المنفعة التعاونية وسيلة للترقي والصعود وليست الوسيلة كما هو الحال الآن الاستغلال أو التجاهل لنكبات الآخرين.
وهكذا من الذى سوف يختلف مع حقيقة أن, الاقتصاد الذى يتحقق منه مزيد من التضامن بين أفراده أفضل من الذى ينتج عنه تضامن اقل. لا اعتقد أن أحدا ما سوف يختلف, وهكذا يصبح لدينا القيمة الأولى, التضامن.
القيمة الثانية أيضا قيمة لا يختلف عليها إنسان... وهى التعدد (Diversity)
أشكال الاقتصاد تؤثر فى مدى الخيارات المتاحة لنا. إننا نفضل أن يتاح لنا اختيارات أكثر نختار من بينها حينما نقرر قرارا ما وهو ما يوفره لنا التعدد, ولأننا نستطيع أن نجنى متعة الاستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا باختياراتهم المتعددة, ولان التعدد يؤمننا ضد وضع كل آمالنا فى سيناريو واحد دون اكتشاف دروب جانبية وممكنة إذا ما حان الوقت الذى يتوجب علينا فيه أن نغير من الطريق.
وهكذا من الذى سوف يختلف مع حقيقة أن, الاقتصاد الذى يوفر لنا تعددية أكثر هو اقتصاد أفضل من الذى يوفر تعددية اقل, انه فى الحقيقة أفضل كثيرا جدا من الذى يأتي بنواتج ممسوحة الملامح نافية للتنوع.
لا اعتقد أن هناك شخصا ما سوف يختلف حول ذلك, وخصوصا من الحضور هنا فى المنتدى الاجتماعى العالمى, وبذلك أصبح لدينا القيمة الثانية: وهى التعدد
القيمة الثالثة, وهى أكثر إثارة للجدل, ربما حتى فيما بيننا, هى النصيب العادل (Equity)
تطبع أشكال الاقتصاد بطابعها عملية توزيع الدخل والثروة. ما الذى نريد من الاقتصاد أن يفعله فى هذا الموضوع, إذا ما كان تقديرنا أن الاقتصاد جدير به أن يفعل ذلك؟ كم ينبغي أن يكسب كل منا؟
توجد طرق عديدة متعارف عليها لتقسيم الأنصبة.
قد يكون العرف هو توزيع الأنصبة طبقا للملكية. إذا ما كان لديك فى جيبك صكا يقول انك تمتلك ماكينات أو معدات أو ارض – رأسمال منتج - فأنت تحصل, فى صورة دخل, على الأرباح التى تولدها وسائل الإنتاج هذه. ولكننا جميعا, طبعا, ننبذ ذلك العرف فى توزيع الأنصبة على أساس أن السماح لصاحب ملكية مثل "بيل جيتس" أن يمتلك ثروة اكبر من التى يمتلكها سكان النرويج قاطبة, وهو أمر ليس فقط غير اخلاقى, بل انه شر, وعدم تحضر, بل انه بربرية.
وقد يكون العرف, بدلا من ذلك, هو توزيع الأنصبة طبقا للنفوذ والسلطة. انك تحصل على ما تستطيع أن تستحوذ عليه – كلما ازددت نفوذا وسلطانا, كلما حصلت على نصيبا اكبر. ولكننا جميعا, طبعا, ننبذ ذلك العرف فى توزيع الأنصبة على أساس أن مجتمعا مبنيا على أخلاقيات "جنكيز خان", أو أخلاقيات "المافيا", أو "مدرسة هارفارد للتجارة", هو أيضا بالمثل, أمر غير اخلاقى, وهمجي.
وقد يكون العرف, ثالثا, هو توزيع الأنصبة بناء على الإنتاج... وهو أمر أكثر حصافة.
فعلا, لماذا لا يكون حقا أن نكافئ كل مساهم بالقدر الذى يعطيه مجهوده للاقتصاد؟
والإجابة هى لأن القدر الذى تضيفه "سالي" لإنتاج المجتمع الاقتصادى, من ناحية, على عوامل عديدة لا علاقة لها باختيارات "سالي" أو بقدرتها على العمل. إنها تعتمد على كيفية تقدير المجتمع لقيمة ما تنتجه "سالي", والكيفية التى عليها القدرة الإنتاجية لزملاء "سالي" فى العمل وكذلك أدوات الإنتاج المتاحة لهم, وعلى إمكانياتها ومواهبها الشخصية الكامنة فيها – وهى عوامل لا تتحكم فيها "سالي" والتي هى ببساطة هبة منحت لها.
ذات مرة, حدثت مواجهة بين "ميلتون فريدمان", العالم الاقتصادى اليميني والحائز على جائزة نوبل, مع شلة من اليساريين حول رؤاهم. فقد قال, إنكم يا أهل اليسار ترفضون فكرة أن شخصا ما نتيجة لأنه ولد لأبويين رأسماليين, أن يولد وفى فمه ملعقة من الذهب, يولد بميزات ضخمة تضعه فى المقدمة, يولد مسنودا, يولد لا يستطيع أن يزاحمه احد – بالمقارنة مع شاب من الطبقة العاملة ولد فى الطين, فى مهب الريح, بعكازين, وعصابة على عينيه....
ولكن "فريدمان أضاف, حسنا, ولكن إذا ما كان يتوجب علينا ألا نستفيد من الحظ الذى يجعلنا نولد لآباء أغنياء – لماذا إذا يجب علينا أن نستفيد من حظنا عندما نولد بصفات وراثية جيدة؟ لماذا يجب أن ندفع "لموتسارت" أكثر من "سالييرى"؟ ولماذا يجب أن ندفع "لمايكل جوردان" أكثر من لاعب فريق "يومان"؟
يظن "فريدمان" انه هكذا قد أعطانا حجة دامغة قاطعة للمنطق الذى يرفض عوامل الحظ كعنصر من عناصر المكافأة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
إلا أنني اعتقد أن المثال الذى ساقه "فريدمان" ليس سخيفا على الإطلاق, وما ننتظره من اليساريين هو أن عليهم أن يقبلوا فعلا بوجوب عدم دخول الممتلكات الموروثة فى احتساب المكافأة, وبالمثل وجوب عدم احتساب الحظوظ فى الصفات الو راثية فى عملية توزيع الأنصبة.
وفى الخاتمة, يمكن توزيع الأنصبة طبقا للمجهود. أن نكافئ الناس على المجهود الذى يبذلونه والمصاعب التى يتحملونها فى أدائهم لأعمالهم.
ذهب اثنان إلى الحقل لقطع وجمع قصب السكر. لنفترض أن الاثنان عملا وقتا مساويا فى الطول, تحت نفس الشروط, وبذلا نفس المجهود. هل يجب اعطاءهما نفس الأجر؟ فاحدهم ضخم الجثة بشكل كبير. هل يجب علينا أن نحسب للشخص الضخم الجثة دخلا اكبر لان ما قطعه وجمعه كان أكثر مما قطعه وجمعه الشخص الضئيل؟
ماذا لو كان لدى احدهم مجموعة أفضل من الأدوات؟ ماذا لو كان حقل احديهما يتيسر فيه قطع القصب وجمعه, أو كانت فيه عيدان القصب أكثر كثافة فى نفس المساحة من الآخر؟ هل تبرر مثل هذه الاختلافات فى ظروف العمل إعطاء احدهم أجرا اكبر من الآخر؟
نريد اقتصادا يبرز الظروف والأنشطة الإنتاجية بشكل أوضح أمامنا, ليس لمجرد التأكد من ذلك, ولكن حتى نبلغ هذه الغاية, ألا نكافئ الناس بشكل لا اخلاقى, نعطى "بيلى" أكثر مما نعطى "لباربرا" بسبب الحجم, أو بسبب المواهب الموروثة, أو المعدات, رغم أن "بيلى" و"باربرا" يكدان لنفس الوقت ويبذلان نفس الجهد, ويتكبدان نفس المصاعب.
شخصان من الناس يبدعان فى الرياضات الحسابية أو فى الفن, أو ينتجان دراجات أو محركات نفاثة... واحدهم أكثر إبداعا, أسرع فى الإنجاز, لديه معدات أفضل, أو ينتج شيئا ذا قيمة أعلى. ولكنهما يعملان بنفس المعدل, فى ظروف مماثلة, ويبذلان نفس المجهود. هل من المفروض أن ندفع لأحدهما أكثر من الآخر؟
"فريدمان" معه حق, لا يوجد سببا أخلاقيا ما يدفعنا إلى المكافأة بناء على المنتج.
ولا يوجد أيضا سببا اقتصاديا ما – فالأجر الأعلى للفرد لن يحسن من صفاته الوراثية... وهو أيضا ليس أفضل السبل لحفز المواهب والمعدات للعمل بشكل امثل.
مكافأة المجهود هو الحافز المناسب لبذل مزيد من الجهد. إننا نأخذ المزيد لو بذلنا مجهودنا اكبر. وهنا تصبح القيمة الأخلاقية صحيحة.... أن نكافأ على ما نتحمله من مصاعب, وعلى ما نؤديه, وليس بسبب الحظ أو الظروف.
وهكذا يصبح لدينا قيمة ثالثة, وهى النصيب العادل.
أما فيما يخص القيمة الرابعة, أيضا يطبع الاقتصاد بطابعه العلاقات فى عملية اتخاذ القرار. وأنا اسمي القيمة المتعلقة بهذا الجانب, والتي يتوجب على الاقتصاد الجيد أن يدفع بها فى شرايينه, "الإدارة الذاتية".
والفكرة بسيطة. تخيل أن عاملة وسط آخرين تريد تعليق صورة لعائلتها فى مكان عملها. فمن هو الذى يتعين عليه أن يتخذ مثل هذا القرار؟ طبعا, العاملة نفسها, ومن جانب واحد.
وافترض إنها بدلا من ذلك تريد أن تضع فى محل العمل, مذياع عالي الصوت يلعلع بالموسيقى. فمن هو الذى يتعين عليه أن يتخذ مثل هذا القرار؟ بالتأكيد لا يمكن أن تتخذ هى منفردة مثل هذا القرار. زملاء العمل المجاورون يجب أن يكون لهم رأي فى هذا الشأن.
وبمثل هذه البساطة نصل إلى مقصدنا. فاللاعبون الاقتصاديون يجب أن يسيطروا على عملية اتخاذ القرار بالقدر الذى يؤثر عليهم مثل هذا القرار.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
كتب الفيلسوف البريطانى العظيم, "برتراند راسل"...
"يقدم كل من لم يمسسه خبل على القبول بأشياء معينة. وهو انه من الأفضل أن تكون على قيد الحياة من أن تكون ميتا, والأفضل أن تشبع بدلا من أن تتضور جوعا, ومن الأفضل أن تحيا حرا من أن تحيا عبدا أسيرا... لقد تطور الجنس البشرى لدرجة انه الآن عائلة واحدة حيث إننا لا نستطيع ضمان رفاهيتنا إلا إذا تم تأمين رفاهية كل شخص آخر. إذا ما أردت أن تسعد أنت نفسك, يجب أن توطد نفسك على أن ترى الآخرين أيضا سعداء."
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
وقد كتب "ناعوم تشومسكى", الخطيب الذى افتتح المنتدى الاجتماعى العالمى فى 2002...
"مهمة أي مجتمع صناعي حديث هى إنجاز ما يمكن تحقيقه بتكنولوجيا اليوم, بمعنى حرفي, إنجاز المجتمع المبنى حقا على أسس المساهمة الطوعية الحرة للبشر المنتجين والمبدعين, الذين يعيشون حياتهم بحرية داخل مؤسسات يسيطرون هم عليها, بأقل هياكل تراتبية مقيدة, أو بدونها على الإطلاق."
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ماذا نريد؟ رؤية يسارية جديدة (Re: أحمد أمين)
|
اخبرنا شاعر القرن التاسع عشر الإنجليزي "الفرد تنيسون" أن....
نصرخ فى وجه الأشكال القديمة ذات الرائحة العفنة المريضة.
نصرخ فى وجه النهم الضيق الأفق للذهب.
نصرخ فى وجه ألاف من حروب العهد الماضى.
وان نهلل لآلاف الأعوام من السلام.
ولعمري إنها نصيحة طيبة.
وكتب ثائر القرن العشرين الإيطالي العظيم, "انطونيو جرامشى"....
"من الضروري أن ننقذ الحضارة بروح جسورة وضمير خير... يجب أن نمنع التحلل الذى ينخر فى جذور المجتمع الانسانى. الشجرة الجافة الجرداء تستطيع أن تخضر مرة أخرى. هيا بنا, ألسنا مستعدون؟"
| |
|
|
|
|
|
|