أنشطة مكثفة للتضامن مع دارفور شهدتها العاصمة البريطانية 30/06/2005
لندن:أميرة عبد الرحمن
في الوقت الذي تُستأنف فيه المفاوضات حول أزمة دارفور بالعاصمة النيجيرية (أبوجا)، شهدت العاصمة البريطانية "لندن" برنامجاً من الأنشطة المكثفة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بغرض التضامن وتنمية الوعي حول الوضع الراهن في دارفور.
تعددت المنابر المشاركة في المناسبة الثقافية ولم يقتصر الحضور على ناشطين وأكاديمين واعلاميين وحسب وانما امتد ليشمل أيضاً العديد من المبدعين في مجالات الفن التشكيلي والغناء والسينما وغيرها. غير أن أهم ما انطوت عليه تلك المناسبة هو التمثيل المتميز للسودانيين من كل أنحاء السودان لا سيما أبناء وبنات اقاليم الغرب السوداني بما في ذلك منطقة دارفور، فبدت المناسبة التثقيفية وكأنها تجمعاً وطنياً للسودانيين كافة حول ضرورة حل الأزمة واجتراح نوع من الحوار الوطني الأهلي يجري في موازاة للحوار الرسمي بين الأطراف المتحاربة . تطمح مثل هذه الأعمال والمبادرات الشعبية لبناء اجماع ضروري للخروج برؤية موحدة حول الأزمات الملحة ولنشر قيم احترام التعدد الثقافى واحترام حقوق الانسان. قام بتنظيم المنتدي الذي امتدت أعماله على مدار يومين كاملين، "مركز دارفور لحقوق الإنسان والتنمية" الذي أسسه عدد من الناشطين السودانيين والبريطانيين بلندن، واشترك فيه أيضاً عدد كبير من المنظمات والأفراد المهتمين بقضية دارفور مثل منظمة العفو الولية، سودان أبديت، هيومان رايتس وتش، ويجين بييس، ايجيس ترست، منظمة ضحايا التعذيب السودانية واتحاد الشباب السوداني بالمملكة المتحدة. وتأتي أعمال المنتدي في إطار "حملة حماية دارفور" التي بادر بها أعضاء في مجلس العموم البريطاني والتي تهدف لضم صفوف جميع منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا دارفور من أجل اتخاذ التدابير اللازمة التي من شأنها أن تضمن أكبر قدر من الحماية لأبناء دارفور من المدنيين الذين تأثروا من جراء الحرب. اشتمل البرنامج على عدد كبير من الندوات والمحاضرات التي سلطت الضوء على تطورات الوضع المتأزم بإقليم دارفور. وقد تميزت الموضوعات المطروحة خلال المنتدي بالتنوع بحيث غطت جوانب متعددة لأثار الحرب وانعكاساتها على الشرائح المختلفة لسكان دارفور. ابتدر المنتدي أعماله بكلمة افتتاحية من الأستاذة "آن بارليت" إحدي مؤسسي "مركز دارفور لحقوق الإنسان والتنمية" (بالاشتراك مع أحمد الزبير وعبد اللطيف اسماعيل)، حيث حيت الضيوف ثم أعطت لمحة سريعة عن تاريخ نشأة المركز وأهدافه. وقد أوضحت في خلال ذلك أن رسالة المركز لا تعني الدفاع عن أبناء دارفور في ظل الحرب الحالية فحسب ولكنها تمتد لتشمل صياغة أفكار وخطط تنموية تعمل على تنمية إنسان دارفور واصلاح ما أفسدته هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الاقليم. وهذا هو ما حدا بالمركز لتنظيم تلك المناسبة وتخصيص عائداتها لعمل دراسة لتقدير إحتياجات سكان دارفور، وعلى وجه الخصوص إحتياجات أولئك الذين يعانون في معسكرات اللآجئين. تحدث أيضاً الاستاذ/ أحمد أبراهيم دريج، الحاكم السابق لاقليم دارفور في فترة الديمقراطية الأخيرة، عن تاريخ وخلفيات أزمة دارفور. وقد أوضحت كلمته الضافية والشاملة التعقيدات الإثنية والثقافية المهمة للتكوين الديمغرافي والتي قد تغيب عن الكثيرين. وأوضح أن الجماعات عربية الأصل والمجموعات ذات الخلفية الأفريقية قد عاشت في المنطقة في تناغم وتعاون لحقب عديدة، وأوضح الكثير من المفاهيم الخاطئة حول هذا التنوع، كما أشار الى دور الحكومات المركزية والقوى السياسية في استغلال الخلافات لمصالحها الخاصة.
لا شك أن قضية دارفور قد حازت على اهنمام دولي واسع يتمثل على سبيل المثال في وجود منتظم في الدوائر الاخبارية وقد شهد السودان تدفقاً من أفراد ومنظمات المجتمع الدولي حتى وصل عدد المنظمات الدولية التي تعمل حالياً في دارفور إلي حوالي الـ 180 منظمة دولية. منظمة العفو الدولية هي واحدة من أبرز تلك المنظمات التي دأبت على ابراز الصراع الدائر في دارفور والتحذير من تفاقم الكارثة به. يذكر أن وفد منظمة العفو الدولية هو اول وفد أجنبي يسمح له بزيارة السودان على مدى سنوات عديدة. وفي هذا الصدد تحدثت السيدة "ليز هودكينز" عن المجهودات التي بذلتها منظمة العفو الدولية منذ زيارة الوفد الأول وحتى اصدارها التقارير لكل من حكومة السودان والمجتمع الدولي والتي نددت فيها منذ وقت مبكر بالتدهور المريع لحقوق الإنسان في دارفور لا سيما النساء والأطفال، ودعواتها المتكررة لكافة الأطراف المتحاربة لاستخدام آليات للمصالحة المتعارف عليها محلياً وتشكيل لجان تحقيق لبحث الأسباب المعقدة للصراع والتوصل لتوصيات لحل الأزمة. وحذرت من أن تطورات الأحداث على الصعيد الدولي مثل حرب العراق واتفاقيات السلام التي وقعت أخيراً بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة السودان قد شغلت انتباه العالم عن قضية دارفور، الأمر الذي يدعو الجميع لمزيد من الجهد لوضع قضية دارفور على قائمة الأجندة العمل الدولية والمحلية.
أما قضية "النساء والحرب" فقد تمت مناقشتها في جلسة منفصلة تناولت وضع النساء في غمار الصراع في دارفور، قدمتها كل من ندي على (ناشطة سودانية) وبينيديكت جوديريكس (من منظمة العفو الدولية) ومخرجة تلفزيونية شابة عرضت بعض اللقطات من فيلمها الوثائقي عن دارفور. خلصت الجلسة إلي أنه رغم أن النساء يُعتبرن عماد التنمية الاقتصادية في الاقليم إلا أنهن يعانين حالياً انتهاكات جسيمة في خضم النزاعات التي تشهدها المنطقة، فمثلا الاغتصاب يوظف ليصبح أداة من ادوات الحرب – هناك حوالي 500 حالة اغتصاب للنساء من مختلف الاعمار. وأخيرا أوصت الجلسة بضرورة اتخاذ اجراءات امنية لوقف الاغتصاب وانشاء مناطق آمنة والتحدث عن المشاكل الجنسية وقضايا الصحة الانجابية.
تحدث أيضاً مواطنون من إقليم دارفور حول تجربتهم الشخصية وقد قدموا شهادات حية للناجين من التعذيب والهجرة القسرية. بالإضافة لذلك فقد أعطي المشاركون صورة لأوضاع اللاجئين السودانيين من دارفور فى بريطانيا.
وبجانب تلك الندوات والمحاضرات والشهادات الحية التي تناولت أزمة دارفور، عرضت أفلام تتناول ذات الموضوع مثل فيلم "لا وقت للتأجيل" و فيلم "شهود عيان"، وفيلم البي بي سيى بانوراما "ساحات القتل الجديدة" الذي علق عليه الاستاذ عصام الخواض المترجم الذى صاحب فريق البي بيى سى الى اقليم دارفور.
صاحب المنتدي أيضاً برنامج ثقافي اشتمل على باقة متنوعة من الأنشطة الفنية والموسيقية والغنائية التي أبرزت ما يشتهر بها الإقليم من ثقافات متميزة ومتنوعة، تعريفاً بثقافة المنطقة وابرازاً لوجه أهل دارفور من زوايا مختلفة. وقد كان هناك معرض للفلكور الشعبي يعكس ثقافة دارفور ، بالإضافة الى لوحات فنية وفوتغرافية تعبر عن عمق الازمة التى يمر بها الاقليم الان. شارك في المعرض الفنانون خالد كودى، معتز بدوي، عزيز اسحق، إسماعيل فرح، اليكس جيمنيز، كارلوس لوبيز،يون كيم.
عبداللطيف اسماعيل المدير المناوب بالمركز
وقد تحدثت الشرق الأوسط الى الأستاذ عبداللطيف اسماعيل أحد مؤسسي "مركز دارفور لحقوق الإنسان والتنمية" ومن أبناء المنطقة والذي أوضح أن واحد من أغراض المنتدى هو لم شمل السودانيين المهاجرين على مختلف خلفياتهم العرقية حول هذه الأزمة التي رغم التغطية الإعلامية الواسعة التي وجهت لها في الإعلام العالمي لم تجد ذات القدر من الحوار وتسليط الضوء وسط السودانيين أنفسهم. اختتم المنتدي أعماله بحفل غنائي شارك فيه عدد من الفنانين والفنانات لعل أبرزهم الفنان الشهير عمر احساس الذي اشتهر بأغنية "دارفور بلدنا" وهو من أشهر فناني منطقة دارفور ومعروف على نطاق أقاليم السودان العديدة. وقد صرح عندما التقته الشرق الأوسط أثناء مشاركته في هذا الملتقي بأنه "سعيد لدعوته بالمشاركة وبأن أهل دارفور قد أدركوا أخيراً أهمية دور الفن في في توصيل الأفكار عن القضية ومن ثم الوصول للسلام".
الفنان عمر أحساس
بقي أن نقول أن هذه الفعالية قد نجحت بالفعل في جمع السودانيين المشاركين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم العرقية والسياسية للتفاكر والتحدث في شأن أزمة دارفور وما قد يترتب عليها من تهديد للنسيج العرقي والإجتماعي والثقافي الذي يميز بلادهم. وربما سيكون من شأن مثل هذه التجمعات أن تتيح للسودانيين أن يبتدروا لغة وطنية مشتركة للحوار. لو كتب لمثل هذه اللغة أن تسود في أبوجا، العاصمة النيجيرية التي تستضيف المحادثات التفاوضية بين أطراف النزاع، سيكون من الممكن للسودانيين أن يجتمعوا على مخرج وطني من هذا النفق المسدود.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة