|
محمد ابوجودة...إلى رُوح الفقيد ، عزيزنا الرَّاحل ،،، الخاتم عـدلان ..
|
إلى روح الفقيد ، والرّاحل العزيز ،،، الخاتم عدلان
ولِكلِّ مُحِبِّيه من الأحياء وأرواح الرّاحلين منهم ، ولِرفاقِه الميامين، والشُّرفاء من خصـومِه الفكريين والسياسيين ..
ألا ، فانعَمْ صباحاً ومَـســـا ، وكُنْ في الخالدين فِكراً ً وميراثاً ثميناً ، يضوع حقـّاً وخيراً وجمالاً وسَـــنا . فقَـد والله ،،
أصمّ بك النّاعي ، وإن كان أسمعــا ،،، وأصبح مَغنَى الجود بعدَك بلقـعـا فإن ترمِ عن عُمْرٍ تُدانِ به المدى ،،، فخانكَ حتى لم تجد فيه مَــنـــزعـا فما كنتَ إلآ السيف لاقى ضريـبةً ،،، فقطّعها ، ثم انثنى فَــتـقطـَّـــعا
بعد طول نجوعٍ لا يعرف الونَى ، وبعد مسيرةٍ ظافرة في دروب الحق والخير والجمال ، يشهدُ بها الأخيار ولا يطاول سَمْتَــها الأغيار ، ها هىَ الأرضُ الخَيِّرة تحتضن رفاتك الأمينة التى ادّرعتَــها منذ بواكير صِباك النّجيب وشبابك الغض الفتون بالجسارة ، وكهولتك في أوّل مداخلها وذهنكَ الوقّاد قد اكتمل بدرُ تمامـِه أو كاد !. شفيعي ، هذا الكَـلِـمُ الصدوق وهذا الفكرُ السّموق وتلك الثقة الوضّاحة التي تُجلّل مسامع المُرهِفين لِحديثك ، والقارئين لكِتاباتك ، والنّاظرين الى خطوِك المطمئـنِّ وانتَ تَـرودنا نحو آفاق العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والعِزّة القعساء ؛ فقد كنتَ الموهوب الفِطرة ، المصقول الجوهرة ، المجوِّد للفِكرة ؛ وكنتَ العبقريَّ النّافذ النّظرة الى جوهر الأشياء ولِبابِها المكنونة التى تُعيي مطايا الكثيرين ..
فَقْــدُك عظيم ،، وزمان السودان قد طالت به دياجير الظلام ، واحتَــوَك مسيرته نحو فضاءات الحرية والديموقراطية والمدنية ، بعضُ أزلامٍ ! قوّاها وأنبَتَ ريشها ، ضعفُ المطالبين وركونهم للدعة ! وخلاكَ ذمٌّ ؛ فقد كنتَ ذا العزم الأمين في حَمل أمانة النِّضال ، ناراً تصلي المقارِفين ، وحِرزاً يأمنه التّائـقـين لفجر الحرية والباحثين عن صباحات الوطن الوريف ، الذي يتّسع للجميع دون تمايز ، ويقرُّ حقَّ الجميع في حقوق المواطنة دون تغامُز ! . كنتَ ، عزيزي الخاتم عدلان ، مِمَّن يطابق فِـعلَهم حدَّ قولهم ، مُنظِّراً مؤهّلاً ، مناضلاً سياسياً مؤصـَّلاً ، ودوداً متسامحاً ، أديباً ،أريباً موغِـلاً في البحث الفكري ، ورابطاً بحوثك بالواقع المعيش ، وقابضاً على جَمر القضية ؛ وكنتَ ، من بعد ، تبسِطُ يمينك للنّاس بالخير ، وتقبض بِشمالكَ عنهمُ الشـّـــرَّ ؛ لا غرو ، فلقد غزَلَتْ نسيجَ وحدك، الهِمـّةُ العالية والأفكارُ الجليلة و أعانتك الأخلاقُ النبيلة ، وانتَ قبل كل هذا ، عَفُّ الفقرِ مُشـتَــرَك الغنى ، جرئ الجُنان ، لا تُهالُ من الرَّدى ولا يحتويك همُّ الخاص ..
مصابنا بفقدك الجّلل ، كبير ، ويزيدنا لوعةً على هذا الفِراق أنّ الوطن يحتاج لأمثالك النُّجباء أيَّما حاجةٍ هذه الأيّام ، فالمخاض الوطنى عسير ، ولا يُدرَى أيِّ منتوج هوَ الذي سيعمُر السّــاحة ؟! .. فإن كان لكلِّ مكسبٍ ثمن ، فقد بذلتَ الغالي ، بشهادة هؤلاء الكِرام والكريمات الذين زادوا مضــاءاً بتأبينك المُستحَــق ، عبر صفحات المنبر العام بموقع : سودانيزأون لاين ، وسيزدادون ؛ وإن كان لكلِّ انتصارٍ تضحية ، فقد بذلتَ التضحيات بنكران ذات ، وإن كان لكلِّ مُجابهةٍ أذىً فَلطالما أوغلتَ في المجابهات الشجاعة وتحمّلت الأذى دون شكوى ، بل كنتَ الواثق في وصول الناس الى برِّ الأمان .. وكان الكثيرون ، وما يزالون ، يستمدّون منك المدد الفكري و حُمَيــّا النِّضال السياسي في سبيل إحقاق الحق ، ودحض التّرُّهات ؛ فضلاً عن استمدادهم منكَ، أُخريات أيّامك ، الشجاعة والتماسك والطمأنينة ، وانت تخوض معركة " داء سرطان البنكرياس " واصفاً حالكَ فيه ، بأنَّها معركة من ضمن المعارك ،وأنّها أزمة وتعدِّي ، ولَعمري ، فقد كنتَ تعرف اختلاف السياق ! علاوةً على نفاذ القَـدَرْ المسطور ! ولكنّك ، بإيمانك العقلي والرّوحي ، فَضَّلتَ ان تُديم عطاءك في البذل ، وألآ تبخل على النّاس بما تعوّدوه منك ، برغم ريب المنون التي مدّت برؤوسها ! ..
اليومَ ، تضّجع ضجعة يستريح الجسمُ فيها ،وستزدهي بكَ أرض " أم دكّة الجعليين " في قلب الجزيرة الخضراء ؛ وتُحـلِّق روحك الأبية ببرزخ الأرواح عندَ مليكٍ مُقتدر ، وسط أرواح سابقيك من ذوي الفضل ،شُهداء الوطنية السودانية والفكر السودانى الحُر ، وغيرهم من الملل والنِّحل الأخرى ، الذين كم رُضتَّ آفاقهم وقرّظتَ انجازاتهم في التنوير المعرفي والنضال من أجل سعادة الإنسان ، فالأرواح جنودٌ مجنّدة ، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ..
اليومَ ، وما قبله من أيّام ، يحفظ لك تاريخنا السوداني الفكري والسياسي والإجتماعي والثقافي ، أياديك البيضاء ودُرر الزمان قولاً وعمَــلاً ، تلك التى رفدتَّ بها مسيرة التنوير وقضايا الحرّية ، وأنتَ لم تدّخر وسعاً في التنقيب عن معطياتها وأعمدة بنائها في مواريث الإنسانية وتراكمها المعرفي ؛ فــمكانك من التاريخ ، بؤبؤ عَيـْـنِــه ، وسيظلّ منهجك القويم نبراساً ، وسيرَتكَ الثّرّة هادياً للكثيرين الذين ينهدون السـّــير نحو مرافئ العدالة والحرية والمساواة والإخاء في سوداننا الحبيب ..
اليوم ، وما يليه من أيّام ، ســنتعمَّقُ أكثر فأكثر في كِتاباتك الفكرية ومسيرة نضالك السياسي الباهرة، وسماحة أخلاقك التى كم هوّنت عليك الصّعاب الكثيرة .. وعلى الجانب الشخصي ، فكم سعدتُّ بأن تزوَّدتُّ منكَ ببعض المكاتبات عبر البريد الإلكتروني وبعض المكالمات الهاتفية التى لن تبرح مكانها في مَسمَعي والفؤاد، ما حييتُ .
حسبيَ الله ونعم الوكيل ، عليهم هؤلاء !! الذين لم يبرحوا أفاعيلهم السِّيئة بمنعهم النّاس ، صباح هذا اليوم ، من إقامة التأبين المُستحق للفقيد العزيز / الخاتم عدلان ،، وما كان " الخاتمُ"هلَـكَـه هلكُ واحدٍ ،،، ولكنّــــه بُنيانَ قومٍ تَـصَـــدَّعـــا ..
دون أن تردّهم للموت حُرمة ! وكأنّهم يحسدوك على الموت ! كأولئك الرّجرجة الذين عناهم الأوّل :
هم يحسدوني على موتي فَـوا أســفاً ،،،، حتى على الموتِ لا أخــلو من الحســدِ !!
وكأنّي بك ،أيها الفارس النبيل، تُخاطب جمعنا الحزين ببعضٍ من هذا الرّوي لأبي الفتوح السَُهروردي :
قل لأصحابي رأوني ميتاً،،، فبكوني إذ رأوني حـَزنا لا تظنّوا بأنِّي مــيِّتُ ،،، ليس ذا الميّت والله أنا لاترُعكم سكرة الموتِ ،،، هيَ إلا انتقال من هــُـــنا عنصر الأرواح فينا واحدٌ ،،، وكذا الأجسام جســمٌ عمَّــنا فارحموني تَرحموا انفسكم ،،، واعلموا أنّكم في إثــرَنـا من رآني فَليُقوِّم نفسـَه ،،، إنّماالدنياعلي قرن الفنـا وعليكم من كلامي جملة ،،، فســلامُ الله مدحٌ وثنــــــا
اللهمَ ارحم " الخاتم عدلان " وأنزله منازل الصدّيقين والشهداء ..
---------------------------------------------- محمد أحمد أبــوجــــودة // الأربعاء 27أبريل 2005م
|
|
|
|
|
|