|
د.ابراهيم الكرسني.....الخاتم عدلان: رحيل رجل فى قامة وطن
|
الخاتم عدلان: رحيل رجل فى قامة وطن
د. ابراهيم الكرسنى
جهتان أدخلتا الخوف والذعر فى نفوس قادة الاخوان المسلمين و كانت ترتعد فرائصهم ذعرا لمجرد ذكر اسميهما: " الاخوان الجمهوريين" و الخاتم عدلان. ان أكثر ما يخشاه الاخوان المسلمون هو المجابهة الفكرية ضد خصومهم وليس المنازلة السياسية. فقد توفرت لهم أسلحة سياسية باترة استعملوها دون أدنى خوف أو وجل ضد خصومهم السياسيين وانتزعوا بواسطتها السلطة من بين أيدى جميع القوى السياسية و أرهبوا بها بنات و أبناء الشعب السودانى لستة عشر عاما ساموهم خلالها سوء العذاب.
لهذا السبب تحديدا كانوا لا يأبهون بخصومهم السياسيين, الذين عاشوا تحت الأرض أو فوق سطحها على حد سواء. وساروا بخطى حثيثة فى تنفيذ برنامجهم الظلامى غير آبهين كذلك بما تصدره التنظيمات السياسية المناوئة لهم من "بيانات" و "منشورات" لا تسمن و لا تغنى من جوع!! الأنكى و الأمر من ذلك أنهم قد تعاملوا مع هذه البينات و "المناشير" ك"مدافع الدلاقين" التى لم تشكل أى خطورة عليهم, وامعانا فى ازدراء من قاموا باصدارها فقد أصروا على اهانة واذلال جميع قيادات التنظيمات التى قامت باصدارها!! ولكن فى مقابل هذه "الطمأنينة" السياسية التى "تمتعوا" بها منذ نشأة تنظيمهم و حتى اليوم, فقد انتابهم خوف حقيقى وصل الى درجة الذعر من خصومهم الفكريين. وكان أكثر ما يخشوه هو المجابهة الفكرية, وبالأخص لو كانت من العيار الثقيل الذى ميز على وجه الخصوص أداء الاخوة الجمهوريين و الخاتم عدلان فى هذا الميدان الهام والحاسم. ان الخطورة الحقيقية التى تواجه تنظيمهم لا تتمثل فى المنازلة السياسية, على أهميتها, و لكنها تكمن فى تعرية الأساس النظرى الذى يستند اليه و "تفكيك" المنهج الفكرى الذى يقوم عليه برنامجمهم السياسى برمته. ذلك أن هذه التعرية سوف تحول جميع الأسلحة التى خاضوا بها غمار "حروبهم" ضد الشعب السودانى الى أسلحة "منتهية الصلاحية"!!
ومن هو أقدر على فضح منهجهم النظرى وهدم أركان "معمارهم" الفكرى أكثر من الاخوة الجمهوريين والخاتم عدلان؟! لقد فطن الاخوان المسلمين الى هذه الحقيقة منذ فترة طويلة من الزمن وبالتالى استهدفوا هذين العملاقين من حملة الفكر وقادته فى بلادنا ووجهوا صوبهم جميع أسلحتهم الماضية من أجل ازالتهم من على وجه البسيطة!! ان صراعهم مع الشهيد محمود قد انتهى بهم الى تعليق الفكر على أعواد المشانق فى موقف مشهود دلل على حقيقتين هامتين عن تنظيم الاخوان المسلمين: بؤس الفلسفة والجبن المطلق عند المنازلة. لذلك غالبا ما يلجأون الى :السيخ" عند المجابهة الفكرية و الى "الدبابة" عند المنازلة السياسية!! تأمل تاريخهم منذ أحداث "الفنون الشعبية" بجامة الخرطوم عام 1968 و حتى اليوم!!
باعدامهم للشهيد محمود تمكن الاخوان من الخلاص من أحد طرفى "الكماشة" التى تمسك بتلابيبهم ولم يتبقى لهم سوى القضاء على الطرف الآخر الممثل فى الخاتم عدلان. لم يفلح الاخوان فى تصفية الخاتم جسديا, كما فى حالة الأستاذ محمود, لكن, ولحسن حظهم وجدوا من يقوم بتنفيذ هذه المهمة نيابة عنهم, سواء كان ذلك بوعى منهم أو بدونه. ان الحملة الشعواء التى شنها بعض "موظفى" التنظيمات السياسية ,وليس "مفكريها", بهدف اغتيال شخصيته, و المقاطعة الاجتماعية الشاملة التى فرضها عليه , وللأسف, من كانوا حتى الأمس القريب أعز أصفيائه, ثم بدأوا فى ذرف دموع التماسيح بعد رحيله الفاجع, كانت, على ما أعتقد, هى السبب المباشر فى اصابة الخاتم بمرض السرطان اللعين, حيث أنه يمتلك شخصية غاية فى الرقة والعذوبة طغت عليها شخصيته التى تميزت بالصلابة والصمود فى وجه جلاديه. و لطالما تألم الشهيد على مثل هذه التصرفات الصبيانية ليس على مدى وقعها عليه وانما شفقة ورثاءا على أمثال هؤلاء القوم!!
شخصية الخاتم التى تميزت بالشجاعة النادرة تمكنت من الصمود حتى الرمق الأخير فى صراعها الفكرى والسياسى ضد جميع خصومها ولم تلن له قناة فى يوم من الأيام طيلة مسيرته النضالية المتميزة, و لكن شخصية الخاتم الانسان المتسامح الودود لم تتمكن من الصمود فى وجه أسلحة الجحود ونكران الجميل الصدئة التى أتته من حيث لا يحتسب, والتى لم يمتلك, وبحكم تكوينه الوجدانى النقى, أسلحة مضادة لها!! فكانت بحق المعركة الوحيدة التى يخسرها الخاتم دون أدنى مقاومة!!
لكن المعركة الحقيقية, لو يدرى هؤلاء, لا تتمثل فى اغتيال الشخصية مع سبق الاصرار والترصد أو فى المقاطعة الاجتماعية مهما كانت درجة شمولها, وانما تتمثل فى انجاز المشروع الضخم الذى أسماه الختم بنفسه "مشروع التنوير" الذى يؤسس لبناء دولة مدنية ديمقراطية تسع جميع السودانيين بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو الموقع الجغرافى. وقد نذر الخات حياته كلها لأجل هذا المشروع وظل يقاوم دون كلل أو ملل طيلة حياته العامرة بحب الشعب من أجل هزيمة المشروع المناقض له و المتمثل فى قيام الدولة الدينية فى السودان, البرنامج الحقيقى للاخوان المسلمين.
اننى أدعو, و من فوق هذا المنبر, و أخص بالذكر الاخوان الجمهوريين والاخوان فى حركة "حق" وجميع أصدقاء و محبى الخاتم بالعمل يد واحة و توحيد الجهود و بذل كل غال ونفيس بهدف اعداد و تنفيذ "مشروع التنوير" , الذى كرس الخاتم حياته كلها من أجله, حتى يرى النور. بذلك نكون قد خلدنا اسم الخاتم فى ذاكرة الشعب والوطن وحققنا أحد أمنياته. فلنسعى جاهدين لتحقيق ما كان يطمح اليه الشهيد الخاتم وفاءا لروحه الطاهرة.
هذا هو العزاء الحقيقى الذى يمكن تقديمه لتيسير و أبناء الشهيد حسام و أحمد, ومن خلالهم الى الكادحين من أبناء وبنات شعبنا الذين وظف الخاتم حياته كلها لانتشالهم من براثن الفقر و المرض و الجوع و الجهل.
وحينما يصفى العقل و تستجمع النفس قواها من هول الفاجعة سوف نكتب عن الخاتم الآخر, الخاتم الانسان, عبر تناولنا لمواقف نبيلة عديدة كان الخاتم طرفا فيها و كنت شاهد عيان عليها. 25.4.2005
|
|
|
|
|
|