|
على شفا الخراب الشامل /الحاج وراق
|
الحاج وراق
على شفا الخراب الشامل
{ قال صحفى بأنه راهن آخر، وهما جالسان قبالة محطة مواصلات عامة في صباح أحد الايام، أنه لن يأتى أبداً إنسان منشرح الصدر هاشاً باشاً، وقضيا ساعات طوال، فتحققت الفرضية وكسب الرهان! فالبلاد في حالة إكتئاب عام!
{ الأوضاع كلها رأس علي عقب، ما من شئ في مكانه، وما من شئ يتم كما يجب: ما لا يقل عن 94% من أهل البلاد يعيشون تحت خط الفقر، ومرتبات الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وضباط القوات النظامية وغيرهم من مثقفى البلاد أدنى من حد الكرامة وما يقارب من دخل عامل غسيل العربات! ويلحف المعلمون في السؤال عن مرتبات لا تفى غرضاً إلا إقناع الدائنين نفسياً بمواصلة التسليف! وأكثر من 600 ألف خريج جامعى لايجدون عملاً! وقنع العمال لإقامة الأود بوجبة واحدة إما (البوش) أو (لوبة عفن)! وسكان أحزمة البؤس - وهم ما لا يقل عن مليونين من الأنفس - يحتالون على ضيق الحال باتساع الخيال، فابتدعوا أصنافاً خيالية من الأطعمة بدءً من أرجل الدجاج ومخلفات بقايا اللحم علي جلود الحيوانات المذبوحة إنتهاءً بتسويق الجراد، وهم على ذلك لا يكثرون من الطعام ربما لأنه لا تتوفر إلا للقليلين دورات المياة!! وأيما ولى أمر من غالبية أهل البلاد واجه مرض أحد بنيه إضطر إما لذل الدين أو مهانة الشحدة··· شكى لى أحد الأطباء أنه اشترى دواء يسمى (ون ألفا) لابنته التى تشكو مرضا في العظام - وهو من أمراض الفقر - إشتراه بـ 120 ألف جنيه، مبلغ يعادل نصف مرتب طبيب الإمتياز! وهذه نسبة بين سعر الدواء وأجر الطبيب لم تتفتق عنها عبقرية حكومة في كل الدنيا إلا في السودان!
ويمكن تعديد مظاهر الأزمة الاجتماعية إلى ما لا نهاية·
{ ولكن ليست الطبقات الشعبية وحدها التى تعانى، رجال الأعمال أيضاً يعانون، من (عبقريات) الجباية الفذة - الرسوم والضرائب والجمارك والزكاة والدمغات و (التبرعات) الإلزامية والجبانات ·· الخ، محلية وولائية وإتحادية، ويعانون من فنيات جهاز الدولة الابداعية في إذلال المواطنين - فنيات التقاعس والتسيب والمحقة واضطراب المسؤوليات والإختصاص!
والمحبط أكثر أن رجال أعمالنا لم يكتشفوا بعد الصلة الجوهرية بين إزدهار الأعمال من جانب وبين الديمقراطية كنظام للحكم والتي تتوفر فيها وحدها آليات الإدارة الاقتصادية الراشدة من مراقبة ومساءلة لمتخذى القرار وشفافية ومنافسة نزيهة وسيادة حكم القانون وحرية التعبير والتنظيم لأجل الدفع بالمصالح الاجتماعية المختلفة·
{ والأزمة دائرية: الموظف الذى لا يجد قوت عياله يتجهم في وجه كل الدنيا، والطبيب مشغول الخاطر بين أوضاعه الخاصة المزرية وبيئة العمل البائسة لن يعطى مريضه إلا نصف عقله، وكذلك المعلم، والشرطى، و···· و······، وهكذا إنهارت اخلاقيات العمل في البلاد: ذهب أحد الأصدقاء لحلاقة شعره، وبعد إجلاسه على الكرسى والشروع عملياً في الحلاقة، إكتشف الحلاق أنه لا يملك موس حلاقة، فترك صاحبنا وذهب يبحث عن الموس في البقالات المجاورة! إنها الشروط نفسها التى تجعل طبيباً ينسى شاشاً فى إمعاء أو رحم مريض، وتجعل معلماً، هو مظنة التوقير والمهابة، يبيع الفطور لتلاميذه!
{ البلاد بائسة، ومكتئبة، وهى على برميل بارود من الأزمة الاجتماعية، ولكن مجلس الوزراء يجتمع وينفض، ولا أعلم مشغولياته، ولكنى لم أسمع بأنه وضع خطة ملموسة وبآجال زمنية لمواجهة القضايا الاجتماعية الضاغطة والملتهبة: قضايا الفقر، أجور العاملين، عطالة الخريجين، أوضاع الصحة والتعليم، وانهيار الخدمة العامة·· إلخ·· ويبدو ان همود الاكتئاب العام أرسل رسالة خاطئة للمسؤولين بأن تخلى الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية قد صار يؤخذ مأخذ البداهة والعادية!·· أم ترى ان المسؤولين مقتنعون بأن الصناديق التي أنشأت للدعاية وغسل الضمائر قد أعفتهم من المسئولية؟ أم ترى أن الجميع مشغولون بقضايا مثل إنضباط المظهر العام أو فقه الحلال والحرام فيما يختص بالإحتفال العام؟!
{ بلادنا عطشي للإصلاح، وليس من مسؤول يعطى دلالات عملية بأنه يعبأ، وكما قلت وأكرر إن الإصلاح الذي يتأخر إنما يؤذن بالانفجار، وإنى لأعجب كيف ينام المسؤولون؟
|
|
|
|
|
|