الي الساحر و السنجك مع التحية

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 04:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة حيدر محجوب عبد السلام(jini)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-21-2003, 09:02 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الي الساحر و السنجك مع التحية



    عالمية حقوق الإنسان وتنوع الثقافات والمرجعيات
    اطروحات وحلول في العالم العربي والغربي




    د. سامي الذيب
    مسؤول عن القسم العربي والإسلامي

    المعهد السويسري للقانون المقارن – لوزان



    (محاضرة أعطيت لمنظمة العفو الدولية في الرباط في 27/2/2000)





    أود أولا أن أشير إلى أنى لن أتكلم عن الإسلام بل عن المسلمين. فالإسلام مثله مثل المسيحية واليهودية تعبير مبهم لا وجود له على ارض الواقع، فان وجدتموه فادعوه يشرب القهوة عندي. بينما الموجود هو المسلمون الذين يجتمعون على أمور ويفترقون على أخرى.



    وليس القصد هنا الطعن في المسلمين بل تبيين نقاط الاختلاف بين حقوق الإنسان كما يفهمها قطاع واسع منهم وبين حقوق الإنسان كما حددتها الأمم المتحدة. كما سوف نبين كيف حاول المسلمون أنفسهم حل هذا الاختلاف من اجل حياة افضل.



    هذا وكلامي عن الأمم المتحدة لا يعني بحد ذاته قبول لهذه المنظمة بقدر ما هو قبول لحقوق الإنسان. فأنا من المطالبين بخروج العرب من هذه المنظمة التي لا تحترم مبادئها. ويكفي هنا ذكر آلاف الأطفال العراقيين الذين ماتوا ويموتون يوميا بسبب قرارات هذه المنظمة الجائرة.



    تنقسم مداخلتي إلى خمسة محاور

    1) نقاط الخلاف في مفهوم القانون

    2) نقاط الخلاف في مفهوم حقوق الإنسان

    3) رد المسلمين على نقاط الخلاف

    4) انتقال الخلاف مع المهاجرين المسلمين إلى الغرب

    5) رد الغربيين على نقاط الخلاف







    1) نقاط الخلاف في مفهوم القانون



    باختصار شديد هناك ثلاثة مفاهيم للقانون



    أ) القانون نتيجة اتفاق ديمقراطي: فالشعب يقرر ما هو القانون الذي يحكمه تماما كما يقرر نوعية جبنة Fromage de Gruyère التي يريد أن يأكلها: مع ثقوب كبيرة أم صغيرة، مع ملح أم دون ملح.



    ب) القانون نتيجة قرار ديكتاتوري: فالدكتاتور يضع القانون الذي يحكم الشعب دون أخذ رأيهم ويقطع راس المخالفين.



    ج) القانون نتيجة الدين والوحي: يقوم شخص بادعاء النبوة وانه على اتصال بالله فيفرض قانون باسم الله على شعب بعد إحكام السيطرة عليه بالترهيب والترغيب. ثم يقوم اتباعه بقطع رؤوس المخالفين. وهكذا يجتمع الدكتاتور والنبي في خانة واحدة. وعلى سبيل المثال يقول كل من الحاخام والفيلسوف اليهودي موسى ابن ميمون[1] والشيخ المسلم محمد متولي الشعراوي[2] بأن كل من يرفض تطبيق شريعة الله يجب قتله.



    والقانون الناتج عن الوحي نص لا يتغير بخلاف القانون الديمقراطي. فليس هناك طبعة ثانية منقحة للتوراة والإنجيل والقرآن. فما كُتب فقد كُتب. وما على الناس إلا تنفيذ النص الديني أو التحايل عليه وتحميله ما قد يحتمل أو ما لا يحتمل من التفاسير لتيسير أوضاعهم والحد من سطوته عليهم. ولو إنهم اعتبروه نصا تاريخيا إبن زمانه ومكانه لما احتاجوا لمثل هذا التحايل على النص الديني.



    ويلاحظ انه كلما كان النص الديني مشبعا بالقواعد القانونية الدنيوية، كلما كان تعامل الشعب معه أكثر صعوبة وأقل حرية. وهذا هو وضع التوراة والقرآن بما يتضمنا من تفاصيل قانونية مملة بخلاف الإنجيل الذي هو نص أخلاقي وليس نص قانوني إلا نادرا. وهذا ما جعل الغربيين المسيحيين يأخذون بالقانون الروماني الوضعي العلماني.





    2) نقاط الخلاف في مفهوم حقوق الإنسان



    مفهوم القانون يؤثر على مفهوم حقوق الإنسان ذاته. ويمكن هنا التفريق بين المفهوم الديكتاتوري الديني لحقوق الإنسان والمفهوم الديمقراطي العلماني الوضعي لتلك الحقوق.



    أ) المفهوم الديمقراطي العلماني الوضعي لحقوق الإنسان



    حسب هذا المفهوم، تنبع حقوق الإنسان عن الشعب الذي يقرر حقوقه من خلال ممارسته لسيادته. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من وثائق صادرة عن الأمم المتحدة نابعة عن إرادة البشر بقصد تأمين العيش بسلام. وليس في هذه الوثائق أي ذكر لله الذي تم إبعاده لأنه يفرق ولا يوحد. وهذا المفهوم لحقوق الإنسان يتميز في كونه يقر مبدأ المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الدين أو الجنس.



    ب) المفهوم الديكتاتوري الديني لحقوق الإنسان



    حسب هذا المفهوم، تنبع حقوق الإنسان ليس عن الشعب بل عن شخص خارج عنه. فالسيادة حسب هذا المفهوم ليس للشعب، بل لله (أو الديكتاتور). فلا يحق للشعب اخذ قرار حيثما وجد نص واضح الدلالة. وعلى خلاف المفهوم الديمقراطي، فإن هذا المفهوم لحقوق الإنسان يتميز في كونه لا يقر المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الدين أو الجنس. وهذا المفهوم تسير عليه كل من النظم العربية الإسلامية الحالية والتيارات الإسلامية المعارضة لهذه النظم. ونجد تأثير هذا المفهوم في مجالات عدة نذكر منها:



    - في مجال الحقوق السياسية: إذا ما تمعنا في القرآن وجدناه يفرق ما بين حزب الله وحزب الشيطان. وبناء على هذه النظرة قام الفقهاء قديما، ومنهم ابن تيمية، بمنع نشوء أحزاب سياسية لا تأخذ الدين قاعدة لها. وهذه الخلفية سبب لعدم نشوء ثقافة وممارسة سياسية تقبل بتعدد الأحزاب بصورة ديمقراطية في العالم العربي الإسلامي. ونجد امتدادا لهذه النظرة في مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الأزهر ومشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه حزب التحرير الإسلامي (الفلسطيني). وكل منهما يرفض وجود حزب غير إسلامي[3].



    - في مجال حقوق المرأة: كلنا نعرف نقاط التمييز ضد المرأة النابعة من منطلق ديني. ونذكر منها تعدد الزوجات، والطلاق بيد الرجل، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وحرمانها من الوصول إلى مناصب عامة مثل القضاء وغيره. وإن كان صحيحا انه حدث تقدم في بعض الدول العربية الإسلامية في إزالة بعض اوجه التمييز ضد المرأة، إلا أن التيارات الإسلامية ما زالت ترفض مثل هذا التقدم من منطلق ديني. وقد تحفظت الدول العربية ضد وثائق الأمم المتحدة التي تقر بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. وكان تحفظها من منطلق ديني.



    - في مجال حرية الرأي: نعرف جميعاً الحدود لحرية الرأي التي ترتكز على منطلق ديني. ويكفي هنا ذكر شنق محمود محمد طه في السودان، وقتل فرج فودا في مصر، وحادثة أبو زيد الذي طلقته محكمة النقض المصرية من امرأته بدعوى الردة فهربا إلى هولندا.



    - في مجال الحرية الدينية: ما زالت أكثرية المسلمين وأنظمتهم تعتبر المسلم الذي يترك دينه مقترفاً لجريمة الردة مع أن الردة ليست جريمة بل حق مقدس. فليس لأحد أن يُجبَر في عبادة الله بخلاف ما يقتنع فيه ضميره. وإن كانت قوانين الدول العربية لا تنص جميعها على قتل المرتد عملا بالحديث النبوي (من غير دينه فاقتلوه)، فإنها تمنع المرتد من الزواج، وتعتبر الردة بعد الزواج سببا لفصله عن زوجته وحرمانه من أطفاله ومن حقه في الميراث وتصفية ميراثه، كما انه يحرم من عمله ويضطر على ترك بلده للنجاة من الموت. ونشير هنا انه بخلاف من يترك الإسلام فان من يترك دينه ليدخل الإسلام يُرحب به. وهذا يعني أن الحرية الدينية في اتجاه واحد.



    - في مجال الاقليات الدينية: صحيح أن لأهل الذمة حقوق اعترف بها المسلمون ولكن لم يتم الاعتراف بمن لا يدين بغير دين سماوي. فحتى يومنا هذا ترفض الدول العربية الاعتراف بالبهائيين وتعتبرهم مرتدين. وحقوق أهل الذمة ما زالت تخضع لقيود مخالفة لحقوق الإنسان حتى يومنا هذا. وعلى سبيل المثال يمنع الذمي أن يتزوج من مسلمة بينما يسمح للمسلم اخذ نساء الذميين. والذمي الذي يتزوج من مسلمة يعتبر مقترفاً إثما لا يُغتفر. ونشير هنا إلى وجود آلاف من المسيحيين الذين يعملون في السعودية يُحرمون من حق إقامة شعائرهم الدينية ويُمنعون من إقامة كنائس لهم هناك رغم أن السعودية هي التي تبني الجوامع في الدول الغربية.



    - العقوبات الجسدية وسلامة الجسد: ما زال عدد من الدول الإسلامية ينفذ العقوبات الشرعية مثل الجلد وقطع الأطراف والرجم والإعدام وعقوبة القصاص (العين بالعين والسن بالسن) من منطلق ديني. وهذه العقوبات الشرعية مخالفة لحقوق الإنسان أدانتها منظمة العفو الدولية. وما زال المسلمون يمارسون ختان الذكور والإناث في عدد من الدول الإسلامية من منطلق ديني. حتى أن شيخ الأزهر جاد الحق اصدر فتوى يقول فيها: (الختان للرجال سنة وهو من الفطرة وهو للنساء مكرمة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه)[4]. وقد بينت في كتابي (ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين)[5] بأن كل من الختانين مخالف لروح القرآن.



    - الرق: ما زال هناك حتى في عصرنا من يدافع عن الرق من منطلق ديني إسلامي. ونذكر في هذا المجال العالم الإسلامي الباكستاني الكبير المودودي[6]، وعضو البرلمان المصري الشيخ صلاح أبو إسماعيل[7]، والأستاذ الجامعي المصري احمد حمد احمد. وقد اقترح هذا الأخير قانونا موحدا للجيوش الإسلامية يوضح فيه إمكانية استرقاق الأسرى وتقسيم نساء الأعداء على جنود المسلمين كسبايا. وهذا القانون في نظره يجب أن يحل محل معاهدات جنيف[8].





    3) رد المسلمين على نقاط الخلاف



    بطبيعة الحال لا يتفق كل المسلمين مع هذه المخالفات لحقوق الإنسان ذات المنطلق الديني. فالعالم العربي الإسلامي يعرف اتجاهات فكرية كثيرة منها المتزمتة دينيا ومنها الرافضة لمثل هذا التزمت. ونذكر هنا بعضها على سبيل المثال:



    - المتزمتون دينياً: هذا الاتجاه لا ينتقد مخالفات حقوق الإنسان المذكورة أعلاه إلا نادراً. لا بل يطالب الأنظمة السياسية في اتخاذ مواقف اكثر اتفاقاً مع مفهومهم للدين والقرآن، والتخلي عن القوانين الحالية. وقد وضع عدد من الاتجاهات المتزمتة مشاريع دساتير مختلفة تتفق مع مفهومها للدين[9]. وإذا ما طبقت هذه الدساتير فمن المؤكد بان انتهاكات حقوق الإنسان في الدول الإسلامية سوف تزداد حدة، خاصة في مجال الأحزاب السياسية وحرية الرأي وحقوق المرأة وغير المسلمين وتطبيق قانون العقوبات. ونشير هنا إلى أن الجامعة العربية قد وضعت مشروعا لقانون عقوبات موحد لجميع الدول العربية يتفق مع موقف المتزمتين. وان دخل هذا المشروع حيز التنفيذ فسوف يكون نكسة كبرى لعالمنا العربي والإسلامي.



    - إبقاء الوضع كما هو: بمواجهة الاتجاه المتزمت دينيا هناك الاتجاه الحكومي في بعض الدول مثل مصر التي لا تريد تغيير الوضع. فمن جهة لا تريد تغيير مواد قوانين الأحوال الشخصية المخالفة لحقوق الإنسان في مجال المرأة وغير المسلمين، وذلك حتى لا تغيظ الاتجاه الديني المتزمت. ومن جهة أخرى ترفض ترك قانون العقوبات لإحلال الشريعة الإسلامية مكانه كما يطالب الاتجاه المتزمت.



    - التفريق بين المكي والمدني في القرآن: هناك اتجاه يفرق بين القرآن المكي (الذي نزل في مكة قبل استلام النبي محمد الحكم) والقرآن المدني (الذي نزل في المدينة بعد استلام النبي محمد الحكم). فمن المعروف أن القرآن المدني هو الذي يحتوي على الآيات ذات الطابع القانوني التي تخلق مشاكل في مجال حقوق الإنسان في أيامنا عند المسلمين، بينما القرآن المكي فهو لا يتضمن قواعد قانونية بل يكتفي بوضع مبادئ عامة تؤكد على مبدأ المساواة بين الجميع دون تمييز جنسي أو ديني. ولذا فالقرآن المكي لا يتعارض مع حقوق الإنسان. ولهذا السبب يعتبر البعض أن القرآن المكي هو الذي يعبر عن روح الإسلام بخلاف القرآن المدني الذي تضمن تنازلات من قبل النبي محمد لأهل زمانه. وعليه فإن القرآن المكي ينسخ القرآن المدني[10]. وقد قادت هذه النظرية الجريئة صاحبها وهو الأستاذ محمود محمد طه السوداني إلى حبل المشنقة عام 1985بتحريض من الأزهر وتصفيق من عدد من الهيئات الدينية الإسلامية الأخرى.



    - التفريق بين القرآن والحديث: هذا الاتجاه يقول بأن القرآن هو وحده كلام الله وله وحده الطاعة. أما الحديث فأكثره ملفق ومنسوب زورا للنبي ولا طاعة له. ومن بين مؤيدي هذا التيار العقيد معمر القذافي ومواطنه القاضي مصطفى كمال المهدوي الذي كتب كتابا بعنوان (البيان بالقرآن)[11]. وقد تعرض هذا القاضي إلى محاكمة بالردة وحملة شرسة من قبل رجال الدين المسلمين في بلده وخارجه. وقد انتهت محاكمته بحكم متناقض اقر بتبرئته وفي نفس الوقت بمنع كتابه. ومن مؤيدي هذا الاتجاه نذكر المصري رشاد خليفة الذي اشتهر بنظريته حول الإعجاز العددي للقرآن، مرتكزاً على العدد 19(الذي جاء في سورة المدثر 74:30)[12]. ولكنه بعد ذلك اصدر كتيباً يرفض فيه الحديث النبوي الذي اعتبره من كلام البشر، لا بل من عمل الشيطان[13]. وعلى اثر إعلانه عن هذا الموقف، سقطت شهرته وصدر ضده عدد من الفتاوى تعتبره مرتداً. وقد تم اغتياله على يد أحد المسلمين في عام 1990.



    - تأويل القرآن: هناك عدة محاولات لتأويل القرآن للتغلب على المشاكل الناتجة عن بعض آياته. وقد لجأت حركات نسائية مغاربية تضم نساء من تونس والجزائر والمغرب إلى هذا الأسلوب. فبدلا من التخلي عن نصوص القرآن المعارضة لحقوق الإنسان حاولت هذه الحركات تقديم تأويل تقدمي لهذه النصوص لإلغاء هذه المعارضة ولإسكات المتزمتين دينياً. وقد أصدرت مشروعاً للأحوال الشخصية يلغي كل أنواع التمييز ضد المرأة وغير المسلمين أطلقت عليه اسم (مائة إجراء ومقتضيات من اجل تقنين مغارب بروح المساواة في مادة الأحوال الشخصية وقانون الأسرة). وهذا المشروع، انطلاقا من هذا التأويل التقدمي، يلغي تعدد الزوجات، ويلغي حق الرجل في تطليق امرأته بإرادته المنفردة، ويمنح المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، ولا ينص على مانع الردة للزواج، ويسمح بزواج المسلمة من رجل غير مسلم، ولا يحرم الغير مسلم من ميراث المسلم. وقد تم نشر هذا المشروع أيضا في لبنان بتحريض مني من قبل (منظمة حقوق الناس).



    - إلغاء مفهوم الوحي: إن كانت الاتجاهات السابقة الذكر تحاول التشديد على ضرورة احترام شرع الله أو محاولة التحايل عليه بالمراوغة أو التأويل، فإن هناك من رأى اختصار الطريق برفض فكرة الوحي والأنبياء جملة وتفصيلا لإعطاء الإنسان الحق في تقرير المصير بدلا من إخضاعه لإرادة خارجية غيبية. ونذكر في هذا المجال الطبيب والفيلسوف الكبير محمد بن زكريا الرازي الذي يعتبر أحد اكبر الشخصيات في الحياة الفكرية الإسلامية على مر عصورها حسب قول الأستاذ عبد الرحمن بدوي. وقد كان الرازي قد كتب كتاباً عنونه (مخاريق الأنبياء) لم يبقى لنا منه إلا فقرات ضمن ردود أعدائه عليه. كما هناك كتابه المسمى (الطب الروحاني). ويتبين من هذا وذاك أن الرازي يؤكد على أن العقل يكفي وحده لمعرفة الخير والشر فلا مدعاة لإرسال الأنبياء لقيادة البشر. فإرسال الأنبياء هذا تفضيل لا تبرير له لبعض القوم على بعض ومدعاة للشقاق بين الناس. فالعقل هو المرجع للإنسانية وليس الوحي[14]. وفي عصرنا هناك موقف مشابه اتخذه الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود الذي يطالب قبل أن يتاح لنا استنبات زرع جديد أن تقتلع من تربتنا الثقافية نظرة العربي بأن السماء قد أمرت وعلى الأرض أن تطيع، وأن الخالق قد خط وخطط وعلى المخلوق أن يقتنع بالقسمة والنصيب، وأن المنقول إذا ما تناقض مع المعقول ضحينا بالمعقول ليسلم المنقول[15]. وهناك المفكر والكاتب المصري حسين فوزي الذي التقيت به في 8 سبتمبر 1977 وسألته كيف يمكن التعامل مع الحركات الإسلامية التي تطالب بتطبيق شرع الله الذي جاء في الكتب السماوية علي يد الأنبياء. وكان رده أن الله قد خلق البشرية في ستة أيام ثم ذهب ليستريح في اليوم السابع كما جاء في التوراة. وبما انه رأى قبل استراحته أن كل ما عمله حسن حسب قول التوراة، فلم يكن هناك داع لرجوعه للعمل في اليوم الثامن. وعليه لم يكن له مجال لإرسال الأنبياء. فالأنبياء لم يحصلوا على أي تفويض من الله بل كل منهم جاء بناء علي تفويض ذاتي لا دخل لله فيه، وما إدعاؤهم بان الله أرسلهم للبشرية إلا حيلة للسيطرة على الغير وإسكات معارضيهم[16].



    4) انتقال الخلاف مع المهاجرين المسلمين إلى الغرب



    إذا ما نظرنا في كتب الفقهاء القدامى نرى انهم يمنعون إقامة المسلمين في ديار الكفار ويطالبونهم بالهجرة منها إلى ديار الإسلام حتى يتمكنوا من تطبيق الشريعة[17]. ولكن مع تغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اخذ المسلمون يهاجرون للدول الغربية بحثاً عن لقمة العيش وطلبا للعلم. وقد حمل المهاجرون المسلمون معهم عاداتهم كما حملوا ملابسهم. وإن حاولوا التأقلم مع محيطهم الجديد الغير مسلم، إلا أن بعضهم حاول العيش هناك على طريقة تتفق وما يعتقد بأنه جزء من معتقده الديني. وقد حدث نتيجة لذلك تصادم بين معتقدات المسلمين المهاجرين وبين النظام القانوني والاجتماعي للدول الغربية المضيفة. ونعطي هنا بعض الأمثلة على ذلك التصادم:



    - الحرية الدينية: يحاول المسلمون في الغرب التبشير بمعتقداتهم الدينية من خلال الإقناع، ولهم الحق في ذلك. وقد نجحوا فعلاً في اجتذاب عدد من الغربيين إلى ديانتهم. إلا أن بعض الأساليب تؤخذ عليهم لكونها صيد في المياه العكرة كما هو الأمر عندما يفرض اعتناق الإسلام وإن شكلاً على من يريد التزوج من مسلمة (انظر النقطة التالية). وهناك محاولات للضغط المباشر وغير المباشر على المسيحية التي تتزوج مسلم لكي تغير دينها (من خلال حرمانها من الميراث أو من الحضانة إلخ). وعلى العكس من الحرية التي يتمتع بها المسلمون في التبشير بدينهم في الغرب، فإنهم يرفضون الاعتراف بنفس الحرية للآخرين. ومن يتجرأ من المسلمين على تغيير دينه حتى في الغرب يعيش في حالة خوف دائم من المسلمين. وأنا اعرف شخصياً مغاربة وسوريين وعراقيين مسلمين اصبحوا مسيحيين ولكنهم يخفون هويتهم بسبب هذا الخوف.



    - الزواج: لا تقبل الدول الغربية بالانتماء الديني كمانع للزواج. وعليه فإن الرجال المسلمين قد تزوجوا مع كثير من المسيحيات الغربيات. إلا أن هؤلاء المسلمين رفضوا أن تتزوج أخواتهم وبناتهم مع الرجال الغير مسلمين من منطلق ديني إلا إذا تحولوا إلى الإسلام. وقد أدى مثل هذا الزواج دون تغيير الدين إلى مشاكل أوصلت بعض المسلمين إلى السجن أو حملتهم إلى خطف النساء المسلمات التي تجرأت على مخالفة الشريعة الإسلامية.



    - الميراث: لا يفرق القانون الغربي بين الرجل والمرأة في الميراث كما تفعل الشريعة الإسلامية. وقد حدثت بعض قضايا طالبت فيها النساء المسلمات القضاء الغربي عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ومعاملتهن بالتساوي مع الرجال في الميراث.





    - الحجاب: أثار الحجاب ضجة كبيرة في دول غربية من بينها فرنسا وسويسرا. وفي هذا البلد الأخير يفرض الدستور على المدارس العامة اتخاذ موقف محايد من الدين. فالدين لا يُدرس في هذه المدارس بل تُدرس مكانه الثقافة الدينية التي قد يعلمها أستاذ ملحد. ولا يحق لإدارة المدرسة وضع الصليب في قاعات التدريس لأن ذلك يعتبر مخالفاً لمبدأ الحياد الديني. وبنفس المنطق لم يسمح لمعلمة سويسرية تزوجت من جزائري وأسلمت من لبس الحجاب في المدرسة العمومية لان الحجاب يعتبر رمزا دينياً. وقد تدخلت المحكمة الفدرالية للتأكيد على هذا المبدأ.

    - المقابر: ليس كل الدول الغربية تقبل بالمقابر الدينية التي تعتبر نوعا من التمييز الديني وتفريق بين الناس على أساس الدين. والمسلمون، حتى من تزوج منهم مع مسيحية وعاش معها في نفس السرير لمدة خمسين عام وانجب منها البنات والبنين، يرفض أن يدفن في المقابر العامة قرب زوجته بعد وفاته وذلك من منطق ديني يقول أن الله يعذب الكفار في قبورهم ولذا يجب عدم مجاورتهم. وهذا ما جعل المسلمين يطالبون في سويسرا بمقابر لهم منفصلة عن مقابر (الكفار). إلا أن طلبهم هذا يقابل بالرفض والاستهجان. وأنا شخصيا من الرافضين لمطلب المسلمين لأنه مطلب عنصري في نظري. فما داموا يعيشون مع المسيحيين فلماذا يجب أن ينفصلوا عنهم في مماتهم؟ فهل التسامح بين البشر يتوقف عند باب القبر؟

    - ختان الذكور والإناث: هناك عدد متزايد من المهاجرين المسلمين من الدول التي تمارس ختان الإناث. وقد أدانت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات والدول الغربية هذه الممارسة التي تعتبر خرقا لسلامة الجسد. وقد أدى ذلك إلى قضايا أمام المحاكم أثارت ضجة كبيرة في الغرب. ونشير هنا إلى أن سكوت المنظمات المذكورة والدول الغربية عن ختان الذكور ليس لأنه مفيد للصحة بل لأن إدانته تعرض تلك المنظمات والدول الغربية إلى غضب اليهود الذين يعتبرونه جزء هام من معتقدهم. وهذا الموقف الذي يميز بين الذكور والإناث بسبب الخوف من اليهود هو خرق صارخ لحقوق الإنسان وتعدي على الأطفال. وأنا أدين بشدة هذا الموقف الذي يتنافى مع الأخلاق والمبادئ الإنسانية. ونشير هنا إلى أن الحق في سلامة الجسد لم يتم ذكره في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة حقوق الطفل والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولا نستبعد في أن يكون سكوت هذه الوثائق عن حق أساسي في هذه الأهمية هو أيضاً بسبب الخوف من اليهود.



    5) رد الغربيين على نقاط الخلاف



    كما حاول المسلمون التوفيق بين نظرتهم لحقوق الإنسان ونظرة الأمم المتحدة لتلك الحقوق، حاول الغربيون الوصول إلى حل مع المسلمين لتفادي حصول مشاكل تضر بالسلام الداخلي وبمصالحهم وبمصالح المهاجرين المسلمين على السواء. ونذكر في هذا المجال بعض من تلك المحاولات:



    - الحوار الديني المسيحي الإسلامي: منذ عدة عقود حاول المسيحيون تنظيم عدة لقاءات مع كل من اليهود والمسلمين لإيجاد إمكانية تفاهم بينهم. وقد كانت حقوق الإنسان من المواضيع الأكثر بحثاً. ولكن مثل هذه الحوارات الدينية لم تؤدي إلى أي نتيجة في مجال احترام حقوق الإنسان. فحتى يومنا هذا لم يتم مثلاً حل مشكلة الزواج المختلط والتي تزداد حدة يوما بعد يوم. والسبب في عدم حصول نتيجة هو فقدان عنصر الصراحة وسيطرة الخوف في تلك الحوارات. فالكل يحرص كل الحرص على عدم إثارة ما قد يعصف بتلك الحوارات. ولا أكون مبالغاً إن قلت أن الفائدة الفعلية الوحيدة من تلك المؤتمرات هو الأكل والشرب.



    - الحلول التشريعية: أمام مطالب المسلمين بتطبيق شريعتهم حتى في المجالات التي تخالف حقوق الإنسان يرد الغربيون بأن تلك الشريعة تصطدم مع النظام العام والدستور. فليس للمسلمين فرض شريعتهم على المجتمع الغربي لأن ذلك يعني قلب للديمقراطية في الغرب. وهناك من يطالب باتخاذ موقف أكثر صرامة مع المسلمين. فمنهم من يطالب برفض تجنسهم أو منحهم اللجوء السياسي إلا إذا وافقوا على احترام الدستور والقوانين الداخلية وحقوق الإنسان. ومنهم من يرى انه يجب ترحيل المسلمين إلى بلادهم لأنه ليس في إمكان المسلمين احترام القوانين الغربية التي تخالف شريعتهم الإسلامية.





    - الحلول الوقائية: يعتبر موضوع الزواج المختلط أحد المجالات التي يصطدم بها القانون الغربي بالشريعة الإسلامية. وبما انه لا يمكن منع المسلم من الزواج من مسيحية، هناك من يطالب بأن يقوم الزوج المسلم بالتعهد كتابة على احترام القانون الغربي واحترام وما يتم الاتفاق عليه بينه وبين زوجته في جميع المجالات بما في ذلك احترام حرية الدين للزوجة والأطفال والاعتراف بالحقوق المتبادلة بين الزوجين وكذلك مكان الدفن حتى يتم تفادي التضارب بين المعتقدات الدينية للزوج المسلم وحقوق الإنسان[18].



    - الحلول الفلسفية: كما فعله الفلاسفة المسلمون أمثال الرازي وزكي نجيب محمود وحسين فوزي، هناك من يطالب بفتح باب الجدل الفلسفي فيما يخص العلاقة بين الدين والقانون عموماً. وهذا الاتجاه يرى أن الاستمرار في الاعتقاد بان هناك اله في العلاء يأمر وإنسان على الأرض يجب أن يطيع سوف يعيق التقدم في مجال حقوق الإنسان. فبدلا من الاعتماد على الوحي في تيسير أمور الناس، يجب الاعتماد على العقل الذي هو هبة الله للجميع دون تمييز بين ذكر وأنثى وبين مؤمن وغير مؤمن. وعليه يجب حذف فكرة الوحي تماما ما دام انه ليس هناك أي وسيلة علمية للاتصال بالله لمعرفة إرادته كلما حلت بالناس مشكلة يجب حلها. وإلغاء فكرة الوحي يعني إلغاء القداسة عن الكتب المقدسة فتصبح مجرد كتب تاريخية مرتبطة بزمان ومكان معينين وتدخل ضمن تحايل البعض لفرض سيطرتهم على الآخرين باسم الله. وإلغاء فكرة الوحي يعيد للإنسان حقه في تقرير مصيره بذاته دون وسيط خارجي. وهذا هو الأقرب من الحديث القائل: (كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته)، والحديث القائل: (إن العلماء هم ورثة الأنبياء). وقد قام الأنبياء أو من ندعوهم كذلك بدورهم في زمنهم وهم مشكورون على ذلك. وعلينا نحن أن نتحمل دورنا في زمننا بدلا من الاتكال عليهم. ونحن نعتقد بأنه إذا لم يصبح التلميذ افضل من معلمه فإن البشرية ترجع إلى الوراء ولا تتقدم. وبدلا من ركوب الطيارات والسيارات سوف نستمر في ركوب الحمير والدراجات.



    وننبه هنا إلى أن إلغاء الوحي لا يعني بحد ذاته الإلحاد بالله. فمن الجور الحكم على فيلسوفنا الرازي بالإلحاد لمجرد رفضه للوحي والنبوة. فكتاباته تبين انه رجل مؤمن بالله. والإيمان بالله سابق لمجيء الأنبياء ويبقى بعد رفض نبواتهم. وبعض العرب قبل مجيء النبي محمد كانوا يؤمنون بالله، وقد ورثنا عنهم كلمة (الله). وفي القرآن كثير من الآيات التي تبين إمكانية الوصول إلى معرفة الله من خلال العقل والتمعن في مخلوقاته.





    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] Moïse Maïmonide : Le livre de la connaissance, PUF, Paris, pp. 99-100

    [2] محمد متولي الشعراوي: قضايا إسلامية، دار الشروق، 1977، ص 28-29.

    [3] انظر ترجمة الدستورين في كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : Les musulmans face aux droits de l'homme, Winkler, Bochum, 1994, pp. 528 et 541.

    [4] نص الفتوى كاملا في كتابي: سامي الذيب: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني، رياض الريس، بيروت، عام 2000، ص 439-448.

    [5] سامي الذيب: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني، رياض الريس، بيروت، عام 2000.

    [6] أبو الأعلى المودودي: الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة، دار القلم، الكويت، 1978، ص 63-109.

    [7] صلاح أبو إسماعيل: الشهادة، دار الاعتصام، القاهرة، 1984، ص 78-79.

    [8] احمد حمد احمد: نحو قانون موحد للجيوش الإسلامية، مكتبة الملك فيصل الإسلامية، الدوحة، 1988، المواد 52 و 191-194.

    [9] انظر ترجمة لخمسة من هذه الدساتير في كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : Les musulmans face aux droits de l'homme, Winkler, Bochum, 1994, pp. 523-569.

    [10] عرضت هذه النظرية في كتاب محمود محمد طه: الرسالة الثانية من الإسلام، أم درمان، 1986.

    [11] مصطفى كمال المهدوي: البيان بالقرآن، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، مصراتة، 1990

    [12] رشاد خليفة: معجزة القرآن الكريم، دار العلم للملايين، بيروت، 1983.

    [13] Rashad Khalifa: Quran, Hadith and Islam, Islamic productions, Tucson, 1982

    [14] عبد الرحمن بدوي: من تاريخ الإلحاد في الإسلام، سينا للنشر، القاهرة، 1993، ص 234-241.

    [15] زكي نجيب محمود: تجديد الفكر العربي، دار الشروق، القاهرة، 1974، ص 294.

    [16] انظر حول فكر حسين فوزي كتابي Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : L’impact de la religion sur l'ordre juridique, cas de l'Egypte, Editions universitaires, Fribourg, 1979, p. 134.

    [17] انظر مقالي: Sami A. Aldeeb Abu-Sahlieh : La migration dans la conception musulmane, in Oriente moderno, année XIII, no 7-12, 1994, pp. 219-283

    [18] انظر في هذا المجال كتيبي Sami Aldeeb : Mariages entre partenaires suisses et musulmans, connaître et prévenir les conflits, Institut suisse de droit comparé, Lausanne, 3ème édition, 1998
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de