دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
مجرى النهر .. عكس التيار
|
طفتْ وردة يانعة من ورود النيل ،، تتباهى بلونها الأخضر اللامع على سطح النهر ،، طفتْ هاربة من صخب البحيرة و هديرها ،، و رذاذ مياهها يضرب جنباتها فتملأ صفحتها الخضراء بقطرات كبيرة تجعلها تغطس هنا لتطفو هناك ناثرة عنها قطرات الماء فتنزلق من عليها كأوزة مهاجرة تستحم بعد طول عناء الرحلة تنفض عن جناحيها الماء.
دخلتْ أرضا جديدة ،، متوجسة ،، تدور حول نفسها حتى لا يفاجئها خطر داهم.
و ما أن وصلتْ لتخوم البلد الآخر شمالا ،، حتى وقف نفر طوال القامة ،، بلونهم الأبنوسي اللامع ،، يقفون متكئين على رماحهم الطويلة التي يضارعونها طولا يحملقون في هذه الزائرة الجديدة ،، كانوا يعرفون أنها بداية جديدة لأرض جديدة و أن الوردة أول الغيث تعقبه زخات و زخات. لم يعيروها كثير إهتمام ،، فالنهر فيه متسع للجميع و لها أن تسرح و تمرح فيه طالما أنه لا ضرر منها.
هناك إنقسمتْ الوردة عن طيب خاطر ،، فبقي جزء منها ليسكن هذا الجزء من النهر المبارك ، و إنطلقتْ هي بعد أن رأتْ الترحاب الصامت في بداية رحلتها. بقيت الوردة المنقسمة ،، تتناسل و تتكاثر و هي لا تدري أنه سيأتي يوم يجبرونها فيه لتفصل شرايينها المتصلة بالماء لتموت غرقا بين أحضان مًن نفحها الروح و الحياة ،، سيقولون أنها تعرقل مسيرة النهر و الحياة فيه ،، هكذا سيقولون لها.
وإنطلقتْ الوردة الأخرى تتهادى توزع بذورها على ضفتى النهر و مستنقعاته ،، تتهادى و هي ترى زنابقها تنمو و تترعرع و تتكاثر في سرعة مذهلة ،، لا ينافسها في السباحة شرقا و غربا أي منافس ، ففرحتْ التماسيح و أفراس النهر لأنها وجدتْ ما تختبيء تحته لأغراض في نفوسها. و وجدتْ الشمس متسعا من الوقت لتقوم بتبخير مياه النهر على مهل و روية بين فرجات الورود التي ملأتْ صفحة النهر ،، فصار المطر موسميا ،، و توالدت أنواع جديدة من الذباب تعلمتْ كيف تجعل النوم ممكنا حتى الموت ،، و غضبتْ إناث البعوض على ذكورها لأن الذكور يتمسكون بالسكنى في المياه الساكنة و البرك الآسنة تاركين النهر الجاري للورود الدخيلة ،، فأقسمتْ أن تملأ البلد بفيح الحمى و أن تعكر صفو الليالي على النائمين في ( الرواكيب ) و ( الحيشان ) إنتقاما من ذكورها.
قال الرب عز و جل في سورة القمر ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر و فجرنا الأرض عيونا فألتقى الماء على أمر قد قدر ). هذا في أمر الطوفان ،، و لكن أمر الله يكرره بمشيئته وقتما يشاء و حيث يشاء و لمن يشاء .
فالوردة المنتشية بخطواتها الحثيثة شمالا بعد أن نثرتْ بذورها جنوبا و إطمأنتْ بأن ذريتها ستعيش بسلام و في أمان ،، فوجئتْ بالمد الصاخب يأتيها من جهة أخرى ،، كله عنفوان و قوة ،، داكن اللون تشوبه حمرة ،، يخالطه لون الطين ،، يجرف بين طياته الهادرة كتلا من الأخشاب و الحيوانات النافقة و أشجارا بكاملها تتقلب في أتون أمواجه التي تأكل ضفتيه بنهم ،، فتتداعى كتل الطين لتزيد النهر غباشا و خصوبة. و كأن همهمة الصاخب هذا تؤكد أن هؤلاء الذين صحبوا النهر إلى مكان لقاء ذراعه اليسرى ،، تؤكد أنهم مثل نهرهم الذي تبعوه ،، معفًرة وجوههم ،، قوية أجسادهم ،، يتلهفون على ملاقاة قدرهم الموعود في هذه الأرض التي تدندن بلحن التمازج و اللقاء الفريد ،، نساءهم يشبهن هذا الهادر في الخصوبة و اللون ،، أخذن منه عنفوان المشاعر و صدقها و أرضعنها للأجيال المتلاقحة معها و الآتين من شعاب الأرض و فجاجها ،، شعْث غٌبْر ، حفاة الأقدام ،، فكانت ثمرة هذا التلاقح مزيج فريد و كأنه ترياق يصعب تركيبه مرة أخرى مهما تفنن الناس في عناصره و مركَباته.
صخب الأيمن الممزوج بعصارة التاريخ ،، و هدوء الأيسركهدوء حكماء القبيلة ،، يجتمعان كنقيضين ،، فتتغلب الحكمة الوقورة على العنفوان الهادر عند دلتا الإلتقاء ،، فيرتفع منسوب الترياق بعناصر أخرى ،، بهار و توابل و أعشاب ،، فيكمل النقيضان الرحلة و هما يعتلجان إعتلاج النفس البشرية في مسيرة التكوين الأزلية،، فأمتلأتْ ضفتى النهر شرقا و غربا بأجيال معتلجة لونا و مزاجا ،، يحمل النهر في جريانه هذه الخلطة فيوزعها على الأخضر و اليابس و يسقيها لهم عبر الزرع و الضرع.
تناثرتْ الجبال غربا و تناثرتْ شرقا ،، لتكون بإذن ربها أوتادا لخيمة الأرض الممتدة المترامية الأطراف ،، حتى النهر لم تخلٌ جزره من هذه الأوتاد الموصولة بعروق طبقات منسوب الماء كالشرايين و الأوردة في طول البلاد و عرضها .
تهب رياح موسمية جافة مغلفة بموجة ( السَموم ) الحارة تحمل في طياتها بذور ( العٌشَر ) و ( الضريسا ) و ( المسكيت ) و ( الحلفا ) و ( التنوم ) و ( الحرجل ) و ( المحريب ) و تنثرها هنا و هناك في إنتظار هطول الأمطار لتجد البذور طريقها عبر طبقات الرمل و الطين و من بين الصخور لتعاود نضوجها و تمتليء بقلاتها ببذور يافعة سرعان ما تتطاير في كل إتجاه بإنتظار الخريف التالي ،، لا تبالي أين فروعها و أين جذوعها و أين جذورها ،، تنطلق لتأخذ الحياة طريقها إلى فلقات حباتها ،، هكذا في دورة محسوبة و موقوتة.
تغرد ( قٌمرية ورقاء ) على غصن شجرة تقع عند سفح جبل شرقي ،،، كانت تنقل خبرا تنافس به الزواجل من الحمام ،، إنها تبشر أسراب الطيور بأن أنهارا قد شق الله لها طريقا وسط البلاد و أن الخير عميم من الحب و النبات ،، فبدأتْ منذئذ أسراب الطيور في رحلات منتظمة تجوب ضفاف النهر ،، و تعود إلى أوطانها عندما يبدأ الغمام في التجمع ،، و ( يشيل القبلي ) ،، خبر يحسدها عليه الهدهد سليل هدهد سيدنا سليمان ناقل الأخبار.
قايض الرعاة المزارعين بما يحملونه من خيرات جبالهم و أوديتهم و سهولهم ،، و من ثَمً إتجه الرعاة نحو مراعيهم يقودون قطيعا من الأبقار التي تسر الناظرين بألوانها ،، أبقارا لا ذلولة فتثير الأرض ،، و لا تتشابه عليهم فهي موسومة على ( سناكيتها ) منعا للتشابه و الإختلاط و الإقتتال ،، ،، أبقارا تحمل الكَل و تطعم الضيف و تحمل متاعهم يوم ظعنهم و تتحمل مشاق حلهم و ترحالهم. و بقيتْ الورود ساكنة ،، في إنتظار مخاض جديد ،، تأمل في رحلة جديدة على مجرى النهر أو عكس التيار.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
عندما غالبها التيار طارت على أجنحة الشوق معتقدة الخلاص ناسية أن الحب الذي إمتزج امتزاج الأزرق والأبيض وكل الحضارات الممتدة سيمنحها القوة للعودة بعكس التيار لتبدأ الرحلة من جديد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ali othman)
|
Quote: بقيت الوردة المنقسمة ،، تتناسل و تتكاثر و هي لا تدري أنه سيأتي يوم يجبرونها فيه لتفصل شرايينها المتصلة بالماء لتموت غرقا بين أحضان مًن نفحها الروح و الحياة ،، سيقولون أنها تعرقل مسيرة النهر و الحياة فيه ،، هكذا سيقولون لها. |
هؤلاء .. يا أبا جهينة مثل رجال الفاتح أبوعاقلة في قصيدته " تعزية لكل شجرة في النيل الأزرق قطعها الجلابة" الواردة أدناه .. إذ كانوا يقطعون شرايين الحياة .. ويجهلون كانوا يشوهون حضارة النهر .. ولا يعلمون الأسى للوردة التي قتلها هؤلاء .. والتعزية للشجرة التي قطعها هؤلاء .. ..
أرنب في البراري يرقص شاربه .. نسمة فتحت ثغرها .. سدرة جدلت شعرها .. وجميزة ثقبتها الرياح .. منزلق للجرانيت أبيض .. أسود .. برقعه الضوء قافلة من تلال الرمال .. وقمرية شهقت روحها في ضوء الكمال .. عراض الجلابيب أعينهم ثقبت للقفا .. ملئت بالنقود .. عشعش فيها الصدى سكة صعدت .. هبطت .. طار منها القطا .. تركتها العراقيب .. يا وحشة .. هجرتها الخطى واقف أنت يا جبل النوم .. ظللك النحل .. والوعل يرهب صخرتها الناتئة واقف أنت يا شجر الطلح .. بين الدخان وبين العرق صامتا سرت بين الكمائن تملأ جلبابهم بالورق غائر شلخ هذا المكان .. غائر جرح هذا المكان .. صرير الرياح تسرب نحو الجبال وخلى قفاه لتسحبها الريح نحو المزلقان جدير هو الطلح بالبرم الزعفران والرجال القصار .. عراض المناخير .. طوال المشاوير عزف المناشير .. هدب هامتهم .. لون أيامهم باليباس ظلال الرواكيب تحفظ أسرارهم .. خدر العيش يشحنهم بالنعاس يقول كجور القبيلة "ليس جديرا بحق الرجولة أن تستباح طهارة هذا العراء"
التحية للفاتح أبوعاقلة .. التحية لك يا أبا جهينة .. ولك الود
صلاح / شتات
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
عزيزي الأخ علي عثمان تحية و تقدير
عفوا يا أخ علي ،، فأنت عندنا أكبر من المغرد خارج سربه أو من ملطخ صور الجمال
ماذا تقول في :
عندما غالبها التيار طارت على أجنحة الشوق معتقدة الخلاص ناسية أن الحب الذي إمتزج امتزاج الأزرق والأبيض وكل الحضارات الممتدة سيمنحها القوة للعودة بعكس التيار لتبدأ الرحلة من جديد
أكرر إنه كلام سمح و جميل ،، و أنا أصر على أنه كلام متين و عميق تسلم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
ونحن أبناء النهر ، وروده وطينه ورمله ، نحن الجبال الراسايات ، ونحن الضفتين ، ونحن التيار وعكس التيار ،، حلفا وضريساوعشر ومسكيت ، ورواكيب وحيشان ،، نحن أبوجهينة نكتب عذبا ونشرب عذبا ونسقي زرعا ونمنح ثمرا ،، غالي والله يا أبوجهينة ورائع حد الذهول ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
Quote: صخب الأيمن الممزوج بعصارة التاريخ ،، و هدوء الأيسركهدوء حكماء القبيلة ،، يجتمعان كنقيضين ،، فتتغلب الحكمة الوقورة على العنفوان الهادر عند دلتا الإلتقاء ،، فيرتفع منسوب الترياق بعناصر أخرى ،، بهار و توابل و أعشاب ،، فيكمل النقيضان الرحلة و هما يعتلجان إعتلاج النفس البشرية في مسيرة التكوين الأزلية،، فأمتلأتْ ضفتى النهر شرقا و غربا بأجيال معتلجة لونا و مزاجا ،، يحمل النهر في جريانه هذه الخلطة فيوزعها على الأخضر و اليابس و يسقيها لهم عبر الزرع و الضرع |
أبو جيهينة.. شكرا لتوابلك ترياقنا لماسخ الأيام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
أبو جهينة
أيها ( المنفلوطي ) وها أنت تُنطق النبات وتغرد في عوالمك الطيور .. تحمل رسالة محبة وسلام وأرها مثل ( سفينتك ) تلك .. فإن القلوب ( إطايبت ) لن تهز الرياح تلك الجبال الراسيات ، وستنعم الوردة بتربة خصبةعلى احضان النهر
لك المودة الخالصة
عبدالرحمن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
ابوجهينة
بأسمك اكتب شعرا بأسمك ارددُ الحانا إن القلب ينزف عشقا أهات الحب ..تحرق الوجدان العقل ينسج فى اساطير الخرافة عن جميلٍ سرى حبه فى الدماء تغلغل عشقه فى المسام نجوم السماء تبحث عن قصة قد رويت فى احدى الليالى قد تكون فى ذاك العام اوهذا الشهر الجارى لا يهم التاريخ ولا الزمان فكل مافى الامر هوى... وعشق ...وإدمان
ـــــــ ولك يا ابوجهينة ماهو اكبر من ذلك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
الأخ أبو جهينة تحياتي الحارة لك ولمن معك باختصار شديد أصبحنا لانستطيع أن نقاوم ما تكتبه من قصص يعنى أصبحنا للأسف الشديد"مدح بما يشبه الذم" مدمنين لقراءة ما تكتب فلك منا أرق التحايا واعطرها. تم بحمد الله طباعة القصة ولنا عودة بعد القراءة المتأنية باذن الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
اخي ابو جهينه
هذه المرة بعد غيبتي عدت لاجد نفسي امام كلماتك أميا يجدر بي العودة لصفوف محو الاميه بهرتني وعجز قلمي ان يسطر كلمة في حقك وفي ما كتبت تبهرني وإني والله احبك
ود الشيخ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
أخي الكريم ود الشيخ لك تحياتي و مودتي
أقسم لك بالله بأنك طرأت على ذهني يوم الأربعاء ،، و وددت أن أكتب لك رسالة في الماسنجر ، و لكن شيء ما شغلني. مطول الغيبات ، إن شاء الله خير تسلم عزيزي و تشكر على الطلة. و عفوا أخي ،، فقد أعطيت كلماتي المتواضعة حجما أكبر ،، و أعرف فيك تواضعك الجم ،، و لكن مكانتك معروفة و محفوظة تسلم ود الشيخ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مجرى النهر .. عكس التيار (Re: ابو جهينة)
|
الأخت الفاضلة ميادة ست البنيات تحياتي الأخوية الخالصة و تقديري
سعدت للطلة المعبرة
( كالمسجون الذي تحرر على حين غرة... ) و كالنهر الرقراق الهاديء الذي صفعه الأزرق على حين غرة و لكنه تسامح و أندمج و إنطلقا سويا. تسلمي
| |
|
|
|
|
|
|
|