|
ولايزالُ العرضُ مســــتمـرا ً
|
بقلم: صلاح الباشا [email protected] من خلال معايشتنا وإطلاعنا علي التجربتين العسكريتين اللتين حكمتا البلاد .. أي تجربة نظام 25 مايو 1969م العسكري ونظام 30 يونيو 1989م العسكري أيضاً برغم وضوح سيطرة الجانب المدني الأيدولوجي في الأخير .. نلاحظ أنه وبعد حين من الزمن .. وعندما تدلهم الخطوب ويصبح الإستقطاب حاداً بين الجماهير ومايرافق ذلك من معارضات شرسة .. بعضها يكون مدنياً يمارس كل صنوف المعارضة السلمية كالإضرابات والتظاهر وتوزيع المنشورات قبل إكتشاف وسائط الإعلام الحديثة المتمثلة في الإنترنت والبث الفضائي الأكثر جرأة .. وبعض أصناف المعارضة يكون عسكرياً بحتاً حيث كانت تجري محاولات الإنقلابات العديدة داخل ذات المنظومة العسكرية،وبعدها تسيل دماء العسكريين العزيزة . ونري بعد كل هذا الكم الهائل من الشد والخسائر البشرية الضخمة .. إنبثاق مجموعة أو مجموعات وطنية خالصة تعمل لإجراء وتنسيق حركة مصالحة بين كافة الفئات في الحكم والمعارضة .. كالتي أحدثها السيد فتح الرحمن البشير في عهد حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري بماسميت وقتذاك بالمصالحة الوطنية التي تمت في عام 1977م بالرغم من أنها لم تصمد طويلاً وقد إنهارت من جانب أحد الأطراف في عام 1979م حيث خرج السيد الصادق المهدي من الحكم بسبب عدم مشور الرئيس نميري للدولة بكل أركانها في مسألة موافقة السودان علي إتفاقية كامب ديفيد الشهيرة التي قررها لوحده بالقاهرة عقب عدوته من زيارة لأمريكا وقتذاك .. وإستمر الشيخ حسن الترابي ومجموعته في السلطة وقد كان يرسم خرائط قوة وإستقرار لتنظيمه كثيراً بإدخاله لمؤسسات ومصارف مالية عربية وسودانية والسيطرة علي إدارة العديد من المنظمات الإسلامية كالدعوة والإغاثة والشركات المنبثقة من تلك المصارف .. وقد أصبح تنظيماً قوياً مادياً بعد أن كان الفقر يضرب بأطنابه بين كوادره الممتدة عبر السودان الواسع .. فأحدث المال نقلة نوعية في طرائق الحياة والمعاش والسكن للعديدين منهم .. وقد أصبح الكادر الإسلاموي صاحب معشية رغدة هانئة حسب ملاحظات زتقييم المجتمع السوداني اللماح . أسباب تأخير الإنتفاضات الجماهيرية في عهد حكم مايو ما خرج به تحالف التنظيم الإسلامي الذي يتزعمه الشيخ حسن الترابي ومن جهة نظر تاريخية بحتة هو أن الجماهير حين كانت تنتفض بشراسة إبان السنوات الثمانية الأخيرة من حكم جعفر نميري .. ويبدأ الإضراب عن العمل في التمدد بما في ذلك إضراب القضاة والمحامين الشهير في عام 1982م وإضراب الإطباء وعمال السكة الحديد والنقل الميكانيكي وقطاع الكهرباء والمياه كأمثلة حية .. فإن التعليمات تتنزل علي كوادر الحركة الإسلامية من عل لكي تفسد حركة الإضراب بحيث تبدأ تلك الكوادر في العمل كمتطوعين في تلك المرافق الهامة .. ما يؤدي إلي فشل الإضراب في القطاع المحدد ( وجهجهته تماماً ) ليصبح بعدها نظام النميري أكثر شراسة من ذي قبل .. لكن حين قام النميري بإبعاد وإعتقال قادة الاحركة الإسلامية وإقصائهم عن السلطة بذلك الخطاب الشهير والمفاجيء وبالطريقة الدراماتيكية تلك عن الحكم في مارس 1985م عقب زيارة نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وقتذاك للخرطوم .. فإن حركة الجماهير قد نجحت بسهولة في تطوير نضالها وتتويجه بالإنتفاضة الرجبية في 6 أبريل 1985م حيث كانت الشرارة هو سبب واهي جداً يتمثل في رفع سعر رغيف العيش بمبلغ خمشة قروش فقط حيث أصبح سعره خمسة عشر قرشا بدلاُ عن عشرة قروش وبذلك خرجت التظاهرات وتمددت بسرعة البرق ثم توقفت كافة المرافق الخدمية ونجح الإضراب الشهير بكل يسر وذهب نظام نميري مع الريح بمثل تلك السهولة المعروفة . سيناريو هيئة جمع الصف وأزمة دارفور المتمددة من الملاحظ هنا وفي هذه المرحلة أن التاريخ يعيد نفسه .. ليس بالضرورة بذات الملامح والتقاطعات .. لكنه يعيدها بتقارب الفكرة .. فقد قلنا أن هناك جهد وطني سوداني قام بإنجاز عملية المصالحة بين الرئيس نميري والأحزاب الوطنية التي لم يشارك فيها وقتذاك الراحل الشريف الحسين يوسف الهندي حيث ظل معارضاً بالخارج حتي وفاته في شتاء عام 1982م بالعاصمة اليونانية ( أثينا ) .. فهاهو اليوم المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي ترأس الحكم العسكري الإنتقالي بـُعيد إنتفاضة أبريل 1985 ولمدة سنة إنتقالية واحدة اجري بعدها الإنتخابات النيابية العامة التي أتت بحزبي الأمة والإتحادي الديمقراطي إلي الحكم بطريقة إئتلافية لم يكتب لها الإنسجام طويلاً حيث تم تعديلها إلي حكم وفاقي بدخول الجبهة الإسلامية إلي أتون السلطة .. ثم خروجها منها في فبراير 1989م لتجهز الجبهة بليل والناس نيام علي كل المائدة وتلتهم كل الكيكة لوحدها في 30 يونيو 1989م غير أن تلك الكيكة لم تكن سهلة البلع أو الهضم نظراً لكبر حجمها وحجم ما تحتويها من قنابل موقوتة .. إذن هي كيكة مسمومة لم يطالب أحد شيخ الحركة الإسلامية بضرورة بأن يتناولها بذات السرعة .. فأطلت المشاكل والتعقيدات منذ السنة الأولي لحكم الإنقاذ .. ثم تشعبت بفضل عدة عوامل محلية .. ثم دولية حسب المؤشرات المعروفة الآن. وقد نجح المشير سوار الذهب ومجموعته في لملمة أطراف قادة الأحزاب السياسية في عشاء عمل تمهيدي بمنزله قبل يومين .. لكن المراقبون يقولون بأن لكل زعيم سياسي أجندته التي يسعي إلي تضمينها في أي تحركات عمل وفاقي يفضي إلي شراكات في الحكم تضمن له نجاح مشروعه وتباعد بينه وبين التهميش الذي أصبح عادة معروفة في الوسط السياسي بالخرطوم. لكن السؤال المطروح بقوة هو : هل شملت مبادرة تلك الهيئة الوطنية لملمة أطراف الحركات الدارفورية بكل تناقضاتها وطموحاتها التي باتت تتحرك بمساعدة دول محددة بالمنطقة تقوم بتزويدها بكل شيء ..أم إختصر جهد الحركة علي إقناع أحزاب الشمال فقط ؟؟ وقد يقول قائل بأن ذات الدول التي تتخذ من الحركات مطية ماهي إلا قناة ناقلة لرغبات وأهداف أجنبية تسعي لبسط سيطرتها علي إقليم دارفور كخطوة أولي . ومن ثم يتم تنفيذ إعادة خارطة هيكلة الشرق الأوسط من البوابة الجنوبية الممتلئة بالمياه العذبة التي تحتاجها العديد من دول المنطقة .. خاصة إسرائيل والأردن . وهنا يطل تساؤل آخر : هل بعد كل هذا النضال والتضحيات الدرافورية ستصبح الحركات الدارفورية كبش فداء للأطماع الأجنبية ؟ بمعني أنه هل ستقوم الدول العظمي ببيع هذه القضية مثلما ماباعت قضايا الشعب الفسطيني بعد إتفاقية ( أوسلو ) التي كانت ستتيح لهم قيام دولة مستقلة منذ عدة سنوات خلت .. أو مثلما ماباعت ذات القوي شعب العراق حين وعدوه بالعيش الكريم وبالديمقراطية التي حـُرموا منها سنوات طويلة جدا ً .. وهاهي النتائج في ذلك البلد العزيز توضح مدي عمق الأزمة التي بدأت تتفاعل بين الطوائف الإسلامية هناك ( سنة ... وشيعة ) ثم ( شيعة ... وشيعة ) . ويستاءل البعض أيضاً : أين مبادرة السيد الميرغني التي تهدف ايضاً إلي قيام شكل وفاقي يشمل حتي الحركات الدارفورية التي لم توقع بعد علي إتفاقية السلام في مسألة دارفور ؟؟ كما يطل السؤال الأهم الذي يتمثل في مسألة تطبيق إتفاقية نصوص نايفاشا 2005م بكل تعقيداتها المعروفة . إذن هنالك جبال من القضايا والهموم المتشعبة التي تنتظر دورها لإيجاد الحلول من أهل السودان .. فضلاً علي الضغوطات اليومية الناتجة من جراء صعوبة العيش عند المواطنين الذين بدأ اليأس يدب في أوساطهم مؤخراً.. حيث بدأت تغيب كل حيويتهم التي عـُرفوا بها بين الأمم منذ زمان بعيد .. وأصبحت كل هذه الأحداث الخطيرة وكأنها لا تعني الشعب السوداني في شيء .. وهنا يكمن الخطروتسهل نجاحات الخطط الأجنبية التي أصبحت معروفة للكافة .. ما يقود لأهمية خلق وإبتكار طرائق عاجلة لتوحيد الجبهة الداخلية ولرفع درجة حيوية الجماهير لكي تلعب دوراً مفصلياً في الحفاظ علي كيان جامع .. إسمه السودان .. فإجتماعات القيادات الذي تم مؤخراً لا يباعد بين المخاطر وبين الجسد السوداني .. إنما يـُحدث فقط جملة تفاهمات في تقسيم كيكة السلطة في نهاية الأمر.. حيث لاتزال الجماهير مغيّبة تماماً عما يحدث .. وهناك تباعد لاتخطئه العين مطلقاً بين الجماهير وبين الدولة .. بل بين ذات الجماهير وبين قيادتها السياسية .. وقد بات الجهد الإعلامي والصحافي فقط ناقلاً للتحركات أعلاه دون تحليل لما سوف يجري. * نقلاً عن صحيفة الخرطوم
|
|
|
|
|
|