|
في الذكري السادسة لرحيل عميد الفن السوداني ( 2-2)
|
وطن النجوم لإيليا أبوماضي ... كيف كانت قصتها مع أحمد المصطفي؟؟ في سكون الليل لمهدي الأمين.... تمثل الغناء الراقي لعميد الفن السوداني ************************************************************ صلاح الباشا من الخرطوم [email protected] ************************************************* صلة لما إنقطع من حديثنا في ذكري رحيل العميد السادسة ... فإن الأمر يعود بنا هنا لأجمل الأغنيات الراسخة في سجل تاريخ الغناء السوداني ، فكلنا يعلم من خلال سنوات دراستنا المدرسية في ماضي الزمان حين كانت مناهج الأدب العربي بالمدارس المتوسطة تذخر بجماليات الشعر العربي قديمه وجديده ، بأن جيلنا قد قرأ كثيراً في مناهج التعليم النظامي عن قصائد وأدب شعراء المهجر اللبنانيين الذين يمموا شطر الأراضي الجديدة ( الأمريكتين ) في بدايات القرن الماضي ( العشرين ) .. فشعب لبنان ومنذ قديم الزمان يهوي المغامرة والأسفار وإكتشاف المجهول ، حين كانت السفن تشق عباب البحار والمحيطات وهي الوسيلة الوحيدة للتنقل في أنحاء المعمورة .... وقد كان الشاعر اللبناني ( إيليا أبوماضي ) واحداً من كبار شعراء المهجر الذين إختاروا الولايات المتحدة موطناً جديداً لهم ، جنباً إلي جنب مع رفاقه الأدباء: ميخائيل نعيمة – جبران خليل جبران وآخرين ، غير أن إيليا قد عاوده الحنين الجارف إلي تراب بلاده ، فغفل راجعاً بعد أن بلغ التسعين من العمر ، وفور أن وضع قدميه علي رصيف مرفأ بيروت ، وقد كان الوقت ليلاً ، فرفع بصره إلي سماء بلاده ليشاهده النجوم ترصعها وهو الذي إفتقد ذلك المشهد في بلاد ناطحات السحاب بأمريكا حيث لا قمر ولارؤية للنجوم ، فأسره مشهد النجوم .. فنطقها في الحال ( وطن النجوم ) ، حيث إستبدت به الأشواق الجارفة ، فلم ينم تلك الليلة في دار أهله إلا بعد أنجز تأليف تلك القصيدة الرائعة بحسه المشحون في تلك اللحظات وقد كان في أرذل العمر. إنتشرت ( وطن النجوم ) عربيا علي صفحات صحف بيروت والقاهرة وسوريا والخرطوم مع بداية خمسينيات القرن الماضي ، ليلتقطها الراحل الضخم أحمد المصطفي وقد عرف مراميها والظرف الذي كتبت فيه ، ليحيلها لحناً شجياً كأول مطرب عربي يتغني بتلك الرائعة ... ولنري كيف يصف شاعرها القرار المتسرع والذي وصفه بالغرور والرعونة حين ترك بلاده بكل جمالها .. فهل ياتري وجد الإجابة عند طرح سؤاله لوطن النجوم !!وطن النجوم أنا هنا حدّق ... أتذكر من أنا ؟ألمحت في الماضي البعيد فتيً .. غريراً ... أرعنا ؟جذلان يمرح في حقولككالنسيم .. مدندنايتسلقُ الأشجار .. لا وهناًيحسُ .. ولاعناويخوضُ في وحل الشتاءمتهللاً ... متيمنالايتقي شر العيونَولايخافُ .. الألسـنا ولعلنا نتذكر كيف أجاد راحلنا المبدع الكبير أحمد المصطفي في تأليف ذلك اللحن الشجي والذي لو أعادوا بثه مرات ومرات يوميا فإننا لانمل سماعه حتي اللحظة.. وبلا أدني شك أن أحمد المصطفي كان مدركاً تماماً لمعاني مفردات تلك القصيدة التي تعتبر وبكل مقاييس الجمال الشعري من أرق وأرقي ماقيل في حب الأوطان والحنين لترابه ... ولنري كيف تتواصل رحلة الشوق عند إيليا:أنا ... ذلك الولدُ الذي... دنياه ُكانت هاهناأنا من ترابك ذرة ٌ .... ماجت مواكب من مـُنيأنا مياهـِك قطرة ٌ.... فاضت جداولَ من سناأنا من طيورِك بلبل ٌ.... غنـّي بمجد ِك فإغتنيحمل الطلاقة َ والبشاشة.... من ربوعـِك للد ٌنا فقد كانت رحلة أحمد المصطفي طويلة ومتعددة مع حلو الكلام ، فلم يحصر راحلنا إبداعه الغنائي في الغناء المحلي الدارجي والذي درج أهل السودان علي الإستماع إليه من كل الفنانين فأختار من فصيح اللغة العربية مايزين به جيد أغنياته الحسان ، فيرتفع هنا بذوق المستمع إلي أرقي مراتب اللغة والرهافة الشعرية ، وهنا يطيب لنا أن نتحدث بالفخر والإعزاز عن رائعة فصحي من غناء أحمد المصطفي الجميل ، كتبها سوداني شاعر عجيب ، وبحس عجيب أيضاً .. إلا أنه تواري عن ساحة الأدب والفن في بلادنا ، وقد قيل أنه كان يعمل بوزارة التربية والتعليم حين كتب تلك الأغنية التي تغني بها أحمد المصطفي في منتصف خسمينيات القرن الماضي.. فكنا نعيش تلك الرائعة في مساءات السودان ونحن بعد أطفالاً .. فنعجب حين يتسلل صوت أحمد المصطفي من راديو أم درمان والليل مقمرُُُ .. والراديو هو وسيلة الترفيه والطرب الوحيدة:في سكون الليل ... دعنا نجتلي الصمت الرهيبإن في جنبيّ معنَي...فوق إدراكي ... عجيبلستُ أُعني لست أعبأ ...طالما كنتَ الحبيب فيالروعة هذه المفردات والتي لولابؤس وسائل نشرنا وإعلامنا المتوارث من قديم الزمان لكانت مثل هذه القصيدة الفخيمة ذات المعني الجديد قد أخذت حظها في الإنتشار .. شأنها شأن كل القصائد الحسان التي لاتزال صفحات الأدب المتخصصة في الصحافة العربية تكرر نشرها ، فلولا متابعات الراحل أحمد المصطفي لماينشر من جمال الكلام لما كنا قد سمعنا بهذه القصيدة الرائعة ، والتي تقول بكل زحم مفرداتها العجيبة :هاهيَ الأضواءُ أغفت... والدجي أصغي إليناوالمـُني في الحلم رفـّت... وإستقرت في يديناوالذي عيناك أخفت ... قد بدأ .... لما إنتهينافأحتسينا ... وإنتشـينا ... ماعليناثم عـُدنا وإفترقنا ... كلنا يمشي وحيداباكياً ... قلباً وجفنا... خائفاً الا يعودانعم .... إن مثل هذه القصائد تفتقدها الأجيال الحالية ....نعم ( مرة أخري ) تفتقدها الأجيال الحالية ... لذلك نعيد تكرار القول بأننا قد كنا محظوظين حين عشنا عصر أحمد المصطفي الذي كنا نستمتع مع روائعه في سكون الليل.... وإلي اللقاء ،،،، ** نقلاً عن جريدة الخرطوم
|
|
|
|
|
|