|
حين يبتسم النهر العظيم
|
إن عودة الموسيقار محمد وردي .. أعطتنا شحنة هائلة لنكتب عن الهرم الشامخ كشموخ الشعب في كرري ، فنحن .. ومنذ أزمنة طويلة المدي ظللنا ( نشيل الود .. وندِّي الود.. وفي عينينا كان.. يظهر حناناً فاض .. وفات الحد) .. مثلما كنا نرددها حين كنا في عمر الصبا الباكر مع الموسيقار وردي وشاعر الغلابة الراحل عمر الطيب الدوش ، فالكلمات التي ظلت تخطها صحف السودان اليومية والألكترونية حول عودة وردي .. إسترجعت لنا كل إرث الموسيقار الجميل .. إرث وردي الذي كان ولايزال يترنم بمفردات صديقه محجوب شريف ( حدق العيون ليك يا وطن ) .. نعم عاد وردي والعود أحمد .. ولقد إغرورقت عيناي بالدموع وأنا أشاهد مشهد ( مولانا أبيل ألير) عضو اللجنة القومية العليا للإستقبال يعتلي سلم الطائرة بمطار الخرطوم ويأخذ الفنان وردي بالأحضان .. فعاد بي ذات الشريط لأيام الإنتفاضة التي إنسحبت بكل حياء وخجل من التراث السياسي السوداني حين كان وردي يردد - كان إسمها البقعة .. كان العرس عرس الشمال ... كان جنوبياً هواها – فكان مولانا أبيل هو ذلك الهوي الذي يعبر عن معني ومضمون الوحدة . الموسيقار محمد وردي ، يظل العلامة الوحيدة الفارقة ( إيجاباً ) في التاريخ السياسي والإجتماعي الحديث بالسودان .. لأن دور الرجل أصبح الشيء الوحيد الذي يمكن أن نقول عنه ( متفقُُ عليه ) .. فمن كان يصدق – مثلاً - أن النجوم من الكتاب والصحفيين الإسلاميين بالخرطوم يتناولون ذات يوم عودة الرجل .. وبماذا ..؟ بكتابة فيها ( إستايل ) جديد من الإبداع .. لم نعهده من قبل .. فقد كانت مثل هذه الكتابات كالمحرمة عليهم من قبل .. نعم حدث شيء من الإستقلالية ونوع من الجرأة التي تبتعد عن التقوقع الإيديولوجي الذي ظل يضرب بأطنابه علي عقول الكثيرين لأزمنة ليست بالقصيرة .. وهم يعلمون أن هذا النوبي العنيد البهي .. لا يزال يحمل في دواخله إعتزازاً سودانيا كبيراً .. هو هو محمد وردي .. لم يتنازل قيد أنملة عن مبدأ غنائه للكادحين من بلادي .. هو هو محمد وردي .. لم يتنازل عن التغريد المتواصل بآلام وآمال وطموحات شعبه ، لذلك .. لم يكن مستغرباً أن ينفعل عشرات آلاف من أبناء شعب السودان عند إستقباله بمطار الخرطوم .. لم تسعهم ساحات المطار.. فإنفرط عقد الإحتفالية المعدة سلفاً وإختلط الحابل بالنابل .. ولم يتمكن من الغناء بالمسرح الذي تم إعداده له بساحة المطار.. ولكن ظلت الجماهير تصفق وتقول بالمطار حينذاك ( طق طق طق .. حرية .. طق طق طق .. حرية ) .. فوصلت رسالة الجماهير إلي كل الدنيا.. وعندما تابعنا في شوق دفاق تلفزيون السودان .. وجدناه يبث لنا في نصف دقيقة فقط مشاهد الإحتفال بعد أخبار العاشرة مساء .. ثم كانت السهرة (فيلم أجنبي .. باهت ) ، وقد كنا نستعد لسهرة حميمة مع إحتفالية عودة فنان أفريقيا الأول محمد وردي حيث قمنا بتجهيز شرائط الفيديو لتوثيق الحدث منذ زمن مبكر.. وقد كنا نتوقع بث سهرة عن الحدث فيها تنوع ومقابلات مع الناس والأدباء والمبدعين والساسة ونجوم المجتمع .. عن عودة وردي وعن أدواره وفرحة الجماهير به .. لكن لم يحدث ذلك ، ونحن لا زلنا علي أمل أن يبثها لنا ( تلفزيون شعب السودان ) .. وألا تتكرر مأساة عدم توثيق التلفزيون لإستقبال جثمان الراحل المقيم وكروان السودان مصطفي سيد أحمد في يناير 1996م .. نتمني أن يبث لنا التلفزيون بالكامل مشاهد إستقبال فنان الشعب .. فذلك أفضل لنا من عرض مشاهد جولات الولاة والمحافظين والوزراء لتفقد أحوال الرعية .. وأفضل من عرض جلسات المجلس الوطني الباهتة التي لا يتابعها أحد إلا النواب فقط ، ورغم ذلك نجد النواب يطالبون بزيادة قروش مقابل هذه الثرثرة التي لم تتحدث مطلقاً في يوم ما عن حاجات الناس ومطالبهم الأساسية أو مناقشة بيع بنوك الشعب للبنوك الخاصة أو محاولات لعودة العلاج المجاني والتعليم المجاني وحتي عن ( الولادة المجانية ) . كما أن عرض مشاهد إستقبال محمد وردي - بالطبع - أفضل من عرض سوق الأسهم والأوراق المالية والبورصة ودرجات الحرارة التي لا يهتم بها شعب السودان كثيراً ( حتي لو صار الطقس نار عديل كده ) ... والسؤال الذي يطل في كل مرة هو : لماذا يظل التلفزيون يمد للشعب لسانه في كل حدث شعبي ( غير حكومي). وكأن لسان حاله يقول لنا ( كيتن عليكم ) . . كما نود القول لإدارة التلفزيون بأننا – في الحقيقة يعني - لم نتابع الفيلم الأجنبي .. إلي أن أصبح الصبح وأبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا .. وإلي اللقاء .. أبوالباشا
|
|
|
|
|
|