|
الراحل المقيم د. محمد عبدالحي في عيون باحثة مهاجرة 1- 3
|
الباحثة د0 نجاة محمود المقيمة في ماليزيا تنال درجة الدكتوراة في تراث د. عبدالحي تقديم يظل السودان هو هاجس أبنائه وبناته في شتات مهاجرهم التي إمتدت إلي كل الدنيا ، ذلك.. لأن مقياس الوطنية وحب الخير للبلاد أصبح مؤخراً يتفجر إبداعاً وجهداً ثقافياً نابعا- ليس من أهل السياسة فحسب - بل من الباحثين والأكاديميين ومجمل أهل الصحافة و الكتاب وجمهرة الشعراء والمبدعين بشتي أجناس إبداعاتهم التي تعمل علي تأصيل ثقافات شعب السودان عبر السنين. وفي تقديري الشخصي أن إبتعاد هذا الكم الهائل من النـُخب المتميزة عن أرض الوطن وإنتشارهم المكثف مؤخراً في أرض الله الواسعة ، ساعد علي خلق قنوات إتصال بينهم بمهاجرهم المتباعدة بسبب تطور وسائل الإتصالات وتقنية المعلومات النابعة من إنتشار وسيلة الإنترنت بما يحتويه من توظيف للبريد الإلكتروني ، مضافً إليه التواصل السهل عبر( المسينجر) . لذلك نري أن هناك وسائل جديدة إستخدمها السودانيون في المحافظة علي ملامح وجماليات الثقافة السودانية ومفرزاتها من شعر وأدب ورواية وفنون . ******* فالسودانيون الآن خارج الوطن ظلوا يؤسسون مواقع سودانية إليكترونية رائعة وجميلة تتحدث كل منها عن إهتمامات معينة ، ولكنها في مجملها تفيض بدفقات من الحب والتقدير في إستعراض عراقة السودان رغم ظروف فقره البائن ورغم توقف مسيرة التنمية المتسعة علي أرضه منذ عقود طويلة ربما تعود إلي ماقبل الإستقلال بقليل . كما أن الأجيال الجديدة التي شبت عن الطوق في مهاجر آبائهم المختلفة كانت محظوظة في أنها قد إستفادت من توفر التقانة الحديثة التي أتاحت لها كتلة الحُب المتقدة في مخيلتهم ، فقاموا بتقديم أكبر عمل ثقافي وتنويري لبلادهم عبر مواقع الإنترنت المختلفة. ولقد شاءت الصدف أن نتعرف عبر منتديات الإنترنت علي باحثة سودانية جادة تقيم مع زوجها الدكتور الباحث السوداني ( إبراهيم الزين) في العاصمة الماليزية- كوالالامبور- منذ عام 1993م حيث يعمل الرجل محاضراً بالجامعة الإسلامية في ذلك البلد الآسيوي البعيد الذي كنا نسميه خلال عقود طويلة ماضية ( الملايو) ، ألا وهي السيدة الدكتورة نجاة محمود التي نالت درجة الدكتوراة من جامعة القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بأم درمان بتقدير ( إمتياز) في أكتوبر عام 2000م ، وقد كان المشرف علي الرسالة هو البروفيسور التربوي الكبير والصديق العزيز ( عباس محجوب) عميد الدراسات العليا بجامعة القرآن الكريم بأم درمان. والشيء الذي يزيد من سرورنا أن موضوع الرسالة يتركز في مسيرة وأعمال الراحل المقيم الدكتور ( محمد عبدالحي) الذي قدم خلال عمره القصير أشياء تزداد إشراقاً كل يوم في مجال الثقافة السودانية فهو شاعر منذ مرحلة الدراسة الثانوية ، وهو ناقد وفيلسوف لا يشق له غبار ، وهو كاتب صحفي منذ بدايات حياته الجامعية ، وهو شاعر إستخدم أدوات جديدة لإستحداث لغة جديدة يقوم بتوظيفها شعراً يفوح بجماليات تستند علي التزاوج التاريخي الأصيل مابين نسل أهل السودان الذي يختلط فيه الدم العربي بالدم الزنجي مما أخرج لنا – كنتيجة منطقية- هذا الهجين الذي نسميه ( خلاسي) . فكانت اشعار ( العودة إلي سنار) وغيرها هي إنعكاس حقيقي لما كان يعتمل داخل صدر الدكتور محمد عبدالحي ، مما أدي إلي إظهار إفتخاره كثيراً بمنجزات الدولة السنارية المتمثلة في السلطنة الزرقاء المنطلقة من سنار ومن وتراثها الثر. ودكتورة نجاة محمود من المتابعات حتي وهي في ذلك المهجر البعيد بكل تطورات الحركة الثقافية والتراثية في الوطن الحبيب من خلال إسهاماتها في مواقع الإنترنت السودانية ، ولقد ظللنا نستلم منها آراءها الناقدة في كل مانكتبه عن إبداعات أهل السودان في كل المواقع الإلكترونية التي نساهم في صفحات الثقافة فيها . لذلك .. رأينا أن نسلط أضواء ساطعة علي مثل هذا الجهد الأكاديمي المتميز الذي قدمته الدكتورة نجاة محمود رغم ظروف البيت والأولاد ومصاعب الهجرة البعيدة . فالدكتورة نجاة هي من أهل شمال السودان ، وقد تنقلت مع والدها بحكم وظيفته كمدرس بوزارة التربية والتعليم بالسودان بمعاهد التربية ، وقد كان لذلك التجوال فائدة عظيمة في تشكيل نظرتها إلي الثقافات السودانية المتباينة منذ نعومة أظفارها ، فلقد درست المرحلة الإبتدائية في كل من معهد التربية بمدينة شندي وبخت الرضا ، والثانوي العام في بربر وعطبرة ، ولكنها إختارت الدراسة العليا في كلية الموسيقي والدراما في عام 1980م لكي تشبع رغبتها في دراسة الثفافات السوانية من خلال تاريخ الدراما والإبداع والفلسفة ، وبعد تخرجها فنها قد واصلت أبحاثها بكل حماس لكي تحرز درجة الماجستير من معهد اللغة العربية بالخرطوم ، وهاهي تنال درجة الدكتوراة بإمتياز كما ذكرنا سابقاً .علماً بأن الدكتورة نجاة بعد زواجها قد إستقرت بأمريكا لعدة سنوات مرافقة لزوجها عندما تم إبتعاثه من جامعة الخرطوم ثم عادت إلي الخرطوم في 1989م. ومنها إلي ماليزيا مرافقة للزوج . كل تلك المعلومات شجعتني كثيراً من خلال تواصلي مع هذه الباحثة الجادة عن طريق الإنترنت والميسنجر مابين الدوحة حيث كنت أعمل إلي وقت قريب ومابين العاصمة الماليزية كوالالامبورمقر أقامة دكتورة نجاة ، خاصة وقد كان موضوع بحثها للدكتوراة هي عن سيرة وتراث الراحل المقيم (محمد عبدالحي ) الذي لم أتشرف بلقائه مطلقاً نظراً لتواجدنا الطويل خارج البلاد في عدة أقطار منذ تخرجنا وهجرتنا في عام 1975م رغم إحتفاظنا بمعظم أعماله الشعرية . ولقد كنت محظوظاً أن كانت دكتورة نجاة تحتفظ بالرسالة مطبوعة ومحفوظة لديها كملفات بالكمبيوتر في ( الوورد) حيث قامت بإرسالها لنا كمرفقات بالبريد الإلكتروني ، فظللت أطلع عليها من وقت لآخر ، ولقد بذلت د. نجاة في هذا العمل جهداً أكاديمياً وإبداعياً مقدراً جداً ، فضلاً عن تركيب الياغة المبهرة ، فهي أيضاً لديها لغتها المتفردة ، حيث قامت بعمل أضواء هامة علي تاريخ الراحل المقيم دكتور محمدعبدالحي كمدخل تمهيدي منذ نشأته وحتي وفاته في عام 1989م ( عليه الرحمة) كما أنها قد قامت بلقاء العديد من أصحابه وأهله واصدقائه وزوجته و شخصيات عديدة كانت علي صلة بأعمال وأزمنة وأمكنة الراحل المقيم محمد عبدالحي.. ذكرت الباحثة الدكتورة نجاة محمود في مقدمة رسالتها لدرجة الدكتوراة حول الراحل المقيم د. محمد عبدالحي كمؤشرات لما سيأتي في مفاصل تلك الرسالة ، فقالت: (( عندما نقف على حياة أديب أو شاعر ما نجدها في مجملها حافلة بالتجارب، قد تكون تجارب إيجابية، وقد تكون كذلك تجارب سالبة، ولكن كل هذه التجارب حلوها ومرها، هي التي تكوّن روح ذلك الشاعر أو الأديب، وبالتالي عندما يكتب إبداعه حتى لو لم يشر إليها مباشرة نجدها تشكل وعيه بالأشياء ورؤيته الخاصة، ولذلك قال البعض إن الأديب "مرآة عصره" ومن ثم إذا كان عمل الأديب أو الشاعر يحل في عالمنا "الموضوعي" إلا أنه عصارة "ذاتية" ما.. وقد يرى البعض غير ذلك.. ومن هذا المنطلق أرى أن نقف أولاً على حياة الشاعر محمد عبد الحي، حتى يتأتى لنا أن نفهم بعض ما يغيب عنا من شعره، فمحمد عبد الحي ليس شاعراً عادياً في السودان، وحتى في الوطن العربي، فهو قبل أن يكون شاعراً فهو مثقف، ومفكر، وأستاذ جامعي، استخدم موهبته الخلاقة وإبداعه، ليشكل عالمه ويطرح قضايا فلسفية عميقة، فلا غرو أن كثيراً من الناس يرون أن شعره صعب على الفهم، ولذلك نجده قد ملأ قصائده بالحواشي والشروحات، ولكن أيضاً هذا لا يعني أنه شاعر متعالي أو شاعر صفوة، لأنه كتب عن أشياء مألوفة، وهو شاعر كوني يتحدث في شعره عن البحار، والزواحف، والحيوانات الوحشية، والأليفة والخرافية، فهو ينظر إلى هذا الكون "بكلية" فنجده يبحث عن علاقة الإنسان بالكونيات وليست بتجاربه الإنسانية فقط )) .. إنتهي. .. نواصل اضواءنا حول هذه الرسالة القيمة في الحلقة القادمة .. إنشاء الله صلاح الباشا - الخرطوم [email protected]
|
|
|
|
|
|