|
أضواء كاشفة .... تحليل
|
هل نعيش إستكانة شعبية .. أم زهداً سياسياً .. أم هو الخوف من المجهول ؟؟؟؟ صلاح الباشا [email protected]
عصر الإستكانة الشعبية المراقب للمشهد السياسي عن كثب لابد أن يقف عند عدة تقاطعات تنبع من مستجدات محلية وإقليمية .. بل ودولية . فما تواجهه بلادنا حالياً وما ظلت تتداوله كل وسائط الإعلام في هذا الكون حول المسألة السودانية .. ومن فرط هذا التناول الذي يتغير كل يوم فقد خلق نوعاً من الإستكانة واللامبالاة عند الجماهير ، بحيث تم ترك الأمر لقلة قليلة من أهل الحكم والمعارضة تحترف العمل السياسي لتفعل ما تشاء . والمدهش حقاً .. وبرغم توافر إنعقاد مؤتمرات محلية توضيحية للشأن السياسي من وقت لآخر تتناول مسائل مثل لاهاي أو دخول قوات أممية أو عقوبات ربما تأتي .. نجد أن الأمر يمر مرور الكرام ولا يجد إنفعالاً جماهيرياً مثلما ماكان يحدث خلال أزمنة ماضية في أشياء أقل أهمية مما يحدث اليوم .. وتسافر وفود لمناقشة ذات القضايا الحالية إلي دول قريبة وبعيدة .. فلا يجد الأمر المتابعة .. ويزور بلادنا رؤساء ووزراء ومبعوثون دوليون ، لكن الأمر أيضاً و كأنه لايعني هذا الشعب . وهذه الإستكانة الشعبية أتت نتاجاً لظروف وملابسات عديدة تراكمت عبر سنين وسنين حين حدث تغييب تام للجماهير من أن تنتبه وتتحرك وتتابع وتقول رأيها في كل شيء ، وقد نتج كل ذلك بسبب آراء وإجتهادات من البعض كانوا يرون أنها صائبة وتقود بلادنا إلي بر الأمان إقتصادياً وسياسياً .. بل وتعمل علي توحيد لأطراف الوطن مما هو فيه . فإذا بالنتائجح كلها في ختام الأمر تأتي سالبة ولا تحقق شيئاً مما خـُطط له .. بل لقد ظللنا نجهد أنفسنا الآن للرجوع إلي مربع 29 يونيو 1989م .. حيث من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك أو العودة إلي ذات المربع .. وقد يتحقق ذلك إذا توافرت بعض المطلوبات الجماهيرية . هل أصبح شعب السودان زاهداً في السياسية ؟؟ كان السودانيون في زمان مضي يعشقون التناول للفعل السياسي .. بل ويتميزون عن رصفائهم في شعوب الدنيا بأنهم أصحاب ثقافة متابعة سياسية رفيعة وراقية .. فقد كان شعب السودان حتي المتواضع تعليمياً منهم يعرف أسباب الأزمات الإقليمية التي تحدث .. والتطورات السياسية التي تستجد للعديد من الشعوب حولنا . كان شعبنا فيما مضي يتابع نضالات باتريس لوممبا في الكنغو .. وتظاهرات أحمد بن بيلا في الجزائر .. وتأميم عبدالناصر لقناة السويس .. والكفاح المسلح الصامد للمناضل العجوز هوشي منه في فيتنام البعيدة . كان شعبنا ينفعل مع جومو كينياتا في كينيا ويتغني لنضالاته .. بمثلما يتعاطف مع ثورة قحطان الشعبي وعبدالقوي مكاوي في جنوب اليمن المحتل من الإنجليز حينذاك .. كان شعبنا يخرج عن بكرة أبيه لإستقبال ليونيد برجنيف الزعيم السوفيتي حين يستجيب لدعوة الفريق الرئيس إبراهيم باشا عبود لزيارة الخرطوم .. ويرحب بالملك فيصل بن عبدالعزيز بإطلالته من العربة المكشوفة عبر شوارع الخرطوم .. بمثلما كان ذات الشعب يخرج في تظاهرات في كل مدن السودان مردداً شعارات ( لن يحكمنا البنك الدولي ) وهو بالطبع لم يفرق بين صندوق النقد الذي يقرض الشعوب بفوائد باهظة وبطلبات رفع الدعم عن السلع .. أو بما يسمونها إصلاحات إقتصادية . كل ذلك قد تبخر الآن بعد أن فقد هذا الشعب كل حيويته .. ومن الصعوبة بمكان إكتساب مثل تلك الحيوية بين يوم وليلة .. خاصة وأن شعبنا يحتاجها الآن أكثر من إحتياجه لها في السابق . وقد يتساءل البعض لماذا ذهبت حيوية الشعب السوداني التي تحدث عنها جمال عبدالناصرعند زيارته للخرطوم لحضور مؤتمر اللاءات الثلاثة التي إنعقدت عقب هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967م ؟؟ لكن ... الإجابة علي تلك التساؤلات تحتاج جهداً طويلاً .. وفي ذات الوقت نجد أنه من الصعوبة إستعادة تلك الحيوية للجماهير.. مما يعني أن شعبنا قد إستكان تماماً للأمر .. وبات يستقبل كافة نتائج مردودات الأزمات الدولية التي تنعكس علي إستقراره وتؤثر علي مستقبل حياته الإجتماعية والأمنية والإقتصادية ببرود تام ولا يبالي في ذلك .. بل قد أصبح الأمر وكأنه يحدث لشعب آخر خارج الخارطة السودانية .. فأية إستكانة هذه التي نراها حالياً عند جماهير شعب السودان وقد بدأ الخناق يضيق علي رقابه بواسطة القوي الدولية المتربصة به شراً ؟ هل هو خوف من المجهول ؟؟ نعم ... الخوف من المجهول قد أصبح سمة بارزة يتداولها الناس في تقاطعات حياتهم اليومية .. وهذا الخوف أتي نتاجاً لتداعيات وتدهور الأمور داخل العديد من الدول بالمنطقة التي كانت تشهد إستقراراً نسبياً في حياتهم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية قبل أن تغزوهم الأساطيل الهوجاء والتدخلات الأكثر ظلماً .. ففارق الإستقرار تلك الدول وأصبحت شعوبها تعيش المسغبة داخل المخيمات البائسة وتحت ظلال الأشجار الصحراوية والموت يتهددها من كل جانب مثلما نراه يومياً في شاشات القنوات الفضائية ولعل تلك المآلات سابقة الذكر تجعل الخوف يعتري مفاصل شعبنا .. الشيء الذي يتطلب جهداً إعلامياً وفكرياً كبيراً يستند إلي العمل اليومي الدؤوب وفق خطط وبرامج معينة تبتعد عن التحشيد المفرغ .. وتستند إلي الحوارات الجادة في الهواء الطلق .. جهداً يعمل علي إشراك الناس في الأمر ويخلق في نفوسهم حمية تطغي علي كل شيء .. بعد أن تبتعد لغة الإستعلاء التي يمارسها البعض في الحكم والمعارضة علي السواء لأن جماهير شعبنا تعرف وتفهم وتستوعب تماماً طرائق تفكير وممارسات البعض الذي أصبح الإزدراء الناتج من المكانة السياسية هو ديدنه .. وقد بات ذلك واضحاً حتي في لغة الكتابة التي يكتبون بها احياناً وفي التصريحات الهوجاء التي يطلقونها سواء عبر الصحف أو علي شاشات الفضائيات . كما أن بعض أهل الصحافة من الذين أنعم الله عليهم بخاصية توظيف القلم لتنوير الجماهير أصبحوا أيضاً مثار سخرية من القراء بسبب عدم إكتشافهم بأن هذا القاريء يفهم اكثر منهم ولديه القدرة علي التحليل والإستقراء .. بل علي التنبؤءات بمعدلات كبيرة تتفوق عليهم بمراحل .. وذلك ناتج عن عدم ميل بعض أصحاب الأقلام لتكثيف جرعات القراءة والإطلاع العام وعلي تلمس نبض الجماهير .. فلا يهتم إلا بأن يكتب ويكتب ويكتب ظاناً أن القاريء يقبل هذا النوع من إلقاء الدروس عليه وبما يكتبه من ضحالة الحديث ورداءة الأسلوب وإستكبار اللغة وأخطائها .. مع حشده لسيل من المغالطات الإستغفالية. وأخيـــراً وأخيراً ... هذه المفردة الجميلة التي كانت يزين بها عموده اليومي من القاهرة صديقنا وزميلنا الأستاذ محمد مصطفي الحسن بجريدة الخرطوم حين كانت هذه الصحيفة تقود حملات التنوير من 10 شارع عائشة التيمورية بقاردن سيتي بالقاهرة .. فإنني أستلف من محمد مصطفي الذي يعيش وأسرته الآن في مدينة ( ألباني ) الأمريكية وهي عاصمة ولاية نيويورك الكبري.. أستلف منه كلمة ( وأخيراً ) .. لأختتم بها حديثي اليوم وأقول أن أمر الوطن الآن لا يحتاج إلي كل هذا الكم الهائل من الفرقة السياسية .. فلا بد من تجميد الأزمات والغيرة السياسية والمماحكات أيضاً حتي نفكر ونفكر لنصل إلي حلول تجعل توحيد الجبهة الداخلية أمر لابد منه .. فقد نجحت إيران أمام التهديد الأجنبي بسبب توحد جبهتها الداخلية .. وكذلك فعلت لبنان والساحة الفلسطينية مؤخراً . وإن نجحنا في تحقيق ذلك فإن العبور فوق الألغام الدولية يصبح سهلاً .. ما يؤدي إلي أن تجنح القوي الدولية العديدة إلي فتح آفاق الحوار مع الخرطوم بدلاً عن التهديد والوعيد الإمبريالي . وإن تواثـقنا علي حل لمشكلاتنا المحلية سواء كانت دارفور أو غيرها فإن النجاح سيأتي عبر حوارات مسؤولة وشفافة ولا تعجيز فيها .. ما يستدعي خطاباً صحافياً وإعلامياً متوازناً يحترم عقول هذا الشعب المتفتح والمدرك لكل شيء .. ويبتعد عن لغة الإستعلاء وتضخيم الذات والسخرية من آراء الغير .. ونحن ندرك تماماً أنه من الصعوبة بمكان أن يتخلي الشخص عن عاداته في العمل السياسي أو الجماهيري مهما كانت سالبة وظالمة للغير.. لكنه إن إكتشف نفسه بنقد الذات ومحاسبتها من حين لآخر فإنه حتماً سيصل إلي نتيجة مؤداها أنه علي باطل في العديد من قياساته للأمور، ما يقوده إلي إدارة عجلة تفكيره مائة وثمانين درجة إيجاباً . وكما قلنا من قبل فإن هذا الشعب لا يحتاج إلي جهد فلاسفة ينيرون له طريقه نحو المجد .. فقط يجب أن نتواضع ونعترف بأن في بلادنا مصاعب وقد صنعنا معظمها بأيادينا كسلطة.. كما أن معظم قراراتنا الإقتصادية صاحبتها أخطاء قاتلة .. خاصة ما يتعلق منها في أمر المشاريع الزراعية والصناعات القومية والمصارف والمرافق العامة . _______________________________________________________________________ ***** نقلاً : عن صحيفة الخرطوم
|
|
|
|
|
|