محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-12-2024, 07:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة ضياء الدين ميرغنى الطاهر(altahir_2&ضياء الدين ميرغني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2006, 06:09 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية

    العدد رقم: 235
    انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية (1-2)
    تمر علينا هذه الأيام الذكرى السابعة عشرة لانقلاب 30 يونيو 1989 وهو الانقلاب العسكري الثالث في فترة ما بعد الاستقلال.. وإذا كانت نخبة الإنقاذ وحركة الإسلام السياسي في السودان والمنطقة تحتفل بهذه الذكرى ابتهاجاً بانتصارها واستمرارها في كراسي الحكم طوال هذه السنوات الممتدة، فإن القوى السياسية الأخرى وغالبية جماهير الشعب تحولها إلى لحظة تأمل وتفكير في موقع هذا الانقلاب في مجرى حركة التطور الوطني وفي دروس وخبرات استمراره حتى الآن... والانقلاب كان انقلاباً عسكرياً تقليدياً لا يختلف عن الانقلابات السابقة إلا في شعاراته الإسلاموية بدلاً من (شعارات التنمية والاستقرار) التي طرحها الانقلاب الأول و(شعارات الاشتراكية والقومية) التي طرحها الانقلاب الثاني. ولكنه يتفق معها في برنامجه السياسي والاجتماعي العملي وفي القوى والفئات الاجتماعية التي تقف خلفه.. ويتفق معها أيضاً وبشكل اساسي خاصة النظام المايوي، في إدخال البلاد في أزمة وطنية شاملة تهدد وجودها في أساسه والمفارقة ان ذلك يتم باسم الإسلام والشريعة الغراء ووحدة البلاد وسيادتها الوطنية، وفي ذلك يقول السيد الصادق المهدي ان انقلاب 1958 كان أفضل الانقلابات التي شهدها السودان، وانقلاب 30 يونيو 1989 كان أسوأها (كتاب الديمقراطية راجعة وعائدة 1991) ويشير د.عبد الجليل مكي إلى ان ما يجمع انقلاب 1958 وانقلاب 1989 يتمثل في ان قسماً من البرجوازية السودانية قد وجد استحالة في تنفيذ وتحقيق مشروعه السياسي في مناخ ديمقراطي ليبرالي بسبب المعارضة الواسعة التي وجدها من القوى والفئات السياسية والاجتماعية الأخرى. ويضيف انه في الحالتين قامت الفئات البرجوازية التابعة بتنظيم وتنفيذ الانقلاب (كتابات سودانية، العدد الثاني 1992). وهذه نقطة اساسية تمكننا من عدم الخلط بين الشعارات الايديولوجية العامة (السلام والشريعة في حالة نخبة الإنقاذ) من جهة وبين المحتوى العملي للبرنامج السياسي والاقتصادي الاجتماعي.

    وفي الوقت نفسه تمكننا من تحاشي الوقوع في تبسيط عوامل النجاح واختزالها في الاستمرار في كراسي الحكم لفترة طويلة باساليب عديدة أو في حساب خسائر وأرباح شكلي ولا معنى له في مواجهة حسابات الحصيلة الاجمالية لما كان سائدا ومتوقعا في منتصف عام 1989، ولما يجري الآن من تطورات سياسية واقتصادية اجتماعية عاصفة تهدد الكيان السوداني والدولة الوطنية من أطرافها وتتجه بها نحو وصاية دولية فعلية تسندها قدرات دولية وإقليمية لها قواتها وبعثاتها المنتشرة في كافة أنحاء البلاد.

    ففي منتصف 1989 كان هناك مشروعان ينتصبان في الساحة نجاح أحدهما ينهي الآخر... كان هناك مشروع السلام والديمقراطية الذي تتبناه حكومة الجبهة الوطنية، برئاسة السيد الصادق المهدي، وكان يجد دعماً ومساندة كل الأحزاب السياسية تقريباً، بما في ذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأغلبية أهل السودان في مختلف إقاليمهم وكان هناك مشروع آخر، هو مشروع الانقلاب الذي كانت تعد له سراً الجبهة الإسلامية القومية.. وأهم نقطة في هذا السياق تمثلت في وقت الانطلاق وزمن الوصول للأهداف المحددة... فقد حددت قوى السلام والديمقراطية يوم 18 سبتمبر 1989 كمحطة نهائية بانعقاد المؤتمر الدستوري الوطني المحدد في اتفاقية السلام السودانية (اتفاق الميرغني قرنق 11/198 ويوم 4 يوليو كمحطة وسطى لترتيب بعض الإجراءات الخاصة بعملية السلام الجارية... وفي الوقت نفسه حددت قوى الإنقلاب على الديمقراطية والسلام يوم 30 يونيو كموعد حاسم. كان هناك سباق محموم بين المشروعين، كل منهما يراهن على ما يملك من أوراق سياسية. ولأن السلام قضية معقدة ومتشابكة مع قضايا أخرى عديدة، فإن قواه كانت تحتاج إلى زمن لحلحلة تناقضاته وعقباته ثم تتجه بعدها للمؤتمر الدستوري الوطني وبناء السلام والديمقراطية والوحدة. وفي الجانب الآخر كان مشروع الانقلاب يحتاج إلى إجراءات وترتيبات سهلة خاصة في ظل نظام ديمقراطي، حيث تكون الأعصاب في حالة استرخاء سائب والحكومة وأجهزتها لا تهتم كثيراً بقضايا الأمن، ولذلك لا يحتاج مخططو الانقلاب إلا لقوة قليلة العدد لإحتلال المواقع الاستراتيجية وإذاعة البيان الأول بشرط توفر السرية الكاملة. وهكذا استغلت قوى الانقلاب ظروف الغفلة والاستخفاف بتأمين حماية الديمقراطية وعملية السلام الجارية وقتها لتقوم بتنفيذ مشروعها في 30 يونيو .1989 وفي صبيحة ذلك اليوم أعلنت الإذاعة استيلاء (القوات المسلحة) على السلطة وطلبت من الجماهير (انتظار بيان هام من القيادة العامة) وفي العاشرة صباحاً جاء بيان الانقلاب الأول باسم (ثورة الإنقاذ الوطني) بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير معلناً اجهاض الديمقراطية وقطع الطريق على عملية السلام الجارية حسب اتفاق الميرغني قرنق 1988م.

    زعماء الجبهة الإسلامية القومية يؤكدون ان الانقلاب فرض عليهم بحكم سابق انقلابات عديدة للظفر بالسلطة، كان يقف خلفها البعثيون والشيوعيون، والقوى الخارجية، وبحكم إصرار القوى السياسية الأخرى على عزلها. وهي حجة واهية لا تسندها حقائق الواقع فبعد تكوين حكومة الجبهة الوطنية في مارس 1989 عادت الجبهة إلى عزلتها مرة أخرى، كما كان موقفها بعد انتفاضة 1985، رغم مغازلات الصادق المهدي وبعض زعماء حزب الأمة. وذلك نتيجة لبرنامج القصر، الذي نال اجماع كافة القوى السياسية والنقابية. وهنا شعرت بهزيمتها وفرض عليها الخروج من الحكم والابتعاد عن حلفائها.

    وأوحى لها تفكير الأزمة ان ذلك تم عن طريق احراجها باستبعاد التوجه الإسلامي من برنامج القصر وبالتآمر الخارجي. ونتيجة لذلك بدأت تحس ان التغيرات الجارية تسير في غير صالحها، خاصة بعد دخول قوى اليسار والجنوب في المعادلة السياسية. ومن هنا جاء تفكيرها العملي لاجهاض الديمقراطية وقطع الطريق على عملية السلام الجارية وقتها من خلال الاستيلاء على السلطة وفرض برنامجها بالقوة والقمع وجهاز الدولة. وهكذا شهدت الفترة اللاحقة ما اسمته (ثورة المصاحف) وفي أبريل أعلن حسن الترابي الجهاد ضد (حكومة الشتات والطابور الخامس) ودعا إلى اسقاطها. وأكد ان الديمقراطية كانت أشكالاً وصارت الآن اشلاء وانتهت تماما.

    ووصف زعماء الأحزاب الكبيرة بأنهم (زعانف وأوشاب وعملاء) ودعا إلى وراثة جماهيرها لأن الجبهة الإسلامية أولى بها من حزبي الأمة والاتحادي (في ندوة بجامعة الخرطوم) وفي يونيو برزت الهيئة الشعبية للدفاع عن العقيدة والوطن. ووصفت جريدة الراية ثورة المصاحف بأنها تطالب بالتطبيق الفوري للشريعة وإسقاط حكومة الردة بكل الطرق المشروعة. ووصفت الذين يتحدثون عن تعاليم الإسلام السمحة حول السلام والمحبة بأنهم ينسون ان هذه التعاليم تدعو إلى الجهاد والقتال (27/4/1989) وفي بداية يونيو أعلن الترابي قرارات مجلس شورى الجبهة الإسلامية وأثار أربع مسائل سياسية أسماها (ثغرات في جدار السياسة السودانية) وحددها في الآتي:

    1- ان تدبيراً دولياً ينعقد الآن للإطاحة بالنظام القائم ويتخذ وسائط داخل حكومة (الشتات) نفسها.

    2- ان اتفاق الميرغني قرنق أدى إلى تمدد قوات التمرد وإنحسار السيادة الوطنية في الأرض والجو والسياسة الخارجية ووصف لجنة السلام الحكومية، والذين يتولون المفاوضات مع الحركة الشعبية بأنهم (أوصياء دوليون).

    3- ان عناصر غالبة في الحكومة تعمل على إضعاف القوات المسلحة. وأشار إلى ان ذلك أدى إلى تولي الجهد الشعبي عمليات الدفاع عن الوطن، وكشف ان بالبلاد الآن أكثر من عشرين تشكيلاً عسكرياً يقاتل للدفاع عن الوطنية.

    4- ان اتفاقية السلام لا تهدف إلى تجميد قوانين الشريعة، بل تعمل على الغائها من خلال لجنة (العلمانيين) وفي هذا الجانب أصدر الترابي فتوى بردة أحزاب الحكومة. حيث قال هذا هو الوداع الأخير لأحزاب الحكومة للشريعة الإسلامية، بما يعني الردة عن الإسلام والانتكاس السياسي، (تقييم التجربة الديمقراطية الثالثة، محمد علي جادين مركز الدراسات السودانية 1997).

    وقبيل انعقاد مجلس الشورى جاء في إفتتاحية جريدة الراية في 2 يونيو(انهار كل شئ في السودان حينما تربع على كراسي الحكم رجال اختاروا طريق الضلال ولم يرفعوا رؤوسهم بعز الدين وإنما نكسوها بفعل ضغط الأقليات والمعسكرات الخارجية. فكان الإستسلام والمذلة).

    لقد عربد المتمردون واكتسب الطابور الخامس شرعية واصبح اشباه الرجال والعملاء والجواسيس يتآمرون على البلاد علانية، وأمام هذا الانهيار الشامل لا بد ان تقوم الجبهة الإسلامية بدورها لإنقاذ البلاد، وهو دور لو تعلمونه عظيم، هكذا تقوم الجبهة الإسلامية بالإعداد لانقلابها عن طريق التعبئة للجهاد ضد زعماء مسلمين لهم وزنهم الديني والاجتماعي والسياسي. وفي المؤتمر الصحفي المشار إليه يقول الترابي (في خاطرنا عدة احتمالات لمصائر السودان وفي كل الأحوال ستتمكن الجبهة الإسلامية من تقديم مشروعها لإنقاذ السودان).... (هناك احتمالات أخرى تشمل حكومة شتات نقابي يساري لا يجمعها سوى حب السلطة).. (هذا سيجد معارضة واسعة. وقد ينتهي الأمر إلى انقلاب عسكري سافر يحمل الضباط للسلطة ليتحملوا المسؤولية) ويؤكد ان الجبهة الإسلامية هي الجهة الوحيدة التي تطرح برنامجاً كاملاً يشمل الحل الفيدرالي وقسمة السلطة والثروة. ويشير إلى ان (الجهات الأجنبية لا مصلحة لها في حل مشاكل السودان.. الحل النهائي عندنا نحن وهو مكتوب وموثق باللغتين العربية والانجليزية)... (نفس المصدر).

    وفي مناقشات الجمعية التأسيسية للميزانية الجديدة اشار علي عثمان محمد طه إلى ان الميزانية المرصودة للقوات المسلحة ضعيفة جداً مقارنة باعتمادات معتمدية العاصمة والأقاليم، ووصف توجه الحكومة نحو السلام بأنه وهم وسراب (الراية 29/6) وأكملت الجبهة الإسلامية تحركها العلني بدعوة الشعب لإسقاط حكومة السفه والإستسلام (الراية 27/6) ومع تسارع خطوات حكومة الجبهة الوطنية في الإعداد لاجتماع 4 يوليو مع الحركة الشعبية في أديس ابابا وخاصة الجوانب المتعلقة بالاتفاقيات العسكرية مع مصر وليبيا وتجميد الحدود الشرعية في القانون الجنائي، مع تسارع هذه الخطوات انفتح الطريق لعقد المؤتمر الدستوري الوطني في موعده المحدد وبناء السلام في السودان بمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية. ولكن قوى الانقلاب قطعت الطريق امام كل هذه الآمال. وبذلك دخلت البلاد في حقبة حكم الإنقاذ الذي فرض برنامج الجبهة الاسلامية والفئات الراسمالية الطفيلية المرتبطة بها بالقوة والقمع وسلطة الدولة وفي الحلقة القادمة نواصل. [B/]

    (عدل بواسطة altahir_2 on 07-21-2006, 06:19 PM)

                  

07-21-2006, 06:15 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: altahir_2)


    محمد علي جادين

    العدد رقم: 242
    انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية (2 - 2)
    انقلاب 30 يونيو 1989 كان نتيجة تخطيط وتدبير معلن، خططته ونفذته الجبهة الإسلامية القومية عندما وجدت استحالة في تنفيذ برنامجها ومشروعها السياسي في ظروف مناخ ديمقراطي ليبرالي. ووقتها كان هناك مشروعان يتسابقان في الساحة السودانية، نجاح أحدهما ينهي الآخر. كان هناك مشروع السلام الذي تبنته حكومة الجبهة الوطنية بقيادة السيد الصادق المهدي ومساندة كافة القوى السياسية والنقابية. وهو مشروع يستهدف تحقيق السلام على أساس اتفاق الميرغني/ قرنق (11/198 وترسيخ الديمقراطية وإعادة بناء الوحدة الوطنية من خلال مؤتمر دستوري وطني شامل.. وفي مواجهته كان هناك مشروع انقلاب الجبهة الإسلامية القومية.

    ومع تسارع خطوات عملية السلام واقتراب انعقاد المؤتمر الدستوري، جاء انقلاب 30 يونيو ليضع البلاد في مجرى تطور مختلف. وبذلك ضاعت فرصة واعدة لإعادة بناء مشروع الدولة السودانية على أساس عقد اجتماعي جديد يكون الجنوب طرفاً أساسياً فيه. وهو مشروع ظل يتطور منذ نشوء الحركة الوطنية الحديثة في بدايات القرن العشرين ممثلة في حركة الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض، مروراً بمؤتمر الخريجين ونشأة الأحزاب والنقابات حتى اعلان الاستقلال في مطلع 1956م. وجاءت ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ أبريل 1985 لتبلور ملامحه الأساسية في تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية والوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة. وفرصة 1989 سبقتها فرص أخرى أجهضها انقلاب 1958 وانقلاب 1969م. ويلاحظ هنا دور الانقلابات العسكرية في اجهاض كل هذه الفرص، فالانقلاب الأول جاء في ظروف تحولات سياسية كبيرة في اتجاه تلبية مطالب الجنوب في حكم فيدرالي في اطار دستور قومي ديمقراطي علماني يستند الى دستور 1956م، والانقلاب الثاني جاء في ظروف مشابهة تمثلت أهم ملامحها في شعارات ثورة أكتوبر 1964 ومؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر، والانقلاب الثالث جاء بعد انتفاضة مارس/ ابريل 1985 وإعلان كوكادام واتفاق الميرغني/ قرنق وبرنامج حكومة الجبهة الوطنية.

    والمهم هنا ان هذه الانقلابات لم تكن لعنة من السماء وإنما هي نتاج تخطيط وتدبير فئات وقوى سياسية اجتماعية محددة ليست لها مصلحة في تحقيق مشروع الدولة السودانية الموحدة، وساعدها في ذلك عجز القوى السياسية والاجتماعية المهيمنة في القيام بإجراءات الإصلاح السياسي التي كانت تفرضها تطورات الواقع. ويمكن ملاحظة ذلك، بشكل واضح، في الفئات والقوى التي نفذت وساندت انقلاب 30 يونيو 1989 بالتحديد وهي تتركز في الفئات الطفيلية التي نمت وتطورت بشكل واسع في عهد النظام المايوي، ووجدت في الجبهة الإسلامية القومية اطاراً سياسياً يعبر عن تطلعاتها ومصالحها السياسية والاقتصادية الاجتماعية، كما يشير الى ذلك تركيب هذه الجبهة وشعاراتها وبرامجها خلال فترة السنوات الأخيرة للنظام المايوي، وفي فترة الديمقراطية الثالثة. وتعبير (طفيلية) و(فئات طفيلية) ظهر في الكتابات العربية والسودانية خلال سبعينيات القرن الماضي، وهو يشير الى فئات وقوى محددة تقوم علاقتها مع المجتمع على اساس استغلال مشابه لعلاقة الطفيليات بمضيفها، أي لمصلحتها الخاصة مع فوائد قليلة وربما دون أي فوائد للكائن المضيف. وفي كثير من الحالات يرتبط هذا الاستغلال بتخريب واسع وملموس في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهكذا حال علاقة الفئات الطفيلية مع الاقتصاد الوطني والمجتمع والدولة السودانية خلال السنوات الثماني الأخيرة للعهد المايوي وطوال سنوات حكم الإنقاذ.

    والواقع ان انقلاب 1989 يمثل امتداداً للنظام المايوي وتطويراً لسياساته العملية في كافة المجالات وفي استمرار سيطرة الفئات الطفيلية على جهاز الدولة بشكل كامل. ونتيجة لذلك فهو يمثل طورا جديدا في تطور السياسة السودانية يدخل البلاد في مجرى تطور جديد يختلف كلية عن مجرى التطور الذي ظل سائداً طوال الفترات السابقة. وكان لكل ذلك تأثيره الحاسم في مستقبل مشروع الدولة السودانية الموحدة بملامحه وسماته المعروفة. واتضح هذا التأثير بشكل واضح في سياسات الإنقاذ في مجالات الحكم والحرب الأهلية في الجنوب والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص.

    فقد رفع الانقلاب شعارات الإنقاذ الاقتصادي والاكتفاء الذاتي وإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق السلام وتطبيق الشريعة الإسلامية، كما أشرنا في الحلقة السابقة. ولكن سياساته العملية أدت فقط الى تمكين الفئات المرتبطة بحزب الجبهة الإسلامية وإلى توسيع وتعميق الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ البداية وجدت النخبة الحاكمة نفسها في طريق مسدود وحلقة مفرغة. واستمرار الحرب الأهلية يقود الى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعقيد المشاكل الاجتماعية. وهذه تقود الى توسيع سياسات العنف والقمع في مواجهة قوى المعارضة السياسية والاجتماعية. وكل ذلك يقود الى العزلة الداخلية والخارجية. والمهم هنا ان مصادرة الديمقراطية وتشديد القبضة الحديدية بشكل تجاوز كل التجارب السابقة لم تكن النخبة الحاكمة من فرض مشروعيتها وأهليتها.

    وذلك لأن كل توجه ديكتاتوري وشمولي في السودان يولّد توجهاً مضاداً وموازياً له كما يقول بيتر وودورد في كتابه (السودان: الدولة المضطربة)، فالشعارات الدينية أدت الى اتساع الحرب الأهلية في الجنوب، وإلى اصطفاف كل قوى المعارضة في جبهة التجمع الوطني الديمقراطي. وهذه الشعارات لم تمكنها من مواجهة مشكلات التطور الوطني المزمنة، بل أدت الى تعقيدها. وأكثر من ذلك أدت سياسات التمكين الى فصل معظم المعارضين من جهاز الدولة باسم (الصالح العام) وإحلال الأنصار والمؤيدين في مكانهم. وبذلك فقدت مؤسسات الدولة قوميتها واستقلالها. وفي سبيل فرض سيطرتها على البلاد قامت النخبة المسيطرة بإعادة تقسيم البلاد الى (26) ولاية (اقليم)، بدلاً من الأقاليم التسعة التي ظلت قائمة منذ فترة الحكم الثنائي. وكل ذلك ادى الى فقدان الثقة في مشروع الدولة السودانية الموحدة، وبرز ذلك في ظهور النزعات القبلية والجهوية حتى وسط النخبة الحاكمة، وفي اتساع هجرة المتعلمين والشباب الى الخارج بحثاً عن وطن آمن.

    وفي المجال الاقتصادي الاجتماعي أدت سياسات الإنقاذ الى تفاقم الأزمة الاقتصادية، رغم انتاج البترول وتصديره في عام 1999، وإلى تعميق التفاوتات الإقليمية والطبقية حتى شملت دائرة الفقر اكثر من (90%) من السكان. وازدادت الأزمة بتدهور أوضاع القطاع الحديث في الوسط، وتراجع الخدمات الأساسية وقطاعات الإنتاج وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي وتحولها الى دولة حارسة يتمثل هدفها فقط في حفظ الأمن والنظام العام وجمع الضرائب.

    ووصلت هذه السياسات إلى ذروتها في سياسات التحرير التي أعلنت في بداية 1992 وأدت عملياً الى تصفية الطبقة الوسطى في المدن والمراكز الحضرية وحتى في القطاع الزراعي التقليدي. وهي طبقة واسعة ولها دورها المشهود في تعزيز الوحدة الوطنية وفي بلورة مشروع الدولة السودانية الموحدة طوال فترة الحكم الثنائي وفترات ما بعد الاستقلال. والأخطر من كل ذلك ان سياسات التحرير الاقتصادي أدت عملياً الى تصفية القطاع العام وعرقلة نمو القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية المنتجة لمصلحة فئات طفيلية لا علاقة لها بالاإنتاج.

    وفي مجال الحرب الأهلية قادت السياسات العملية الى تحويلها من صراع سياسي له أسبابه المحددة ومطالبه المشروعة الى صراع ديني وعرقي وثقافي عنيف. وذلك بسبب ادخال الإسلام والعروبة كعامل مهم في تعزيز نهج النخبة الحاكمة الديكتاتوري في عموم البلاد وفي الجنوب بشكل خاص. ومن خلال شعارات (الجهاد والدفاع عن العقيدة والوطن) عملت السلطة الحاكمة على خلق استقطاب وصراع حاد بين الثقافة العربية الإسلامية الشمالية والثقافات الأفريقية والمسيحية في الجنوب، وبين افريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوبها. وبذلك ادخلت الإسلام والعروبة الشمالية (السودانية) في ورطة الفشل في التعايش السلمي مع الثقافات الوطنية الأخرى في الجنوب وبعض المناطق الشمالية. وأدخلتها أيضاً في مأزق عدم القدرة على المحافظة على وحدة الكيان السوداني وخصوصية انتمائه ودوره العربي الأفريقي. ولذلك ارتفعت دعوات تقرير المصير وتفكيك الكيان السوداني الى دويلات وسط دوائر واسعة في الشمال والجنوب، وبرزت مشكلة الهوية كانعكاس لسياسات الهيمنة والاسئتصال واليأس من امكان التعايش السلمي في سودان ديمقراطي موحد. وامتد كل ذلك الى داخل الشمال، خاصة في دارفور وشرق البلاد. ويشكل ذلك ضربة مؤلمة لمشروع الدولة السودانية الموحدة. وتأتي اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية واتفاق سلام دارفور والاتفاق المتوقع مع جبهة الشرق كنتيجة طبيعية لسياسات نخبة الإنقاذ في مواجهة الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد. وهي اتفاقيات أدت الى تطورات سياسية واقتصادية اجتماعية عاصفة تهدد الكيان السوداني ودولته الموحدة في أساسها، وتتجه الى فرض وصاية دولية لها قواتها وبعثتها المنتشرة في كافة بقاع البلاد.

    وهكذا بعد (17) عاماً من انقلاب الإنقاذ تحتاج البلاد الى انقاذ جديد، يرتكز الى العودة الى اساسيات اتفاق الميرغني/ قرنق، وتفكيك نظام الإتقاذ وعقد مؤتمر دستوري وطني تشارك فيه كل القوى ويخاطب الأزمة السودانية بكافة جوانبها، وبالتالي العمل على بناء مشروع الدولة السودانية الديمقراطية.



                  

07-22-2006, 03:53 AM

عثمان حسن الزبير

تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 919

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: altahir_2)

    الصديق الجميل الطاهر

    مرحب بي عودتك

    وبجيك راجع
                  

07-22-2006, 12:17 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: عثمان حسن الزبير)

    فى انتظار عودتك ايها البهى
    صديقى عثمان حسن الزبير

    (عدل بواسطة altahir_2 on 07-22-2006, 12:17 PM)

                  

07-23-2006, 09:10 AM

عثمان حسن الزبير

تاريخ التسجيل: 01-16-2005
مجموع المشاركات: 919

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: altahir_2)
                  

07-23-2006, 07:27 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: عثمان حسن الزبير)

    لا عليك يا صديقى العزيز عثمان
    نحن نخاطب العقول النيرة ويا لها من مهمة
    اما من وصفتهم فدعهم لاهوائهم
                  

07-25-2006, 05:04 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي جادين :انقلاب الإنقاذ ومشروع الدولة السودانية 2 (Re: altahir_2)

    *
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de