|
محمد على جادين :(شبكة الديموقراطيين العرب) خطوة طال انتظارها
|
العدد رقم: 255 2006-07-22 (شبكة الديموقراطيين العرب) خطوة طال انتظارها
من أوضح الادلة على اختلاط الاولويات لدى العاملين من أجل إخراج البلاد من أزمتها المزمنة وبالتالي ضعف فعاليتهم من ان نبأ اقامة (شبكة الديموقراطيين العرب)الذي كان السيد الصادق المهدي قد تحدث عنه قبل فترة مر دون انتباه يوازي اهميته الكبيرة.تتلخص الاهداف الرئيسية لهذه الشبكة التي عقدت اجتماعها التأسيسي بالمغرب في تعميم وتعميق ثقافة الديمقراطية،وتحقيق الاصلاح السياسي كحاضنة للتحول باتجاهها وتوفير الدعم لنشطاء ودعاة الاصلاح في الوطن العربي وصيانة استقلال وسيادة الاقطار والشعوب العربية بتعزبز التطورات السياسية الداخلية والدولية ذات الصلة.نوعية المشاركين في اجتماع الشبكة الاول والمسائل التي طرحت فيه وكيفية مناقشتها تشير الى أنها الخطوة الاولى على طريق تجميع الديمقراطيين العرب على اختلاف منابعهم الايدولوجية وتجاربهم السابقة وتهيئة المناخ الملائم لتفاعلهم وتوحيد جهودهم وهو أمر طال انتظاره وتعاظمت الحاجة اليه.لقد تكاثرت المؤتمرات والتظاهرات التي تجمع الحابل والنابل فيضيع فيها الديمقراطيون الحقيقيون وسط جلبة الشعارات الرنانة عن دور الجماهير في مناهضة الانظمة والقوى الداخلية والخارجية المعيقة للتقدم العربي دون فصم نهائي للصلة مع الانظمة والايدولوجيات الاستبدادية،شعارات ثبت خواؤها عندما اتم تسليم قيادة الحركيين العرب لقوي الغيبوبة الفكرية المنتمية لجاهلية القرون الوسطى.فهذا النوع من الشعارات في غالب الاحيان صرف للانظار من عداء مطلقيها الكامن للديمقراطية او عدم ادراكهم لاهميتها.أن المعضلة الحقيقية امام العاملين من أجل المخرج الديمقراطي من الازمة السودانية والعربية هي تدهور الوزن الكمي والنوعي للديمقراطيين مما يجعل اية محاولة جادة للتغلب على هذه المعضلة امرا جديرا بأقصى قدر من الاهتمام.
في مقال بصحيفة القدس العربي (تاريخ 20 يوليو الماضي ويمكن الرجوع اليه في ارشيف الجريدة على الانترنت) قدم د.عبد الوهاب الافندي بعض المعلومات حول الموضوع بما يثير عددا من القضايا التي تستحق المناقشة وتستدعيها كتعبير عن الرغبة بالمساهمة في تطوير هذه التجربة الوليدة من قبل ذوي الاهتمام الجدي بقضية تنمية الديمقراطية.المسألة الاولى هي الحضور الابرز من غيره لذوي الخلفية الاسلامية على الاقل في الاجتماع الاول للشبكة.فمن بين الاسماء السبعة التي أوردها المقال اربعة تندرج تحت هذا التوصيف العام مما يثير لدى البعض الشك في مصداقية مشروع الشبكة الديمقراطية بالنظر الى التجارب السلطوية لاقسام رئيسية من الاسلاميين العرب وغير العرب.وتجربتنا في السودان مع انقلابهم على الديمقراطية بعد ان كانت تجارب الاقطار العربية الاخرى قد اثبتت مآلاتها الكارثية بما لا يدع اي مجال للشك،ذاخرة بالشواهد على ذلك سواء في الممارسات الفعلية للاسلاميين السودانيين او الدعم الذي وجدوه من الاسلاميين العرب الاخرين لاسيما المصريين.بصفتي احد الذين تحملوا مسئوليات قيادية في الحركة القومية في السودان من خلال الصيغة البعثية اسارع بالقول بأن القوميين العرب هم الذين فتحوا طريق هذا النوع من الممارسات كما ان تكرار سوريامالاسد الراهن لتصرفات الصيغة البعثية في عراق صدام رغم نتائجها المأساوية ينطق بإصرار بعضهم على المضي فيه.ولكن ما يستوجب الاهتمام بدور الاسلاميين في الشبكة هو ان وزنهم في اوساط النخبة والشارع العربيين اكبر بكثير من وزن القوميين بعد ان حلوا محلهم في التأثير العام مما يبرر ايلاء اهتمام خاص لاي امر يتعلق بهم.هذه الحقيقة هي مايفسر حضورهم الابرز في الشبكة فالمسألة ببساطة أن عددهم وسط المثقفين العرب اكبر من غيرهم بكثير كما ان هذا الحضور يجب ان يقرأ مقرونا بما يلاحظه اي متابع للشئون العامة من ان التيار الاسلامي يشهد تمايز مجموعة من مفكريه القياديين،من بينهم الافندي نفسه،دأبوا على مراجعة التجربة نقديا وتوصلوا من خلالها الى قناعات ديمقراطية.وهذه النوعية،مع نوعيات مماثلة ظهرت في التيار القومي واليساري عموما،هي التي تجتذبها فكرة الشبكة.
استطرادا لهذه النقطة فإن القضية الفكرية الاساسية التي ينبغي طرحها على طاولة البحث في الشبكة وبين اعضائها ومن يشاطرونهم الاهتمامات والتوجيهات هي قضية العلاقة بين الاستنارة والديمقراطية بحكم العلاقة العضوية بينهما.من الناحية التاريخية فإن مصطلح الاستنارة الذي يرتبط عادة بمايطلق عليه عصر النهضة او التنوير الاوربي من خلال القرنين السابع والثامن عشر وثيق الصلة بميلاد الانظمة الديمقراطية بدأ بتقليص سلطات الكنيسة والملوك والاقطاع.وبينما يمكن الجدل حول مدى الاختلاف بين التجربتين الاوربية والعربية فإن من الجائز القول بأن تجذر الديمقراطية محليا رهين بتجذر العقلانية والموضوعية في التعامل مع كافة القضايا والدين الاسلامي بصورة خاصة.وتعود هذه الخصوصية الى الانتشار الافقي والراسي للاسلام السياسي وغير السياسي خلال العقود الماضية حتى وصل الى السلطة ديموقراطيا في اكثر من بلد او اصبح الرقم الرئيسي في المعارضة مما يطرح قضية الاصلاح الديني بدرجة من الراهنية والضغط تقارب ماشهدته اوربا اواخر القرون الوسطى.واعود بتكرار القول بأن منطلق هذه الدعوة ليس تصفية حسابات (قومية)مع الاسلاميين فالمفترض ان اعضاء الشبكة الرسميين وغير الرسميين تجاوزوا هذا النوع من البواعث بعد ان اصبح القوميون والاسلاميون المستنيرون شركاء طريق ومصير واحد بغض النظر عن النقطة التي بدأوا منها تاريخيا وان عقليتهم لم تعد تستسيغ هذا النوع من السلوكيات الفجة.فهناك فرق كبير بين الاقبال على البحث في جوانب الاختلاف الفكري والسياسي مع الاسلاميين بروح الموضوعية واستخدامها للجدل الفارغ تسجيلا للنقاط.
في العنوان والمتن يثير عرض د.الافندي لمجريات الامور في اجتماع الشبكة الاخير قضية العلاقة مع الغرب.فعنوان المقال هو (شبكة الديموقراطيين العرب تنتظر الاتهامات المعتادة لإثبات نجاحها ) مشيرا بذلك الى معلومات في متن المقال حول مركزين ممثلين في الشبكة موجودين في الولايات المتحدة الامريكية يتلقى احدهما دعما رسميا وللاخر دور رئيسي في مرحلتها الاولية هما (مركز دراسات الاسلام والديمقراطية) و(شركاء من اجل التغيير).وفي هذا الخصوص اوضح السيد الصادق المهدي،حسب المقال ،ان التطلع العربي نحو الديمقراطية والعمل من اجلها سابق لاهتمام امريكا بالموضوع وان قيام امريكا بمراجعة موقفها من دعم نظم الحكم الاستبدادية في العالم العربي يجب ان يكون محل ترحيب،بالرغم من أن الاصلاح ينبغي أن يكون مبادرة داخلية تتحمل فيها الشعوب العربية أعباء النضال.كما جرى التأكيد بإجماع الحاضرين على ضرورة استقلالية الشبكة عن كل المشاريع الدولية).وهذه قضية مطروحة اصلا بشدة في الساحة السياسية العربية من زاوية الفعل الامريكي،خاصة مشروع الشرق الاوسط الكبير،وردود الفعل العربية السلبية عموما تجاهه.ويمكن للديمقراطيين العرب ان يلعبوا دورا مهما في هذا الخصوص بإخراج هذه القضية من اجواء ردود الفعل المجردة وغير المجدية تاليا الى تلك المحكومة بمقتضيات خدمة المصالح العربية العليا ومن بينها تاهيل المجتمع العربي للتغلب الحاسم على التداخل الصميمي بين الاستراتيجيتين الامريكية والصهوينة فيما يتعلق بقضية فلسطين بصورة خاصة وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه كافة الجهود والتضحيات العربية خلال اكثر من نصف قرن من الزمان لافتقارها الى الوعي بأهمية الديمقراطية.وبما ان الشبكة،على الاقل في مرحلتها الاولى،لن تتخذ قرارات اومواقف تتعلق بالجوانب السياسية فان هذا الموضوع سيساعدها على التقيد بما ينسجم مع طبيعتها هذه والتركيز على الموضوع واطاره الحاكم وهو العلاقة مع الغرب بمختلف جوانبها.فالمنبع الرئيسي لعجز حركات المعارضة العربية الحالية عن تحقيق ماعجزت عنه الانظمة العربية التقليديه و(الحديثه) فيما يتعلق بوضع حد لانتهاكات السياسات الامريكية والغربية والمصالح العربية هو الانطلاق من رؤية تلخص الغرب عمليا في امريكا وفي افضل الاحوال اضافة بريطانيا وفرنسا وفي الحالتين الانحصار في الجانب السياسي للعلاقة مع الغرب.وهذه الرؤية التي لا تستوعب الغرب ككيان حضاري ومتعدد الجوانب ومتنوع حتى في كل قطر من اقطاره على حده،تقود حتما الى رسم خطط مواجهة معه ينقصها الشمول وبالتالي الفاعلية او تبقي قصيرة الامد وهشة في حالات النجاح النادرة.وهذا النقص الفادح هو في الواقع منطقي وطبيعي لان النخب العربية (الحديثة) القائدة فكريا وسياسيا بعد الاستقلال في مرحلتيها اليسارية القومية - الماركسية ثم الاسلامية حققت تقدما كبيرا في مستوى تأهيلها العلمي والسياسي بالمقارنة لسابقاتها للقيام بالمهام المطروحة على الامة العربية ومن بينها مواجهة السياسات الامريكية والغربية الضارة بمصالحها،ولكنها بقيت مجافية تماما لقضية الديمقراطية وعيا وسلوكا مما ابطل مفعول هذا التقدم. فادراك كيفية اشتغال اليات الديمقراطية صراعا او تعاونا،بما في ذلك التوقيت السليم لاستخدام العنف ومداه،من خلال استثمار اليات مثل تداول السلطة واستقلالية السلطة التشريعية والحيوية الضاغطة للمجتمع المدني والصحافة الحرة.كما ان هذا التمرس هو السبيل الوحيد لزج الجمهور العربي في معارك السلم والحرب كشريك لا غنى عن دوره في كسبها ولا غنى عن طوعية هذه المشاركة كضمان لفاعليتها.من هنا فقد اقتصر المعنى الفعلي لمصطلح (الشارع العربي) بين المراوحة بين الاستجابة الوقتية لعمليات تعبوية صرفة تديرها نخب (حديثة)معارضة او ترتيبات الحشد الرسمي من قبل رصيفتها الحاكمة في دول مثل سوريا وليبيا والسودان.هنا تمسخ الجماهير الى مجرد طبل يردد ضربات مجموعات نخبوية تعيش سياسيا بوعي اوبغير وعي على تكرار تجارب ثبت فشلها في البناء الداخلي والصراع ضد التحالف الامريكي -الصهيوني وانحصر نضالها اخيرا في صك وتوجيه الاتهامات لكل من يخرج على نظرتها الى الغرب ويتبع سبيلا اخر للتعامل معه سلبا او ايجابا.
ان الميزة الكبرى لتشكيل ديمقراطي مثل الشبكة وغيرها من منظمات المجتمع المدني السياسي الحزبي وغير السياسي اللاحزبي فيما يتعلق بقضية التمويل،انها غير قابلة للافساد او اساءة التصرف بعكس الحال مع الانظمة الاستبدادية والمنظمات السياسية وغير السياسية غير الديمقراطية. فالاخيرة غير خاضعة لرقابة من اي نوع بينما الاولي خاضعة لرقابة اعضائها بحكم طوعية عضويتهم وحقوقهم المكفولة قانونا وممارسة في مساءلة القيادات وانتخابها. كما انها خاضعة للرقابة من قبل الرأي العام لكون اعضائها جزءا منه وبحكم شفافية عملها مثل العضوية المفتوحة ونشر الحسابات وغير ذلك مما يخضعها ايضا لرقابة القانون والصحافة الحرة. من هنا فإن تركيز الشبكة ومثيلاتها من انشطة المجتمع المدني على استقطاب كافة مصادر التمويل المحلية المتوفره واستكماله بمصادر غير عربية ثنائية او متعددة الاطراف ابعد عن مظان العماله واثرها التخريبي كثيرا بالمقارنة للتجمعات الشكلية المماثلة في ظل انظمة غير ديموقراطية.ففي الاخيرة يكفي اغواء عدد محدود من المسئولين بالمال او غيره لاختراق عميق وخطير الاثر في كيان الجهة المعنية والبلاد بأجمعها بحكم قلة عدد المسئولين الفعليين في هذا النوع من الانظمة والمنظمات التابعة لها وتركيز الصلاحيات في ايديهم. اما في الانظمة والمنظمات الديموقراطية فإن مثل هذا الاختراق مستحيل لان المسئوليات فيها موزعة مؤسسيا ويخضع شاغلوها لمراقبة من اكثر من جهة فضلا عن رأي عام واع ومدرب على النقد والمراجعة والمساءلة.لذلك فإن اية محاولة اختراق لا تتعدى مراحلها الاولى ويسهل لذلك سد المنافذ امامها والسيطرة على اثارها.
محمد علي جادين
|
|
|
|
|
|