|
لقاء القوميين والاسلاميين ... بعض قضاياه :عبد العزيز حسين الصاوي ( كاتب سوداني )
|
لقاء القوميين والاسلاميين ... بعض قضاياه عبد العزيز حسين الصاوي ( كاتب سوداني ) يستمد المؤتمر القومي – الاسلامي الذي انعقد تحت ظل الدوحة القطرية يومي 22 و23 ديسمبر/ كانون اول الماضي اهميته من عدد ونوعية الشخصيات التي حضرته والقضايا التي بحثها وفكرة التحالف القومي الاسلامي التي يقوم عليها. فقد غطي كافة القضايا المطروحة في الساحة العربيه مع التركيز علي الساخنة منها كما ساهم في مناقشاته الحادة والغنية احيانا مايقارب الثلاثمائة شخصية للكثير منها وزن معتبر محلي وعربي واسلامي. ان عضوية العلاقة بين الاسلام والعروبة تبرر خصوصية تحالف بين هذين التيارين بالذات من بين التيارات السياسية العربيه. فالصيغة المحددة التي عبرت بها الرسالة السماوية عن جوهر طبيعتها الانساني المدي تعكس في كثير من جوانبها خصائص المجتمع العربي الذي نزلت فيه بداية، بينما الصراعات التي وقعت بين التيارين تعود الي انهما يمثلان تصورات فكرية معينه لدور هاتين الرابطتين في تحقيق نهوض المجتمعات. وعلي الرغم من ان هناك كثيرا من المؤشرات حول ضعف التيار القومي مقابل قوة التيارالاسلامي فأن اللقاء بينهما يبقي منطويا علي قيمة كبري لكونه افصاحا عن توجه التيارين نحو مراجعة مسيرتهما نقديا في مناخ احتلت فيه قضية الديموقرطية وحقوق الانسان موقعا صداريا. وكلما تعمق هذا التوجه متجذرا كعقلية وممارسات ديموقراطية تلقائيه كلما ارتقت القيمة الفعلية للقاء بينهما لانه الوصفة الناجعة لنموهما نموا صحيا مضطردا. فالواقع هو ان عدم قدرتهما علي التعايش مع بعضهما البعض في المرحلة السابقة كان احد اعراض فقر الدم الديموقراطي في بنيتهما لان فاقد الشئ في علاقته مع نفسه لايعطيه في علاقته مع الاخر. ومن هنا كانت التباينات الطبيعية بينهما، بل والمطلوبة ضمانا لتعددية الخيارات امام المجتمع، تنحرف نحو القطيعة والعداء. وهذه قاعدة انطبقت وتنطبق علي كافة الحركات والتيارات السياسية العربيه. من القضايا الفكرية التي فرقت بين التيارين سابقا ولاتزال وان كان بدرجة اقل من السابق، قضية العلمانيه. فالحركة القومية كان ينظر اليها وتنظر هي الي نفسها علي اساس انها علمانيه بشكل او اخر. هذا الامر كان اقل وضوحا لدي الناصريه منه لدي البعث الذي كان اكثر احتفالا بالمسائل الفكريه قبل ان يبحر في لجة السلطة عميقا. هكذا نشأت لديه مثلا اطروحة العلمانية المحايده التي تتميز عن العلمانية الغربية بكونها ليست وليدة الصراع بين الكنيسة والدوله، قبل ان تتسبب مكابدات السلطة في تخلي البعث عمليا عن علمانيته، كما يستفاد من مراجعة خطب قائد السلطة البعثية العراقية وسياساتها في مرحلة مابعد غزو الكويت. اما الحركة الاسلامية فان توسع نفوذها ودخولها تجربة السلطة في اكثر من قطر اوضح ان مسألة العلاقة بين الدين والدوله اعقد كثيرا مما تصورت اذ ترتبت علي عدم ضبطها عقلانيا مشاكل خطيره ابرزها نشوء حركات سياسية مؤثرة للغايه تتبني تفسيرا تكفيريا للاسلام ذا عواقب مدمرةعلي كافة الاصعده. كما ان تعاملها مع قضية الدمج بين الديني والزمني، بين المقدس والدنيوي اثبتت ان عدم مرور هذه العلاقة من خلال فلتر الديموقراطية الذي يعين حدود ومدي قبوله الطوعي مجتمعيا ينتهي الي الاساءة الي الدين والدنيا معا. تجربتنا مع اسلاميي السودان كشفت امامنا الابعاد الجدية للمزحة التي راجت عن ايران الخميني. هذه قالت بأن الايرانيين ايام الشاه كانوا يتعبدون داخل منازلهم بينما يمارسون حياتهم الترفيهية ببريئها ونقيضه خارجها، بعد الثورة حدث العكس. عندنا في السودان اصبح التعبد نفاقا امام السطوة المادية والمعنويه لنظام الانقلاب يخفي تحته كافة الافلاسات التي نعرفها من خبرتنا العربية الطويلة مع الانظمة الدكتاتوريه والترفيه اصبح انحدارا في الظلام نحو انتهاك للنسيج الاخلاقي والاجتماعي متسع ومتنوع بدرجة لم يعرفها تاريخ الانتهاكات السودانيه. علي ضوء هذه التجارب الثرة للتيارين مع هذه القضيه ربما حان الوقت لانتقال المؤتمر من السياسي الي الفكري من خلال صيغة ورش عمل يدعي اليها نفر محدود من المشتغلين بقضايا الفكر لديهما. انعكاسا للموقع الذي تحتله المقاومة المسلحة في المشاغل العربية والاسلامية وحتي الدوليه يوليها البيان الختامي للمؤتمر اهتماما خاصا مؤكدا في هذا الاطار علي تبنيه المطلق لها في الساحتين الفلسطينية والعراقيه ب : " دعمه اللامحدود واللا مشروط للمقاومة في كل الساحات العربية والاسلامية " . في ظن كاتب هذا المقال ان كثيرا من العراقيين الذين دفعوا ثمناغاليا في سبيل الديموقراطية ضد النظام السابق ويشاطرون اعضاء المؤتمر رؤيتهم للدور الامريكي ومشروعية المقاومة المسلحه سيجدون انفسهم مختلفين مع البيان فيما يبدو قبولا منه لجماعة القاعدة البنلادنية كجزء منها. هذا احد نواحي التعقيد في موضوع المقاومة العراقيه فارزا اياها من المقاومة الفلسطينيه مما كان يستوجب معالجة مختلفة واعمق لهذا الموضوع. وبالنسبة لكاتب هذا المقال فأن التعقيد يذهب ابعد من ذلك لان التدخل الامريكي الذي لااختلاف علي تناقض دوافعه التحتية مع المصالح العراقية والعربيه- الاسلامية كان، من جهة اخري، فتحا لصندوق باندورا من الاحتقانات والتمزقات الاثنية والطائفية صنعته ايد عربية قومية بالذات. والمعني بذلك ان مزيج الانغلاق المحكم لقيادة صدام علي الاخر العراقي مهما كان وطنيا ومعاناة العراقيين التي تجل عن الوصف بعد ثلاثة حروب وحصار دام 13 عاما دفعتهم دفعا للعودة الي الروابط الاولية الاثنية والطائفيه والي التدين الخام غير العقلاني. المجتمع العراقي كان في حاجة ماسة بعد الاحتلال الي فترة هدوء يتعود فيها علي جو الحريات ويرسي قواعد مؤسساتها المدنيه الديموقراطية الحزبية وغير الحزبيه بما ينفخ الروح في الروابط الوطنيه وينمي الادراك المنفتح للدين. وهي شروط ملائمة، في الوقت عينه، لممارسة اشكال متنوعة من المقاومة السلمية جربتها شعوب اخري بنجاح لاسيما وان الاحتلال مراقب دوليا لكونه قرار صادر من الامم المتحده، بل ومن داخل النظام السياسي الامريكي نفسه كما اثبت كشف قضيتي ابو غريب وحديثه من قبل الصحافة الامريكيه. بذلك ايضا يكون المجتمع العراقي قد تأهل لأطلاق مقاومة عنفية بناءه وطنيا وديموقراطيا بعكس مايحدث الان، أذا فشل خيار المقاومة السلمية. تلك نقطة جديرة بالاعتبار عند التفكير في موضوع المقاومة ومن دواعي ذلك الاخري في البيان ان اطلاقيته في تبني صيغتها المسلحة تجره الي تناقضات معينه اكثرها لفتا للانتباه خاص بمعالجته للقضية الفلسطينيه فهو يعلن : " رفضه لكل اشكال التنازلات متمسكا بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتحرير تراب الوطن " ويقرر ان : " المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير اما الهرولة للصلح والتطبيع مع العدو فهو انتهاك فاضح ليس فقط للحق الفلسطيني بل لحقوق الأمة العربية " وفي الوقت نفسه يدعو : " إلى مواصلة الحوار بين الفصائل الوطنية وصولا إلى تفاهمات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ". بذلك يضعنا البيان امام معضلة التوفيق بين حركة فتح والسلطة الرئاسية الفلسطينية ومعها الجبهتان الشعبية والديموقراطيه التي تدخل توجهاتها ضمن مرفوضات البيان وكونها طرف رئيسي في حوار الوحدة الوطنيه. كذلك الامر فيما يتعلق بلبنان حيث : " انتصار المقاومة في لبنان وتمكنها من اذلال جيش العدو حقق للامة نصرا تاريخيا واستراتيجيا " بينما تشير التطورات والانباء اللبنانية المتوترة والمتواترة حاليا الي انعدام الاجماع حول معني الانتصار وحدوده عندما ازفت ساعة ترجمته سياسيا. فالحكومة وقوي 14 اذار تعتقد بأن حزب الله وحلفائه يريدون اقتضاء ثمن اغلي من اللازم لهذا الانتصار علي حساب قضايا لاتقل اهمية مثل استقلالية القرار الوطني. فهل نحن مع المقاومة علي طول الخط اي في الجبهة ضد اسرائيل وفي السياسة الداخليه ايضا كما يوحي البيان ام مع صون الاستقرار والوفاق الوطني كما يقول البيان ايضا بما يعني اخذ موقف الفريق اللبناني الاخر في الاعتبار ؟ فيما يتصل بقضية دارفور فأن التحليل الذي يستند عليه بيان المؤتمر لاصل المشكله فيه كثير من التعاطف مع السودان والسودانيين وقدر قليل من الصحه. فالانفجار المسلح في دارفور نموذج كلاسيكي لما يؤدي اليه عجز النخب العربية والمسلمة عن تهيئة عوامل نشوء نظام حكم رشيد بسبب افتقارها للتكوين الديموقراطي، كل بطريقته وضمن ظروف بعضها موروث تاريخيا وبعضها من صنع الحقبة الاستعماريه. المرافق الطبيعي لهذا الاخفاق كان كالعاده الفشل التنموي الذي تحول بألازمان ومابدا انه انسداد لافق الحلول الوطنية المدي في المناطق السودانية الاكثر تخلفا من غيرها الي بحث عن حلول جهوية- اثنيه تفرض نفسها بالقوة بسبب الغيبة الطويلة للمنافذ الديموقراطيه. بذلك فأن الانفجار الدارفوري صناعة سودانية محلية بأمتياز لاشأن للمطامع الغربية بها، بعكس مايرد في بيان المؤتمر. سلبية التدخل الغربي اذا فهم بأعتباره امرا واردا في مرحلة من المراحل ازاء هذه القضية او غيرها لانبثاقه عن مصالح لاتتفق بالضرورة مع المصلحة السودانية والعربية والافريقيه، يمكن الاتفاق مع أدانتها ولكن ماحدث في دار فور وقبل ذلك في جنوب السودان لايقع في هذه الخانة بالضبط. موضوعيا ودون عواطف واسقاطات للموقف الامريكي والغربي في فلسطين وغيرها علي وضع مختلف، ماحدث هو ان اخر تجليات فقر النخب السودانية الديموقراطي ممثلا في نظام الاسلاميين السودانيين الحالي لم يقبل الدخول في مفاوضات نايفاشا وابوجا حول انهاء حرب الجنوب والغرب الا تحت ضغط غربي وامريكي- بريطاني تحديدا. هذه هي الحقيقة المره وعلينا كعرب ومسلمين سواء كنا قوميين او اسلاميين بأي معني من المعاني ان نواجهها بوضوح اذا كان لنا ان نغيرها مستقبلا. فالمصدر الاساسي لمعضلاتنا كافة، بعكس مايوحي مجمل البيان، هو قصورات النخب الحاكمة والمعارضه وبالذات ضعف تكويننا الاستناري والديموقراطي. وماالتضخم الحالي والظاهر للدور الامريكي والغربي عموما سوي استثمار لهذا لضعف. هل نحن عاجزون حقا عن تحديد مايتوافق مع مصالحنا الا بأستخدام مقياس واحد وحيد هو الموقف الامريكي الرسمي حيث لانعرف لها موقعا الا اذا كان ضده.
|
|
|
|
|
|