|
جادين : محاكمة صدام الي اين تقود العراق؟
|
--------------------------------------------------------------------------------
363 2006-11-11 محاكمة صدام.. إلى أين تقود العراق؟ اثارت محاكمة صدام حسين الرئيس العراقي السابق، ردود افعال واسعة وعديدة، ففي داخل العراق نفسه رحبت الأوساط الشيعية والكردية بصدور حكم الإعدام على صدام حسين واعتبرته حكماً عادلاً يستحقه المذكور، ومن جهة أخرى وجد إعلان الحكم معارضة مقدرة في الشارع العراقي السني وخرجت المظاهرات تعلن تأييدها لصدام ورفضها قرار الإعدام واعتباره حكماً سياسياً، وبجانب ذلك أعلنت ايران والولايات المتحدة الأمريكية تأييدها وترحيبها بالحكم الصادر من المحكمة، بينما تحفظت بريطانيا والاتحاد الاوروبي على حكم الإعدام، ودعا الاتحاد إلى التركيز على الحل السياسي والمصالحة الوطنية، أما الحكومات العربية والجامعة العربية فقد لزمت الصمت، وفي الجانب الآخر أعلنت بعض منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية خاصة منظمة العفو الدولية والمنظمة المصرية والعربية لحقوق الإنسان، انتقادات عنيفة لإجراءات المحاكمة وعدم عدالتها، وتشير المعلومات العامة إلى تدخلات مستمرة من قبل السلطة العراقية، وربما الأمريكية، في إجراءات المحاكمة، بما في ذلك تغيير القضاة والضغوط على هيئة الدفاع وطردهم من المحكمة وإغتيال أحدهم، ويضاف إلى ذلك ان المحاكمة ظلت تجري في ظروف غير طبيعية تميزت بالفوضى وإتساع عمليات العنف في معظم أنحاء العراق، ففي شهر سبتمبر الماضي وحده قتل حوالي 2600 عراقي في مدينة بغداد وحدها ووصل عدد التفجيرات في العراق إلى 1002 في عام 2006 مقارنة بحوالي 613 في 2004 وحوالي 110 في 2003 (نيويورك العربية نوفمبر 2006) وهذا يشير إلى ان حالة العراق الآن تقترب من الفوضى والحرب الاهلية، وهي حالة غير طبيعية تفتقد الاستقرار والأمانة اللذين يشكلان شرطاً أساسياً لمحاكمة عادلة.
اذ ان السلطات العراقية والأمريكية تتهم صدام حسين بقتل أكثر من 500000 مواطن في أكثر من ثلاثين عاماً، بينما يصل عدد القتلى خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إلى حوالي 600000 مواطن حسب الاحصائيات الرسمية المتداولة وأكثر من ذلك ان إعلان حكم الإعدام ارتبط بزيارة سريعة لرئيس الاستخبارات الأمريكية لبغداد وبانتخاب الكونغرس الأمريكي، وفي ذلك تشير تقديرات المراقبين إلى اسخدام المحاكمة كورقة في تلك الانتخابات لمصلحة الحزب الجمهوري الذي تجد سياساته في العراق معارضة داخلية كبيرة، كل هذه العوامل والظروف تؤكد ان المحاكمة غير عادلة، وان حكم الإعدام هو حكم سياسي من الدرجة الأولى، تقف وراءه الإدارة الأمريكية والنخب الشيعية والكردية المسيطرة على الحكم في العراق، ودولة ايران المجاورة بحكم عدائها التاريخي مع صدام حسين وعلاقاتها القوية مع حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية المسيطرين على الوسط الشيعي العراقي.
قد تكون التهم الموجهة لصدام وأعوانه تستحق مثل هذه العقوبة وأكثر منها. لكن ذلك يتطلب توفر شروط المحاكمة العادلة وشروط عدالة انتقالية شاملة، تشمل محاكمة التجربة العراقية بكاملها، خاصة فترات ما بعد ثورة 14 يوليو (تموز) 1958 حتى سقوط نظام صدام حسين في 2003، ومع انعدام هذه الشروط الضرورية تحولت المحاكمات الجارية إلى عمليات انتقام سياسي مدعوم من الإدارة الأمريكية وايران وأصبحت جزءاً من عملية الصراع الجاري وتحول صدام والمتهمون إلى أبطال من وجهة نظر النخب والقطاعات الشعبية المتضررة من القوى الشيعية والكردية المسيطرة على الدولة بدعم واسع من قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني، وقد يؤدي ذلك إلى اتساع عمليات العنف في البلاد وتقوية وتعزيز (المقاومة العراقية) بمختلف مسمياتها في مواجهة السلطة الحاكمة وقوات الاحتلال، أي بعكس توقعات هذه القوى، والنتيجة الطبيعية لكل ذلك هي اتساع حالة الفوضى والحرب الأهلية الطائفية والعرقية الجارية في أرض الواقع، وفي ذلك تفيدنا احصائيات ومعلومات أوردتها مجلة النيوزويك في عددها الأخير نلخصها في الآتي: 1- تصل نسبة العطالة في العراق إلى 50% وفي بعض المناطق السنية تصل إلى 70%، وذلك بسبب انعدام الأمن والاستقرار. والفقر والعنف توأمان. 2- غياب الجيش وقوات الأمن والشرطة الكفؤة أدى إلى ظهور المليشيات المحلية والسياسية لملء الفراغ، ففي الشمال تسيطر مليشيات البشمرقة الكردية الطلبانية والبرزانية، وفي الجنوب تسيطر مليشيات شيعية عديدة وتتصارع فيما بينها، وفي المناطق السنية تسيطر مليشيات المقاومة العراقية بمختلف مسمياتها، 3- اتساع العنف الطائفي والحرب الاهلية بكل ما يحمله ذلك من نزوح داخلي وخارجي واسع وحتى تطهير عرقي (ديني)، 4 - قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني لم تستطع ولن تستطيع احتواء عمليات العنف المتزايدة، خاصة في الشهور الأخيرة (المصدر) وفي هذا الاتجاه تزايدت المعارضة الداخلية للسياسة الأمريكية في العراق، فقد اشارت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة، إلى ان المنتصر الوحيد في العراق الآن هو ايران والشيعة العراقيون، وفي هذا الإطار جاءت تراجعات الإدارة الأمريكية لتغيير سياساتها في العراق في نهاية أكتوبر الماضي حسب الصحف والإذاعات ويقول فريد زكريا في النيوزويك الأخيرة ان على أمريكا ان تتخلى عن اوهامها وطموحاتها وتركز فقط على عدم حصول الأسوأ (.....) والأسوأ يقصد به هنا انفجار الحرب الاهلية بشكل واسع وهذا يعني بوضوح شديد ان الازمة العراقية قد ازدادات تعقيداً وتحولت إلى قضية عربية وإقليمية ودولية تماما كالحالة الفلسطينية والسودانية، ويعني أيضاً ان هذه الأزمة لا يمكن حلها بالعنف وزيادة قوات الاحتلال واستمرارها لفترة اطول، وفي هذا الإطار تبدو المحاكمات الجارية وأحكام الإعدام الصادرة عنها كخطوات تؤدي فقط إلى توسيع الحرب الاهلية وعمليات العنف في البلاد، فالاحزاب الشيعية المسيطرة لا تفكر إلا في فرض سيطرتها بالقوة والعنف، كما تشير إلى ذلك تصريحات رئيس الوزراء نوري المالكي، وعبد العزيز الحكيم، رئيس أكبر كتلة في البرلمان، والقوى الأخرى تقابل هذا التوجه بتوجه مماثل.
وفي الحالة لا أمل في احتواء الأزمة العراقية ومنع تقسيم العراق إلى دويلات عديدة على أسس عرقية وطائفية. ومن هنا تنبع ضرورة البحث عن حل سياسي يقوم على مصالحة وطنية شاملة تستند إلى بناء عراق جديد ديمقراطي موحد وعدالة انتقالية تشمل مراجعة التجربة العراقية بكاملها، خاصة منذ ثورة 1958 حتى الآن، ومحاسبة كافة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وممارسات الفساد الإداري والمالي.
وهذه المصالحة والحل السياسي السلمي لهما ما يسندهما في الواقع العراقي الراهن، فهنالك قوى سياسية عديدة، تضم دوائر واسعة وسط القوى العلمانية والدينية والقومية، ظلت ولا تزال تعمل من أجل ذلك وفي أوساط حزب البعث العراقي نفسه هناك تطورات جدية تتجه لمراجعة تجربة الحكم البعثي (1968-2003) ونبذ سلبياتها وبالذات في مجالات الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة.
وبرز ذلك في البرنامج الوطني والديمقراطي الذي أعلن قبل اسابيع قليلة من قناة الجزيرة وأيضاً في تحركات واسعة وسط التيارات البعثية المختلفة من أجل توحيد حزبهم على أسس جديدة، وفي المحيط العربي يجد التوجه نحو المصالحة والحل السياسي السلمي دعماً قوياً من الجامعة العربية وقوى سياسية عربية عديدة، كما تشير مجلة (المستقبل العربي) التي يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، وفي الوقت نفسه يبدو ان الإدارة الأمريكية قد بدأت تشعر باخطائها القاتلة بدءاً من عملية الاحتلال وانتهاء بسياساتها اللاحقة في العراق... فقد أدى كل ذلك إلى إستبدال استبداد وديكتاتورية صدام حسين بحالة من الفوضى والحرب الاهلية المخيفة بكل ما يحمل ذلك من تأثيرات خطيرة على استقرار وسلامة المنطقة.
والحلقة المركزية للخروج من هذا المأزق يتمثل في تركيز القوى السياسية والاجتماعية العراقية، بمختلف تياراتها، على تحقيق مصالحة وطنية راسخة ومن ثم الشروع في بناء عراق ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والاقليمي والدولي، ويعني ذلك ايقاف المحاكمات الجارية والغاء الأحكام الصادرة منها والبدء فوراً في حوار وطني جاد ومسؤول بدلاً من انتظار ما تسفر عنه مناورات وتقلبات السياسة الأمريكية وسياسات القوى الدولية الاخرى في العراق والمنطقة، وبذلك وحده يمكن هزيمة خياري الاستبداد والديكتاتورية وحالة الفوضى والحرب الاهلية لمصلحة كافة أهل العراق، بمختلف انتماءاتهم الدينية والاثنية والسياسية.
|
|
|
|
|
|