دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: تمويل الأحزاب مع إشارة خاصة لحزب البعث السوداني <عبد العزيز حسين الصاوى> (Re: altahir_2)
|
تمويل الأحزاب مع إشارة خاصة لحزب البعث السوداني «2/2» المتتبع لتطور الفكر السياسي السوداني والعربي اليساري يلاحظ حلول مصطلح رجال الاعمال محل مصطلح البرجوازية بل وورود الاخير في سياق ايجابي ضمن صياغة فكرية تعتبر تضعضع وزن الطبقة الوسطى وثيق الصلة بنشوء ازمة الاستنارة والديموقراطية السياسية بدلا من صياغات المرحلة السابقة التي كانت في الواقع تعتبرها احتياطيا لقوى الاقطاع والرأسمالية الكبيرة المعطلة لتقدم المجتمع. احد احدث الصياغات يأتي من أكاديمي ومفكر موريتاني هو د. عبد الله السيد ولد اباه الذي يحلل في مقال له «جريدة الشرق الاوسط اللندنية 26/5/2005» مصادر نمو وزن رجال الاعمال بما يمكن تلخيصه في انتشار الخصخصة كاحد مكونات الانفتاح الاقتصادي في معظم البلدان العربية وفرص التعامل والحركة خارج بلدانها في اطار العولمة الاقتصادية والمالية. هذه الخصائص تعطي قطاع رجال الاعمال دورا اكبر من دور الدولة وتجعله في نفس الوقت اكثر استقلالية منها بالمقارنة لنظرائهم سابقا. ومع ضرورة التمييز بين نمو هذا القطاع ونمو ظاهرة المافيات التي صاحبتها في بعض الاقطار، فان طبيعيته هذه، حسب ولد اباه تجعله لاعبا اساسيا في عملية الانتقال الى الديموقراطية بدعم مؤسسات العمل الاهلي وتوطيد الارضية التنموية التي لا غنى عنها لنظام تعددي. واضيف هنا ان نمط رجل الاعمال الذي تنطبق عليه هذه الصفة حقا، والمستثمر عادة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة مثل المعلوماتية والاتصالات، يتميز بتعليم عال ودراية واسعة باحوال العالم تجعله مدركا لارتباط مصالحه بالتنمية الديمقراطية والقبول بدور ما في التوزيع العادل للدخل القومي كضمان وحيد للاستقرار السياسي وزيادة الانتاج والربحية. وبينما نجد في مصر نموذجي جورج اسحق، رجل الاعمال الذي يدعم حركة «كفاية» وحزب الغد الذي اسسه رجل الاعمال ايمن نور واحرز المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية نجد في افريقيا غير العربية نموذج رجل الاعمال براينت الذي تولى قيادة ليبيريا خلال مرحلة انتقالية نحو انتخابات ديمقراطية من حرب اهلية منذ عام 2003م. في السودان بعض المعلومات المتصلة بهذا الموضوع تقول بأن رجل اعمال سوداني يدعى محمد ابراهيم تعهد بدفع مبلغ 100 مليون دولار في اطار «مبادرة كلنتون العالمية» التي اسسها الرئيس الامريكي السابق متخصصة في محاربة الفقر والاحتباس الحراري. ومن البديهي ان انفتاحا على الافق الانساني بهذا المستوى لا يمكن ان يكون منغلقا على الافق المحلي سواء فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية او تعزيز نشاطات المجتمع المدني السياسي الحزبي وغير السياسي «تجمع بين النوعين خواص اللاربحية وطوعية الانتماء وديموقراطية الادارة بينما تفرقهما الاهداف السياسية للاحزاب». لدينا في المجال الاخير شواهد عديدة حيث يقف رأس المال الخاص وراء بعض المراكز الثقافية المستقلة عن الدولة بأجهزتها الظاهرة والخفية. أما فيما يتعلق بالاحزاب، فهناك المعلومات التي رشحت حول مصادر تمويلية خاصة لقوات التحالف السودانية وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان. وهذه تثير قضية ينبغي التشديد على اهميتها اكثر من مرة وهي الضوابط المطلوبة لحماية المجتمع المدني السياسي، لان التداخل بين رأس المال الخاص والاحزاب يغدو بغير ذلك بابا مشرعا لعلاقة تبعية وافساد لاجوائها الداخلية لا سيما في مجتمع سوداني تعاني غالبيته في ظل انظمة غير ديموقراطية. هناك الضوابط التي يمكن ان يتضمنها قانون يصاغ لهذا الغرض نجد ان احد نماذجه في التجربة المغربية الذي ينص على ان تمنح الدولة الاحزاب التي تحصل على نسبة 5% من الاصوات منحة سنوية باشتراط امساك حسابات دقيقة ومنشورة وعقد مؤتمر واحد على الاقل كل اربع سنوات الخ الخ.. غير ان الضمان الاساسي يبقى توفر شروط الديموقراطية في الحزب المعني بما يجعل حركته شفافة بدرجة تفرض عليه رقابة ذاتية من قبل اعضائه ومناصريه قبل رقابة المجتمع الكبير. توفر مثل هذه القابلية في حزبي الشيوعي والبعث وغيرهما من الحركات التي نشأت اصلا كحركات سياسية، حتى ولو افتقدت شرط الديموقراطية الداخلية خلال فترة طويلة من حياتها يفترض ان تكون اكبر من الحركات التي يغلب عليها الطابع العسكري. من واقع التجربة في الحزب الذي تشغله قضية التمويل اكثر من غيره من بقية الاحزاب وهو حزب البعث السوداني يمكن القول لهذا المقال الزعم بأنه لا زال متأثرا، ربما من الناحية النفسية على الاقل، باجواء المرحلة السابقة في حياته. والمعني بذلك ان العقلية البعثية لا تزال فيما يبدو غير قادرة على الهضم الكامل لفكرة ان طلب الدعم المالي من المجتمع الواسع ليس استجداء من جهة الحزب او تفضلا من الجهة المانحة لا سيما لكونها رأس المال الخاص. الحزب الديموقراطي التكوين هو بالتعريف حزب في خدمة المجتمع وخاضع لرقابته ضمانا لذلك بحكم ان العضوية فيه تطوعية مدركة لواجباتها بقدر ادراكها لحقوقها فهي بذلك عين المجتمع الكبير، داخل الحزب وممثلته فضلا عن كونه يستطيع، اضافة لذلك، ممارسة رقابة مباشرة على مدى انسجام اداء الحزب مع متطلبات الديموقراطية سواء في خطوط عمله او مواقفه السياسية. وبناء على ذلك فإن المجتمع ملزم بمعنى من المعاني بتمكين الحزب من اداء مهمته بكافة السبل ومنها المالية اذا احتاج الى ذلك. هناك دون شك فارق لا يزال بين الواقع والمثال الحزبي الديموقراطي الذي تتطلع اليه التجربة السودانية ولكن المسألة هي ان ازمة التمويل في حد ذاتها احد اسباب هذا الفارق خاصة في هذه الحالة. وقعت محاولات بعثية ولكنها محدودة للغاية لم تتعد الاتصالات الفردية في نطاق المعرفة الشخصية بينما الافتراض هو ان الاستقرار الكامل لحقيقة العلاقة بين الحزب والمجتمع في الاذهان يحفز على التخطيط والعمل المنهجيين لتغطية كافة المصادر المتاحة، افرادا كانوا ام جهات. وهي دائرة اوسع مما كان عليه الوضع في اي وقت من الاوقات في مفارقة واضحة مع ما نلمسه لمس اليد من اندياح دائرة الفقر لتشمل فئات اجتماعية كانت بعيدة عنها. نظرا للتغييرات الكبيرة التي طرأت على تركيبة الاقتصاد السوداني، وأهمها تعدد مجالات رأس المال الخاص، وكذلك الاغتراب، اصبح هناك عدد كبير من اصحاب الدخول العالية والاثرثاء السودانيين ذوي خلفيات يسارية وربما بعثية سابقة لا تزال روابطهم بها حية بمستويات وانواع مختلفة «شخصية، عاطفية الخ... الخ» على ان الاهم من ذلك هو تغلغل القناعات الديموقراطية والليبرالية في اوساط متسعة باستمرار من النخبة السودانية عموما ومن كافة الاتجاهات والمشارب تضم قسما من هؤلاء مشكلة حافزا اضافيا لديهم ولدى بعض الاثرياء الآخرين.. هؤلاء سينظرون الى مثل هذه المساهمة من زاوية اهتمامهم بدعم عملية الدمقرطة في الاحزاب السودانية. وكما ذكرت من قبل فإن تكوين رجل الاعمال السوداني الحديث، او الجيل الجديد من الاسر التجارية المعروفة وغير المعروفة يجعله منفتحا على هذا النوع من الاهتمامات. الى جانب ذلك فإن رغبة البعض في المساهمة ستكون نتيجة زوال حاجز مرتبط بمصادر التمويل السابقة. هؤلاء كانوا ضمن قسم من الجمهور العام معجب بدور البعثيين النضالي ضد قوانين شريعة سبتمبر، ذروة ظهورهم السياسي، ولكن يصده عن الاقتراب منهم بأي وسيلة ملمح كان طاغيا على صورة البعثيين السودانيين ابان انتخابات عام 1986 ونتائجها هو الاعتماد على مصادر الدعم العراقي الذي خاضت فيه بعض الصحف بمبالغات تحدثت عن حقائب تحمل 15 مليونا من الدولارات. بأوضح الكلمات الممكنة يقول هذا المقال بإن على حزب البعث السوداني ان يترك وراءه مخلفات الماضي التي تقيد حركته في هذا الاتجاه وان يخوض تجربة طرق مصادر التمويل المتاحة هذه دون تردد.. هذا واجبه تجاه نفسه كجزء من واجبه تجاه المجتمع.. والخطوة الاولى التي يمكن ان تقطع الطريق على التردد هي اصدار نداء علني الى الجمهور العام متزامنا مع اتصالات مباشرة او غير مباشرة بذوي المقدرة المالية يشرح فيه رؤيته لهذه القضية بصورة عامة وعلاقتها بدور تيارات الحزبية السودانية المتطورة في تعميق الوعي الديموقراطي بممارسة للشفافية في اول نموذج من نوعه في السياسة السودانية. ولتأكيد هذا الجانب عمليا يتضمن النداء خطوطا عامة لمصارف التمويل الحزبي المطلوب مثل مرتبات المتفرغين وطباعة الكتب والكراسات مع تقديرات تقريبية لتكاليف كل بند بناء على افتراضات معينة. ومن الممكن بطبيعة الحال تقديم مشروع تفصيلي لمن يرغب متضمنا هذه البنود وغيرها مثل اجهزة كومبيوتر. من حيث طريقة التبرع هناك امكانية دفع مبلغ مقطوع سواء لتغطية بنود محددة او دون ذلك مرة واحدة او على اقساط. كما يمكن للتبرعات ان تكون عينية بما في ذلك وسائل نقل سيارة او موتور سايكلات. او خدماتية: من اصحاب المطابع طباعة بعض المواد مجانا او بتخفيضات كبيرة.. من اصحاب مكاتب السفر والسياحة تذاكر مجانية او مخفضة داخليا وخارجيا.. ولتطوير هذه الفكرة الى اقصى درجاتها يمكن للحزب ان يطلع المتبرعين اذا رغبوا على الطريقة التي صرفت بها تبرعاتهم خاصة اذا اشترطوا منذ البداية اوجها معينة لصرفها. كما ان تسهيل عملية التبرع يقتضي نشر ارقام حسابين مصرفيين احدهما بالعملة الصعبة. بعد ذلك كله وفوقه لا بد للنداء ان يكون واضحا تماما في انه ليس هناك مقابل من اي نوع للتبرعات غير الشكر فالتزام الحزب الوحيد والصارم امام كافة المتبرعين هو نفسه التزامه امام الرأي العام: السعي الجاد والممنهج لدمقرطة الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية وممارسة اكبر قدر منها في تركيبته الداخلية تسمح بها الظروف الراهنة.
| |
|
|
|
|
|
|
|