|
امين عام حزب البعث السودانى يكتب عن : دعوات المصالحة والحرث في البحر
|
دعوات المصالحة والحرث في البحر محمد علي جادين تكاثرت الدعوات للمصالحة الوطنية وجمع الصف الوطني في الفترة الأخيرة، وذلك بهدف توحيد الجبهة الوطنية لمواجهة مخاطر ماثلة تهدد وحدة البلاد واستقلالها ومستقبلها. وأبرز هذه الدعوات تركزت في هيئة جمع الصف الوطني، التي يقودها المشير سوار الدهب وآخرون، والتي قامت بنشاط كبير خلال الشهور الأخيرة توصلت من خلاله إلى برنامج محدد طرحته على بعض القوى السياسية. والدعوة للمصالحة وجمع الصف الوطني ليست جديدة، فقد سبقتها محاولات عديدة خلال السنوات السابقة، ولكنها كلها توقفت أمام صخرة تعنت نخبة الإنقاذ وإصرارها على التمسك بسيطرتها على مقاليد الأمور وإدخال القوى والحركات السياسية الأخرى في عباءتها. الجديد في ما تطرحه الدعوات الأخيرة هو اتفاقها على وجود مخاطر حقيقية تهدد أمن وسلامة ووحدة البلاد وضرورة مواجهته تلك المخاطر بوحدة الجبهة الداخلية، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، بل ان بعض رموز نخبة الإنقاذ نفسها بدأت ترددها في الفترة الأخيرة، وبعضهم توصل إلى فشل مشروع الإنقاذ بكامله وإلى ان استمرار سيطرة هذه النخبة على البلاد سيؤدي حتماً إلى تفتيتها وتمزيقها ووضعها تحت السيطرة الخارجية (الأفندي، التجاني عبد القادر).
والواقع ان العامل الخارجي الإقليمي والدولي، أصبح هو العامل الأكثر تأثيراً في مجرى تطور السياسة السودانية، على الأقل منذ عام 1994 عندما طرحت منظمة الإيقاد إعلانها لحل مشكلة الحرب الأهلية الجارية في الجنوب، وبعد ذلك تضاعفت الضغوط الإقليمية والدولية حتى أدت إلى اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا (2005) مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وإلى اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني (2005)، واتفاق أبوجا مع إحدى الحركات الدارفورية (2006)، واتفاق اسمرا مع جبهة الشرق (2006).. وما يجري في دارفور وحولها هذه الأيام يكشف بوضوح غياب العامل الداخلي بشكل كامل، بما في ذلك دور نخبة الإنقاذ المسيطرة، وتزايد تدخلات وضغوط العامل الخارجي لحل ازمة دارفور.. ونشير فقط الى تحركات الأمم المتحدة حول الحزم الثلاث وتحركات السعودية ومصر وإريتريا وليبيا خلال الأسابيع الأخيرة.. وهي كلها تشير الى عجز الحكومة بشكل عام ونخبة الإنقاذ بشكل خاص عن حل المشكلة، ومن ثم انتظار الحل الخارجي الوشيك.
بعد اتفاقية السلام الشامل (2005) أصبح النظام الحاكم في السودان يقوم على اتفاقيات عديدة تدور كلها حول اتفاقيات نيفاشا، وكان الأمل ان يؤدي ذلك إلى تفكيك النظام الشمولي وتحويل تلك الاتفاقيات إلى مدخل حقيقي لإجراء تسوية ومصالحة وطنية شاملة تشارك فيها كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، ولكن واقع الحال أدى إلى استمرار سيطرة نخبة الإنقاذ على السلطة والثروة بكاملها، والاتفاقيات الموقعة معها لم تجد طريقها للتنفيذ، فبعضها يجد تجاهلها الكامل مثل اتفاق القاهرة، واتفاق أبوجا لم يجد طريقه للتنفيذ رغم مرور أكثر من عام على توقيعه، وكذلك اتفاق الشرق، وحتى اتفاقية السلام الشامل ظلت تواجهها عقبات كبيرة.. وكل ذلك يشير إلى ان المشكلة ليست في توقيع اتفاقيات مع نخبة الإنقاذ المسيطرة، وإنما في التزام الأخيرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات فهي تستغل ضعف شركائها وسيطرتها على السلطة في المركز والولايات الشمالية بهدف استمرارها في تمكين وترسيخ سيطرتها، وأكبر دليل على ذلك استمرار أكثر من (68) قانوناً رغم تناقضها مع الدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل، إضافة إلى رفضها دفع استحقاقات السلام المنصوص عليها في تلك الاتفاقيات وعلى رأسها رد المظالم الناتجة من انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الفترة السابقة، الفصل التعسفي، المصادرات، انتهاكات حقوق الإنسان.. الخ، والأكثر خطورة استمرارها في السيطرة على مفاصل الاقتصاد الوطني، وتوجيه معظم موارده لمصلحة الحزب الحاكم والفئات الطفيلية المرتبطة بالسلطة، والصرف على أجهزة القمع والاضطهاد، حتى عجزت عن دفع مرتبات العاملين في الدولة في الشهور الأخيرة.
هذه الاتفاقيات تمثل خطوات أساسية في طريق تحقيق تسوية ومصالحة وطنية شاملة تشارك فيها كل القوى الفاعلة، ولكنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب استمرار نخبة الإنقاذ في سياساتها الشمولية وتوجهاتها في السيطرة والتمكين، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد وسيادتها. وعدم التزامها بتنفيذ تلك الاتفاقيات يعني اصرارها على رفض أي توجه نحو المصالحة والتسوية الوطنية الشاملة ويؤدي إلى تفكيك نظامها الشمولي وإرساء قواعد التحول الديمقراطي ودولة الوطن المدنية،وذلك برغم فشل محاولاتها في تفتيت القوى السياسية المعارضة وجذب بعض أطرافها للقبول بسيطرتها وهيمنتها، وموقف مبارك المهدي وعودته إلى حزب الأمة القومي أكبر مؤشر على فشل أي محاولة لتكرار تلك التجربة.
مع كل ذلك لا نقلل من شأن مبادرة سوار الدهب ورفاقه، ولكننا نشير فقط إلى ان التجربة العملية تؤكد انها لا تشكل مدخلات لتسوية والمصالحة، ليس لأن رموزها الأساسية لا تبتعد كثيراً عن نخبة الإنقاذ وسياساتها الشمولية، وإنما أساساً لأن هذا الطريق قد جرب ولم يحقق نجاحاً يذكر. والمطلوب الآن ليس الجري وراء سراب مصالحة مستحيلة وإنما هو العمل المشترك على مواصلة الضغوط على النخبة المسيطرة من أجل إعادة الاعتبار للعامل الداخلي ولدوره الفاعل في معالجة أزمة دارفور بشكل خاص والأزمة السودانية بشكل عام، وتلك هي القضية التي تحتاج فعلاً لمبادرات وجهود كل المخلصين من بنات وأبناء السودان.
|
|
|
|
|
|