|
الصاوي :علي هامش مفاوضات جبهة الشرق
|
علي هامش مفاوضات جبهة الشرق ملاحظات حول جذور ظاهرة التهميش عبد العزيز حسين الصاوي هذه المجموعة من الافكار طرحت في شكل كلمه القيت في ندوة عقدتها جبهة الشرق بمدينة لندن في يناير الماضي بمناسبة مرور عام علي مجزرة بورتسودان، كمساهمة في معالجة موضوع الندوة الرئيسي وهو : السودان الي اين؟ من المؤكد ان جهود وتضحيات جبهة الشرق نجحت في فرض قضية هذا الجزء من الوطن فرضا علي اجندة حكومة السودان وجعلت منها محط انظار العالم. واذا كنا نحيي ارواح شهداء مجزرة بورتسودان فأننا نستذكر ايضا ارواح ضحايا حروبنا الاهلية في دارفور وقبلها في جبال النوبه وجنوب النيل الازرق وقبل هؤلاء جميعا الاثنين مليون ضحايا الحرب في جنوب الوطن. حياتنا في الواقع اصبحت سسلسلة من المجازر والضحايا. والحقيقة التي لايجب ان تغيب عنا ايضا ان هناك ملايين الضحايا السودانيين الاخرين يسقطون دون ان يحسبهم احد ضمن الشهداء فمتوسط عمر الانسان السوداني انخفض الان الي 45 عاما. هؤلاء ضحايا يموتون يوميا بالتقسيط ودون معارك دمويه في كافة انحاء البلاد نتيجة للانهيار الاقتصادي وسوء التغذيه الذي هو في نهاية المطاف نتيجة الازمة التي تعصف ببلادنا منذ عقود وعقود وجاءت حركة اسلام السياسه ونظام حكمها الحالي كتتويج لها. فما هو جذر هذه الازمه العامه التي نتفق جميعا علي انها السبب الحقيقي وراء مايعانيه اهل الشرق وغيرهم من تهميش ؟ نحن كمثقفين وناشطين مكلفون اخلاقيا وعمليا بالتفكير الجذري في هذا الموضوع بالاضافه الي مايمكننا ان نقوم به في مناطقنا الان شرقا وغربا وجنوبا علي المدي القصير. في التقدير ان جذور الازمه هي عجز النخبة السودانيه، وهي مجموع سكان المدن ومناطق الوعي وليس المتعلمين فقط، عن بناء نظام ديموقراطي. ومانسميه الان صراع المركز والاطراف الذي يصل احيانا كثيره حد الاساءه للثقافة العربية السودانيه واعتبارها ثقافة استعلائيه، هي اعراض لهذه الازمة العامه. الثقافات لاتستعلي، يستعلي بعض البشر علي اخرين في ظروف معينه .. بشر قد يكونون عربا سودانيين او غير سودانيين او منتمين لاي ثقافة اخري. خلال المرحلة الاولي بعد الاستقلال كان الفشل الديموقراطي مسئولية احزاب الحركة الوطنيه التي اساءت للديموقراطيه بممارساتها وطائفيتها ولكننا كيساريين ساهمنا في ذلك بالتركيز علي الديموقراطية بمعناها الاجتماعي دون السياسي. وعلما بأنني احد مؤسسي تيار يساري هو البعث السوداني فأن الموضوعية والانصاف يقتضيان التنويه عند هذه النقطه بدور الحزب الشيوعي في وضع قضية الطبقات الشعبيه في مركز الحركة السياسيه في ظروف صعبه للغايه بالنسبة له، رغم اننا نحن اليساريين جميعا اكتشفنا بعد ذلك بسنوات عديده ان نقد الاحزاب التقليديه كان يجب ان يتلازم مع عدم الحط من شأن الديموقراطيه البرلمانيه علي اساس انها بضاعة غربيه وبالحديث عن ديموقراطيه شعبيه واخري ثوريه فليس هناك في الحقيقه سوي ديموقراطية واحده هي الديموقراطية البرلمانيه. تتلون في تفاصيلها وربما مراحل تطبيقها من بلد لاخر ولكنها في الجوهر نظام يقوم علي الحريه وله اسس وقواعد رئيسيه واحده ومعروفه. المهم ان نقص الثقافة والوعي الديموقراطيين لدي المتعلمين وغيرالمتعلمين للاسباب التي ذكرتها سابقا وغيرها هو الذي ادي لتكرار الانقلابات العسكريه لان المواطن العادي وحتي كثير من المثقفين كانوا يرحبون بها في كل مره في بداية وقوعها بأشكال عديده كحل. وكانت النتيجة ان ازمة الديموقراطية تفاقمت وتدهور الوعي العام حتي في المدن ومعها تدهورت احوال الجماهير المعيشيه وتفاقم عدم التوازن التنموي ليصبح انهيارا شاملا ومجاعات هي مانسميه الان بالتهميش في المناطق التي كانت اصلا ولاسباب تاريخيه اقل نموا من غيرها. المشكلة الاساسية التي تواجهنا الان هي ان السودان بحالته الراهنه اصبح عاجزا عن اقامة حكم رشيد وصالح لانه اصبح عاجزا عن اقامة نظام ديموقراطي حي ومستديم بسبب تدهور الوعي العام. ويكفي كدليل علي ذلك ان نتأمل في مغزي ان يكون زهرة شبابنا واكثرهم تعليما وذكاء في كليات الطب والهندسه والصيدله ينتمون في اغلبيتهم الي تيار السلفيين. بعبارة اخري القوي الاجتماعية والسياسية المؤهلة لاشاعة الوعي الديموقراطي وبناء احزابه ومنظماته المدنيه ثم برلماناته وحكوماته اصبح وضعها ضعيفا للغايه خلال ربع القرن الاخير ومعظم سكان المدن ومناطق الوعي اما متأثرون بالتيارات الدينية الغيبيه او لامبالون او لم يجدوا مجالا حيا يستوعب طاقتهم غير الحركات الجهويه التي تركز علي قضية اقتسام السلطة والثروه وليس الديموقراطيه. والدليل علي ذلك هو محدودية الحضور في هذه الندوه بالنسبة لعدد السودانيين في لندن الذين يتجاوزون المئات العديده علي اهمية موضوعها ومناسبتها، وانتماء معظمهم الي شرق البلاد. من هنا فأن نقطة التركيز الاساسيه يجب ان تكون كيفية مواجهة قضية تنمية القوي المشار اليها مهما كلف الامر. لاادعي هنا ان لدي حلولا جاهزه ولكن المؤكد انه ليس هناك حل سهل ولاقصير المدي. لابد من ملاحظة أن العقلية والسلوك الديموقراطيان مرتبطان بالاستناره اي بأستخدام العقل .. والاستناره مرتبطة في بلادنا اساسا بدورها بنوعية التعليم. نحن لدينا الان تعليم يتوسع كميا يوما بعد يوم ولكنه تعليم يزيد من تقليدية التفكير ومن العداء للتفكير الحر المستنير منذ ان بدأت الانظمة الدكتاتوريه تعبث به وتخضعه لمتطلباتها حتي وصلنا مرحلة الدكتاتوريه الدينيه النابعه من رحم الجبهة القومية الاسلاميه التي تستلم الطفل وعمره 6 سنوا ت لتحشو رأسه بمادة دينية خام ليخرج وعمره 14 عاما مهيأ تماما للدفاع الشعبي ومحروما من اي قدره علي التفكير النقدي وبعبارة اخري محصنا ضد الاستناره والعقلانية في التفكير. لان السودان لم يرث تراثا نهضويا استناريا مثلما عاشته اقطار ومناطق تأثرت الي حد ما بعصر الانوار الاوروبي مثل مصر، فأن المدخل الذي لامدخل غيره لخلق مجتمع مستنير ومن ثم مؤهل لبناء الديموقراطيه يمر عبر اصلاح النظام التعليمي. بأختصار لب الازمة العامة في السودان هو اقامة حكم رشيد وهذا غير ممكن دون وعي ديموقراطي شعبي ونخبوي وهذا غيرممكن بدوره الا اذا بدأنا من اصلاح النظام التعليمي واذا لم نشرع في السير علي طريق حل الازمة العامه في هذا المجال ونحن نعمل للتحول الديموقراطي ومواجهة القضايا العاجله في الشرق والغرب والجنوب فسنظل نكرر اخطاء الماضي كما هي. وفي النهاية قد ننجح بالاسلوب الحالي ودون تركيز حقيقي علي قضية اصلاح التعليم في توزيع السلطة والثروه، ولكن ماالذي يضمن لنا ان انظمة الحكم الذاتي فيدرالية كانت او غير ذلك التي سنقيمها في الفاشر وجوبا وبورتسودان وحلفا، لن تكون نسخة من الانظمة التي اقمناها في الخرطوم؟
|
|
|
|
|
|