الوجه الذي أطل من خلف الملاءة، الوجه الأسمر والابتسامة الودود، والضحكة ذات الترحاب، في ذلك الليل الشتائي البعيد من العام 1987م، في تلك الغرفة الطينية الدافئة الكائنة بأمبدة شمال، بمنزل الصديق عبدالحفيظ على الله.. ذلك الوجه الذي صاحبني عمرا طويلا من المودة والأخوة الصادقة من السفر والجوع والسهر، من الاختلاف والائتلاف في المعرفة والجمال، في الكتابة والحياة، يطل الآن وكأنه يودِّع من نافذة ما، تطل مشاوير الصحبة في الأزقة الملتوية المعتمة، وفي الصالات المضاءة أيضا في ليالي ونهارات القلق والبحث عن مفاتيح النصوص- بكل حمولاتها الملتبسة، وتفرغ سلة الأسئلة من علامات الاستفهام والتعجب في الطريق إلى منتهى التوحُّد بالسيرة والسريرة.
ومجدي النور (ود) قسم الدراما قصر الشباب والأطفال، أدهشني تلك الليلة، الليلة الأولى التي اجتمعنا فيها في تلك الغرفة، وكنت – بالكاد- قد تعرفت على حافظ خير، المسكون بالشعر والصحبة، بالدراما وبقسم الدراما.. التقيت بـحافظ في اتحاد الكتاب السودانيين لأول مرة، وعرَّفني بأصدقائه في ذات الليلة التي التقيت فيها بمجدي وعبد الحفيظ وتوالت الخيوط ـ إثر ذلك ـ التي ربطت بيننا وآخرين لا تسع الصحائف ذكرهم ولا يحيط به الحبر، وكان مجدي يقرأ لنا بعضاً من شعره في تلك الليلة وكنا نضحك من شعر عبدالحفيظ على الله وهو لا يبالي مستغرقاً في قراءة (كراريس عدداً).
..أواصل
أ.أ
04-26-2007, 04:42 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
رافقت نموَّه على خشبة المسرح، في عروض فرقة نادي قسم الدراما قصر الشباب والأطفال، وسيف الإسلام حاج حمد وسيد عبدالله صوصل يخرجان بالمسرح الى حدائق الشعب (مسرح الشارع ومسرح الشخص الواحد)، ونزار أحمد إدريس يتجلى في عروض (الارتجال) صحبة محمود عبداللطيف (كابو) ويطلق على مجدي ضاحكا لقب (مجدي النور النجار)، قسم الإله حمدنا الله يطلق عقيرته بالغناء مؤديا (هوي يا جاهلة وطيبك عبق) بطريقة درامية خاصة. كانت تلك أيام الاكتشاف الأولى، وحافظ خير يكتب لصحيفة (السياسة) عن عرض (أربع قصائد للرؤية) من اخراج استاذه حامد جمعة، ومنتدى القسم الدراما الأسبوعي يعرض (بحيرة البجع).. مكتبة القسم تضج بالكتب والعناوين وبأرشيف صحيفة القسم الحائطية الذي صرنا نهرب مواده الى الملاحق الثقافية بالصحف السيارة..
..أواصل
أ.أ
04-26-2007, 04:46 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
كانت تلك أيام الرسم والتلوين حرفية الأداء، ومجدي النور ينسج عوالمه الخاصة في التمثيل والكتابة والإخراج من داخل هذه العوالم ومن خارجها، يستضيئ بعوالم (سوق ستة) بالحاج يوسف، ويزهو بشخصيات أولاد الحلة، ومحمد حامد (أمباي) و(كابو) و(صالحين) و(فوكس) و(جلود) تواتروا صحبته، الى قسم الدراما، ليشكلوا معا، جماعة المسرح التجريبي في وقت لاحق. يكون حينها قد رافق ماهر حسن ومنعم شوف وعبدالحكيم عامر وعاطف خيري بمعهد الموسيقى والمسرح، يكون قد اسس (النفير) بجانب عبدالباقي مختار وغدير ميرغني.. إلخ. هل نسيت القصائد التي كان يهذي بها وتهذي به؟، هل نسيت الغناء؟، هل نسيت (مستورة) و(جدادة آمنة) لصوصل ويحيى فضل الله؟، هل نسيت سيرة أعماله الجديدة وتجاربه في الإخراج التلفزيوني؟، هل نسيت (النفاج) فيلمه الخاص عن الشاعر محجوب شريف..؟!! ليس ثمة نسيان يا صديقي يا (عظمة).. إنما لن يفي الحبر أبدا، لن تفي الكتابة.
أواصل الخيط..
ـــــــــ أعلاه نشر بزاوية (أكثر من ضوء) بالسوداني،يوم الإثنين 11 ديسمبر 2006م.
افتقدناه كثيرا و(كتير واحشنا) الجميل مجدي النور كان زول اخره مهموم ومسكون بالابداع ... كلما انتهي من قصة ..بدا قصة اخري .. عينه مهتمة بالتفاصيل والبحث عن شي ما وسط الاشياء .. وجههالسوداني الجميل من الصعب ان تخطئه ومن الصعب ان يخرج او يكتب عملا ما لايحسه لذ من السهل جدا ان تعرف مااذا كان العمل الذي امامك لمجدي النور ام لا ... نحاول الان مع بعض الاحباب لملمة اعماله نامل ان نقدم شيئا باسم مجدي يبقي ويخرج اجيالا جديدة من المجديين الشعراء والدراميين المبدعين
04-28-2007, 02:45 PM
غادة عبدالعزيز خالد
غادة عبدالعزيز خالد
تاريخ التسجيل: 10-26-2004
مجموع المشاركات: 4806
بالرغم من أننى لا أعرف مجدى النور و لم ألتقيه مرة فى حياتى.. إلا اننى لمست عن قرب حب الناس له.. فكثيرون كتبوا عنه و كثيرون نعوه.. و لم يذكر احدا عنه غير كل خير . .
فهنيئا لك مجدى فى عليائك بالسيرة العطرة
كل الود غادة
04-28-2007, 04:13 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
العزيز ود الرضي (شوف الاسم ينطبق تماما شاعر الحقيبة ود الرضي وانت الشاعر الجميل) الراحل والمقيم فينا دوما مجدي النور اجتمعنا كثيرا في الاونة الاخيرة قبيل سفري وقبيل سفره وحزنت جدا لفقده العطيم ، ومجدي صاحب القفشة والضحكة والنكتة والمهموم بالمسرح التجريبي ، وعكس حياة الناس العاديين وتابعت معه ولادة مسرحية (الحلة القامت هسع) وحضرت بعضا من بروفاتها وحتي العرض الاول ، باغتني بعدالعرض الاول ان اذهب معهم هو وعبد السلام جلود وكابو ومعنا ماهر الحنون وقال لي نريد ان نقيم العرض الاول ورايك مهم وفعلا اقمنا ما يشبه ورشة عمل وكل قال رايه بصراحة وكان ود النور مهتما لم يقاطع احدا فينا ولفتني دعوته لحضور التقييم مع انني متابع لاباس به بحركة المسرح لكن ليس لدرجة ان اقيم مسرحية لكن تلك طريقة مجدي النور يهتم لكل ما يقال ، واذكر ان كابو قال لي ان مجدي رصد لك ملاحظة ، وهي في تقديري كانت عادية ، لكن كابو قال لي كانت جديرة بالاهتمام ، وكثير من المناقشات التي جرت بيننا وندمت انني لم ادون منها شيئ واكتبها لانها كانت عميقة وواحدة من الاحاديث التي لا انساها كنا في حفل لسودانيز ساوند في الكشافة البحرية وكانت عن السلام وبدانا نقاشا هو وانا وواصلنا النقاش مشيا علي الاقدام الي حي العمارات لزيارة اصدقاء مشتركين وواصلنا النقاش وكان فلسفيا وعميقا وبطريقته الطريفة ادخل اصدقائنا اللذين نزورهم واعتقد ان النقاش اكتمل في الساعات الاولي من الصباح او لم يكتمل ، تتذكر ياود الرضي انني كنت اقول لك في مداعباتنا انت تشبه ود النور وانت بلطفك تنكر وذات الشيئ مع (عظمة) وينكر ونضحك ومجدي صحاب القفشات والضحك المؤانس وحب الناس ، وين بقة الذي له ايضا ذكريات جميلة وواصل يا ود الرضي ونحن نتابع هذه السيرة ونذكره بطيب الكلمات التي يستحقها لينوم هادئا او يشاركنا
04-30-2007, 03:27 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
كتبت في زاويتي الراتبة بصحيفة السوداني (أكثر من ضوء)، عدد الإثنين 19فبراير2007م:
،، قبل عدة سنوات، كنت أعمل حينها بالقسم الثقافي لصحيفة (الأيام)، أجريت حواراً مطولاً مع المبدع الراحل مجدي النور، وإثر فراغنا من الحوار ونشره، جرت مناقشات بيننا حول (زاوية) كان يفكر في كتابتها بصورة راتبة بالملف الثقافي، تحت عنوان (كرسي في شارع)، وكان الراحل العزيز يفكر في الكتابة عن شخصيات الحي من موقع المراقب، لم نتوفق في الأمر نسبة لانشغاله آنذاك بتثبيت أقدامه في ساحة الإخراج والإنتاج المسرحي والتلفزيوني، عادت مناقشاتنا مرة أخرى حول الأمر، إبان عملي بالقسم الثقافي بصحيفة (الأضواء) ولم نوفق، مرة أخرى؛ قبل بضعة أسابيع من رحيله المفجع، فاجأني بزيارة في صحيفة (السوداني)، وقبل أن يرشف من كوب الشاي وضع أمامي (3) نصوص تحمل عنواناً واحداً، وعناوين جانبية مختلفة، وفهمت أنها خطوة عملية نحو تحقيق فكرة الـ (الزاوية) الراتبة، لكن كانت لدي ملاحظات حول العنوان وتناقشنا مرة أخرى إلى أن خلصنا إلى (كواليس)، واتفقنا على عدم بدء النشر، إلا بعد أن يعود إليَّ مرة أخرى بمزيد من النصوص، بمثابة (تقديم)، كما يصطلح في الوسط الصحفي. بعد رحيله، تبقت هذه النصوص في أدراجي، وهي لم تنشر من قبل، رأيت أن أنشرها تباعاً، في هيئة زاوية أسبوعية، أعلم تماماً أنها لن تستمر كثيراً، لكن أمر توثيقها مهم للغاية، يبدأ نشرها في هذا العدد.،،
وبدأت منذ ذلك العدد، نشر النصوص، التي أنشرها هنا أيضا، على التوالي.
أ.أ
05-02-2007, 02:16 PM
امير عبد الماجد
امير عبد الماجد
تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 318
اشكر عني رجاء كل محبي ذاك الذي احببناه سويا وما تصورنا للحظة انه سيغادر قبلنا مبادرتنا طرحت من بعض الذين عملوا مع مجدي في الافلام الوثاقية والبرامج والمهرجانات لدينا محاولة لجمع كل هذا الابداع مع اعماله الغنائية والشعرية لنضعها كلها في مكان واحد وفي المكان نفسه وارجو ان نوفق في مساعي الحصول عليه هناك افكار كمدرسة مجدي النور لفن الدراما وغيرها من الافكار اتمني بالطبع ان تتحد الجهود ليس لانجاح فكر تنا فقط لان الفكرة نفسها قابلة للتعديل او حتي التغيير اذا راي محبو مجدي ان نغيرها بالكامل.. الفكرة ان نجسد بعض ماكان في خاطروخيال من افتقدته البلاد كلها صحيح اننا افتقدناه كاشخاص عرفناه لكن الصحيح ايضا ان الذين لم يعرفوا مجدي الانسان ...فقدوا كثيرا ..كثيرا كان اكبر من ابداعه كان سيبدع اكثر كان راااااائعا وحبيبا ووسيما ياالله ......كلنا اليك راجعون...
05-02-2007, 02:24 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
السراب يتصاعد من آخر الطريق والأبواب مغلقة وصيف البلاد الحار والوحيد يتجول في الطرقات، عاد (قلبو) من بيوت الشراب وهو يدندن ويتمايل خارج الإيقاع وكالعادة إتكأ على (نيمة) عمي رجب ورفع رأسه مرتين ليواجه الباب: (يا رجب الشجرة دي أسقوها، نشفتو ريقا البلد دي فيها نيلين)، رفع عمي رجب رأسه وهو يقرأ جريدة الصباح في البرندة وابتسم كعادته دائماً عندما يسمع هذا النداء: (الود ده مبروك بس لو ما السكر ده!) قالها رجب في سره وعاد للقراءة عاد لعزلة المعاش الطويلة والمملة.
تحرك (قلبو) بخطوات آلية ويقظة السكران المستحيلة حين يدعي الوعي ووقف أمام باب سكينة جارتهم: (أفتحي يا سكينة الرحيمة)، فتحت له سكينة وهي تشير له بالصمت ودخل صامتاً مواجهاً الراكوبة الفسيحة والمرشوشة دائماً ورطبت رائحة بخور التيمان وجهه، وظهر الزير خلف الباب يلمع فسكينة لا تسمح بالوسخ، الشيءالوحيد الذي تحبه ويدخل متسخاً هو (قلبو).
(الله يهديك يا ولدي)، نظر تجاه الجدار ورقرقت عينه قليلاً خافت سكينة أن يدخل في حالة البكاء الشهيرة فأجلسته على العنقريب، كانت سكينة جارتهم منذ الأزل، منذ كان زوجها جندياً في الهجانة وهي الآن تخاف عليه لأن أباه خلاف العادة في المنزل ولم يذهب للعمل، كان يعمل خفيراً في النسيج وما زال بهدوء وتدين يعمل ولأنه متدين لا يسمح لـ (قلبو) السكران بالأكل معهم و(قلبو) لقب اكتسبه لأنه دائماً عندما يعجبه شيء أو أغنية يقول بطرب (طلعت من قلبو)، كان راشد أخ (قلبو) الصغير متدينا ومحبوبا من الجميع من الجامع للبيت ومن البيت للجامعة، وكان (قلبو) فخوراً به ويحبه ودائماً يعلق بحب (ده ملاك.. ده شيخ)، ويبكي بحرقة ويحكي ذلك اليوم بالتفاصيل حين هبط من بوكس دبل كبين بالزي الرسمي وودع أباه بصرامة وأمه تبكي في المطبخ خوا من الزجر وعندما تغلب عليها البكاء ضمها الملاك بحنو: (أنا ماشي الجهاد)، وبعد شهر جاءوا بصراخ وهتاف لعرس الشهيد، لم يهتم أحد بالبوكس الممتلئ بالجوالات أو الطلقات الكثيرة لأن صوت (قلبو) المكلوم كان أقوى من كل شيء: (لقد مات الملاك).
(يمة)، صرخ (قلبو) تجاه بيتهم بصوت خجول مخمور يدعي الهمس وهو في قمة الصراخ. (الرسول ما تكورك، كان داير تاكل أنا بسوي ليك أكل)، (داير أشوفا بس)، (أبوك قاعد وهسع بقلب الواطا دي فوقنا)، أكل وهو يدندن كعادته (الصباح إن لاح، لا فايدة في المصباح) ونام في الراكوبة وفاحت في ذلك النهار الحار، رائحة العرقي واضطرت سكينة للنوم في الزقاق على الكراب والساعة الخامسة كان أمام خميسة وجها تبرد اللبن لأطفالها وهي بجلباب النوم (قلبو) نديك حاجة تاكلو؟!)، (أدينا ون قو)، شرب ووضع الكباية بجانب البنبر وطرقع أصابعه وهو يبتلع مرارة الشراب ونفخ زفرة حارة من فمه، استعاد روحه الطروب قليلا.. كان اليوم هادئاً والجو قد برد وتهيأ (قلبو) لشراب وأغاني الحقيبة لولا دخول أبو البنات وهو يحمل صحيفة في يده وهو يصرخ من الباب: (شفت الحصل يا (قلبو)؟!)، (شنو، أمريكا دخلت الجك؟!)، (لا دكتور الترابي قال الجماعة الماتو ديل ما شهدا)، صمت (قلبو)، نظر للصحيفة: (الملاك ما شهيد؟!)، خرج في ذلك اليوم وهو يدعو لنفسه بالشهادة ويرجو الجنة، لم يركب عربة فارهة، ولم يتوظف، اختار الموت في الأحراش، وقرأ (قلبو) ما تبقى بعين دامعة: (طيب هو ما جا وزغردوا نسوان من وراهو وقالوا خلاص دخل الجنة وحا يشفع لسبعين من أهلو!) كان (قلبو) على يقين من هذه الشفاعة ويعتقد أنها مخرجه الوحيد أمسك (قلبو) الكباية بيد مرتجفة وشرب، ثم الثانية والثالثة والرابعة، كان عندما يصل قمة النشوة يصرخ (أنا أخوك يا الملاك).
خرج وهو يترنح ويشتم الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وشريط عرس الشهيد الذي أقيم للملاك يمر بذهنه كاملاً.. ومنذ ذلك اليوم فقد (قلبو) طربه وأصبح سياسياً من قلبه، كان يقف أمام بيت رئيس المحلية ويصرخ حتى الطابق الثاني ويذهب للشاعر الرئيسي ويذهب لبيوت المنتمين للتنظيم ويهتف ضد الحكومة والموت والحرب ويشتم طوال اليوم حتى سقط من الإعياء فاقداً طربه إلى الأبد وآخر جملة قالها في المستشفى وهو يموت: (الصباح إن لاح، لا فايدة في المصباح).
أواصل
ـــــــــــــــ نشر بـ (السوداني الثقافي)، الإثنين 19فبراير2007م.
أ.أ
05-02-2007, 05:26 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
Quote: مبادرتنا طرحت من بعض الذين عملوا مع مجدي في الافلام الوثاقية والبرامج والمهرجانات لدينا محاولة لجمع كل هذا الابداع مع اعماله الغنائية والشعرية لنضعها كلها في مكان واحد وفي المكان نفسه وارجو ان نوفق في مساعي الحصول عليه هناك افكار كمدرسة مجدي النور لفن الدراما وغيرها من الافكار
نعم، كان الراحل العزيز متعدد الإمكانات والطاقات والمواهب، ويتحرك في حقول عديدة، وهي ظاهرة، قال عنها المبدع حافظ خير، حين حاورناه بخصوصها، لا تخصه وحده ظاهرة المسرحيين الذين يكتبون الشعر والقصة القصيرة والمقال- إن شئت، وبطبيعة التخصص الدرامي، ينتجون أيضا في مجال الإخراج التلفزيوني والسينمائي- إن تيسرت سبله، ويمكن ذكر العديد من الأسماء في هذا السياق بالإضافة إلى الراحل العزيز وحافظ خير، هناك يحيى فضل الله ومحمد محي الدين وعمر الطيب الدوش وعاطف خيري وقاسم أبوزيد..إلخ. ما ذكرته أعلاه، يعقِّد أمر العمل على توثيق إنتاجه بالصورة المثلى، هذا التعقيد واجه المجموعة التي شاركت في إربعينيته بالمسرح القومي، وسيواجه مجموعتكم أيضا ..ومجموعات أخرى، لذا لابد من العمل الممنهج في هذا الخصوص حتى لا تتضارب الجهود والمبادرات... ولدينا في هذا الخصوص، عدَّة مقترحات سنعرض لها في سياق هذا الخيط .
أ.أ
05-02-2007, 09:20 PM
Alsadig Alraady
Alsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788
آخر محطة خلف رواكيب (ستات الشاي) وشمس السابعة صباحا تلهب الجباه بسخونة كاللسعة مخلفة عرقا خفيفا ومزعجا، ويصبح مؤلما عندما ينزلق نحو الرموش، وبدا بوب في التفكير حول حافلة تقله من هذا العذاب: (متين يا ربي ينتهي العذاب ده؟!) مرَّ كارو يحمل خمس نساء تتدلى اقدامهن كالدجاج المشوي من تأثير الدخان الأسود في حافة الأرجل، وتبدو السفنجات المغسولة جيدا كالمرايات وضحكت إحداهن واتكأت على الأخرى بغنج بلدي لطيف، بخلاف غنج القنوات الفضائية المفتعل. فكر وهو ينظر بابتسامة مؤدبة: (أين تذهب هؤلاء؟!) ولماذا الضحكة تتسع رغم الفقر؟، فكر في الصوت المنبعث من آلة التسجيل المربوطة خلف الكارو التي ينبعث منها صوت أورغن وفنانة، هو يزدري هذا الغناء كمثقف، ولكنه يثير الحيوية في الركاب والمارة، لقد سمع العديد من الفنانات في آخر محطة، وبعض أصحاب عربات الكارو يشاركونه الرأي ويفضلون الملك (محمود عبدالعزيز): ( دا ملكا وملاكا يا..)، إنها رغبة في الحياة والخروج من الغبار والفقر، إنها قدرة على صنع الحياة داخل الرواكيب والغرف الطينية الضيقة، وأخيراً توقفت حافلة قديمة وازدحم عدد قليل على بابها، ودخل بعد الزحمة ليحافظ على أناقته والتي كانت مصدر سخرية العواطلية حول ستات الشاي: (يا أستاذ)، (يا دكتور).
ركب بوب غير مهتم بحسدهم الساخر، ركب في المقعد المحبب له بجانب السائق ونظر في الوجوه العابسة حوله، وكانت لديه دائما اسئلة لا تجد إجابة، ولذلك كان من أعظم المعجبين بأغنية (أسئلة ليست للإجابة)، وتمنى لقاء شاعرها ليريه التشابه العظيم بينهما، وسأل عنه في كل مكان، وأخيرا أخبره صحفي بأنه هاجر إلى كندا وتأكد بوب أن سبب هجرته عدم الإجابات المقنعة.
اختنقت الحافلة، والحافلة تتحرك وقف أحدهم يمازح السائق بألفاظ لا يمكن أن ترد في قصة كمال بوب المهذب، وكان هذا سؤاله الأول: (ليه الحافلة متحركة لازم واحد يفتح موضوع وموضوع فارغ على حساب زمنا؟!). لقب بوب خلفه قصة رومانسية محزنة، قصة حب مع (سعدية) ست الدكوة، عندما كان شابا وأسدل شعره (راستا) من أجلها لأنها تحب (بوب مارلي) ولا تفهم أغانيه، وشرح لها كمال بوب الأغاني وكتب لها خطابات وشعراً، كان يقرأ لها خلف الرواكيب والأزقة المظلمة. كانت سعدية تبادله الحب بطريقتها التي لم يفهمها أحد، كانت تحبه وتنام مع نصف سكان الحلة، وحده كمال بوب كان يجهل طريقتها تلك ومستغرقا في تقديسها، يبدأ البكاء بحرقة إن غابت أو تأخرت عن موعد، وتغضب هي، ويزداد هو حنية.
(أنا بحسمو الليلة)، خلف راكوبة الشاي كان اللقاء الحاسم وكل (شماشرة) الحلة يسترقون السمع من خلف شوالات الراكوبة، اتكأت سعدية على خصرها وأبعدت اللبانة بلسانها وأمالت الشبشب من قدمها قليلا: (تاني ما تلاقيني وما دايرة أشوف وشك.. بالمناسبة إنت واحد دقسة).
رجع كمال بوب من قصته المحزنة بصوت مسموع: (أنا ما دقسة أنا مخلص). انحنى عليه الكمساري بخشونة مع فرقعة أصابع عالية، أخرج كمال بوب المحفظة الأنيقة الخالية وأخرج قطعة معدنية من قاعها: (ليه الكماسرة ديل ما بستحمو؟.. الربط شغلة الكمسرة بالوسخ ده منو؟!).
فتح حقيبته الجلدية وأخرج مقاله باهتمام وعنوانه (الحب الضائع) الذي يحاول منذ سنة نشره في صحيفة معروفة، ويحمل صوره مصاحبة بالقميص والكرافتة استعدادا لنشرها مع المقال، ومنذ ذلك اليوم أصبحت الونسة عنده: قابلت فلان في جريدة (الصحافة) وقال لي.. وقلت لفلان في جريدة (الخرطوم)..إلخ.
وقفت الحافلة عند تقاطع الجريف وهبط السائق مذعورا ليقابل شرطي المرور: (ليه بتاعين الحركة بذلوا الناس كده ويشتموهم مرات؟.. المسألة قانون ولا حقارة؟!).
تحركت الحافلة والسائق يشتم الإيصالات والحكومة وبدأ الحوار المحبب للجميع حول الحكومة والحالة الصعبة وقطع استرسالهم صوت حاد لفتاة جامعة جميلة وهي تصرخ في الرجل الجالس بجانبها: (قلة أدب)، تدخلت كل الحافلة الثائرة في الموضوع وأصبحت مشاجرة، أخجلت الفتاة التي ندمت على صراخها وتسآءل كمال بوب: (ليه نحن بنخاف من الفضيحة وندس الحقيقة؟!).
تواصلت المشاجرة ووصلت الأسئلة حدود شخصية جدا: (هي ذاتا ماشة وين؟!)، (دي نتائج الكبت الأنحنا فيهو)، وصلت الحافلة ميدان أبوجنزير وهبطت الفتاة خجلة ومسرعة، وهبط كمال بوب آخرهم ليحافظ على أناقته وقفز سؤال الكبير إلى ذهنه: (أين يذهب؟!).
كان يدعي لشباب الحلة أنه ذاهب إلى مشوار مهم، ولكن أين يذهب الآن؟! رأى السؤال ضخما في ميدان أبوجنزير في عيون المارة، يجعلهم يمشون بذهول وارتفعت أصواتهم في ذهن كمال بوب، ولأول مرة لم تعد أسئلته وسوسة صامتة، بدأ السؤال يخرج من فمه همسا، ثم بدأ يعلو: (هيي..ماشين وين؟!)
هكذا صارت أسئلة كمال بوب لا تحتمل ولا تجد الإجابة.
ــــــــــــــــــــ نشر بـ (السوداني الثقافي)، عدد الإثنين 26 فبراير 2007م.
أضعف الإيمان لوفاء التقدير والمحبة، الصحبة والأخوَّة، نسج مثل هذا الخيط، وحضوركم هنا يعضدُّ. عقدنا العزم، على أن نوثَّق لبعض جوانب إبداع الراحل العزيز، خصوصا في حقل الكتابة الأدبية، ما وسعتنا الحيلة.. شكرا لحضورك مجددا ولسحر الكمنجة!
أخي تراث
مرورك هنا يضيئ شكرا تحايانا للأسرة
أ.أ
05-03-2007, 05:55 PM
خدر
خدر
تاريخ التسجيل: 02-07-2005
مجموع المشاركات: 13188
عندما انتصف الليل ونام في أحضان الحلة البائسة كانت الزجاجة في الكأس الأخير والحكايات انتهت وجفت في حلوقهم الأغنيات، صمت ثقيل لفَّ الجلسة التي كانت صاخبة، رفع عمر قدميه ونهض بتثاقل خجل، فهو يحذر تلك النظرات التي تتهمه بصمت خبيث (عمر بتاع ملح) (عمر ما بدفع)، دفع الباب القديم المتهالك على جدار قديم وقبلته نسمة هواء جففت العرق السائل، استل رقبته ومشى في الظلام، تخرج عمر منذ ثلاثة أعوام وما زال يعاني من صمت الخريج، صمت العطالة القاتلة ولديه طاقة كبيرة في قراءة كتب علمية معقدة فصارت بطاقته الشخصية مثقف وعاطل ومفلس بالطبع.
قفزت فجأة إلى رأسه قبل أن يصل الشارع المؤدي إلى بيتهم، هي دائماً هكذا تقفز فجأة، بوجه أنهكته الكريمات والبودرة: (والله يا عمر تتأخر دقيقة واحدة أفوتك). العاشرة صباحاً ستهبط هي من مواصلات الصحافة زلط، ويجب أن ينتظرها وهي تهبط لترى لهفته وقلقه، وضعت هي سيناريو اللقاء والمواعيد، وهو يجب أن يقف وسط آلاف الباعة والمسجلات المنطلقة كالسهام من الكافتريات: (طيب أنا ما أمشي حدائق أبريل طوالي) و......: (لا) قاطعته بغنج متعصب ملتفتة للإتجاه الآخر.. لتنتقم منه وتثبت أنها مرغوبة وجميلة ويمكن أن تجعل شاباً يصغرها بسبعة أعوام ينتظرها في هذا الضجيج (إنه جنون الفتيات بعد الثلاثين)، خرج صوته الحقيقي أمام باب منزلهم، دفعه بحذر وتسلل إلى السرير وأغمى عليه حتى الصباح.
تردد كثيراً وهو يحاول شراء ساندوتش طعمية، كل ما يملك هو دينار ملتصق مع قصيدة لم تكتمل في جزلانه، جف حلقه وتصاعد نداء الباعة المتجولين وأصوات الفنانات تتصاعد من سماعات الكافتريات المتناثرة حول موقف الصحافة، حلقه بدأ بالإحتراق يحتاج الآن إلى ماء بارد أو قطعة ثلج يبتلعها، هذي البلاد غريبة؟! تذكر تلك الطرفة التي استمرت لسنوات في الجامعة بروايات مختلفة، عندما تقدم أبو سمرة البوهيمي ولأول مرة من ركن النقاش المحتدم ووقف في نصف الدائرة بصمت وتأمل الجميع كمسطول وتهيأ الجميع لحدث إستثنائي يبعثر الجو الحزين المحفوظ والقضايا المكررة، قال بصوت المساطيل الهادئ الحزين: (يا أخوانا إنتو بتكوركو ساكت، البلد دي ما بتتقدم خطوة، دي بلد حارة وعرشا زنكي وفاتحا شهيتا شطَّا وشرابا عرقي وشمسها حارة وناسل بفكروا أسخن من بلدهم.. تتطور كيف؟!).
تلك الأيام جميلة وهادئة، إبتسم في وجه السوق العربي وتذكر الحماس من أجل قضايا الفقراء. وقف دفار قبالته وهو سارح لم يلمح الدفار مما أكد لرجال الشرطة التجاهل الذي يبديه، تحرك إثنان منهم وهوى أحدهم بالخرطوش على ظهره، أعادت آثار الخرطوش الأسود ذكريات قديمة أيام الجامعة وفجأة إرتفع جسده في الهواء وارتطم بأرضية الدفار الصلبة: (يا أخوانا ده...) (أسكت لوعندك كلام قولوا قدام).
هذه بلاد غريبة لافتات كبيرة تملأ الشوارع عن التحول الديمقراطي و...، تحرك الدفار غير عابئ بالدستور والحريات لأنها مسائل تخص الصحف والدفار في طريقه إلى خارج السوق لمحها في حافلة تدخل الموقف وهي تثرثر مع فتاة بجانبها، أخفى وجهه حتى لا تراه ولكنه رأى وجوهاً كثيرة شاحبة وفقيرة حوله في الدفار.
هبطت بنصف إستدارة ثم إلتفتت لجارتها التي هبطت للتو من الحافلة وهذه الطريقة الإستعراضية لأنها متأكدة بأنه ينتظر هناك، ودعت الفتاة بالأحضان والقبل وسط دهشة المارة والكمسنجية، واستدارت بمرح مفتعل تعلمته في كافتريا الجامعة ولم يكتمل هذا المرح: (...أين ذهب؟!) (ذهب لشراء سجائر)، فكرت ثم استدركت: (وهو عندو قروش، عليك الله عاين المقطَّع ده كمان)، مضت ربع ساعة وهي قلقة وبدأت حبات العرق تتسلل من ظهرها حتى قدميها بطريقة مزعجة، ومن وسط القلق لمعت فكرة الإنتقام، دخلت محل إتصالات، طلبت الرقم بخلفية إيقاعية خلقتها الفتاة الجالسة في الإتصالات بطقطقة اللبانة، وجاء الصوت من الجانب الآخر: (أركبي أمجاد وأنا أحاسبو)، كان دائماً على إستعداد، لديه شقة مريحة ولا مبالاة تساوي نصف العالم.
تحركوا في صف طويل صامت في ممر نصفه ظل والنصف الأكبر شمس وصوتها يدوي في أذنه: (حا نعرِّس متين؟!)، السؤال الذي تكشف به عجزه وفقره وأحياناً ترفض إعطاءه (حق المواصلات) إذا أبدى عناداً أو تمرداً: (إتحرك) تحرك بخوف ليلحق بالصف ومسرعاً لمحها تجلس بزي نقيب في نافذة تطل على الممر وهي تهم بسؤاله عن الزواج، نظر إليها بغضب.
(بتعاين كدة مالك؟!) إنتبه للكارثة التي أحدثها، أخفض رأسه بخنوع وذهب دون أن يرد على السؤال وكان هروبه إجابة كافية للفتاة الملازم، جاء دوره للدخول للضابط، رمقه الضابط بنظرة فاحصة ومدربة: (اسمك؟!)، أجاب ببطء وتردد ثم وبصوت خرج من طرف أنفه وبطريقة جافة لا تراعي حقوق الإنسان ولا الأمم المتحدة ولا مشاعر الفريق القومي لكرة القدم: (البطاقة)، (ما عندي)، (طيب أنا أعرفك سوداني كيف هسع؟!).
من هو؟! لأول مرة يفاجئه السؤال بوضوح، من أنا، نظر للضابط داخل عينيه بثقة وابتسامة ساخرة واخترق الزي الرسمي لدواخله المرتبكة وأجاب بصوت واضح وهادئ: (خلاص رحلوني.. رجعوني بلدي).
ــــــــ نشر بـ (السوداني الثقافي) الإثنين 5 مارس2007م. ــــــــ إنتهت الـ كواليس ونواصل الخيط
أ.أ
05-03-2007, 11:19 PM
الصادق اسماعيل
الصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620
لم أشأ أن أقاطع الخيط على الأقل حتى تنتهى الكواليس.
ولكن، يا صديقي الصادق الخوف الأكبر الذي ظل يلازمنى هو هذا الغياب المفاجئ الذى يأخذ دائماً (أجملنا)، ويتركنا كحالك هذا. هل تتذكر يالصادق في تأبين مصطفى سيد أحمد في الحصاحيصا، عندما سألتك هل ستقرأ قصيدة رثاء لمصطفى، أجبتنى ساعتها(سأقرأ شعري ليسمع الناس، ولن أقرأ قصيدة لرثاء مصطفى، لن الرثاء الوحيد له هو أن نواصل في تقديم قصائد جديدة).
تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ هذا الخيط وتملكنى الحوف مرة أخرى من أولئك الذين يغيبون منّا فجأة.
شكراً لك يا صديقي
05-04-2007, 00:04 AM
Osman Musa
Osman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082
مجدى النور المخرج الشاعر الفنان. شاب صقير رحل. ترك وراءه شهرة كبيرة ومحبة مجدى جمع كتاباته من قارعات الطريق . و من عيون الناس . كنت أراه فى الاسواق الشعبية ... جعل الناس سعداء يبتسمون.. أسرف فى اسعاد الخلق . واستجاب الناس له فى كل أيام عمره (الشحيحات) . كان مؤمنآ بقيمة المسرح أحب الشارع ومات فيه مثل الابطال. وهو البطل الحق والفنان الحق والفقد الحق له الرحمة
عثمان عبدالرحيم موسى
05-03-2007, 11:58 PM
Salwa Seyam
Salwa Seyam
تاريخ التسجيل: 04-12-2004
مجموع المشاركات: 4836
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة