|
هكذا تكلم عبدالوهاب الافندي
|
الانقاذ في تصفيات الدور قبل النهائي للقوي السياسية السودانية 2006/06/27 د. عبدالوهاب الافندي بعد توقيع اتفاق نيفاشا للسلام في الجنوب في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، علق البعض بأن احتفالات ثورة الإنقاذ الوطني في السودان بعيدها السادس عشر في الثلاثين من حزيران (يونيو) الماضي قد يكون الأخير. فقد تغيرت الأمور، واتجهت البلاد إلي تشكيل ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية، مما يعني أن عهد الإنقاذ قد انتهي عملياً وحل محله عهد جديد. ولكن حكومة الإنقاذ الوطني لم تسمع بهذا التحليل علي ما يبدو، حيث ظلت ترتب لاحتفالاتها، وتعتبر الحقبة الحالية امتداداً لعهد الإنقاذ وتتويجاً له. مهما يكن فإن الإنقاذ قد دخلت التاريخ السوداني كأحد المكونات المحورية لهذا التاريخ، وطبعت حقبة كاملة بطابعها، بحيث لم يعد من الممكن تجاوزها أو التغاضي عن أثرها. وحتي لو انقضي عهدها فإن آثارها ومخلفاتها ستظل تعمل في الجسم السياسي السوداني لعقود قادمة، سلباً وإيجاباً. وهي في هذا تشبه فترات سابقة من التاريخ الوطني تقارن بها، مثل الحقبة المايوية (نسبة إلي ثورة مايو عام 1969 التي جاءت بالرئيس جعفر النميري للسلطة) والحقبة المهدية. وقد كان حكم الخليفة عبد الله التعايشي الذي قامت علي يده الدولة المهدية وسقطت أطول فترة حكم وطني (أربعة عشر عاماً) حتي عهد الرئيس النميري (16 عاماً)، وقد تجاوزت فترة الإنقاذ كليهما في الطول وزادت عليهما في عمق الأثر والاجتهاد في تغيير وجه البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولهذا لا يمكن المرور علي ذكري بداية هذه الحقبة مرور الكرام، حتي وإن كان المقام مقام تأبين كما يري البعض. وكنا قد استننا سنة منذ العام الأول لثورة الإنقاذ، وهي أننا كنا نتخذ ذكري الثلاثين من حزيران (يونيو) مناسبة لتقديم جرد حساب يتحري الإنصاف في تسجيل ما لها وما عليها. وإذا كان تقييمنا كما ذكرنا يتحري دائماً الموضوعية، حيث أنه لا فائدة ترجي من الغش والتدليس، إلا أن الإطار الذي كان يتم فيه التقييم، والزاوية التي ننظر فيها للقضايا، كان لا بد أن تعبر عن نظرتنا الذاتية للأمور. ففي الحقبة الأولي (وحتي صدور كتابنا الثورة والإصلاح السياسي في السودان عام 1995) كان يحدو تعليقاتنا بعض الأمل في أن تحقق التجربة الآمال التي علقها بعض الإسلاميين عليها، والتي تتمثل في إنجاز نظام سياسي جديد يحقق تطلعات الأمة في النهضة والحرية، وينقل قيم الإسلام من صدور المؤمنين إلي واقع الحياة، وآمال الشعوب وأحلامها من العقول والقلوب إلي عالم التشكل والتجسد. ولأن هذه هي تطلعات الأغلبية، فإن إبداع هذا النموذج كان حرياً بأن يوحد بين الديمقراطية واحترام القيم العليا للشعوب، بخلاف تجارب الحركات القومية واليسارية التي كانت تتحري تحقيق نفس الأهداف في النهضة والعزة والاستقلال، ولكنها كانت تواجه باصطدام مقولتها مع عقائد ورؤي الأغلبية. في الحقبة التالية كان الإشفاق من سقوط التجربة أخذ يتغلب علي الأمل في نجاحها، ثم أعقبت ذلك حقبة تميزت باليأس من أن تحقق التجربة الحد الأدني المطلوب، وهو ألا تصبح وبالاً علي أصحابها أولاً، وعلي السودان ثانياً وعلي الأمة العربية والإسلامية ثالثاً. ولعل الطريف أن حقبة اليأس المذكورة من صلاح الأمر تطابقت علي ما يبدو مع سلسلة من مظاهر النجاح المضطرد، بدأت في عام 1997 بصد أكبر هجوم عسكري مدعوم من الخارج، وإبرام اتفاقية الخرطوم مع عدد من فصائل التمرد في الجنوب، ثم استئناف مفاوضات الإيقاد حول الحرب في الجنوب. أعقب ذلك في العام التالي تحول هام في البيئة الخارجية المعادية عبر تحقيق تقارب مع إثيوبيا ودول أخري منها مصر. ثم جاء عام 1999 الذي شهد تدفق النفط رغم الحصار الدولي والمصالحة مع حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، ثم عام 2000 الذي شهد التقارب مع الولايات المتحدة التي دخلت في العام التالي لأول مرة بقوة كوسيط في الحرب الأهلية بعد أن كانت أشبه بطرف فيها. وتوجت كل هذه التحركات باتفاق مشاكوس ثم اتفاقات نيفاشا اللذين أنهيا حرب الجنـــوب الطويلة. صحيح أن نفس الفترة شهدت عوامل اضطراب، أبرزها الانشقاقات داخل الحكم، واستمرار النظرة السلبية للحكم داخلياً وخارجياً، والخلافات مع بعض الحلفاء من الشمال والجنوب. ولكن حتي هنا فإن النظام كان كثيراً ما يوظف هذه السلبيات لصالحه. فالإنشقاق داخل الحكم مثلاً لعب دوراً محورياً في إقناع دول مثل مصر والولايات المتحدة بدعم الجناح المتغلب في الصراع باعتباره الأكثر اعتدالاً. وفي نفس الوقت فإن الحكم كان دائماً ينجح في استقطاب عناصر جديدة من قوي المعارضة، واستقطاب المزيد من الدعم أو علي الأقل تخفيف المعارضة الخارجية. وعليه يمكن أن يقال ان رصيد النظام الإيجابي ظل في تصاعد مضطرد، علي الأقل حتي وقوع طامة دارفور، وتحديداً في الفترة التي أشرنا إلي أنها بعثت اليأس في النفوس من أي صلاح محتمل لحال النظام. ألا يعتبر هذا تقييماً ذاتياً لا صلة له بالواقع؟ هناك جزء من الصحة في هذا التوصيف، لأننا بالفعل نستخدم معايير للنجاح ذات بعد أخلاقي. فمن المنطلق الذي ننطلق منه، لا يعتبر النجاح في الاحتفاظ بالسلطة، وإضعاف المعارضة، وحتي تحقيق منجزات اقتصادية وتنموية هو المعيار المقبول. ذلك أن هناك أنظمة عربية كثيرة، خاصة في دول الخليج مثلاً، ظلت السلطة فيها في يد نظام واحد لأكثر من قرن، وتحقق فيها ازدهار اقتصادي غير مسبوق، وسادت في بعضها أحكام الشريعة الإسلامية في كثير من نواحي الحياة. ومع ذلك لا تعتبر هذه الأنظمة نموذجاً يتسابق الإسلاميون (ومن باب أولي خصومهم) بالتحجج به أو اتخاذه قدوة، بل إن أكثرهم يتبرأ منه ويستنكره. ذلك أن معيار شرعية كل حكم، والضمانة الأوحد لمستقبله هي سنده الأخلاقي من رضا الناس القائم علي الاقتناع وعلي احترام القيم المشتركة، وليس علي الابتزاز أو الترهيب. ولا تعتبر القدرة علي الاستمرار، ولا حتي كون الوضع هو الأقدر علي دفع الأحوال باتجاه التقدم، هي المعيار هنا، وإلا لكان الاستعمار من المرشحين لشروط الشرعية. فالاستعمار كان قادراً علي الاستمرار في حكم البلاد بقوة الحديد والنار لقرون في بعض الأحيان، كما أنه حقق بلا جدال للبلاد التي أناخ عليها تقدماً لا ينكر في كل المجالات من تعليم وصحة وصناعة وتطوير سياسي. ولكن قلة فقط هي التي تستبشر اليوم بالاحتلال الأمريكي للعراق رغم أن الاحتلال يعد العراقيين بالمن والسلوي والديمقراطية والتقدم. وبالمثل فإن الأنظمة العسكرية السابقة في السودان مثل نظام الفريق إبراهيم عبود ونظام النميري حققت في عهدها إنجازات اقتصادية واجتماعية ملموسة دون أن يساعد هذا في اكتسابها الشرعية أو يزيد من شعبيتها، ببساطة لأن الناس ليسوا سوائم لا تطلب من الحكومة سوي المأكل والمشرب. هذا مع العلم بأن الحكومة الحالية قصرت تقصيراً كبيراً في توفير هذه الأولويات بيسر للغالبية الساحقة، بينما أغدقت علي القلة المحظوظة من المقربين، وهو ما يكفي في حد ذاته للقدح في شرعية أي نظام. ولكننا كما أسلفنا لا نركز علي هذه الجزئيات، مثلما أننا لا نري أن المسألة هي مسألة البقاء في الحكم بأي ثمن، أو تحقيق هذه المنافع أو تلك لقلة أو كثرة. فقضية الفساد وقارعة دارفور وغيرها من الكبائر هي عرض لمرض هو فقدان البوصلة الأخلاقية، وفصم العلاقة بين الإدارة من جهة، وبين الأخلاق والسياسية من جهة أخري. فكما أن فصل الدين عن السياسة (ولا أقول عن الدولة، فذاك مبحث آخر) يعني أن تدار أمور السياسة بدون التفات لشرائع السماء وأحياناُ في تناقض معها، فإن فصل الأخلاق عن السياسة حسب نصيحة ماكيافيلي يعني ممارسة السلطة من أجل السلطة بدون الالتفات إلي أي مبادئ أو قيم. وكثيراً ما يبرر لهذا، كما هو حال كل الدكتاتوريات، بالإشارة إلي قيم عليا تخدم بطريقة غير مباشرة، كأن يقال أن الدفاع عن النظام الثوري أو الإسلامي أو الإشتراكي مقدم علي التقيد بالقيم التي ينادي بها ذلك النظام في مرحلة معينة، وهي مرحلة غالباً ما تمتد عمر النظام كما حدث في الاتحاد السوفيتي وفي كل الدكتاتوريات العربية من قومية ويسارية وحتي ليبرالية. خلاصة القول أننا كنا ولا زلنا نري أن هذا طريق تهلكة في الدين والدنيا، ليس لأننا نزعم لأنفسنا مقاماً من المثالية والتطهرية فوق الآخرين يربأ بنا عن الولوغ في الفساد والنفاق وخداع الذات، بل لأننا واقعيون جداً نري أن هذا الطريق هو أقصر الطرق للسقوط في الدنيا قبل الآخرة، وفي ميدان تنازع السلطة قبل ميدان الأخلاق والمثل. وكما ظللت أردد دائماً، فإنه لا يوجد في الدنيا انقسام بين الواقعيين والمثاليين، بل التباين هو بين واقعيين عقلاء وآخرين يفشلون في تقدير الأمور حق قدرها. وكثيراً ما نجد أعلي المتطرفين صوتاً هم أسرعهم إلي بيع القضية، كما رأينا من أكثر من نظام عربي ثوري صار يستجدي الامبريالية وهو راكع، وهناك يساريون أصبحوا يتفوقون علي اليمين المتطرف في ولائهم لأمريكا، وقس علي ذلك. فالاعتدال في المسير هو المفتاح لبلوغ الهدف بأسرع الطرق، والتزام الأخلاق والقيم هو أكثر الحلول واقعية. من هنا فإننا نري ـ والله أعلم ـ أن نظام الإنقاذ الحالي يلعب في الزمن الضائع في تصفيات دوري السياسة السودانية، بعد أن ربح نقاطاً كثيرة وخسر نقاطاً أكثر. فهو خسر عباءته الإسلامية، وخسر دعاواه الوطنية، وتقلص إلي مزعم واحد، هو ادعاء قلة معزولة أنها الأحق باحتكار السلطة والثروة في البلاد، واستخدام هذا الاحتكار في إفساد السياسة السودانية عبر الرشوة والابتزاز، وتفتيت قوي المعارضة حتي لا تصبح في البلاد سياسة سوي سياسة المصلحة النفعية الضيقة وسياسة الخوف والإرهاب. ولا شك أن من ينتهج هذا النهج واهم خاسر لا محالة، ليس فقط لأن في السماء رباً لم يرض هذا نهجاً فضلاً عن أن يأمر به، بل كذلك لأن هناك أربابا أرضيين عندهم من المال ومن وسائل الردع ما هو أكبر، وهم يوجهون كل ذلك ضد من ظنوا أنهم احتكروا المال والسلطة في بلد ما يزال من أفقر بلدان الكون وأضعفها. 9 نقلا عن القدس العربي
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: هكذا تكلم عبدالوهاب الافندي (Re: adil amin)
|
الاخت دوما تحية طيبة وبعد ومن المؤسف والمؤسف جدا...عجز الاكاديميين المؤدلجين على قراءة النظام العالمي الجديد قراءة علمية صحيحة...ماذا يعني ان يدين الافندي اخوانه في الدين ناس المؤتمر ويمجد بشكل موارب الامام وصهره معارضة السودان القديم ..كانهما ليس لهم دور ابدا في مسلسل الصعود الي الهاوية الذى بدا منذ الاستقلال...وكلاهما يسعيان لتلميع نفسهما(الجبهة الوطنية2006) لمرحلة ما بعد الانقاذ،لانهما يعتقدان انهما يحكمان شعب بلا ذاكرة ...في ظل تغييب كامل للنخب السودانية الجيدة والقوى الديموقراطية الحقيقية التي تتبلور تدريجيا في رحم الغيب..فقط لا تعرب عن نفسها كغيراها في الميديا العربية والعالمية..كما يفعل الافندي ورهطه الذى يجب ان يعرفه الافندي الكوز السابق ان ايدولجية الاخوان المسلمين انتهت ولن يجدي الترويج لها في مصر او غير مصر في دول العربية المغيبة الشعوب..ولم تعد التجارة بالدين جاذبة.... هناك نظام عالمي جديد بدا من صربيا في قلب اوروبا وطاغيتها الهالك ميلازوفتش ثم مرت بطالبان ثم العراق ...تشكل العصا والجذرة الامريكيةاداة التغيير في المنطقة ونحن لا نكتب هذامن باب التمجيد كما يتصور السذج من ابناء شعبنا بل لانه امر واقع....وهناك اكثر من خارطة طريق في المنطقة يجب ان تنتهي بدولة مدنية ديموقراطية فدرالية ..هناك دول العصا ودول الجذرة وهناك دول الجذرة التي خلفها عصا(السودان)... والعاقل من دان نفسا قبل ان يدان وتصالح مع الشعب ... وسعى بحدية للتحول الديموقراطي وعيا وسلوكا امرت لهم امري بمنعرح اللوا فلم يستبينو النصح يي الا في ضحى الغد **************** نحن في انتظار كاديما السودان االجديد الاتحادي الديموقراطي+الحركة الشعبية+ المستقلين(القوى الديموقراطية الحقيقية)= السودان الحقيقى
| |
|
|
|
|
|
| |