الصراع في السودان بين الواقع والمتخيل بقلم /يين ماثيو شول
تمهيد كم كم تبدو محزنة هذه الحرب اللعينة والمشتعلة منذ خروج المستعمر عام 1956م بين أبناء الوطن الواحد . ويقذف لنا التاريخ أحشائه من وقائع دامغة لسبب اشتعال هذه الحرب الضروس ، ومع هذا ، فان حكومتنا لا تولينها الاهتمام الكامل ولم تجرؤ على طي هذا الملف البتة بل أنفقت ما امتلكت يداها لإيقادها جما والبعض حاول حله تكتيكيا ليعود إلى مربعه الأول ، سرعان ماتنفي هذه الأسباب. ومما لا ريب فيه ، فان جيلنا غير المحظوظ هذا يعاني (من) شقاوة المحصلات والنتائج الحتمية لما اقترفتها أيدي الذين تولوا زمام السلطة والثروة . ونحن إذ نكتب هذا المقال ، لا نكتبه الذاكرة إلي الماضي الأليم ولا لنتباكى عليه بقدر ما إننا نجرؤ على كتابة الحقائق لنقرأ التاريخ على وجه التمام . عندئذ يمكننا تشخيص المشكل الحقيقي وتحديد الحلول الجذرية له. ونعتقد جازمين انه أي نوع من القصور في محاولة معرفة الداء معرفة سليمة يحتم في تحديد وصفة خاطئة للعلاج. وقد برنت التجارب الإنسانية أن السياية الواقعية أخير أنواع السياسات ، هي تلك السياسات التي تقوم أساسا على فهم الواقع المعاش وحسن التعامل معه بغرض تحديد المصالح المأمولة للشعب ، وإنعاش حياتهم الاقتصادية والاجتماعية ، وتتطلب السياسة الواقعية تضافر مجموعة من الرؤى الإستراتجية. وفي إطار حرصنا التام على تحديد الصراع الحقيقي في بلادنا السودان ، سنصطحب معنا بعض الفروض التي تم تصويرها للشعب بأنها الأزمة الحقيقة والتي ضخت لها من خلال الأجهزة الإعلامية الموجهة كالمذياع والتلفاز ... الخ. تلكم التوهيمات اتسمت بما يمكن تسميته الحربائية السياسية (من الحرباء) ، بمعنى ان الطغمة الحاكمة لم تثبت في رأي واحد لماهية الأزمة ، إنما تباينت نظرتها لها من وقت لأخر . وفي خضم تبايناتها ذهب البعض إلى إن الأزمة في السودان لهي أزمة عرقية ، حيث إن كل حركات التمرد التي قامت سواء في جبال النوبة أو النيل الأزرق أو جنوب السودان أو دارفور تنعت بأنها عدواناً أمريكي – صهيوني ، حنى تلقى تأييداً وسط المساكين وضعاف النفوس من الشعب . ويطلقون على هذا النوع من الصراع بالعرقي ( العربي – الأفريقي ) . هذه السياسة لم تبتعد عن سياسة (فرق تسد) التي اتبعها المستعمر التركي والانجليزي ...الخ. المستنرين لا زالوا يدمنون استخدام هذه المصطلحات ناهيك عن الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى بالإضافة إلي الشارع العام. هكذا أقنعتنا الطغمة لهذه السهولة إن المشكل هو صراع الشمال ضد أخية الجنوب. أما الانقلابات العسكرية التي شوهد لها الحكم لفترات طوال فقد صورت لنا الأزمة بانها دينية بل وجزمت أنها صراع بين الخير والشر – بين الإسلام والكفر – بين هابليون وقابليون( قاينيون عند النصارى) ، بين معسكري الحق والباطل وكانت ومازالت تصف معارضيها بالزندقة والخروج عن الدين ويصطفون أنفسهم عن غيرهم من أخوتهم ويتناسون بسهولة ان ( الكل خطاؤون وخير الخطاؤون التوابون) . إن إستراتيجية الإسلام السياسي ( تديين السياسة وتسييس الدين) أو استغلال الدين لتحقيق منافع ومصالح ذاتية لهي من الألعيب الخطيرة التي أوصلتنا إلي المآزق والمآسي التي يدفع ثمنها البسطاء من المواطنين الذين لا حول ولا قوة لهم – ويالحسرتاه!!!. هلم نعود إلي التساؤل المحوري الذي من اجله كٌٌتب هذا المقال ، وهو البحث المثمر لماهية طبيعة الصراع في السودان . أحق أن النزاع في بلادنا هو اثني أو جهوي أو ديني ؟؟؟ مهلا ، قبل أن نُجيب لنبدأ بالافتراضات التي وضعتها الطغمه.
الصراع العرقي ( العربي – الإفريقي ) ويُقصد به النزاع بين المجموعات العربية وغير العربية حول السلطة أو الثروة . صحيح انه تقطن السودان 15-30% من القبائل ذات الأصول العربية و 70% من القبائل غير العربية ولم نسمع يوما بصراع عربي- أفؤيقي إلا قليل من الخلافات الطبيعية في مناطق التعايش ( كما أعتاد د.قرنق تسميتها- وليس التماس) وتكون الحكومة دوما وراء جل تلكم المشاكل في محاولة لإثبات الإدعاء والإنفراد بالحكم ، بينما ينشغل الشعب بها . يجدر بالإشارة انه لا توجد مجموعة تطلق على نفسها إفريقيا (Africa) والجغرافيا تعلمنا أن الكلمة لاتنية الأصل وتعني (أرض الشمس المشرقة) . إذاً ، أفريقيا قارة كمثلاتها من القارات (Continents) التي تقطنها أمم وأعراق وإثنيات ذوات تقاليد وثقافات وقيم متباينة ، ولايهم من أين أتوا ماداموا مقتنعين بإفريقيتهم إن الطغمة دوماً كانت تحوى داخل طياتها كل الأطياف من عربيه وغير عربيه في سدة سلطاتها فإلى أي قبلية عربية ينتمي الإمام الصادق الذي حكم السودان أكثر من مرة أو ليس الرجل نوبي الأصل حفيد بعانخي وتهراقا؟! وألم نقرأ في التاريخ أيضا أن الرئيس الأسبق جعفر نميري من العرب البائدة – عاد وثمود ! أو بيويوكوان الشلكاوي أو مارتن ملوال الدينكاوي أو الزبير محمد صالح النبوبي الدنقلاوي من العارب العاربة! ونعلم جيدا أن الأول والأخير اخلصوا للأنقاذ إلي الموت وما يزال الثاني مخلصا لها.
الصراع الجهوي ( الشمال – الجنوب ) لا اذكر في يوم من الأيام جلس الشماليون في اجتماع رسمي ليختاروا لأنفسهم ناطقا باسمهم او ليضعوا إستراتيجية يسترشدون بها ضد الجنوبيين وعليه ليس من المعقول بالمكان تعميم أوزار الحكومات المركزية على الشمالين من عموم الشعب. إن الذين حكموا السودان منذ فجر بعيد ينتمون إلي بيوتات بعينها ولا يمثلون إلا خاصتهم ، بل نقر أن الشمال ضاق ويل سياستهم العوجاء كسائر الذين خالفوهم في الفكر أو التوجه . أليست دارفور جزءً أصيلاً من هذا الشمال – ومع هذا لم تحظى بالتنمية؟! أوليس الشرق المهمش شمالا؟! ماذا عن النيل الأزرق وجبال النوبة ، ناهيك عن أقصى الشمال الذي ينحدر منه السادة / مصطفى إسماعيل وبكري حسن صالح ! كل الذين زاروا هذه المناطق المحسوبة على الشمال السياسي وصلتهم القناعة إلي ما خلصنا إليه. أوليس مايستدعى المزايدة!!؟ على الشعب المهمش التوحد والنضال ضد من همشهم.
الصراع الديني ( الإسلام – الكفر ) هو الزج بالدين في السياسة ، أو استغلاله لمنافع واهية واهنه ... إذ يتم الاستقطاب إليه بشكل منظم ومخطط ، وليست هذه الصراعات جديدة على الانسانيه فهي تذكرنا بالخلاف بين الكنيسة والدولة في أوربا عند العصور الوسطى وأحداث سقيفة بن ساعدة حين اختلف الناس في أمر الخلافة ، الأنصار والمهاجرون لدرجة أن المجموعة التي كان يقودها الصحابي الجليل سعد بن عبادة رفضت دفع الزكاة لسيدنا أبوبكر رضي الله عنه ، ولولا ان الداء اقعد سعد ونشوب خلاف الأوس والخزرج لقامت حرب ضروس بينهم ( انظر انساب الأشراف البلازري ، الجزء الأول ، الصفحة 583/ لطائف الإشارات لفنون القراءات ، الصفحة26/ أسد الغابة في معرفة الصحابة ، الجرزي ، الصفحات 872- 982، المجلد الثاني). لقد نقلت إلينا الطغمة هذا الصراع بالحرف الواحد وبحذافيره إذ تم تصنيفنا إلي معسكر الحق (وهم الطغمة الحاكمة في الخرطوم) وآخر بمعسكر الباطل ( وهم الذين أدرجوا مخالفة الطغمة وسياسيتها على الدوام ) إن الطغمة نفسها غير مقتنعة انه ثمة مشكلة ، ولكنها مضطرة لاستخدام الدين مطية للوصول إلي الوصول ولتجد من يدافع عنها – ولإدراكها إن الشعب السوداني ميال إلي القيم الدينية . ومايؤلمنا صراحة هو أن نفر من جيلينا أجبر لرفع شعارات دفاعاً عن العقيدة وكأنما هنالك ثمة مشكلو أصلاً بين المسليمن والنصارى من أهل الكتاب!. والأغرب في الأمر انه فوجوا للجهاد في جبال النوبة والنيل الأزرق التي يدين اغلب سكانها بالإسلام ،فأي جهاد هذا ضد تيلك المنطقتين المسلمتين؟؟!!. المشكلة إذاً واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار وهي بكل تواضع تتمحور في أربعة محاور: المشكلة السياسية والاقتصادية والاتماعية والثقافية ، ولما كانت لا تسمح لنا المساحة ،فاننا ندعوكم إلي متابعة هذا المقال مستقبلا إذ إننا سندلل على ماذهبنا إليه من رأي . أخيراً على القلة الشجاعة من الشعب السوداني التي اختارت المشي في هذا الطريق الوعر والتي تصر على حمل مشاعل التنوير مهما كلفها حياتهم ، والذين يؤمنون بأن الفجر حتما سوف يطلع مهما طال الظلام أو طال أمد الطواغيت الحاكمة ، وعليها الصبر...
نواصل.... ين ماثيو شول.
10-01-2007, 02:12 PM
معتز تروتسكى
معتز تروتسكى
تاريخ التسجيل: 01-14-2004
مجموع المشاركات: 9839
حين تضيق الارض بي دائما ما اجد نفسى محاط بهذه الهالة من الاصدقاء اطوف فى كتاباتهم وكيفية تفكيرهم ، وكم ساعتها ابدو سعيدا بانى انتمى لجيل منه هؤلاء بقدر اختلافنا او اتفاقنا ، لكن كل الذي يجعنى لا استطيع ان اخرج من دائرة هولاء الشباب باننى لن اكون خسران ولن اخرج خسران ابدا فانا مستفيد مستفيد....شباب بدرجة مفكرين اقل مايمكن ان يوصف بهم. فكنت اقول لهم سر وجهرا ان النيل لم يعد يحمل الماء الازرق فقط ولا الليل الازرق فقط ؛ انه يحمل الينا اقنعة الحياة والجمال بكل قوتها الوجدانيه البيضـــــاء.. وان تبقى الفكرة فى مكان المدينة فتاة تتمهل النزول على الشط تتلفح بعبق التاريخ فاردتا زراعيها نحونا ؛ ونحن نركض معها ؛ لكن الديار هى التى تستبق الجميع حتى تعذرت رؤيتها بغير الفكره المخصصه للاتقان ؛ مثلما استعصت مواكبتها فى الافق الذى يحتويها بتلقائية هى اقل مايمكن ان يقال عنها ... تلقائية .. وكذلك هم ايضا..
ميسون النجومي محمد حسبو سامي صلاح قصي مجدي سليم مازن مصطفى قصي همرور ايزبيلا ين ماثيو مجدى الجزولي التعايشي هشام ادم احمد النشادر سارة محمد حسبو حسين يوسف احمد سحر عبدالرحمن عصام أبو القاسم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة