|
( عَبقْ البقيع ) للشاعر عالم عباس : فتحٌ في المديح النبوي .
|
( عَبقْ البقيع ) للشاعر عالم عباس : فتحٌ في المديح النبوي
إنها فتحٌ في شِعر المديح النبوي . يقولون لا نعرف أنفُسنا ، ولا نعرف شُعراءنا وهم يرتقون المَجد في العلا و إلى القمم . بسلاسة يقودون اللغة وقد استعصت على الأعاجم والمُستعربين والمستشرقين من فخامة قاموسها وفتنة جرسها وهو يراوح جوَّالاً بين الأمصار والأرياف والبوادي والحَضر. جَلَستْ اللغة عندهم وتشكلت بساتينها ، وتقاطر الندى يلعق أكمام وردها .كل الذي تعوّد الناس عليه تجده يجاور الغريب بلا نشاز. غطس الحصى في الرمل وتشققت الحجارة و نَبع الينابيع يصيحُ تَفَجُراً :
هُنا السنابل مُذهبة الألوان بقمحها ترقُص من فرحٍ فمنْ يصنعُ لنا اليوم وليمة ؟
دعانا الشاعر ( عالِم عباس ) لرحلة صفاء لفحته نسائمها وهو على راحلة مأمون سرجها ، معروف مآلها . تهتز هيَّ ثم تستقر أنى تشاء . الشهر كان شهر صوم منذ عامٍ مضى . على مزامير الزمن الماضي طرِب النبي داؤود وأطْرَب. في الماضي الوسيط لبِس الشعر لغة الموسيقى وشاحاً وأسفرت المعاني عن الجِيد المُرصع بالنعيم . قيثارة الزمن الماضي طوت الشعر في حضنها، ومن الصدور خرج هو صداحاً من ثِقل أحمال الوجدان و دفق العواطف .
في دروب السيرة النبوية وقفات مع الشعر ونحن نقول بخلاف ما يُعْرَف : أبلغ الشِعر أصدقه محبةً . ذاك كعب بن زهير بن أبي سلمى، شققنا صدره وأنطقناه فقال:
عبرتُ الفيافي ورياح سمُوم الصحارى مُتلثِماً لا تعرفني المضارب . تشتمّ الذئاب ريحي فتعوي ،وأنا في غرق إلهامي أفقتُ مُستبشراً عند مجلس العُلا ، حيثُ النبي وأصحابه . طرقتُ وأُذن لي ودخلت مُتلثماً أطلب الأمان فأمِنت. استقبلتني الطلعة النورانية ،ولو كنت رأيتها من قبل لنعُمت بالإسلام دينا ، وبمحمد بهي المراتب خير صحُبة في الدُنا ، وبإشراق محبته نوراً و هادياً . بدأتُ أنشد :
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ .. مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إذْ رَحَلُوا .. إلّا أَغَنّ غَضِيضُ الطّرْفِ مَكْحُولُ هَيْفَاءُ مُقْبِلَةٌ عَجْزَاءُ مُدْبِـرَةٌ .. لَا يُشْتَكَى قِصَرٌ مِنْهَا وَلَا طُولُ تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذَا ابْتَسَمَتْ .. كَأَنّهُ مَنْهَلٌ بِالرّوْحِ مَعْلُولُ شُجّتْ بِذِي شَيَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ .. صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ
.........................................................
ثم اتكأتُ على مِسند الشِعر حتى دنوت :
إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ .. مُهَنّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ مَسْلُولُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ .. بِبَطْنِ مَكّةَ لَمّا أَسْلَمُوا زُولُوا زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشَفٌ .. عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ ......................................................
وما أن بلغت : إن الرسول لنور يستضاءُ به ... ، حتى نهضتْ النفس الباهرة من مجلسها ، وخلع النبيُ الأكرم عليَّ بُردته وألبَسَنِيها عفوا وسماحاً، فسُميتْ قصيدتي من ساعتها : البُردة . للتاريخ رنينٌ يأتيك من حفريات الزمن الماضي . أسفار أبطاله كُتبت بمحبة وأحرُف من نورِ أفعالهم . ( عبق البقيع ) : بوح من الطيب يأتيك من مراقد من استحلبوا الحليب من ضُروع العُسرة . نصروا الرسالة فخَلُدتْ ، وأغدق ربُهم على أرواحهم المنَّ والسلوى .
جاء الشاعر ( عالم عباس ) و مشت عينيه فسيح المكان بأرض البقيع . ومن عَبقه سرى وجدانه بقشعريرة أنبتت لطائفها شِعراً . طرق المصطفى باب محبته الواجِدة ومن سُحبه المُكتَنـِزة أمطر. فكَّت خاطرة الشِعر ضفائرها عند مجلسه وتبخترت لُغة باهرة في المديح النبوي هزت عُروش ممالك الشِعر القديم وفاحت رياحينها. و بُردة النبي ، ومن عبق مِسك صاحبها الأصيل تمايلت أعطافها نشوى حين كتب الشاعر :
عبق البقيع مِنْ نحْوِ طابَةَ كُلُّ الريحِ ريحُ صَبَا ... وكلُّ نَشْرِ خُزاماهَا زَهَا و رَبَا و رَفّ في الضوءِ مِنْ عطرٍ يَضُوعُ بِه.. عِطْراً مضيئاً كَأنْفاس الرُّبَى رَطِبَا كُلُّ النواضِرِ منْ زهرائِها انْكَسفَتْ... كل البدور توارَى نورُهَا و خََبا فذا العقيقُ عقيقٌ من سَنَا شُهُبٍ.. منْ مَِّنةِ الله، قدْ أعْطى وقد وهبا فالتُّرْبُ مِْسكٌ ومن عَبَقِِ البَّقيعِ نَدَىً ... و النخلُ يَرْشَحُ طِيباً من أريجِ قُبَا سما بروحيَ مِنْ ريحانها سببٌ... إلى المعارج لَمَّا عَزَّ مُنْسَرَبَا هنا الأرضُ من نفحاتِ الله عابقةٌ ... هنا السماواتُ قَدْ مَدَّتْ لنا طُنُبَا تسري السكينةُ في أوصالنا بَرَدا ... ويخفقُ القلبُ من جّرائِها خَبَبَا .....................................
أو حين يقول :
صَلّى عليكَ إلَهِي قَدْرَ ما وسِعْت ... آيُ الكتابِ معانٍ أثْقَلَتْ كُتُبَا يا ربِّ صَلِّ على المحبوبِ سيِّدِنَا... كما تكونُ صلاة، غَيْدَقَاً سَكِبَا سَحّاً سَكُوباً، دوَاماً دُلَّحَاً غَدِقَاً... غَيْثَاً غِيَاثَاً، مديداً، دَيْمَةً سُحُبَا ..........................
للقلب أن يطرُق الأضلُعِ من فرحٍ فهُنالكَ من ضاقت نفسه وما وسعتها رغوة كؤوس الصفاء وقد طفحت شعراً ، عميقة جذوره في بطون الأمم . لله درُك أيها الشاعر الذي رقصت أنجُمه مُتلألئة في سماء العتمة وهو المُتيمُ جالس في طيب الثرى ، نَحَرَ الفؤادَ فَعَظُمتْ الذبائح في بهو البقيع الذي تَعرُشه السماء وتَفرُش بساطه الأرض ، وإنك لنازعتَ كعباً بُردته .
عبدالله الشقليني 17/05/2007 م
(عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 09-07-2007, 03:47 AM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ( عَبقْ البقيع ) للشاعر عالم عباس : فتحٌ في المديح النبوي . (Re: يوسف ادريس)
|
أستاذنا العزيز عبدالله الشقليني
تحياتي و تصوم و تفطر على خير
لا أستغرب أبدا أن يخرج هذا الكنز المكنوز من شاعر مفوه مثل عالم عباس .. فعالمنا عالم .. عالمٌ ببواطن سحر الكلم .. لله دره
Quote: صَلّى عليكَ إلَهِي قَدْرَ ما وسِعْت ... آيُ الكتابِ معانٍ أثْقَلَتْ كُتُبَا يا ربِّ صَلِّ على المحبوبِ سيِّدِنَا... كما تكونُ صلاة، غَيْدَقَاً سَكِبَا سَحّاً سَكُوباً، دوَاماً دُلَّحَاً غَدِقَاً... غَيْثَاً غِيَاثَاً، مديداً، دَيْمَةً سُحُبَا |
دون مبالغة .. تستحق أن توضع ضمن افضل الشعر في مدح المصطفى
دمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( عَبقْ البقيع ) للشاعر عالم عباس : فتحٌ في المديح النبوي . (Re: يوسف ادريس)
|
العزيز يوسف إدريس تحية طيبة لك ، والحق إن المديح النبوي بوابة للمباحث ، ولم تفرغ بعد . لم ينهل منها علم الفلكلور ولم يدرس كيف تصنع الإنسانية الكثير من بُهار الخيال الجامع وهو يلامس السيرة النبوية وسيرة صحاب الرسول فيضيفون عليها من محبتهم شعراً ساحر الأغصان مُضيء الثمر . ها هو شاعرنا : ( عالم عباس محمد نور ) وهو الآن بالمملكة ، وميسور تجواله تلك الرحاب التي غطى الأثر فيها بالمُقدسات ففرش الشِعر بُساطه الحالم . شكراً لك أن تطوفتَ علينا في دوحة هي من أيام رمضان أكرِم به من مُضيف .
| |
|
|
|
|
|
|
|