قبل أن أبدأ : مفتاح القراءة هُنا عصير صفاء ، أتمنى أن تمنحه الدُنيا للقُراء الكرام ليمنحوني رأيهم من بعد القراءة ، فقد تخيرت الشخوص واللُغة المُكثفة والمعاني المُنفتحة إلى عوالم لا حُدود لها . ولمن لم يجد لذلك من سبيل ، فقد نثر ودّه علينا إذ أطلّ علينا وأحسسناه رقماً شاركنا إنسانية التواصل ، فله منا الشُكر ولأمثاله جزيل التقدير .
ثم أبدأ : عبدالله الشقليني 12/2/2006 م
02-12-2006, 05:42 AM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
قُلت لنفسي هذه أرض الله واسعة ، والطقس من بعد أترِبة هَجَد ، سأتمَشى فالوقت قُرب العصر وفي نفسي أغراض أبتغيها . تَجمّعت قطرات المَارَّة في الطريق العام . تشتت ألوان بشرتهم : كَبِديَّة سمراء داكِنة أو سوداء أو بينَ بين . تنوعت أرديتهم : بيضاء أو خَمرية أو أشتات لا يجمعهنَّ جامع ! . ترى أنتَ في صفحة أخرى ألواناً زاهية البريق ، تلتَف على الفارعات من نساء الجنوب ، والقَدُّ رطيب بفعل ميراث قديم .
شيخٌ فَزِعت عيناه من شهوة عقله الباطِن بُرهة ، ثم ارتدَّ راجعاً وصرخ :
ـ الكاسيات العاريات !
قُلت لنفسي :
ـ أي المدائن أنتِ يا خُرطُوم ! . تَمُدين فُسحة التندُر بين الفاقة والغنى ، والدِّين الصريح ، وتناقضات عالم لا نعرف كيف تَرتَبت سَكناته . عقارب الكون العجول تدور بأشواكها الوردية ، تخاف أنتَ قِطافها . تنظُر .. وترقب :
رفَعتُ الجَفنين عن بلور عَينيَّ ، فأفزعني مشهد الكون البشري وقد تحَلَّق حولها وهي تسير . أعناقنا مجدُولة ، مَشدودة ، مبهورة بالمشهد الخلاّق .ماسحات الضوء تفعل فِعلها ، و الكائنات تنقل الحُلم النبيل ، من ضاحية الطريق إلى العقول ، وهي تسير لا تعبأ !.
لا ندري أي عُقاب رفرف بجناحيه من فوق رؤوسنا حتى سكرنا !.
قالت ذاكرتي :
ـ خُذ من الصور المُخزَّنة يا رَجُل .. ، هي لكَ في ثوان . انظُر قُرص وجهها و قُل لي ماذا ترى ؟
قُلت :
ـ جمال أرستقراطي.. يرفَعه عُنق بديع عن الكتفين .
( أطلس يرفع كُرة أرضية ) ! .. قفز فجأة في ماء عينيَّ ، فضحِكَتْ الذاكرة من شَرَك التداخل والعَبث معي .
احتجبت الدُنيا .. فجأة : حلوّها ومُرّها وآنية الحِجارة وقَسر لؤم الحاجة ، وأهداف الزيارة وتوقيتها الغريب . قَطَعَت نظرتي لتلك السيدة كُل صلتي بما مضى من عُمري . أفاق إنسان قديم من قاع ذاكرة كثفتها القرون . ركبت رُوحُه جَسدي فَرساً . كسا الشَعر بشرتي وتحدثت الغرائز .اتسعت خَطاي على الطريق . أرقب المشهد الكوني والنفس تمور بالرغائب . أصبحت الآن كائناً آخر دون إرادتي . علت أنفاسي وصخبها يضجُّ في صدري . مراجل من حولي تمور بأنفاسها . نظرت .. فكُل رفاق الجندر الغالب على صورتي كانوا يتخلَّقون ! .
أفقت من هول الذهول على صوت ريفيّ بأعلى صوته يزأر :
ـ وَجَعْ !
راقبت وجهه : دهشة الطفولة في تقاطيع وجه رجولي .. و فرَح غامر!. محبته لها من أول نظرة فاحت ، وبرق الاشتهاء من عينيه ذا لون عجيب ! ، ثم احتجب . فالدُنيا فسيحة بالأغراب ، زَجَره الخُلق الموروث ألا يبوح ، .. وباح من فوق كل الحواجز والقيود !.
الأعناق من حولي عجائن من صلصال ، عادت لقصة خلقها في الكُتب المُقدسة . تلتف مجدُولة بمقوَّد بشري ستين وثلاثمائة درجة أو تزيد ! .
قلت لنفسي :
ـ أي خَبل جندري هذا ! ، أهي السيرة القديمة في مكر الذكور : ( المرأة شيطان ) ! .
انتبهتُ للذاكرة وهي تُحادثني :
ـ أ تذكر قول الشاعر جمَّاع : ـ
نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى إن الحياة بسحرها نغم ونحن لها صدى
قُلت لذاكرتي :
ـ هذا فراق بيني وبينَكِ .. ، فمن يُغفر زلَّتي ؟
لقد فَضَحَتني نفسي .. ، كم كُنت زجاجاً هشَّاً يُكسِره حجر ! . كانت الاستعاذة من الرجيم هي درع جَدِّي ، حين تأخذه الدنيا بمفاتنها ويغلب حيلةً .
1ـ الخلفية : عندما كتبت لشاعرنا فضيلي جمَّاع أن ينثُر لنا قليلاً عن شعره ، رأى أن الكاتب قد أنجز ما أنجز ورفع صحائفه ، وعلى الآخرين والنقاد الحُكم . النقد حرفة لها معاييير ومقاييس وطرائق ضبط من الانفلات ، بل يراه أصحابه فناً و إبداعاً . ينبه الكُتاب للبواطن ، ويُرشد إلى مواضع الضعف والقوة ، ويُبعد التضاريس و يُمهد الطريق أمام القوارب الأدبية أن تعبُر بسلاسة ومُتعة ، أو هو أداة كنسك من الوجود إن كُنت مُقلدِاً أو ضعيف الرؤى . نستثني من ذلك نقد الأهواء فهو يرفع للقمم أو يهبط إلى الأسافل ! .
معظم الكُتاب ( يطيقون ) النقد ، بمعناه اللُغوي : يقبلون النقد بمشقة . يهضمون مقولاته بإعسار ، كمن يبتلع الدواء الحامض الذي ليس من تذوقه بُد .
صديقنا الكاتب الأديب : عثمان حامد سليمان ، ومن خلال ترفقه بما نكتُب بنثر الود وبديع المُلاحظات ، و خطوط كليماته المُبدِعة وحسه الصدوق ، يحثنا دوماً على التجويد و يختبئ هو من وراء أستار الدُنيا زاهداً في تبيان حقه من الإشادة ورعايتنا بحسه الأدبي الناقد ، وملاحظاته الدافئة عند شتاء القحط القارص . لا أعرف كيف أشكره.. غير أن يعلم الأخوة والأخوات هُنا أن وراء ما نكتُب عين ماهرة ترصُد ، وقولاً سديداً ناصحاً يمُدنا هو به عند المٌنعطفات الحادة . له مني أرفع آيات العرفان و التقدير ،وأعلم علم اليقين أنه و بسبب كتابي هذا سيظل مغتَّماً ، لا يهنأ . بل ربما اضطررتُه لأخذ كبسولة فوق المُعتاد لأن رفيقاً يسمونه ( السُكر ) ، بعيد عن حلاوة المِعشر أو لطافة الرفقة قد صاحبه زماناً رغماً عنا جميعاً .
ماذا كان ينصحنا .. مثلاً : يرى ضمن ما يرى أن مُلاحظات الصِحاب ذوي الاهتمام أمضى خطورة من كلمات الترحاب والتزكية . بل لموجّهاتهم حول الفكرة في عمومها ولُغتها أكثر فائدة لمن يُريد لكتاباته أن تتقدم . والكاتب أكثر حاجة من غيره للنقاط العامة أو التذكير بمفاتيح التجويد وظلال التعبير المُبدِع والبيان الفصيح .
للشكر والترحيب والإشادة أيضاً من المُتداخلين الأثر النفسي لتنبيه الكاتب أن رد الفعل الموجب هو إطراء يفرش سجادة ناعمة يمشي الكاتب عليها جاداً في مسيرته رُغم عوائق الإحباط عند المُنعطفات وغير المنظور من المطبات .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة