دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
عبد الرحيم ( الخَضِر ) في دار الخلافــــة المهديـة
|
عبد الرحيم ( الخَضِر ) في دار الخلافة المهدية .
ـ من أي زمان قدمت علينا ؟ . روائحك تحلّق من حولنا منذ سنوات !. أشعث أغبر أنتَ ، تمشي كمن ينحط من صبب . أقدمت أنت من هناك ؟ لمن تركت قرابة النبي موسى ، أهم بخير ؟ أمتّه ، كيف حالها ؟ . كنت رفيق أحلامنا منذ زمان ، يا لسعدنا بك اليوم . أشهدك الآن أمامي عياناً بياناً !. زمان مضى قبل طلَّتك البهية بيننا. من يستطع معك صبراً حتى يتبعك ؟ . أقدمت وحدك إلينا ؟ . أي نعيم أطل علينا هذا اليوم !
بين الدهشة وتعب المَسير ، يأخذ عبد الرحيم نَفَساً عميقاً :
ـ ..............
ـ تعال إلينا فقد حان بمقدمك موعد الغيث وسينتهي عام ( الرَّمادة ) عندنا . تذوَّق معنا فاكهة الصحراء . تُفاحنا جاف نسميه ( الدوم ) ، العنب عندنا جاف أيضاً و نسميه ( النبق ) ، التمر أنت تعرفه . الذبائح تنتظرك لتكبر عندها . نحن أبناء كرام بمقدمك ، لا يحزننا نقص الأنفس والثمرات فهو امتحان لصبرنا . اليوم فرحنا العظيم ، إنك نصير خليفة المهدي هنا . يراك هو في أحلامه وحَضَراته . قويَّت شوكتنا بك ، اليوم أيتها الفرنجة حلّ يوم قتالكم والنصر قادم بإذن الله . صدق المهدي إذ أخبر الخليفة بأنك قادم إلينا ، لتنصرنا على أعدائنا وأعداء الإسلام .
تخيَّر عبدالرحيم الخيار الجَسور فقال :
ـ أنا اعتدت السفر مشياً ، بلغت أرضكم صدفة و إنني اليوم صائم .
وقع رده وقوع الصاعقة . تهللت الأسارير ، فقد صدقت فراسة أحد أهل الحلَّ والعقد في مجلس الخليفة . تبسم قائلاً :
ـ رزقنا المولى بك . تلك بلادنا كما ترى ، نُعرّفك بها . أنت ضيفنا اليوم وكل يوم . الأرض تُزهر بوجودك بيننا . وقت صلاة العصر قد أزف ،لنتوضأ . تعال يا ( دفع الله) ، فعندنا وليٌَ من أولياء الله . جهزو له غرفة الضيافة .
ساعة زمان ، ثم انتظم الجميع خلف إمامة عبدالرحيم لصلاة العصر . ـ احضروا ( محمد ) الطفل الرضيع . سوف يؤذِّن ( الخَضِر ) في أذنه ، ليباركه لنا .
ريح سموم ، تحركت بين العصر وقبيل مغرب الشمس . اعتدل الطقس بعدها . تناول ( عبد الرحيم ) إفطاره عند الغروب مع بعض الصائمين من علية القوم ، وقد تحلَّقوا من حوله يتبرَّكون . يتحين الضيف الغريب محادثة رجل يقف هادئاً قرب باب المضيَفة بزيه المُرقَّع مُمسِكاً رُمحاً . ابتعد عبد الرحيم قليلاً عن مُضيفيه في الزحام وتخير لحظة مناسبة ، وأسرَّ إلى الرجل :
ـ سيدي إنني تائه ، قدمت من سفر بعيد . إنني لست نبي الله ( الخَضِر ) . إن اسمي ( عبد الرحيم ) وقدمت من ( المتَّمة ) . تعجب الرجل ونظره ملياً ، و ردَّ عليه بما يشبه الهمس :
ـ لا تقل شيئا ، ولا تذكر أنك من ( المتَّمة ) . أنت قدمت من أرض بيننا وبين أهلها ود مفقود . الجهاد صديق الموت ، والروح الصاعدة الى الملكوت لا ترجع ثانية إلى هذه الفانية . تذرّع بالصبر ، ولا تذكر اسم موطِنك ، فانه يجلب المتاعب عليك وعلينا جميعاً .
ـ أرجوك دلني ، من هذا الرجل الذي كان يُرحب بي ؟
ـ إنه من خاصة الخليفة ، رؤوف و مُحب . لسانه يقطر عطراً ، وروحه نـزَّاعة للخير المُطلق . ـ الآن كيف الخلاص ؟ . لدي أقرباء يسكنون ( حِلة الشيخ حمد ) ، كيف الوصول إليهم ؟ .
ـ أنت لا تشبه أهلنا هنا ، وصورتك أقرب الى ما وصفوه لنا من الحكاوي عن ( الخَضِر ) عليه السلام . من أنت ومن قومك ؟.
ـ أنا عبدالرحيم إبراهيم الغطاس . يقولون أهلنا خليط من الأشراف والجعليين والمَحس والعركيين . لا أعرف كيف تصاهروا ، نحن من أحباب الله .
ـ الا تؤمن بالمهدي وخليفته ؟ .
ـ لا أعرف كثير شيء عن المهدية غير بعض الأخبار ، معظمها عن الحرب والقتال .
ـ يبدو لي مما أرى إنك من المتصوفة .
ـ نعم ، إنني من أحبابهم .
ـ المحبة وحدها لا تكفي . إنني أحفظ أحد منشورات الخليفة عن ظهر قلب . اسمع الآن مقطعاً من أحداها فهي تهمك ، فعينك مُبصِرة وسمعك جلي وقلبك يعرف : { ....وخليفة الإمام المهدي عليه السلام المثابة لأنه وارث مقامه الأعلى ، فهو أخبره بذلك فلا تسوغ مخالفته ، كيف وهو باب الحقيقة ومركز دايرة الطريقة ! فكل الأولياء من الإنس والجن أحياء وأمواتاً تحت حكمه . وفضلاً عن ( التيجاني ) فان الشيخ (عبد القادر الجيلاني ) الذي هو سلطان الأولياء سابقاً ما هو إلا كالعوام في جنب أصحاب الإمام عليه السلام ، فأين له أن يتبع بعد هذا ! }
توقف حديثه قليلاً ونظر ليرى أثر ما قرأ في وجه عبدالرحيم ، ثم تابع : ـ
ـ أقرأ لك مقطعاً آخر :
{ …وقد نص صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام بدء غريباً وأنه سيعود كما بدأ و إن الله تعالى يختم هذا الدين بمن يؤيده من أهل بيته صلى الله عليه وسلم وعنيَّ بذلك المهدي . وكما هو نائبه صريحاً في غير ما خبر وأخبر إن من كذبه أو شكّ في مهديته فقد كفر وماله غنيمة للمسلمين ودمه هدار . }
ـ لا اله إلا الله محمداً رسول الله !.
ـ المهدية والخلافة أمر لا يشك فيهما أحد هُنا ! .
ـ القلب وما يهوى ، اللهم اغفر لي ويسِّر أمري .
ـ نعم للقلب أن يهوى ، لكن مقامك هنا لا أراه يطول .
ـ إنني الآن قد عرفت ما يجري هنا فما المخرج ؟ .
ـ حيرتني يا بُنيَّ ، ...إنني قد أحببتك لوجه الله ، فوجهك وجه سَكينة وصلاح ، وليس بمقدوري غير نُصحَك .
ـ ما الذي تراه ؟ . إنني أسترجي نقاء سريرتك وعزة الدِّين في ظاهرك .أرجوك ابحث لي عن مخرج .
ـ إن عرفوا حقيقتك هُنا فمصيرك مصير ( من غَشَّنا ليس منا ) .
ـ أترى الموت ينتظرني ؟ . يقول أصدق القائلين صلى المولى عليه وسلَّم : ( كل المُسلِم على المُسلم حرام ) .
ـ صدق خير خلق الله وصدق خبرك عنه . إني قلق عليك ، فلدينا هُنا بدعة جديدة في تنفيذ عقوبة الموت ، أستجلبها بعض القادمين إلينا من مملكة بعيدة في السودان الغربي ، إنها ( التَطويب ) .
ـ وما ( التَطويب ) ؟
ـ يتم تقييد اليدين والرجلين . ويبنون حول المحكوم عليه ( بالطين ) . يستكملون البناء قُبةً حتى تكتمل قمتها وتغلق عليه . ( يختنق المحكوم ) ويصبرون عليه ثلاثة أيام بلياليها ، ثم يكسرون قبة ( الطين ) ويخرجونه ميتاً للدفن .
ـ يا إلهي ! . ما ادعيت لأحد إني عبد من عباد الله الصالحين ، ولم أقل إني قد أوتيت عِلماً !
ـ الأعمار بيد الله فهو صاحب الزمان والمكان ، لكني سوف أنظر في نجدتك ما تيسر لي .
ـ إن مصيري بين يديك ، وما يُقدّره المولى فإني أرضاه حامداً شاكراً .
تفكر الرجل ملياً ثم ربَّتَ على كتِف عبدالرحيم وقال :
ـ ستكون ضيف الخليفة اليوم ولن تُفارقه . مجلسه هو مكانك هذا المساء والجميع قد عرفوك بنبي الله ( الخَضِر ) . نصيحتي لكَ : انصت قدر الإمكان ، واقتضب عند الإجابة . أسأل قدر ما تستطيع عن عادات أهل البلد ، فمن يسأل يُشغِل مُحدثيه بالإجابة ولا ينتبهوا . خير طريق إلى دار أقربائك هو أن تتعذر بقيام الليل مع الذكر . قراءة الأوراد مع المسير ليلاً من بعد صلاة العِشاء رياضة للبدن والروح ، كما هي سُنة من سُنن ( الشيخ فَرح ) طيب الله ثراه . عند شاطئ النيل الغربي قُرب الأحراش ، ليس المسير ببعيد . ارفع صوتك بالذِكر ، ستسمع صوتاً يُردد ( يا باسط يا كريم ) . اقترب منه فستجدني معك إن شاء الله . لديَّ قارب صغير يرسو دوماً على الشاطئ ، سنعبر به إلى جزيرة توتي ، ثم نتخطاها سيراً على الأقدام من غربها الى شرقها ثم أودِّعكَ . يوجد هناك رافد ضحل من النيل ، تخوضه مخاضة لتدخل أنت غابة ( الصُنُط) . تعبُر بعد ذلك أرضاً وعرة بها من الهوام ما يعترضك فكُن ذاكراً بحق ، فان للأذكار حصانتها للمرء . ستصل ( حلة الشيخ حَمد ) وتلقى أهلك بإذن الله .
تبسم عبدالرحيم وانتعشت روحه :
ـ ( شيخنا ) ، نعمت بمعرفتك و ما عرفت اسمك ؟ ـ أنا عمَّك ( الأصم ) .
ـ أسال مولاي أن يمدك بالصحة و العافية ويجزيك من نعمه الموعودة .
ـ تمسك بذكر الله فموكب خليفة المهدي في الطريق ..
تُسمَع أصوت من بعيد :
ـ الله أكبر ولله الحَمد .. الله أكبر ولله الحَمد ..
دنا موكب خليفة المهدي وسط التكبير والتهليل وترجَّل الخليفة عن فرسه . تم استقبال عبدالرحيم استقبال الفاتحين . تفرَّس الخليفة في ملامحه كثيراً ثم أخذه بالأحضان . تحرك الموكب سيراً على الأقدام إلى مجلس الخليفة وسط الزحام و التهليل والتكبير . انتظم المجلس وأُجلِس عبدالرحيم إلى يمين الخليفة وعينا سيد القوم لا تُفارقه. إلى اليسار جلس الأمير يعقوب...
مضى المساء بطيئاً قبل صلاة العِشاء . أمَّ عبدالرحيم الصلاة في مسجد الخليفة . امتلأت الساحة عن آخرها وسط التكبير والتهليل . من بعد الصلاة التزم عبدالرحيم بتعليمات الشيخ ( الأصم ) ينفذها بحذافيرها . تخيَّر الزمان المُناسب واستأذن لخَلوة الذِكر .
التقى الشيخ ( الأصم ) بعبدالرحيم من بعد صلاة العشاء . وعند الضفة الغربية لنهر النيل . بدأت الرحلة بالقارب . خلال الإسراء لم تنقطع الأدعية : ( لا اله الا الله وسبحان الله والحمد لله ) ، حتى وصولهما ( الخُور ) الذي يفصل (جزيرة توتي ) عن حِلَّتي الشيخ حمد ود أم مريوم والشيخ خوجلي . ودَّعه الشيخ ( الأصم ) ، ودعى له بالتوفيق ، وسأله دعوات شيخ السجادة .
قبيل صلاة الفجر وجد ( عبد الرحيم ) أنه قرب أطراف القرية ، قصد المسجد في المسيد . صلى شكراً لله من بعد تحية المسجد ، والتقى عمه ( أُمحمد ) وجدّه ( الغَطَّاس ) بعد الصلاة ، وكاد الأخير أن يبكي من الفرح . عند مسكن الأسرة استقبلتهم ( حَبُّوبة صَبيحة ) جدّته ، وزغردت فرحة بوصوله سالماً .
إغتسل ( عبدالرحيم ) ثم استطعم . جلس يحادث جده تحت ( الراكوبة ) حتى تملكه النعاس ، وبعدها نام نوماً عميقاً .
قبل الظهيرة و من بعد ذبيحة ( كرامة الوصول سالماً ) ، تناول الجميع الإفطار بحضور بعض الجيران . عند العصر جلس الى جدَّه الغطَّاس يتجاذبا أطراف الحديث : ـ
ـ بعد أن قصصت عليك الهروب العظيم ، ما هي حكاوي البقعة يا جدي ؟
ـ جمع الخليفة المنشورات وطبعها في مطبعة الحجر في كُتيبات . وجرت أمور كثيرة وفتنة غلبت الأنصار و ( الجهادية ) ، حسمها السيف البتار . فقد قتل ( صالح الكباشي ) زعيم ( الكبابيش ) وقتل (المرضي أبوروف ) ومن معه في البقعة . وضُربت حركة الأمير يوسف ود السلطان إبراهيم في دار فور . قُتل ( مادبو) زعيم ( الرزيقات ) ، ويقولون كان فارساً استقبل الموت ضاحكاً . نكل الخليفة أيضاً ( بالشكرية ) و( البطاحين ) .
ـ لا اله إلا الله محمد رسول الله !
ـ قالوا في ( القلابات ) ظهر نبي الله عيسى !
ـ القيامة أظنها قرَّبتْ ! .
ـ أهو الناس بتقول كلام ، نحنا ما عارفين الأكيدة . ـ صحي النُسوان ممنوعين يمشوا السوق .
ـ الضرب مية سوط للشابة الحايمة في السوق . يستعجب ، ثم يسأل :
ـ قالوا يا جدي عندك منشورات الفتاوى . بالصِح في كلام فتوى عن الدِّلكة ؟ يبحث الجَّد في ( الجُراب ) على جانب مرقده ، ثم يقلب مجلداً عتيقاً ويقرأ منه : ـ ـ أقرأ لك الآن بعض مما أفتى به الإمام المهدي :
بسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم . .... الثالثة الدِّلكة ، تُعمَل من العيش ويعركوا بها الجسد ، هل الاستعمال ممنوع أم لا ؟ الجواب : إن استعمال الدِّلكة وعَركها بالجسد لأجل راحة البدن واستعمال البدن في طاعة الله يجوز ، قال الله تعالى : " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " ..... }
ـ الجلوس معك يا جدّي متعة ، فلديك كل أخبار الدنيا .
ـ يا بُني وجودك معنا هذه الأيام نعمة من نعم الله عزّ وجّل . لقد رزقك المولى عمراً جديداً . سوف ترجع ( المتَّمة ) باذن الله عن طريق ( حلفايا المُلوك ) غانماً ، وإن رغبت العيش معنا زوجناك إحدى بنات عمك بديلاً عن زوجكَ ( صافية ) عليها رحمة الله و ( الحوَّاشة ) فيها رزقَك ورِزق أعمامَك ورزقنا جميعاً .
تبسم الجّد وقال :
ـ تستحِق يا بُنيَّ أن نُلقبك ( عبد الرحيم الخَضِر ) ، تيمناً بسير الأولياء .
ـ جدّي .. أستحلفك بالله أن تزودني بزادك الذي علمتنيه من تراث شيخنا طيب الله ثراه .
ـ أعرف تعلقك بسير الأولياء وأحباب الله .
ـ أحكي لي من أحسن القصص .
يصلح الجَّد مجلسه ويبدأ :
ـ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أكرم المرسلين ....
انتهى النص .
ــــــــ ( قص من الخيال مُستَوحى من سِفر ( منشورات المهدية ) الذي حققه الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم )
عبد الله الشقليني 12/07/2004
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الرحيم ( الخَضِر ) في دار الخلافــــة المهديـة (Re: عبدالله الشقليني)
|
عزيزنا عصام تحية وكثير احترامي لك
بمدخلك المُحبب ، وحواسَّك قد تهيأت .. ثم انتهى القص ! . عسير أن أنتـزع نفسي من شواغل الدُنيا . لقد كانت المقاربة بين تلك الشخوص ، وتخير تفرُدها طوراً ثم خفاء طبائعها في ذلك الظرف التاريخي مدعاة لقلق بحق . أن نصنع من التاريخ عَباءة فضفاضة للقص يحتاج الكثير من الجُهد والتفرغ ، والدُنيا من حولنا لن تسمح لنا في راهننا المُتعسف إلا القليل . ربما يحفل المُستقبل بأن يمضى النص إلى رواية . واجهني صراع في تخير اللُغة ، بمعانيها الفاردة ، لكن الأجواء التي تجول من حولها النص تحتاج الحفر ثم النحت . انتظر النص عامين كما ترى .. قلت التتمة لها زمن ، ماذا لو بدأنا به . شكراً لك ، فمفاتن تعليقك ثرية بالرغائب الخفية ، ولم يزل أملي أن أحقق لك بعض الرجاء ..مستقبلاً إن تيسر .
عبدالله الشقليني 16/04/2006 م
| |
|
|
|
|
|
|
|