محمد الأمين يصدح بزاد الشجون ، من نفائس الشاعر فضل الله محمد.
لفافة حنين في زمن تحترق النفس من ضيق ما بها . الدنيا مطلع ثمانينات القرن الماضي ، كريح لولبية . تزحف الكائنات من حولنا ببطء والدُنيا تُسرِع الخُطى . على سرير الراحة والاستشفاء في بدء المساء ذات يوم كنت هناك . يدخلان عليَّ :
هي كزهرة تتلوى بلا عِظام تفوح من حولها روائح الطفولة المنطلقة . هو بوسامته وبسمته يُورق بلُطف . متأنق يُمسك يديّ ، سرت مودته إلى القلب فنبض بشدة . هنالك مقعدان لم ينتبها إليهما لأن سرير مرقدي إلى نفسيهما كان أقرب . في الباحة جلسا جواري ، يُمنة ويُسرى . كأنني في قارب ملائكي ، يحملاه آلهتا الجمال والمحبة .
الليل ودود .. نسمة يانعة ونشوة تسري في العِظام . وددت لهذا اليوم أن يمتد ليأخذ من مُقبل أيامي ، ويفرحنا الليلة . هذه الليلة كحُلم العبقري .. لا تُشبه أيامي .إنه أشبه بعِيدٍ فرِحت به السماوات ، حين أحضر هُو الوصلات الكهربائية . من مأخذٍ في داخل غرفة الضيوف مدّ حبال الاتصال .على منضدة صغيرة جَلست آلة التسجيل بيننا . قبل البدء تحلَّقا حولي ، وأنا في وَهني ومن حولي نضارٌ صارخ ومحبة للكون ترفُل في حُلل المجدالذي لا تعرفه الدنيا من حولنا تلك الأيام :
صداقة تنضح إلفة ومحبة وتُفسح للأرواح الحالمةأن تطوف من حولنا : بدأت المُقدمة الموسيقية لزاد الشجون لفنان السودان و الموسيقار الرائع ( محمد الأمين ) :
كأنك خارج من محبس سنوات سِجنٍ طويل أنت فيه المظلوم ، ونزلت إلى مسبحٍ ، ماؤه من النيل العذب وقد نقَّته سُبل الحضارة من دنس الكائنات غير المنظورة . اليوم تغطس يا ( مانديلا ) العَصر ، قادم أنتَ من الكهف الأسود ثم إلى الشمس المُشرِقة .
بدأت مياه الموسيقى تُغسل البشرة من تعب العُمر . ينفتح الوجدان مُتصالحاً مع الدنيا أن العالم مهما قست أحجاره ، فنباته الأخضر دوماً يبث إكسير الحياة ويتألق الوجدان متلوناً . رغوة تخرج من دفق المشاعر . تآلفت كائنات الطرب الداخلي وسط فرحة غامرة . برهة ثم تحِس خيطاً رفيعاً من حُزن تسلل من بين ثنايا النص الشعري . علمت من بعد أن النص ظلَّ في خلوة الموسيقار الفنان (محمد الأمين ) عدة سنوات ، قبل أن ترى الأغنية النور . ظل في معبده الموسيقي يقرأ النص حرفاً حرفا ، كلمة إثر كلمة ، وبيتاً إثر بيت . كانت حزمة مشاعر غريبة التكوين ، يأبى النص الموسيقي الإحاطة بها . انتظر الفنان الرائع رنين الخواطر ، بين يديه عُود أوتاره تآخت مع أوتار الجيتار فتخلَّقت خُلاسية نغمية متفردة . لا تعرف وأنت بين سحر الكلمات و عمق الحس الموسيقي ، أأنت في حضرة الفرح أم أنتَ مُعلق بمشجب الأحزان ، أم أنك مسحور بنص شاعر كذوب أمسك بخيوط دُنياك يُراقص أحلامك . قرأ مرآتك ورأى جسدك عارياً من كل زيف . عَرِف الفجوات المظلمة في عوالمك العاشقة حين تعثرت الخُطى ، فبدت الدنيا تبسط من جنانها المورقة ويتساقط الورق الأصفر هُنا و هُناك وقد انتهى عُمره .
من شفاه تكاد تبوح بالمحبة ، لكنها تقف في منتصف الطريق . تصمت الكائنات كلها تنتظر . الفراشات مُعلقة بأجنحتها في الهواء كأنها صور ضوئية . النسمة تكلست و تساقطت شُهب الذكريات ، والخيال معلق بين بحار العيون المتلألئة و شفاه ترِف حيرى .كانت عيناها تقول :
ـ لولاك يا عبد الله ما أقبلت الدُنيا عليَّ من بعد فقدك من جديد . لا أعرف كيف أرد لك هذا العرفان النبيل ؟ .
قالت بفرح جمَّل وجنتيها :
ـ اسمع هذه الأغنية فيها من صفاء النفس ، واختلاط الأشياء ، وعمق الإحساس الكثير ..نُهديها لكَ اليوم .
انكفأ الماضي ، كقدر به كنوز العصر الخرافي القديم . أهي الأيام تورق من جديد ؟ . أهي الدنيا تنـزعك من كُرسي العِشق وصولجانه ، وتهبط بكَ إلى طرقات العامة ؟. أهي الدنيا تلُفكَ في خصر راقصة تذوب حُسنا ؟ . أهي الدنيا تُبيعك الأنجم ليلاً ويُشرق عليك الصباح .. كلام الليل يمحوه العِشق المُغادر ؟. هزتني دروب أغنية ( زاد الشجون ) وحواريها ، وأتعبني النص ولم يزل :
{ ما افتكرت الحظ يساعد عمري يورق من جديد من بعد فرقتنا ديك مين كان بيفتكرك تعود .. كنتَ بحتاج ليك بشدَّة وإنتَ عني بعيد ما في عِيشة بلاكْ بِتبقى }
أما أنا .. فقد حصل و السلام .. رجعت بي الذاكرة إلى سكناى في لندن في Apple Brook و هذه الأغنية تموسق أيامي في مدينة الضباب .. بالأمس سمعت الأغنية في برنامج تلفزيوني فغامت الغرفة بما حوت و أحتوت و لم أر غير أيامي تلك و لم أسمع غير ود الأمين و هو يغوص في الكلمات و تغوص الكلمات في لحنه .. ياااااااااااااااااااااااااااااااااه .. دمت يا أستاذ
10-14-2005, 06:26 AM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
لك الود والتحية كان تاريخاً للقلوب النضرة قد فرد أجنحته، حين كان للوجدان سلطان مطلق على مسلك المُحبين . جلس الرائع محمد الأمين جلسة عابد ، ونسج لنا سجادة فارهة النقش
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة