|
الشريف حسين الهندي : نذر من تاريخه . ( نعيد الملف بعد اختفائه من بعد التخريب )
|
وُلد الشريف حسين الهندي في العام الذي استشهد فيه طليعة 1924 م من العسكريين السودانيين بعد أن خذلتهم القوات المصرية وغادرت لمصر . وُلد في بيت الهندي الطائفة الثالثة من بعد الأنصار والختمية . تلقى علوم القرآن في " خلوة " جده لأمه " ود الخير " . درس الأولية في سنجة والوسطى بمدني وثانوية فيكتوريا في الإسكندرية ثم أكمل في كلية غردون التذكارية . كانت رعاية تعليمه الجامعي بواسطة صديق والده السيد عبد الرحمن المهدي . له صداقة ممتدة بالسيد الهادي المهدي وكان يصغره بعدة سنوات ، مثله درس الهادي المهدي في ثانوية فيكتوريا بالإسكندرية ، وأكمل في كلية غردون التذكارية من بعد غيوم الحرب العالمية الثانية.ِعمل بالتجارة و انتقل للمشروعات الزراعية بحلة كوكو وسوبا والجزيرة .
كان عضو برلمان منتخب قبل انقلاب عبود في 1958 م. كان حزبه الوسط ، وهو من أطلق شعار " لا قداسة مع السياسة " إذ كان يدعو للطائفة أن تنأى عن السياسة المباشرة ، رغم أنه تربى في أسرة طائفية الأصل والهوى وظلّ في ساحة النضال لإعادة الديمقراطية لبلاده ، حتى قيام ثورة أكتوبر الشعبية، التي أطاحت بالحكم العسكري الأول (نظام الفريق إبراهيم عبّود) عام 1964م. . ثم تبوَّأ للمرة الأولى وزارة الري ، ثم بعدها تولَّى وزارة المالية فالحكومات المحلية ، ومرة أخرى وزارة المالية. كان اتحاديا ولكنه أيضاً من الذين سعوا لتكوين الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي توحد بموجبه الحزب الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في الستينات ، حيث صار الأزهري بعدها رئيساً للحزب وشيخ على عبد الرحمن نائبه والشريف حسين الهندي الثالث في القيادة .
كان واسع الإطلاع وله اهتمامات ثقافية وكان لصيق الصلة في شبابه بندوة العقاد ومجلس طه حسين أيام دراسته بمصر . نشأت بينه وبين الرئيس عبد الناصر مودة وصلات إذ كان هو من قادة مؤتمر القمة العربي بالخرطوم الذي نصر مصر من بعد هزيمة 1967 م والتي اشتُهرت بقمة اللاءات الثلاثة . كان هو الثالث ضمن ممثلي السودان مع الأزهري والمحجوب ، وكان له دور بارز في صلح الرئيس عبد الناصر والملك فيصل آل سعود بعد خصومة امتدت سنوات.
اشتهر بالذكاء السياسي وإن غلبته أهواء الآخرين والصراعات الحزبية ، ومنها ما تم من تجاوز للدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان بعد حادثة ندوة معهد المعلمين في الستينات . احتمى بالجزيرة " أبا " من بعد فراره من الاعتقال بعد نجاح انقلاب (25) مايو 1969 م ، ومن بعد معركة الجزيرة أبا أوائل العام 1970 م المشهورة انتقل عبر الحدود لأثيوبيا ومنها خارج السودان . كان قوياً مصادماً من أجل الديمقراطية.
كان الشريف حسين الهندي ذكياً نابها ، ودوداً ، كريماً و متواضعاً ، و شديد الحفاوة بالناس ، قريب لقلوب البُسطاء . صاحب أيادٍ ممدودة من يسره على الآخرين من طلاب العلم في مصر والمملكة المتحدة أيام منفاه . كان يقول في وجه من ينعتونه بالتبذير "نحن قوم لسنا للمال بمخازن.. ولكنا محطاته". كان مهندساً لغزوة الجبهة الوطنية في 1976 م التي احتلت الحركة فيها بقيادة محمد نور سعد العاصمة لمدة ثلاثة أيام قاومت فيها الحكم العسكري الثاني في السودان وهي الحركة التي اصطُلح على تسميتها ( الغزو الليبي ) .
من بعد لقاء السيد الصادق المهدي بالنميري في 1977 م ببور تسودان وإعلان المصالحة ، توجس الهندي كثيراً من النظام العسكري وكانت رؤاه الديمقراطية هي الحل ويتعين ذهاب العسكر. روج كثيراً لحزبه الاتحادي الديمقراطي كحزب وسط ، ضد غلو اليمين واليسار . حاول قادة مايو استمالته للعودة للوطن من بعد سنوات المصالحة الأولى ، ولكن شروطه كانت عصية على الذين كسروا شوكة المعارضة بتوقيع اتفاق هش . ظل يتنقل في المنافي ويشرف على مراكز المعارضين خارج السودان إلى أن لقي ربه فجأة في يناير 1882 م.
برحيله تخلخل تيار الوسطية الاتحادية داخل الاتحادي الديمقراطي ، ولونته من بعد طائفة الختمية وصار السيد محمد عثمان الميرغني راع لطائفة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي . جاء اليوم الذي يستحق أمثال الهندي سرد سيرتهم الذاتية فهم جسد من تاريخ الوطن يتعين أن ينال حظه من المباحث .لم يجد الراحل الشريف حسين الهندي القدر اللازم من الضوء على حياته وسيرته وهو علم يستحق الوقفة لمعرفة تاريخه وتاريخ تكوين حزبه وتحالفاته السابقة لوصل تاريخ الحاضر بالماضي ، فقد كان الراحل وإن اختلف الكثيرون حوله: قوي العبارة سديد الرأي ، نبيل الخصومة .
*
|
|
|
|
|
|