في أمسية الأربعاء 29/06/2005 م وفي النادي الاجتماعي الثقافي السوداني بأبوظبي ، كُنا معه . لن يستعذب الفراق أحد . كأن السماء تُمطر سواداً . رطوبة الصيف وحِراك بعض الهواء لن تُجنبنا فاجعة أن الأديب المخضرم مكي أبو قرجة سيغادر صحبتنا إلى وطنه طائراً مثل طيور الريح في جوف العتامير كما أشعر صديقنا الدكتور مبارك بشير منذ زمـان . في النادي السوداني بأبوظبي برحابته الديمقراطية ، ورابطة الأمدرمانيين ، والرفاق والأصدقاء وزملائه في صحيفة الاتحاد الإماراتية ولفيف من أصدقاء العُمر ،و بعجلتنا في صُنع الأشياء وعفوية المشاعر حضرنا . تغيب من كانت قيود دُنياه أكبر من القدرة على فك قلائد الأسر . الأديب مكي أبوقرجة يودِّع أبو ظبي عائداً لحُضن الوطن ، وتقاطعت التواريخ ، سيعود وجهه النضير لسودانه الذي يُحب . على عجل كتبتُ قبل ساعة من الحفاوة كلمات لن تفي بمحبتنا له ، فهي زاد المُتَعجِّل قبل عواصف الفراق . وقفت متلعثماً وقلـت :
حبيبنا الأديب مكي أبوقرجة . لك ألف تحية وألف سلام ، وللحضور كثير سلامي ومودتي . ما تعودتُ الخِطاب في الجمهرة ، لكن ظني أن الغمامَ هُنا أكثفُ ، يمكنه أن يُغطي هنات النُطق عند التَعجُل . تقاطعت الخواطر ، وعلمنا أن أحضان التلاقي وملامسة ندي حُضُورَ وَردك الودود بيننا ، ربما لن يكون مُيسراً كما نُحب . ربما يفتقد المرء خَرَزةً ضاويةً في سلسلة عِقدٍ جَمعته إلفهٌ ومَودّة . صَحِبَتْك نجوع الوطنِ في الذاكرة كقلمٍ صاحٍ أرّقَهُ البُعاد ، فَحمَّلت قَلمك قلبَك النابض .كان منهاجُك دليلاً يَسلُكه من يحب وطنه ، ويرغبُ أن يُرفده من ثمرات الوفاء . كتبتَ أنتَ منذ ريعان الصبا ولم تزل ، ونشأ القلمُ رفيقكَ واستعذب هو تلك الرِفقة . أنت في عُمر الشجرِ الباسق ، عندما يُلقي الثمار اليانعات من تلقاء نفسه ، للجوعى ولغيرهم . نحن أحوَّج للجلوس قرب مائدتك الثقافية لننهلْ . لكن .. لوَطنك أيادٍ فارعة وسماواتٍ حَبلى ، ستحتضن من أوفى وأنت منهم ، ولا قُدرة لأحضاننا مهما اتسعَتْ أن تُزمِلَك مثل وطنك . لقد أحسنت إذ صبرت ولم تمَلّ محبة الثقافة ، جمرها وحلاوتها وبنات أفكارها تحملها على الكتِف . وجدناك الآن إلى سفرَ ، وكما قال الشاعر دَرويش كلما آخيت عاصمةً ... ، نحن نقول ترميك بالمحبة . صدق شاعرنا الراحل إدريس محمد جمّاع حين أنشد : أمة للمجدِ والمجدُ لهـــا وثَبَتْ تَنشُدُ مُستَقْبَلَها رَوِّ نَفسي من حديثٍ خالدٍ كُلما غَنتْ به أثمَلَهـا مِن هَوى السودانِ مِن آماله مِن كِفاح نَاره أشعَلها
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة