ونظرتُ إلى موقعها في المكان. كان خاليا هذه المرة تملؤه الوحشة والسكون وشيء مقبض آخر حزين أشبه بالأسى والشعور بالضياع في بلاد بعيدة. لكنها عصر هذا اليوم تراءت لي من وراء نافذة الصالة الزجاجية الواسعة للحظة ببشرتها الحليبية البيضاء الصافية كروح لا جسد لها. آنئذ فقط أدركت مدى لوعة ذلك الفراغ الذي أحدثه فراقها المُبكِر في نفسي.
03-10-2010, 09:56 AM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
كان الولدان الصغيران قد اعتادا على وجودها في حياتنا كشيء دائم وخالد. هذا الصباح، حين خرجت إلى صحبتها، ناديتهما باسميهما، وطلبت منهما أن يلقيا عليها تحية الوداع، لكأن أمرا عاديا يحدث. واصلا ركضهما المرح السعيد داخل صالة المعيشة. لكنني توقفت عند عتبة باب الخروج الداخلية قليلا. أستعيد صدى انجليزيتهما الوليدة "مع السلامة، نراك لاحقا". ناديتهما مرة أخرى، قائلا "هذا لن يحدث". هذه المرة، كفا عن اللعب تماما، نظرا إليها في صمت، ولوحا بيديهما الصغيرتين في اتجاهها، قبل أن يقولا بتسليم كمَن فهم "وداعا". وكاد هذا أن يقتلني. كنت أدرك مدى مكانتها الأليفة عندهما.
03-10-2010, 10:01 AM
عبداللطيف خليل محمد على عبداللطيف خليل محمد على
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3552
حين عدت ظهرا من غيرها، أخذ ابني الكبير يتأمل في مكانها الخالي، تلفه حيرة وذهول وتساؤل، اقتربتُ من وقفته أعلى منضدة القهوة الخشبية الموضوعة لسلامتهما عند أحد الأركان، وهمست في أذنه بصوت خفيض "لن نراها مرة أخرى". آنذاك، التفت نحوي بعينين حزينتين مديرا ظهره للنافذة الزجاجية وعانقني في صمت مطهم بعزاء طفولي غامض.
03-10-2010, 10:22 AM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
لدى عربة أنوي والله نية صادقة بيعها منذ أكثر من خمس سنوات وكلما أهم بعمل إعلان بيعها يستجد في حياتنا ما يجعلنا نؤجل المشروع.. ( لغاية نهاية ترخيص هذا العام ) كما نبرر دوماً للنفس
أخيراً قالتها زوجتي
" العربية دي ما هاينة عليها عشرتنا ، نحنا زاااتو ما هاينة علينا عشرتها ، خلينا مع بعض لحدي ما يقضى الله أمراً كان مفعولا "
المهم
أنا مقتنع بكلام المدام ولكن
" من يقنع الأنجال ؟؟؟
03-10-2010, 11:34 AM
الطيب رحمه قريمان الطيب رحمه قريمان
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 12377
لو لم تقل هي ( عربة ) لقلنا بالطبع كائن يمشي على قدمين و لكن الأسلوب يؤكد بأن ( الأشياء ) يمكن أن تصب الحميمية في الوجدان تماما كبني البشر و يمكن أن تنشأ علاقة من نوع ما بين الإنسان و الجماد أو الإنسان و المكان
تسلم
03-10-2010, 11:49 AM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
عبد الحميد حبيبي لك المودة يا اخي نحن عندنا علاقة مع الأشياء بصورة فريدة وبنتميز باشياء كثيرة اعتقد ان لنا عاطفة غير العاطفة الفي قلوب شعوب الدنيا ياخي نحن عندناكل حاجة ليها حياة كاملة وذكريات ونخصص ليها ركن ونقول عليها ـ الكرور ـ في راس الراكوبة في مخزن في زاوية من البيت المهم ما نرميها خارج حياتنا كتابة جميلة ومشوقة واسرة وانا لو كنت في مكان ابنك الجميل برضو بعمل كده لانو العربية دي عندو معاها ذكريات وخلي بالك بكون كتير بتكلم معاها وعندهم ونسة خاصة جدا عشان كده هي هي
03-10-2010, 12:34 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
Quote: " العربية دي ما هاينة عليها عشرتنا ، نحنا زاااتو ما هاينة علينا عشرتها ، خلينا مع بعض لحدي ما يقضى الله أمراً كان مفعولا "
عاطف أخي:
تعرف أحيانا القرار بعمل شيء ما ساهل لكن التنفيذ مسألة صعبة. من أكتر من أسبوع عملنا إعلانات في الصحف وبعض مواقع الانترنت المختصة. وبقينا في حمى الرد على التلفونات وناس تمشي وناس تجي. المسألة زي الكابوس. إلى أن جا اليوم الخايفين منو. وبمناسبة العشرة كنت أسكن لبعض الوقت مع بعض الزملاء في الزقازيق أيام الجامعة قبل 15 سنة تقريبا. وحدث إنو كان هناك مشط أصفر أشبه بفرشاة الشعر على ظهره رسم لعين. هذا المشط ظل يرافقني وإلى الآن عبر كل تلك السنوات. حين أنظر إليه يتفتح أمامي عالم كامل من الذكريات. تحية متجددة.
03-10-2010, 01:20 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
Quote: أنت عارفة يا بخيتة ... أنا أخدت لى عربية ... !!!!
أخي أبا رزان الطيب رحمة:
أسعد الله أيامك والأسرة الكريمة بكل خير. تعرف الجملة الفوق دي غنية جدا بالدلالات. تصلح مادة لمبحث كامل في الثقافة العربية الإسلامية. حقا "اللغة بيت العالم". لكم أشتاق إلى ذلك العالم البسيط. في المقابل، كنت في "وينبيك" أشعر بشيء غريب خلال الليالي الجليدية العاصفة تجاه أعمدة الكهرباء والسيارات. كنت أشعر في مثل تلك الأوقات كما لو أن تلك المخلوقات الحديدية تئن من شدة البرد وهي قابعة في العراء على ذلك النحو المحزن.
03-10-2010, 01:33 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
صديقنا المشترك عادل حسن إبراهيم، عادل رز، ما قمت بكتابته هنا، لا يقارن بعلاقته العميقة مع الأشياء، أذكر مرة في شقته المشتركة مع علاء الدين ودالهند في القاهرة، أنه كشف لي عن درجة علاقته معي كصديق من عملة قلما تجدها هذه الأيام. لقد بدا لي الأمر في البداية وهو يسحب تلك الشنطة إلى البلكونة كما لو أنه على أعتاب صلاة خاصة. بعدها أخذ يخرج تذكارات من الهند. كان ينظر إليها بعطف ويتلمسها بأصابع غنية بالحنان. وهو يسرد تاريخ وملابسات كل شيء مثل قطعة موسيقية على أسطوانة تبدأ أنت عندها فقط تشعر بشيء مقدس يسري عبر نبراته إلى قلبك فإذا العالم في قمة تناقضاته مكان صالح للعيش برعاية المحبة، أوكل هذا الغنى الإنساني الشفيف..
03-10-2010, 01:27 PM
عمران حسن صالح عمران حسن صالح
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 10159
ليكـ حق يا برنس .. ياخي ديل نحن ما شفناهم إلا بعد شفنــا بلاد بره .. وجينا عملنا فيها من يومنا بتاعين عربــات .. الواحد يشتري ليهو (قرمبع) بي 5 ألف ريال ويقبض ليكـ فيها بي يدينو وكرعينو .. وهاكـ يا البشكير القديم والمسِيح كل صباح ومحبة مبالغة .. وكان ساكت همر 2010 هبشته نقعد نولول ( وا عربتاه ) .. الولف حقنــا فايت الحد ياخي .. حتى على الحديد بنوالف
03-10-2010, 02:57 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
تعرف، يا ميسرة، واحدة من كتاب حكم الزمن (اشتري ما تبيع)، عشان كدا الجقلبة حاصلة، وعلى سكة العشرة، الواحد معاكم في بوست العائلات لغاية الحسين ومجدي عوض السيد، بس الزول بقى من لحظة عادل الجعلي يخاف من الدخول بلا رصيد كافي من دموع الحنين، غايتو مفروض منى تكتب على البوست عبارة تحذير (ممنوع دخول أصحاب القلوب الرهيفة)، مع أن الغربة خلت الناس كلها قلوبا رهيفة، تحياتي أخي لك وللأسرة وتقبلوا خالص تحياتنا.
03-10-2010, 03:15 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
Quote: و لكن الأسلوب يؤكد بأن ( الأشياء ) يمكن أن تصب الحميمية في الوجدان تماما كبني البشر و يمكن أن تنشأ علاقة من نوع ما بين الإنسان و الجماد أو الإنسان و المكان
أبا جهينة:
حيّاك الله أخي المبدع..
تأكيد كلامك، لنا جارة (خواجية) عجوز هنا، كان عندها كديسة سوداء، لعلها أول كديسة تظهر لمحمد وأنيس في الوجود، لقد أصابهما هنا ولع الناس بالحيوانات الأليفة، حتى أنني أخشى أن يذهبا إلى السودان ويبدآ في معاملة الكلاب بنفس الثقة أوالرقة التي درجا عليها هنا، أنا أعرف كلابنا جيدا، ليس لها القدرة على مقاومة عض اليد الممدودة إليها بمحبة. المهم حدث وأن اختفت كديسة العجوز السوداء. فكان كلما شعرت بي أخرج للتدخين خارج البيت تبادر وتسألني إن كنت قد رأيت كديسة سوداء. طبعا، أبا جهينة، وخاصة في المرة الأولى، أخذت سؤال المرأة العجوز بجدية، بل ورحت أوكد لها أن ما حدث أمر جلل، معربا عن عميق أسفي وخالص أمنياتي القلبية لعودة المحبوبة، لعلي كنت أحاول نفي التهمة المطلة من عينيها في كل مرة (هل أنت بصراحة يا سيدي من آكلي الكدايس)؟. لا بد أنها حزينة، ولا تزال.
03-10-2010, 05:27 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
Quote: ياخي نحن عندناكل حاجة ليها حياة كاملة وذكريات ونخصص ليها ركن ونقول عليها ـ الكرور ـ في راس الراكوبة في مخزن في زاوية من البيت المهم ما نرميها خارج حياتنا
السني العزيز:
وأنا صغير، كنت أحس بوجود حاجات غامضة في بيتنا، ما عندها قيمة عملية محسوسة، مكنة سنجر سوداء معطلة، مقعد خياطة خشبي عال، بقايا مصحف مكتوب بريشة تم وضعها في السابق بين أصابع ماهرة داخل علبة معدنية مستديرة. شوية شوية، عرفت أنها ترجع إلى المرحوم الخليفة عبدالحميد محمد عثمان خواجة، ّجدّ أمي لأمها. الآن، أفكر في تلك اللحظات التي ظلت تقضيها جدتي لأمي مع تلك الأشياء داخل غرفتها الطينية المعتمة. بعد موتها، بدا وكأن الرابط الحميم المباشر مع تلك الأشياء قد ضعف أويكاد. بدأت صفحات الكتاب المقدس تتسرب من داخل العلبة. المقعد الخشبي اختفى في تفاصيل قصة أخرى. المكنة لم تعد تتمتع بذلك القدر من الرهبة. (لا شيء يتبقى)، لعل ذلك ما أصاب بروست بأرق وجودي عضال فحاول تثبيت الأمر عبر كلمات. لا أدري، العلاقة مع الأشياء أوالمكان أمر أبدع فيه حسين شريف في وقت مبكر من خلال فيلم (انتزاع الكهرمان)، إن لم تخن الذاكرة!.
03-10-2010, 07:18 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
Quote: ياخي ديل نحن ما شفناهم إلا بعد شفنــا بلاد بره ..
والله، يا عمران أخوي، ذكرتني هنا بحاجات كتيرة، منها بيت شهير للعباسي (لو درى القوم بالسودان..)، ومع ذلك، لا تعرف السبب في رحاب كتائب السياسيين، إذ أن أرضنا يغلب عليها السواد لشدة الخصوبة. وأذكر هنا أنني حكيت لواحد صديق جاءنا من سوريا إلى القاهرة عن أول لقاء لي في الثانوي العام بأول تفاحة حقيقية، لقد كان ذلك حدثا فريدا في حياتي بكل المقاييس. وأذكر أنه أخذ يسرد قصة لقائه مع فاكهة لا يعرف اسمها في سوريا. قال الشيء الوحيد الذي (أذكره) لما الواحد يختها في خشم يقنب يضحك. وأقول لك منذ أن غادر العبدلله وطنه ظلّ يأكل في بلاد الآخرين بعينه فقط. هذه سمكة البلطي لكنها صورة منها. لا طعم لها وكأنك تأكل شيئا أقرب إلى الفلين المذاب. لعل السودان لا يزال بعيدا من غزو المخصبات الصناعية والجوانب السلبية للهندسة الوراثية. تحياتي.
03-11-2010, 12:43 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
كان ذلك قبل ولادة ابننا الثاني بيومين. ما إن صعدنا إليها، ورائحة الأشياء الجديدة تفوح منها، حتى بدا العالم في الخارج مختلفا، بل وغنيا بالوعود والإمكانيات المحتملة، فإذا شقاء الماضي مجرد ذكريات بعيدة في عِداد الموتى ولا حنين.
03-11-2010, 01:08 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
في ذلك المساء، كانت مثيرة، وهي تتابع سيرها في دَعـة المدلّ وإبطائه، رقاب الناس تلتفت نحوها من آن لآن، يبتسمون من داخل سياراتهم أحيانا، لعلهم يباركون أولى خطاها على الطريق، وعند تلك الإشارات الحمراء، كانت تستقر على أعينهم للحظة تلك النظرة الساهمة التي تعقب في العادة رؤية الأنثى الجميلة على ضفة لا جسور إليها.
Quote: فإذا شقاء الماضي مجرد ذكريات بعيدة في عِداد الموتى ولا حنين.
أعجبتني ولا حنين دي يا برنس كما ذكرتني تفاحتكـ الأولى تفاحتي الأولى تصدق يا برنس أنا أخدت معاها صورة ، كانت بسوريا وأنا رجل تخطى الثانوي العالي . سيارتكـ دي حا تودينا لي حتتات تانية .
03-11-2010, 11:03 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
على المقعد المجاور، بدت زوجتي بدورها ساهمة، غارقة في صمتها، لا يوقظها شيء من سكينتها، سوى توجسها الخفي من حداثة عهدي بالقيادة، سوى تلك الصيحات من أولئك الغرباء، الذين ظلوا ينبهونني أثناء الطريق بطيبة، قائلين كلما سنحت الفرصة إنها لا تحمل لوحة أرقام تشير إلى هويتها، كان الوقت يسعفني دائما لشكرهم قبالة تلك الإشارات الحمراء المتكررة في تتابع متقارب كما لو أنها نمش على وجه المدينة المليح.
03-14-2010, 01:13 PM
عبد الحميد البرنس عبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114
تعرف، ياالطيب العزيز، أحس من خلال هذا السرد (هي) أنني ماشي في سكة مختلفة من الكتابة قياسا لنصوصي القصصية السابقة، كما في مجموعة (تداعيات في بلاد بعيدة)، أومسودة (من كتاب القاهرة الطيبة)، وهي سكة بدت بصورة مختلفة الملامح من خلال نص (كائن):
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الحميد البرنس
عبداللطيف خليل محمد على
عاطف عمر
الطيب رحمه قريمان
ميسرة سيد أحمد
ابو جهينة
محمد سنى دفع الله
عمران حسن صالح
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست