|
|
 ناجي عبد الله.. الطريق إلى ولاية الشمالية شعارنا لا فساد ولا إفساد .. العدل، الحرية، المحاسبة -
|
رصد عبد الحميد أحمد محمد
المشاهد تتداعى
الليل ولى لن يعود وجاء دورك يا صباح
وسفينة الإيمان سارت لا تبالي بالرياح
إنا إذا رفع السلاح بوجهنا ضج السلاح
وإذا تلعثمت الشفاه تكلمت منا الجراح
يا دربنا يا معبر الأبطال يا درب الفلاح
سوق ليبيا بأم درمان صباح السبت يوم الثالث عشر من نوفمبر (2010).
قسمات الفجر تتهلل.. وتلوح على الأفق الشرقي حمراء قانية. عتمة الليل شفيفة تلملم الأطراف وتأذن بالرحيل حين دهمتها باطشة بودار الإشراق، الرؤية غير مكتملة وحركة المارة ماتزال خفيفة متقطعة على الطرقات. الغلبة في مثل هذا الوقت للمصلين وأصحاب الفجر المشهود وأصحاب القضايا الحقة ريثما يخالطهم الكادحون ومن يتصيدون الرزق الحلال بالبدار والبكور.
من تحت الضباب الذي يلف الشخوص ويحجب التفاصيل الصغيرة كان يخرج (الشعبيون) جماعات جماعات يتلفعون العتمة ويتجمعون هناك يتهيأون (للرمي الناجز) .. يتطلعون صوب أرض الشمال.. يتقدمهم عبد الحفيظ مكي وجميل الله وبكري التليب ومجموعة الشباب الطامح، حين وصل (ناجي عبد الله) بطلعته المهيبة كان العدد قد إكتمل وبدأت "هجرة النور" مرحا.. أشرقي فينا صبحا ذكرينا رجالاً عاشوا في النيرات." في ذلك الصباح سار القوم وسرنا "في موكب من دعاة الحق نتبعه على طريق الهدى إنا وجدناه" وأنشد حادي الأخوان للشهيد النامي: "إنّا شمخنا على الطاغوت في شمم نحن الرجال وهم يا أم أشباه.."
شريان الشمال يجري ممتداً يصعد ويهبط على الوهاد، من شاد هذا الصرح الممرد.؟ كثيرون يدعون وكثر يمنّون. وشيكاً سيخبرك النبأ اليقين رجل من أهل الشمال من عامة الناس، قال: "نحن من فعل. من هنا وفي العام (1985) بدأت اللجنة القومية لطريق شريان الشمال فجمعت من مال السكر ومن أموال المغتربين من أبنائنا ما يبنى عشر طرق مثل الشريان! فلا يمتن علينا أحدهم." كثر المنانون يا أخي وتكاثروا.
الغابة.. المبتدأ:
في بعض الطريق علمنا أن المحطة الأولى لمرشح الوالي عن المؤتمر الشعبي ستكون عند مدينة الغابة هناك يستضيفه (عباس كيجاب) المرشح المستقل بالدائرة (17) المحلية وقد أجمع عليه أهل الغابة وارتضوه ممثلاً لهم. الإستقبال حاراً حميماً وعند اللقاء السياسي قال أهل الغابة مقالتهم: "عقولنا وقلوبنا مفتوحة ونحن على أهبة الإستعداد لندرس البرامج وندرس كذلك الرجال" هكذا قالها (خضر سيد) متحدثاً باسم الأهالي الذين تجمعوا ذلك النهار.
(الغابة) مكان له عشق مركوز في وجدان ناجي عبد الله تذكره هناك أشعث أغبر بين (الردمية) ودروب (أمبي) (مقوي) عبد الله بن المبارك في زمانه:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا.. لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه .. فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل .. فخيولنا يوم الكريه تتعب
هناك (من داخل الغابة) القرية الواقعة شمالاً بمحلية الدبة. استهل حملته الإنتخابية. وعلّق المجاهد الشرس على ذلك لدى مخاطبته حشداً جماهيرياً هو الأكبر من نوعه بتلك الأنحاء قائلاً: "لعله من المصادفات السعيدة أن نأتيكم فنبدأ حملتنا من هنا من (الغابة) وكنا قديماً قد عشقنا الغابة ولم نعشق الفنادق. نأتيكم نحمل تكليفاً لم يكن لنا فيه هوى ولا غاية لأننا نعلم أن هذه المهمة إنما هي أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة.."
منذ الوهلة الأولى يتبين للزائر كم هي مزرية أوضاع الولاية الشمالية التي أقل ما توصف به أنها متردية وبائيسة وقال ناجي عبد الله في لقائه الأول: "أن من أولى أولياته التي جاء يحملها لأهل الشمالية بسط العدالة والمساواة بين جميع الناس لأن الله حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده. وأنه قد آن أوان التغيير وأصبح متاحاً لأهل الشمالية أن يقدموا من يراعي مصالحهم ويحفظ حقوقهم"
ومضى مرشح الشعبي يستعرض برنامجه: "نريد أن نكرم إنسان هذه الولاية وأن نقدم من هنا نموذجاً لكل السودان، أن الناس سواسية لا استعباد ولا فرعونية هكذا كان دستور عمر بن الخطاب الخليفة الراشد..متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً."
ونبه ناجي عبد الله إلى أن السودان أرض ذاخرة بالثروات والخيرات فقط ما ينقصه هو من يدير هذا الثراء بالصدق والإمانة معبراً عن أملهم في أن يعيدوا للبلاد عزتها ووحدتهاعبر تغيير يستأصل بؤر الفساد الذي استشرى وبات مشاعاً تنضح به تقارير المنظمات العالمية المختصة وتقارير شاهد من أهلها (المراجع العام)
مع الشهداء
تلك الدار المفتوحة الأبواب. لا تخالف بيوت القدار في بساطتها وسعتها. دار الشهيد الزبير محمد صالح الرجل الثاني في الإنقاذ لا توحي إليك بأن صاحبها تقلد المناصب الرفيعة والدرجات العلا من الوزراة والقيادة. بدى ناجي عبد الله مفتوناً به وهو يشيد بمجاهداته عندما التقى شقيقه (العمدة) ولدى حديثه بالندوة السياسية بالقدار وصفه بأنه كان "عفيفاً وسامقاً وكان نخلة" وأعتبر الناجي عبد الله الشهيد الزبير قدوة لهم يترسمون خطاه ويسيرون على نهجه لافتاً إلى أن الزبير خرج من هذه الدنيا نظيفاً لم تلوثه الأدران ولم يغتن ولم يتطاول في البنيان."
المسافة غير بعيدة بين الزبير والشهيد عبيد ختم بدوي والشهيد د. محمود شريف هذا بالقدار وهذا بـ (أمنتقو) وذاك بلبب ولكل منهم ذكر وذكرى في قلوب السودانيون ونفوسهم ولهذا فقد شفع الناجي عبد الله زيارته الأولى بزيارة ثانية حيث موطن الشهيد الشيخ عبيد ختم فألتقى بقرية أمنتقو بالشيخ "أحمد ختم بدوي" وفي لبب جزيرة المهدي الإمام وقف حاسراً خاشعاً يذكّر الناس هناك بسيرة ابنهم محمود شريف ثمة مفارقة يقتنصها ناجي من سيرة محمود قال: "أقالوه من إدارة الكهرباء فخرج مجاهداً حتى استشهد. ولك أن تقف على النقلة السالبة في سير اللاحقين الذين ما فات أحدهم حق الترشيح لمناصب الحكم حتى خرج على حزبه "مرشحاً مستقلاً" ناجي وكانه يجد العذر لأولئك يقول: "هذا لأن قيادتهم تؤسس لذلك وهي تعلم على الملأ.. من يريد السلطة فاليركب سفينة المؤتمر الوطني ومن يريد المال فاليركب المؤتمر."
ناوا أرض الأساطير
أعود إليك يا ناوا بلا جاه ولا سلطان
أعود إليك يا ناوا وليس معي سوى أحزان
وحفنة نار .. سوى أشعار.. سوى بعضي.
تلك عودة الشاعر والديبلوماسي ابن ناوا سيد أحمد الحردلو أما ناجي عبد الله فقد جاء إلى ناوا يحمل أحزاناً لا تخطئها العين وتكليفاً ظل يشكو منه طوال رحتله. كان الإعلاميون بالوفد مشغلون طوال الليلة التي قضوها بناوا ينقّبون عن الأقاصيص المرعبة وينبشون تاريخاً من الأساطير التي تنسب إلى أهل المنطقة وربما استبطن بعضهم شيئاً من الرهبة سرعان ما بددها لقاء إيماني بمسجد ناوا أعاد للنفوس سكينتها وطمأنينتها وكشف عن جانب آخر لدى مرشح الشعبي للشمالية، إجادة حديث المنبر والمحراب سواء بسواء إجادته لحديث الساسة والسياسيين.
فيك يا مروي شفت كل عجيب
في مدينة مروي تحدث الشيخ إبراهيم السنوسي الذي كان قد إلتحق بالوفد هناك عن مراحل تطور الحركة الإسلامية وكيف أنها كانت مجموعة صغيرة تطورت إلى حزب كبير ثم إلى دولة وأن القيادة في كل تلك المراحل كانت لدى رجل واحد هو الشيخ حسن عبد الله الترابي الذي إستطاع أن يعبر بالحركة ويقودها عبر كل تلك النقلات النوعية بخبرته وحنكته الفذة.
وعدد السنوسي مجموعة من القيم والمبادئ قال أن الحركة الإسلامية بنيت على أساسها وهي الشورى والعدل وحرية التعبير والإعتقاد التي كانت مكفولة داخل دولة المدينة المنورة ويجد السنوسي أن هذه كافية لأن تتنكر الحركة أو بعض منسوبيها لهذه القيم وتسعى في وأدها وإبطالها بين الناس.
الشيخ السنوسي الذي هو أحد ستة رجال خططوا واعدوا لتغيير الإنقاذ روى كيف وصل (عمر البشير) إلى سدة الحكم رغم أنه لم يكن جزءً أصيلاً من التدبير بل جاء كخيار رابع حين أضطرب الترتيب المعد مسبقاً الذي كان ينبغي أن يتقدم من خلاله ثلاث ضباط من الإسلاميين حالت دون قيادتهم للتغير ظروف شتى لتلقي الأقدار الأمر بين البشير الذي أكد السنوسي أنه لم يكن له أي دور في الإنقاذ منذ بدايتها وحتى ليلة التنفيذ.
وقال السنوسي الذي قاطعته بالهتاف المضاد مجموعة محسوبة على المؤتمر الوطني أثناء حديثه بالندوة السياسية التي أقامها الشعبي بمدينة مروي بإمكانية توحيد صفوف الحركة الإسلامية حال سقوط نظام الإنقاذ وقال: " إذا سقط هذا النظام فإن هذه الوحدة ستكون متاحة وممكنة .. نريد وحدة مع القاعدة الإسلامية العريضة وليس مع الحكام الفاسدين."
ناجي عبد الله شبه أنصار الحزب الحكومي الذين درجوا على إثارة الشغب والفوضى داخل منابره بكفار قريش. الذين حين أعجزهم القرآن تواصوا بالتشويش عليه وقال بعضهم لبعض متواصين فيما بينهم: لا تسمعوا لهذا القرآن, ولا تطيعوه، ولا تنقادوا لأوامره, وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفير والتخليط على محمد إذا قرأ القرآن؛ لعلكم تغلبونه, فيترك القراءة, وننتصر عليه. وهو يقرأ قوله "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"
وشنّ مرشح الشعبي بالشمالية من خلال عدد من المنابر هجوماً ضارياً على من أسماهم علماء السلطان الذين اتهمهم بأنهم قد أحلوا الربا للحاكم بذريعة تمويل مشاريع مثل سد مروي قائلاً أن كل المشاريع التي تم تنفيذها في الشمالية وعلى رأسها سد مروي وكهربائه هي مشاريع منزوعة (البركة) ولذلك فهي متذبذبة وغير مستقرة وغير نافعة محذراً من الوعيد الرباني "فأذنوا بحرب من الله..." عاقداً العزم على السير في طريق الإصلاح والماحسبة وأعتماد منهج ترتيب الأوليات في التنمية إذ لا يستقيم تقديم الطرق والجسور على صحة المواطن وتعليمه وغذائه.
عمر العادل:
ما أشد أعجاب هذا الرجل بـ (عمر القوي العادل) بن الخطاب. يفتأ يذكر سيرته ويستشهد بمواقفه ورحم الله حافظ إبراهيم فقد أسعفه: "يَومَ اِشتَهَت زَوجُهُ الحَلوى فَقالَ لَها / مِن أَينَ لي ثَمَنُ الحَلوى فَأَشريها، لا تَمتَطي شَهَواتِ النَفسِ جامِحَةً/ فَكِسرَةُ الخُبزِ عَن حَلواكِ تَجزيها، ما زادَ عَن قوتِنا فَالمُسلِمونَ بِهِ/ أَولى فَقومي لِبَيتِ المالِ رُدّيها" مقاطع ظل ناجي يهتف بها طوال تطوافه بالشمالية.
وما كنت بجانب (أمري) القرية المهجّرة بمحلية مروي إذ يحدثها ناجي عبد الله في ليلة هادئية عن مكارم الإخلاق التي تجلت في موسى عليه السلام من قبل أن يبعثه الله رسولاً لما وجد بنتى شعيب "فسقا لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إلى من خير فقير" وحتى مقالة بنت النبي "يا أبت استجره إن خير من استأجرت القوي الأمين" العبرة التي كان يسعي خلفها ناجي وهو يكثر الإستشهاد بتلك القصة القرآنية.
أرداون .. أرض الحجر الأسود
قسوة الطبيعة والزمان ملامح ترتسم على الوجوه هناك ظلامات وظلم يئن تحت وطأته ساكن تلك البلاد التي احتسبت عددمن أبنائها شهداء بجريرة مناهضة سد كجبار فأنقلب الجو العام هناك إلى عداء مطلق للسلطة تنبئ به جدران المنازل البسيطة.
"الأرض لنا .. لن نرحل.." وشعارات أخرى أكثر حدة هي الطابع العام هنا في كجبار ومشكيلة وأردوان من قرى النوبيين شمالي السودان الذين تأزم الوضع بينهم وبين الحكومة المركزية في الخرطوم التي تنوي إقامة سدود مائية على النيل من شأنها أن تغرق القرى والتاريخ النوبي العريق.. هذا ما يعتقد الإهالي ويؤمنون به.
شعارات العداء والمناهضة التي تنتشرعلى حوائط المنازل وبين الطرقات في تلك القرى لم تبعثها أو تفرزها الحملات الإنتخابية التي وصلت بندواتها وجلبتها ولياليها السياسية صاخبة إلى تلك الإنحاء. وقال مواطن من إحدى القرى المهددة بالغرق هي (أردوان) التابعة لوحدة فَرّيق الإدارية "نحن هنا مهددون بالغرق ولهذا نرفض السد. أرضنا أرض حضارات ضاربة في القدم فلا ينبغي أن يطمس ذلك التاريخ .. نحن أصحاب تاريخ وكانت لنا دولة عمرها (40) قرن من الزمان ومع ذلك جميع هذه المناطق مهمشة تفتقر لأبسط مقومات الحياة"
وتساءل ناجي عبد الله لدى حديثه هناك: "ما الجدوى من التنمية عندما تكون خصماً على الإنسان.؟ ولمَ تقام المشاريع إن كانت تقوم على جثث أهل المنطقة."
وساق تطمينات لأهل القرى التي يهددها قيام سد كجبار قائلاً: "نحن في الشعبي نستهدف الإنسان بكل برامجنا.. نحن نعتقد أن الإنسان هو أساس التنمية ولذلك لسنا حريصون على ما يهدد بقاءه وكينونته لأن الإنسان هو خليفة الله في الأرض."
خاتمة المطاف
الطواف (الشعبي) الذي نفذه ناجي عبد الله المرشح لموقع الوالي بالشمالية ورافقه خلاله عدد من مرشحي الدوائر القومية والمحلية بالولاية كان ختامه بحاضرة الشمالية (دنقلا) التي شهدت ندوة سياسية كبرى تداعي لها قادة الشعبي وأنصاره من محليات الولاية المختلفة وجاء من قيادة المركز الخبير الإقتصادي حسن ساتي والأستاذ المحامي أبو بكر عبد الرزاق، وبينما تحدث الأول عن الإنهيار الإقتصادي الذي سقط فيه السودان تحدث الثاني فيما تحدث عن مغازي اختيارهم لعبد الله دينق نيال مرشحاً لرئاسة الجمهورية وقال أبو بكر عبد الرازق بدنقلا ذاك المساء: "ليس لدينا عصبية لعرق ولا للون ولا جهة، قدمنا عبد الله دينق لنترفع عن كل العصبيات وقدمناه بقيمه وألتزامه الفكري ولأنه موطأ الأكناف يألف ويؤلف وهو من أكثر منطقة طالتها يد التهميش."
إنقضت الجولة الأولي من طواف الشعبي غير أن الأكيد أنه خلف أصداء في تلك الأصقاع لن تنقضي في القريب القريب.
|
|
  
|
|
|
|
alfadil
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست