|
|
 إتحاد الطلبة ضد الأطباء
|
إتحاد الطلبة ضد الأطباء
د.أحمد الأبوابي
كنت أظن، وإلى زمن قريب أن للسن حكمه، و أن البشر يتطورون عقلياً، من حيث التفكير، و السلوك، كلما كبر سنهم، و تدرجوا، في الحياة، و ساروا، في شعابها.. و لكني بدأت أفقد بعض الاطمئنان لهذا الظن، شيئاً فشيئاً، إلى أن كدت أفقده جملة، أثناء إدارتنا للاجتماع الذي دعونا له في اللجنة الدائمة لنواب الإختصاصيين .. ذلك الاجنماع الذي انفض عبر هرج، و أعمال عنف افتعلها منسوبون لاتحاد الأطباء.. أثبت لي ما حدث في ذاك اليوم أن هناك بعض البشر لا يتطورون .. فأنت إن حاولت أن تحصي ما طرأ فيهم من تغييرات، بعد عشر سنوات من تخرجهم من الجامعة، عدت من مهمتك صفر اليدين، و رددت مع المغني (( نفس الملامح و الشبه )) .. ما من تغيير .. ((ما فيش فايده )) ..
غايتان للإجتماع:
كانت لدينا غايتان، إذ دعونا لهذا الاجتماع، أولاهما أن ننور الإخوة النواب، بمجمل ما جرى في الأسابيع الفائتة، بعد رفعنا للإضراب، بناءاً على اتفاق بيننا، و بين وزارة الصحة .. كنا مدينين لأصحاب الحق أن ننورهم بما تم، و ما لم يتم تنفيذه .. كما أردنا أن نطلعهم على ماجرى بخصوص مذكرتنا التي تم رفعها للسيد رئيس الجمهورية، من أجل تحسين شروط خدمة الأطباء .. الغاية الثانية هي تكوين لجنة تضم كافة قطاعات الأطباء ..
كنا، بالطبع، نعلم أن هناك ثمة اسم نسمع عنه كثيراً : ألا وهو : إتحاد الأطباء .. نعم كنا نسمع إسماً، و لكنا، و الحق يقال، لا نرى جسما ً، و لا فعلاً .. لهذا لم يكن في بالنا كبير اهتمام بهذا الاسم الذي لا جسم له، و لا فعل.. كان بالنسبة لنا كياناً لا نحرص على موالاته، و لا نسعى لمعاداته .. كان أمر الإتحاد، و شأن التعامل معه، شأناً مرجأً، نمسك عنه في اجتماعانتا، كلجنة، لأن أمامنا كان على الدوام ما هو أهم .. و لأن الواقع يستجيب لمن يعملون، فقد انتزعنا من الوزارة اعترافاً بنا كلجنة تمثل جموع نواب الإختصاصيين، و ذلك دون أن نحتاج أن نقول في هذا الإتحاد خيراً، أو شراً .. هو فقط لم يكن موجوداً ضمن أولوياتنا ..
و لكن ما بدأنا نشعر به هو أننا كنا ضمن هواجسه الأولى .. على الأقل، في هذه الفترة القصيرة الماضية .. لقد انشغل الإتحاد بتدبيج البيانات المخذلة لجهودنا، و المضادة لها .. و الحق أننا علمنا أنه قد افترع مكتباً أسموه ((دائرة النواب ))، يضم طبيباً واحداً بدرجة نائب اختصاصي، يبدو أنه قد وجد لنفسه عملاً، يحلل به راتبه، و مخصصاته، ألا وهو السعي لإفشال ما نفعل نحن كلجنة ..كان يرسل الرسائل المخذّلة، و المضللة على الهاتف الجوال، و ينشر البيانات، على الصحف .. ثم يختم يومه بالتوجه إلى خزانة وزارة الصحة، ليصرف ما أفلحت جهودنا في إخراجه من بين فكي وزارة المالية، و يدي وزارة الصحة .. و لكن لأن الحياة لا تعبأ بالخاملين، فإن أي جهد بذلته هذه ((الدائرة)) بنائبها الواحد كانت ترتد عليه، و على الإتحاد خيبة، و فشلاً، و سخطاً من جموع النواب، و من الأطباء عامة .. و إذا بها تدور على صاحبها ((دائرة السوء )) ..
الدعوة لتكوين لجنة أطباء السودان :
بدأنا، و نحن نعالج أوضاع النواب ندرك يوماً بعد يوم، بأننا كي نضطلع بمهمتنا في الدفاع عن قضايا النواب، لا بد لنا من شيء من التنسيق مع الفئات الأخرى من الأطباء .. ذلك لأن النواب، ليسو إلا حلقة من حلقات سلسلة الأطباء، التي لا أمل في صلاح بعضها، دون غيره من الحلقات .. ذلك كان استبصاراً، عملياً، و أخلاقياً في ذات الوقت .. فقد كان يحدونا، و نحن نسعى لأجل واقع أفضل لإخوتنا النواب قول المعري : (( فلا هطلت على، و لا بأرضي ... )) .. و لقد كان يمكن لاتحاد الأطباء، إن كان يحمل غير طبيعته و أجندته الحالية، و كان على رأسه غير من هم الآن، و كان قادته يحملون ذهنية أخرى غير ذهنية (( السادن الغيور))، كان يمكن لهذا الاتحاد أن يكون قبلتنا و للجأنا له .. بل لو كان كما قلت ، لكنا في غنى عن كل ما قمنا به من الأساس، و لتفرغنا لما جئنا لأجله من التحصيل، و التدريب .. و لكن لقد ظل الإتحاد يؤكد لنا المرة تلو الأخرى بأنه ليس فقط جهاز كسيح عن الحركة لأجل مصالح الأطباء، بل، و بأكثر من ذلك، أنه موظف، و بعناية ضد هذه المصالح .. هو اتحاد بين أجهزة الدولة، و بعض الأطباء، ضد جموع الأطباء .. لقد لقينا، نحن كلجنة، من هذا الإتحاد من المكر السيء ما جعلنا، ليس فقط نؤكد على إسقاطه من حساباتنا، بل و جعلنا نشعر بحتمية إيجاد جسم قادر على الدفاع عن حقوق الأطباء و النضال في سبيل المهنة حرصاً على مصالح الأطباء ، و المواطنين على السواء..
من اجل كل ذا جاءت دعوتنا لجموع الأطباء للاجتماع في ميز الأطباء بالخرطوم من أجل تكوين ما اقترحنا له اسماً ((اللجنة التمهيدية لاطباء السودان))..
إجتماع غير مسبوق:
لم يخيب الأطباء ظننا ، فقد تداعوا لاجتماعنا ذاك زرافات و وحداناً ، بحيث ضاقت عنهم ساحة الميز و هي الوسيعة.. لقد كان حشد الأطباء في ذاك اليوم ، أكبر دليل على أن هذا الإتحاد قد فقد بالفعل شرعيته ، و انفض الناس عنه ، ليتركوا أعضاءه لما وظفوا أنفسهم له من الدفاع عن مصالح السلطان، و التحلق حول موائده الدسام ، و السيف مغمد إلا عن حرب يغتنمون فيها دنيا أو جاهاً لدى أولي الصولجان..
لقد لاحظت، و أنا أتهيأ لإلقاء كلمتي كممثل للنواب ، أن هناك ، و جوهاً أعرفها قد أمت اجتماعنا، ضمن الآمين .. كنت على يقين أن هؤلاء القوم ما أتى بهم إحساس بضرورة التغبير ، و لا رغبة في أن يشملهم فضله .. كيف ، و هم كانوا زملائي في جامعة الجزيرة ممن أوقدوا لكل فتنة نارها ، و تولوا من كل عنف كبره.. و هم اليوم من سدنة الإتحاد ، و قادته..
كنت أتوقع، و الحالة هذه سوءاً ، وكيداً .. و لكن لم يدر بخلدي أن هذا المكر هو إثارة العنف .. فتلك كانت في تقديري وسيلة لابد أن القوم قد قضوا منها وطرهم في الجامعة .. توقعت حيلة مبتكرة من هؤلاء الذين كانوا بالأمس ((طلبة )) ، و صاروا اليوم أطباء.. بل ((إختصاصيين )) ..
إتحاد الأطباء مأزق مقدر ، و سلوك منكر..:
إنني، و للأمانة ، في لحظات حياد، أستدعيها كثيرً ، حتى لا أكون من المشتطين ، أستطيع أن أدرك مدى المأزق الذي وجد إخوتنا في الإتحاد أنفسهم فيه .. لجنة للنواب ، تنتزع اعترافاً من الوزارة ، و تنافسهم في كل شأن، حتى صار العضو الممثل للجنة النواب حاضراً في كل اللجان التي انشأتها الوزارة لأجل تحسين أوضاع الأطباء، كلجنة الميزات، و تحسين شروط عمل الأطباء، بل و مقرراً في بعضها.. هذا أمر يمكن للمرء أن يتصور مدى مرارته في حلوق زبانية الإتحاد ، و مدى الحرج الذي سببه لهم في مواجهة من ينتظرون منهم احتكار كل جليل و حقير من شئون الأطباء.. لا غضاضة و الحالة هذه أن يحس قادة الإتحاد بضرورة إيقاف هذه اللجنة (( البعبع)) عند حدها .. فإن يكن الأمر كذلك ، فإن الاستفزاز يكون أشد، و الحرب أشد وطيساً إذا دعت هذه اللجنة الوليدة لتكوين جسم يحل محل الإتحاد ، و يحيلهم دون شك إلى مجاهل النسيان ، ويقضي على بنيانهم الذي بنوه في عقود في لحظة يتيمة.. . هذا و الحق شيء يدعو للخوف، و يستلزم الحركة و الإستدراك..
قادة العنف الطلابي صاروا مبتدعة العنف وسط الأطباء ..
قلت قبل قليل أنني كنت أتوقع من زملائي كيداً.. و قلت في الفقرة السابقة أن هذا الكيد ربما يمكن تفهمه، و التعاطي معه بشكل موضوعي .. لكن ما أحزنني ، و فاجأني ، و أنا الذي أعرفهم ، هو أن هؤلاء القوم، بعد أن جلسوا في سرادقنا أطباء ، و إختصاصيين ، سلكوا حين طار منهم العقل، سلوك صبية الجامعات الذين غرتهم فورة الشباب، و عازتهم الحكمة و نضج الرجال ، فجنحوا إلى حل المعضلات لا بالعقل ، بل بالعضلات ..
لقد كانت مسرحية هزيلة تلك التي افتعلها منسوبو اتحاد الأطباء .. هي هزيلة و مخيبة للآمال ، و داعية لمراجعة نظريات علم النفس التي تقول أن البشر يكبرون ، و يرشدون ، فيختارون في كل عمر من الوسائل ما يلائم الأعمار.. إنني لا أملك إلا أن أعدل مقولتي التي قلتها قبل قليل عن الإتحاد من أنه (اتحاد بين أجهزة الدولة، و بعض الأطباء، ضد جموع الأطباء ..) ..فأضيف أنه (اتحاد الطلبة ضد الأطباء).. هذا مع الاعتذار لكل الطلبة المستنيرين..
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
azz gafar
عزان سعيد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست