محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين هبري

Quote: د. أبوشامة: بلجيكا تطالب بتسليمه والسنغال تحيل القضية للاتحاد الإفريقي مسؤول أمني سابق: السودان دعم هبري لأسباب إقليمية ودولية إعداد: الفاتح عباس بثت هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» مطلع الاسبوع الحالي خبراً مفاده بأن السنغال سوف تعرض تسليم الرئيس التشادي السابق حسين هبري للقضاء البلجيكي على مؤتمر الاتحاد الإفريقي القادم، والذي سوف يعقد بالخرطوم يناير 2006م. وكان نشطاء سياسيون وأهالي ضحايا انتهاكات حقوق إنسان في تشاد قد رفعوا دعاوى قضائية في العاصمة البلجيكية «بروكسل» ضد الرئيس «حسين هبري» واتهموه بارتكاب انتهاكات خطيرة منافية لحقوق الإنسان إبان توليه الحكم في الفترة من 1982م - 1990م. وقد تابع الشارع التشادي قضية تسليم «حسين هبري» للقضاء البلجيكي ومعرفة مصيره والغالبية تواقة لسماع خبر تسليمه، غير ان قضية التسليم هذه قضية شائكة قانونياً ودبلوماسياً، فمنذ نحو خمسة عشر عاماً يعيش «هبري» بالسنغال منعماً بحياة هادئة ووادعة، في الوقت الذي مازال فيه أقارب ضحاياه يعانون حتى اليوم. ويتهم نظام «هبري» بأنه عذب وقتل الآلاف من التشاديين ولهذا بدأت النيابة العامة بالسنغال بالتحقيق في تلك الجرائم قبل خسمة أعوام... ولكن السنغال أقفلت ملف تلك القضية لأنها اعتبرت نفسها غير مختصة بالنظر في تلك الجرائم ولم يستسلم اهالي ضحايا «هبري» وتقدموا للقضاء البلجيكي الذي كان يسمح قبل فترة غير بعيدة بالنظر في جرائم ترتكب ضد الإنسانية حتى وان لم يكن ضحاياها من البلجيك معارضو التسليم «في تشاد والسنغال» يقولون بأن بلجيكا ذاتها كانت إحدى الدول الاستعمارية التي ارتكبت أفظع الجرائم في مستعمراتها الإفريقية «الكونغو» ولذلك فإن تسليم رئيس دولة إفريقية سابق لها يعد ردة إلى عصر الاستعمار، الرئيس السنغالي وجد نفسه في مأزق، فلم يسبق لرئيس إفريقي ان سلم رئيساً إفريقياً آخر للقضاء بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان ، فالطغاة الأفارقة يعيشون في أمان وبدون ملاحقة قضائية، وحتى اليوم لم تنظر المحاكم البلجيكية في قضية كان المتهم فيها رئيس دولة سابق، والغريب في الأمر بأن أنصار «حسين هبري» واثقون من عدم تسليمه للقضاء البلجيكي ويعتبرون هذا مؤامرة غربية. ولمعرفة الأبعاد القانونية لهذه القضية اتصلت بالدكتور الرشيد أبو شامة استاذ القانون الدولي بمعهد الدراسات الدبلوماسية/ جامعة الخرطوم. فقال: قبل إنشاء المحكمة الدولية الجنائية عدلت بعض الدول الأوروبية من قوانينها حتى يتم استيعاب جرائم ارتكبت خارج حدودها، وعلى وجه التحديد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حقوق الإنسان والمثال الحي. هو ما حدث لبونشية ... حكم تشيلي العسكري السابق... عندما جاء في زيارة لبريطانيا في بداية التسعينيات ووجهت محكمة اسبانية اخطاراً للقضاء البريطاني مطالبة بالقبض على «بونشية» والتحقيق معه في جرائم ارتكبها ضد مواطنيه... وبالفعل تم القبض على «بونشيه» وبدأ التحقيق معه ، لكن تصاعدت القضية لاسباب دبلوماسية حتى وصلت الى مجلس اللوردات باعتباره «محكمة عليا» وبضغط مكثف من «كاتشر» رئيسة الوزراء البريطانية يومها والتي كانت تقدر عالياً موقف «بونشية» الداعم لبريطانيا في حربها ضد الأرجنتين «حركة فوكلاند» وانتهى الأمر إلى إصدار قرار بأن «بونشيه» طاعن في السن بالإضافة إلى حالته الصحية المتدهورة وعلى أساس هذا فلا يمكن خضوعه لمحاكمة ومن ثم اعادته بريطانيا الي بلاده. نفس الشئ فعلته بلجيكا.. عندما رفع مواطنون فلسطينيون شكاوى ضد «شارون» نظراً لجرائمه ضد الفلسطينيين بمعسكري صبرا وشاتيلا بلبنان 1982م، ومورست الضغوط الدولية إلى ان الغت بلجيكا هذا القانون «قانون النظر في قضايا ضد الإنسانية» ولكن وبعد اقل من عام من الغائه عادت بلجيكا للتعامل بذات القانون ومن ثم رفع مواطنون تشاديون دعاوي ضد الرئيس «حسين هبري» المقيم بالسنغال، وطلبت بلجيكا في السنغال تسلميها «هبري» لكن الاخيرة اعتذرت بعدم صلاحيتها في النظر في مثل هذه القضايا، ووعدت بلجيكا بأنها سوف ترفع الأمر الى الاتحاد الإفريقي في مؤتمره القادم في يناير بالخرطوم ليقرر في أمر تسليم «هبري».... وحتى نطلع على الدور التاريخي الذي قام به «حسين هبري» في الحياة السياسية التشادية وانعكاس ذلك الدور على السودان وليبيا تحديداً اتصلت بالمقدم «م» حيدر حسن أبشر نائب مدير فرع التنفيذ والمتابعة بجهاز الأمن السابق والمسؤول عن الشؤون الليبية ورئيس جمعية الصداقة السودانية السنغالية الذي أفاد عندما ضمت ليبيا إقليم «أوزو» عام 1978م قامت بإنشاء ودعم بعض التنظيمات والكيانات العسكرية حتى تقف ضد الرئيس «حسين هبري» وكانت معظم هذه الكيانات العسكرية منشقة من الحركة التشادية المعروفة «فرولينا». هذا الوضع العسكري دفع «حسين هبري» إلى تشكيل جيش ضخم بمساعدة ودعم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة إقليم «أوزو» الغني بالزئبق الأحمر واليورانيوم. في عام 1982م استطاع «حسين هبري» إلحاق الهزيمة بالفصائل العسكرية المنشقة عن «فرولينا» المدعومة من ليبيا، هذه الهزيمة دفعت القوات الليبية للخروج من تشاد خاصة بعد مؤتمر لاغوس 78-1979م الإفريقي الخاص بتشاد وقد لعب السودان دوراً هاماً في ذلك المؤتمر بالمطالبة بالانسحاب الليبي من تشاد. وقد دعم السودان على «عهد مايو» حسين هبري لأسباب إقليمية ودولية، حيث ان ليبيا والاتحاد السوفيتي «السابق» كانا يدعمان المعارضة التشادية ضد «هبري» وعملا «ليبيا والاتحاد السوفيتي» على تكوين تنظيمات عسكرية ضد السودان هذا الوضع الإقليمي «السودان، تشاد وليبيا» دفع القوى السياسية الدولية لإتخاذ الأوضاع: ليبيا والاتحاد السوفيتي وبقية دول المعسكر الاشتراكي في مواجهة تشاد «هبري» والذي ساندته الولايات المتحدة وفرنسا وبقية المعسكر الغربي. في مطلع عهد الإنقاذ وتحديداً في العام 1990م تمكن إدريس دبي وبمساعدة سودانية من الإطاحة بحسين هبري مما دفعه لطلب حق اللجوء السياسي بعدد من الدول الإفريقية، حيث وافقت السنغال على منحه حق اللجوء السياسي بأراضيها، ويعيش «هبري» اليوم بالسنغال وقد منحته السلطات السنغالية أرضاً زراعية أقام عليها مشروعا زراعيا ضخما.